الخميس، 6 ديسمبر 2012

سبع الليالى روايةكتب الجزء الاول عام 1984 والجزء الثانى عام 1987 ونشر فى هذه المدونة عام 2009

 رابط للجزء الأول من الرواية:

***http://www.maktoobblog.com/redirectLink.php?link=http%3A%2F%2Fi3.makcdn.com%2FuserFiles%2Fn%2Fa%2Fnagy_elsonbaty%2Foffice%2F1184199217.doc

**

http://nagy-elsonbaty.maktoobblog.com/403124/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%AA%D9%89%D8%B3%D8%A8%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%89/


الجزء الثاني
رابط الجزء الثانى
http://www.maktoobblog.com/redirectLink.php?link=http%3A%2F%2Fi3.makcdn.com%2Fwp-content%2Fblogs.dir%2F827%2Ffiles%2F%2F2009%2F05%2Fd986d8a7d8acd98a-d982d8b5d8b3d8a8d8b9.doc
**
 http://nagy-elsonbaty.maktoobblog.com/1606814/1606814/

من رواية سبع الليالي(الحلقة الأولى )
كتبت في 1987م وكتبت على الحاسب २००९ وهى قبل التصحيحبعد الكتابة على الحاسب فعذرا

هبطت الطائرة ، في أحد مطارات القاهرة ، بحملها من البشر ما بين مصاب ، إصابة جسيمة ، وما بين مصاب إصابات خفيفة ، وكان عرفان من أصحاب الإصابات الخفيفة لكنه ظل طوال الرحلة في دوامة من الأفكار ، أخذت به كل اتجاه وهو لا ينتهي فيما أخذته وهي لا تنتهي فيما أعطته.
الأيام والليالي ، ما بين انخفاض وارتفاع وانخفاض ما بين الريف والحضر والصحراء ، ما بين النهار وما بين الليل ما بين الشركات قائمة وناجحة وبينها الآن وهي تلفظ انفاسها ولم يجد معها فتيلاً ، الأسرة قربها وبعدها والمناجم ومستخرجاتها ، وعمالها وقسوتها وليونتها.
وها هي الآن تقفل أبوا بها ، ولكن عمالها كانوا رجالاً في الدفاع عنها والزود عنها ولم يكن أقل وطنية منهم ، ولكنها التجارة ، ربح وخسارة ، وتحسب ، بالعائد و بالتالف ايضاً ، وتجري مقارنات عديدة لصالح القرار السليم ، وقد لا يكون بأي حال لصالح كلمات عاطفية ، مجردة أو لصالح انفعالات هوجاء ،فالصناعة ومنها التجارة، تحتاج إلى حسابات دقيقة ،من مصادر الإنتاج إلي مصادر الإستهلاك ، وكل هذا يحتاج تمويل ، وهاهي الشركة صاحبة الإمتياز ، ترى أن المنجم لم يعد صالحاُ ولكن العمال لا يرون ذلك وكان ما كان ، ولكن في اللحظة المناسبة.
كان هناك ، إنبلاج ضوء جديد ، قد يبدد الظلمة ، وقد يزيدها ، أكثر ظلمة .
**كان عرفان يحاورنفسه ، في هذه الدوامة ، لقد كان هناك وضع ، في ظل أمين باشا وفي ظل الجوهري باشا ، وغيرهم من سادات هذا الزمان ، واليوم أول خطوة وضع جديد ، ويتذكر عرفان في ماضيه ، ديون الشركة ، وها هي قد تم تصفيتها ، ولكن اللماحية ، فيما تبرع به للجيش من مبالغ ضخمة ، كانت رصيدا له نتيجة لصفقاته مع الجيش ، بصفته المورد الوحيد له أو أحد الموردين الكبار ، كان التبرع في محله تماماً ، لقد حسبها بدقة متناهية ، الضرائب تبتلع كل شىء وهذه المبالغ في ذمة الجيش ، صعب الحصول عليها ، ثم أنها تخصم من دين الضرائب بالكامل ، و الجيش في حالة تسليح ، إذن فالتبرع بها كأنه ضرب عصفورين بحجر واحد تخصم من الضرائب بالكامل وبذلك تتم تسوية الحسابات مع الضرائب ومن ناحية تظهره بمظهر الوطني الغيور علي وطنه وعلي جيشه عماد الأمة ، ومصدر فخرها علي أمد الزمان ، والحق يقال أنه لم يكن بالوطني القح ، ولم يكن أيضاً بالمتخاذل الضعيف ، وإنما هو تركيبة عجيبة من كل العناصر الخيرة والسيئة ، ثم أنها حسبة رياضية بمفاهيم الصناعة والتجارة والحياة.
وهكذا إذن إنشغل عرفان مع نفسه ، في كل هذا الأمر ، وهو لا يعلم من أمر المستقبل شيئا ولا يعلم من أمر حياته المقبله شيئا ولكنه على أى حال لم يكن ليعصى نفسه فيما لاترضاه
ولاهى تعصيه فيما هو يريده ولكنه سيشق على كل وجه طريقه كما شقه من قبل وليدع الأيام
تفعل به ما فعلت من قبل وليسير معها ، يغوص فيها وتحركه ويحاول أن يحركها حتى يحدد طريقه ، ومصلحته ، ومنفعته وبما يلائم هوايات نفسه وكم هي نفس غير لوامة.
** في كافة الأحوال تحلو لما تراه وما تتمناه .. هكذا كان الحوار النفسي العرفاني ، وهو جزء من قليل دار خلال رحلة الطائرة حتى هبطت في أحـد المطارات بالقاهرة.

***************
**كان النهار قد بدأ فى نسج خيوط شمسه ، وكان المطار في حركة دائبه ، والعسكر يملأون المكان والبشر يصدح علي الوجوه كعصفور مغرد ، فوق شجرة ذات رائحة ذكية وكيف لا والناس عاشت ما عاشت ، وهي تحلم بالتغيير وأن يعود خير الوطن للطن ، وأن تبعد تلك الطغمة الفاسدة عن أماكنها.
**المسألة ليست ملكية أم جمهورية ، المسألة أبعد من ذلك وأعمق من هذا ، إنها العدالة ، فإن فقدت فقد النظام أي نظام ولقد أخذت الملكية حظها ، طويلاً منذ محمد علي الكبير ، ولكنها لم تستطع أن تحافظ علي نفسها لأنها فقدت في رحلتها الطويلة ، صفة العدالة ، ولو أخذت بها ، لظلت قابعة ، في حب وفخار ، والناس لكل هذا فرحين .
**أنزل المصابون ونقلوا إلي المستشفيات كل حسب إصابته ، والتخصص المطلوب لعلاجه ، ورافقهم عرفان جميعاً ، حتى إطمأن عليهم ثم عاد إلي شقته ، حيث إستقبله الأولاد مهللون فرحون وهو في حالة وجوم دائم ،لم ينته بترفيه إحدي زوجتيه وقد كانتا علي شوق لهذا اليوم وهذا اللقاء ، ولكن أمام جهام الأمـور ، وصعابها ، تتوارى الرغبات ، بعيداً ، وإن كان هناك من يرى أن قمة الأزمة يفرجها الجنس والخمر والحشيش ، وغير ذلك من الأمـور ، وإذا قلنا عرفان لعرفنا من هو فهو سيد كل هذا ،سيد كل هذا وأستاذه ، كان تفكيره وماذا بعد ؟‍ الآن جد الجد وحان العمل فكل شىء قد ذهب مع الهـواء !!
** إنتقل إلي مكتبه داخل المنزل وأخذ يصفى أوراقه ، ويفكر فيما سيتخذه من خطوات ، وسرعان ما أخذ يدير الحاكي ليسمع موسيقى خفيفة ويفتح المذياع ليسمع مجموعة من الأغنيات الجديدة ، التي تمجد في الثورة نفس المطربين والمطربات وقد لبسوا الثوب الجديد ثوب الثورة ، ونشرة الأخبار ، تأتي بالمقابلات من إستقبالات رجال العهد الجديد لمسئولين سابقين وحاليين ومسئولين أجانب.
**أقفل المذياع ، وإستمرت الموسيقى الخفيفة ، ونادى فريال فأعدت النارجيلة ، وأخذ يشد الأنفاس، ثم إنتهى من كل هذا وأقفل الباب وإبتدأ في الرقص الغربي والشرقي ، والحضرى ، والفلاحي والبدوى كان يفرج عن نفسه ، وجـد أن كل شىء لا يستحق كل هذا الندب وكل هذا الحـزن ،حياة غاص فيها كثيراً وركبها و ركبته ، فلم الحزن ،فإفعلى ياحياة ماشاء لك أن تفعلى،إرفعى وإخفضى ،شدى عزم الرجال وحطميه ، غني وفقر وفقر وغنى ، علقى كل النياشين ، وإخلعيها حينما تشائين !! **أوقف عرفان الرقص والموسيقى ، ثم نهض إلي مكتبه ، مرة أخرى وأدار قرص التليفون... لبيب الأسيوطي .. لا صوت يجيب .. الجوهري باشا .. في العزبة .. يا سيدي !! الأمين باشا في الخارج ياسيدي .. سليمان الموجي .. في الخارج يا سيدي ..!!
************
** إذن عهد جديد ... وجوه جديدة ظهرت .. ووجوه إختفت .. في منازلها أوفى عزبها .أو فى خارج البلاد ..آه يارحلة العمريأأبى وياأمى...كله ذهب .. ومدخراته ... تكفى حتى يتدبر أمره
* نظر عرفان إلي المكتبة .. ووجد هدية مادلين .. مازالت بلفافتها .. في طرد كبير من الكرتون فإنتزع الأغلفة نزعاً ... ظهر العديد من الكتب وأخذ يقرأ .. يا لسحر القراءة !!.. منذ أمد طويل لم يجلس للقراءة ... مثلما جلس اليوم والأيام التالية والأشهر الثلاث اللاتي قضاها في القاهرة ...قراءة مستمرة .. ليلاً ونهارا ... يقطعها ما بين الغذاء .. وشرب النار جيلة .. وشرب الكأس أو الخروج .. إلي بعض البارات التي إعتاد أن يرتادها .. و قد يقابل بعض الزملاء القدامى .. أو قد يستعرض الصحف .. وقد وجد برهان عبد التواب وقد إحتل مكانة أكبر في إحدي الصحف الكبيرة .. ووجد عبير أيضا وقد أخذت مكانها كصحفية. وحسن الستيني .. مازال يكتب في مجلته القديمة .. وفى أحيان اخرى يزورعرفان نادى السيارات .. وقد دخلته عناصر جديدة ... وقد يفض منازعات زوجتيه .. روح الحياة .. و عفارم .. قد يحضر بعض الهدايا البسيطة لأولاده وقد يزور بعض الأقارب .. وقد يزوره بعض الاقارب من الريف ... محملين بالهدايا ... وقد يلعب مع أولاده في الصالة الكبيرة ... وقد إمتد حبل من قماش ما بين أولها وآخرها .. وقطعت المسافة بينهما ... بدراجات بسيطة صغيرة ، وقد يركبها مثل الأطفال ، وقد يركبه أطفاله !! كما يركبون الدراجة أو الحصان أو الحمار أو حيوانات الصحراء ... المحنطة والمحشوة .. بلباب التجنيد ... وغير ذلك من الأمور.
*************
**كان قد أخـذ القرار .. العودة إلي الريف .. وهناك البيت القديم .. ترى مإذا بقى منه؟! .. جدران قديمة متهالكة ... ولكنها تعيش رغم هذه السنين ... يقطن بالدور الأول ، أخوه الذي بقى بالريف ، وإن كان يعمل فني تحليل وهو عبد الرحمن ، وأما الدور الثاني ، فمغلق ، وأما الدور الثالث ، فتشغله أخته ، زوجة عز الرجال.بعدما تهدم منزل زوجها .. القرار إذن ... هـو العودة إلي الريف .. بهذا الحمل من البشر .. وهذا الحمل من القراءات .. كم هائل من المعلومات ... داخل تكوينه ... إن بحر المعلومات ، واسع وكبير ... ليس بحراً ... بل هـو محيط ... والإنسان ... بما يأخذه من هذه المعلومات ... مثلما طفل صغير يلعب بلعبة صغيرة علي شاطىء هذا المحيط هكذا قال نيوتن .. ولكن تركيز عرفان ... كان علي المعلومات التي أتاحتها له.. كتب مادلين .. صاحبة الدير .. علي حافة الصحراء .. يوم كان هناك إستراحة ... و كان هناك منجم .. وكان هناك حواراً طويلاً .. بين الثقافات المصرية ... والثقافات الغربية ... إنها كتب زوجها .. رجل الدين .. الذي مات وتركها .. وكانت هديتها لعرفان ، بحر من المعلومات في شئون الروح ، وفي شئون الجن وفي شئون عالم آخر ، وخلقت من عرفان شخصاً آخر ... غيرما عرفناه .. وما كان هذا خلقاً جديدا ، وإنما كان إظهارا لوجه من وجوه عرفان ، الكثيرة والعديدة ، يكفي أن يلقح فكره بالقراءة وإكتساب المعرفة ، حتى يظهر لنا ، في شكل جديد ، والعقل هو العقل والبدن هو البدن ، ولكن المعلومات الجديدة والمعرفة الجديدة تجعله (كل منهما أو معا ) شخصا جديدا وما هو بجديد ، و تجعله عالم ببواطن الأمور وخباياها ، ولم تكن بأي حال من الأحوال ، طريقة صوفية ، روحية ، خفية ، إنتابته ، بعد هذه المتغيرات ، بقدر ما هي طريقة جديدة ، لمواجهة المعيشة ولمواجهة الحياة ، ولمواجهة الواقع الجدي إنها طريقة لأكل العيش بشكل مشرف ، فماذا سيفعل بعد كل هذا ، كل شىء قد ذهب .. ولكنه قادر أن يستمر .. والإستمرار .. يحتاج وقت وتفكير .. وهناك أفواه مفتوحه .. تحتاج إلى مايجعلها قادرة على العيش .. وحتي يتحقق ما يتمناه .. مرة أخرة .. يعود إلي الريف .. قرار مدعم بالحصيلة الجديدة .. لم يفكر هل سينجح أم لا ؟!
لم يفكر إلا أنه يجب الإختفاء عن هذا المظهر الإجتماعي الذي كان يعيشه ولا يستطيع أن يعيشه مرة أخرى ، في نفس الظروف وبنفس الترفع وبنفس الإباء ، وبنفس الكرم الحاتمي ، وبنفس الأصـدقاء . وبنفس الزملاء .. إن الريف هو الذي يداري كل شىء .. تستطيع أن تعيش علي حد الكفاف ، وتظهر في مظهر العائش عيشة هنية ... ثم أن هناك الأصل والفصل، الذي يغطي علي كل الأشياء الأخرى .. ولكن المدن تحتاج إلي مال غزير ، أكثر مما تحتاج إلي أصل وفصل .. والمال قد نفذ بعد كل هذا .. إذن هو قرار حكيم من جانبه . أما الأولاد فصغار .. وكم ذهبوا إلي الريف وأعجبوا به .. في أجازات عديدة .. ومن قبل ذلك قد ولدوا بالريف .. وروح الحياة من هذا الريف وأما عفارم .. فهي تريد أن تعيش وتربى أولادها ولا يهمها المكان
.. فقد سئمت كل حياتها السابقة .. وهي تستطيع أن تعيش بجانب أولادها .. في أي مكان .. ثم أنها ذكية تستطيع .. أن تخفف من غلواء روح الحياة وتكبرها وتسلطها .. وهي تعرف أنها طيبة .. ولكن هذه طبيعة النساء .. فهي لا تنسى!! - أن تبرر لبعض تصرفاتها - أنها جاءت عليها ، وأنها تنافسها في حب زوجها .. بعدما كان خالصا لها حب عرفان .. ذلك الذي قضى بالصحراء .. أكثر مما قضى في أحضان روح الحياة أو الجديدة عفارم ، ثم أن المرأة يجب أن تصحب زوجها ، إلي أي مكان وأن تعيش معه علي حلو الحياة ومرارتها.
****************
**كان الوداع قاسياً ، علي البواب ، الذي أخذ الكثير من كرم تلك الأسرة ، وحمل الحقائب ، دون أن يأخذ أو يطلب ، أو ينحني كانت عيناه ، تمتلآن بالدموع.. صعب الفراق .. كان اللقاء الأول عمل ميكانيكي بحت أما الآن بعد هذا العمرالطويل .. فهو كما تقول الكلمة ( عشرة ) وقد تكونت عبر آلاف الليالي .. وتشابكت عبر آلاف الطلبات .. وتجسدت في مشاركات عرفان للبواب ولأسرته .. في الأفراح والأحزان .. فكان قاسياً علي الرجل وعلي أسرته .. رحيل عرفان وأسرته .. ولم يكن الحال بأقل قسوة علي أسرة البك .. وزوجتيه وأما لبيب الأسيوطي رفيق عمله وجاره فلم يره عرفان منذ حدث ما حدث .. لقد ذهب الرجل منذ قيام الثورة!!
وقد كبر وعجزت قدماه عن السير .. و لم يعد حتى رحيل عرفان .. كانت شقته مغلقه .. ويبدو أن لكل زمن رجاله ... فلا يستطيع رجال زمن ما ... أن يتلائموا .. مع زمن جديد .. ذلك أن الهرم يتدرج بحجارة من لون واحـد ، ومن نوع واحـد ولكن منها الحجارة الثمينة ، والحجارة الغثة.
***************
**إبتدأت رحلة العودة ، نفس الطريق القديم ، في رحلة الذهاب والعربة مدفوعة الأجر ، فلم يعد هناك من سيارة ملاكي بعد كل هذا العناء ، وهي أكثر إتساعاً لحجم الأسرة الكبيرة ، و الأولاد كبروا قليلاً ، وفريال ، تثقفت أكثر بليالي القاهرة ، لكنها سئمت الحياة فيها .
**كان الطريق أكثر تعبيداً ، عن ذي قبل ، والوجوم ينتاب الوجوه أحيانا ، ولكن عرفان لم يكن يعرف لليأس طريقاً لقد حسبها ألف مرة ، وكانت حساباته دائماً ، صحيحة ، وكانت أحياناً خاطئة ، و ها هي تخطىء مرة أخرى معه ولكنه لم يهتم ، لقد نجحت معه مرات عديدة ، فلتخطىء مرة أخرى فالحياة هكذا والحياة مركب يرسو علي شاطىء النجاح ، ولكنه قد يرسو أيضاً علي شاطىء الفشل ، والآن بعض من الفشل ، فلنذهب معه ، إلي مكان جديد ، وما هو بالجديد لعله يكون البداية للنجاح من جديد، ولن يذهب إلى جهنم وإنما سيذهب إلى مكان ، طالما عشقه وطالما رأى فيه العز والسعاده والهناء وكم كان محببا إلى قلبه، كل ذكرياته بحلوها ومرها، أليس هو المكان الذى إنطلق فيه إلى كل هذا النجاح ، فلم الخوف من هذا، دع الأمور تقودك ، مثلما تمسك دفة السفينه تحرك الريح السفينه ولكن البحار الماهر هو الذي يحرك " الدفة " كلما شط السير إلي غير ما وجه له ، فقد الحياة.. يا عرفان أودعها تقول ، ولكن أمسك " الدفة " بإحكام ولا تدعها تفلت منك.. وها أنت الآن علي الطريق.. الطريق إلي البلدة ، إلي الأهل والذكريات والأصدقاء والمعارف القدامى، ترى ماذا فعلت بهم السنون ، مزيد من الهم ، أو مزيد من السعادة ، ولكنه لا شك الزمن ، تجاعيده ستكون فوق الوجوه ، والأصدقاء ، طالما راودته فكرة أن يذهب إليهم كل أسبوع ، ولكن المشاغل وتيار الحياة ، كان ينسيه كل هذا ، ولم يكن يذهب إلا في مناسبة فرح أو عزاء .. وأولادهم ، وأولاد قريته ، أظنهم الآن قد شبوا عن الطوق ، والتعليم أظنه قد غرس غرساً ، ثم أن هذه الحكومة الجديدة ، آمالها عظيمة في تعمير الريف والعقل الريفي ، والتعمير والنهضة ، يعني الماء النظيف ، و الملبس النظيف ، والصحة الجيدة ، والعلم الذي يقضي علي الجهل ، والعيشة المرضية ، لا شك كل هذا وماذا يا ترى نظرة الناس ، إلي العهد الجديد ومن يؤيد ، ومن يعارض ؟! أشياء جديدة وكثيرة سوف يكون المقام إذن مغيراً ومتغيراً ، ولن تعدم يا عرفان وسيلة للعيش والمعيشة والمعايشة،ولاتحمل هم الأولاد ، فالمدارس تغمر الريف أيضاً.. إبتدائية وإعدادية وعلي مقربة من البلدة ، المدرسة الثانوية .. إن طال المقام بالريف بل أن المدرسة الإبتدائية لا تبعد عن منزله ، سوى شارع إنها مدرسة النيل الابتدائية ، بل أن المكان ذاته ملك لأخيه كان خاصته في الميراث والأولاد سيتعودون علي الريف فلقد ولدوا به وذهبوا وأتوا إليه كلما كان هناك ميعاد ، وإبنه الأكبر فقد ذات يوم في الترعة الرئيسية بالقرية ، وهناك الأجـداد والآباء عاشوا وماتوا ودفنوا وهناك الأقارب والخلان والأصدقاء ..
**ها هي العربة ، تقترب سريعاً من القرية العلامات علي الطريق توضح المسافة وها هو إسم البلدة يظهر علي لوحة إرشادية ولكنها بالية وهنا أخذ عرفان يوجه السائق ، المدخـل إلي اليسار ، يا أسطى محمد ، اعبـر هذا الكوبري ، ثم إستمر في السير ، راعي الطريق فهو ليس من طرق القاهرة ، وإستمر حتى أشير إليك بالتوقف.
أطاع الأسطى محمد ، وعلق علي قوله ، يا سعادة البك أنا لست من المدينة ، فأنا من الأرياف أيضاً وأعرف حال الطريق ومشاكله ولكني أعرف أيضاً فيه الهدوء والسعادة ، فلعلها رحلة سعيدة هنية ، وأن لا تطول أجازتك يا سعادة البك فرد عليه عرفـان ، بل هي أجازة كبيرة .. ولو فطن السائق إلي حمل العربة من الحقائب ، لعرف كم هي أجازة طويلة ، ولو حضر قبل ميعاده بساعة في القاهرة ، لوجد عربة أخرى قد حملت الأثاث جميعه ، في رحلة عودة إلي القرية وأقفلت الشقة ، وسلمت لصاحبها ، لو عرف كل هذا أو لو فطن إليه لأراح وإستراح ، ولكنه علي كل حال تعليق إبن البلد الفهيم ( الفهلاوي ) وكان لابد أن يعلق ، مادامت الرحلة قد قاربت علي الإنتهاء بالخير والسلامة ، فآن له أن ينطق بعد صمت طويل ، لم يقطعه إلا مناقشة عرفان لزوجتيه ، أو لأولاده ، أو توجيهه له طوال الرحلة.
**********
**أخيراً وصلت العربة أمام المنزل تماماً وهنا أشار عرفان بالتوقف ومنح السائق أجرة إضافية ، فما زال في الجيب ما يجود به ، وهذا من شيم الكرام وقد كان العربي يذبح لضيفه حصانه أو ناقته ليقوم بواجب الضيافة وهو لا يملك غيره أو غيرها ، ولم يكتف بذلك بل دعاه إلي الغذاء.
كان الوقت عصراً أو يزيد والأهل في الإنتظار والأصقاء والندامي السابقون ، والسيدات من الأسرتين أسرة الزوج وأسرة الزوجة قد قمن ، بفرش الشقة بعد تنظيفها وتلميعها بالماء والصابون ووضع الأثاث الذي وصل قبل وصول البك ، كل في مكانه الطبيعي ، وكانت الشقة كبيرة ، بها حجرتين للنوم واحدة ستكون لروح الحياة وأخرى لعفارم ، وحجرة للأولاد ، ودورة مياه حديثة ، لا تتلائم مع شكل المنزل الخارجي العتيق المتهدم ، وحجرة واسعة متسعة للبك وحجرة للأطفال ، وصالة كبيرة متسعة ، وحجرة للمطبخ يعلوها ( سندرة ) للمخزون من الطعام والمؤون ، والسمن البلدي والجبن والبصل والثوم والأرز وغير ذلك من الاشياء ، إنها مخزن المنزل .
كانت الشقة في الدور الثاني ، كما قلنا وقد تمت عملية التنظيف ، بحماسة وشجاعة وبحب لكل من ساهم بهذه النظافة لذا كانت علي أكمل وجه لدى الوصول ، وقد إستخدمت أيضاً في طهي الطعام للأسرة القادمة ، وكان الإعـداد لهذه الطبخة شاملاً وكاملاً!! ، لذا كـان الوصول معدا له بكل التفاصيل من شقة جهزت ومن طعام أعـد ومن إستقبال حافل شامل ، أنست عرفان ، قسوة الأيام وعنف هذه القسوة ، الكل يرحب بسعادة وحب .
أنزلت كل الحقائب ، وحملتها آلاف الأيدي وآلاف الأكتاف وحضر المتسولة والعاشقون لكرم عرفان فمنحهم بعض ما كان يمنحه من قبل .
صعد الأولاد بصحبة أولاد عمهم ، وأولاد خالاتهم ثم صحب عرفان رجالات الأسرة ، والأسطى محمد ، وصعد إلي الشقة ، وتقدم الجميع وعلي رأسهم عرفان وقال هو يدخل برجله اليمين ، علي بركة الله ، اللهم إجعله منزلاً آمناً مطمئناً لنا ولأخواننا ثم أردف يقول، إدخلوها بسلام آمنين .. ودخل الجميع ، وهم يدعون بالدعاء والبركة لرب البيت وأسرته.


****************

**جلس الجميع في حجرة الصالون والسيدات في حجراتهن ، والأولاد صعدوا فوق السطح يلعبون ويلعبون وما هي إلا دقائق حتى أعدت الموائد مائدة للرجال وأخرى بالداخل للنساء ، وقام الجميع إلى المائدة ليأكلوا وليشربوا وعرفان يطعم الأسطى محمد ..أنه واجب الضيافة ، وكان الأكل دسما ، وكان الطهي الجيد يعطي الأكل نكهة ولذة ومتعة، وكانت الصحبة تعطي الشهية لأن تشتغل المعدة وللضروس أن تطحن أكثر ، كان طعاماُ ريفياً شهياً أعـد له طوال اليوم ، من مواد لزوم الطبخ ، ومن خضروات ، ومن لحوم مختلفة الأسماء والأنواع ومن سلطات ومن فطائر مالحة وحلوة ، وكانت السيدات الطابخات خير السيدات في الطبخ ، كان طبخهن طبخاً بالسليقة وبالمعرفة أما عن أم ، ولم يكن طبخاً من كتب الطبخ والطهي ، لم يكن طبخاً بالقلم والمسطرة ، والكميات المقننة والمقادير والموازين اللازمة لصنع هذه الأطعمة الشهية ، ولو رجعوا إلي الكتب المؤلفة في الطهي كما تفعل سيدات القاهرة لأصبح الطعام بلا معنى وبلا طعم وبلا إحساس بالمتعة لمن يأكله ، كان عرفان في القاهرة يجبر في كثير من الأحيان علي أن يأكل من هذا الطبخ القاهري ، لدى بعض السيدات في القاهرة ، اللاتي يعتقدن أن الطبخ لا يكون سليما إلا بكتاب الطهي المكتوب بطريقة علمية ، وبأسلوب منهجي ، للكاتبة في فن الطبخ عطيفة علام ومساعديها من أساتذة الطبخ ، وقد نمى إلي عرفان أن هذا الكتاب مترجم لطبخات عالمية ، من عدة مجلات وصحف عالمية ، متخصصة في شئون الطبخ ، ومن هنا عرف عرفان والعارف لا يعرف أن عدم تمتعه بالطعام ، المصنوع لمواصفات كتاب الطهي المذكور ، يرجع إلي أن الكتاب مترجم ، من المجلات والصحف الأجنبية المتخصصة في الطهي ، رغم أن السيدة عطيفة علام ورفاقها ، يصرون في برامج الأسرة بالإذاعة ، أن الكتاب عصارة أفكارهم وتجاربهم في مجال الطهي وأن النسب والمقادير موضوعة بطريقة علمية ، ومن ثم فمن يتبعه يضمن النجاح من طاه أو طاهية ومن متذوق للطعام بأصنافه المختلفة .. ومن يومها وعرفان يمتنع عن تناول طبيخ (طنط )عطيفة علام و (شلتها ) ويعود سريعاً إلي المنزل حيث الطهي الريفى ، الذي يجيده وتجيده زوجتيه ، وفريال التي علمت عفارم عليه .. وهاهو اليوم يعود إلي الريف ويتذوق طعامه بأيدي خبراء الطعام الريفي علي أفضل ما يكون ، وقد تمتع الجميع بهذه المائدة العظيمة وكان الطعام وفيراً ، وكان عرفان مضيافاً ، وكان الأسطى محمد في فمة سعادته .
رفعت المائدة ، وإنتقل الجميع إلي الصالون ، والسيدات في الداخل يثرثرن في أحاديث مختلفة ، عن الوضع في القاهرة ، وحياة القاهرة ولم يعرض ابداُ علي السياسة أما الرجال فقد تناثرت الأحاديث عن العهد الجديد ، بينما أكواب الشاي تقدم للجميع مرة ومرات والجميع في فرح ومرح ، يتبادلون الذكريات ما بين ذكريات قريبة وذكريات قديمة ، ولم يخلو الجو من مداعبات بريئة وغير بريئة ونكات صارخة ونكات هادئة و (فشرة من هناك وفشرة من هناك ) حتى كاد الجميع أن يقعوا علي ظهورهم من كثرة الضحك ، وكيف لا والمجلس القديم قد عاد وزاده إشتعالاً حضور (جمرة وعجوة) أكبر فشارين ، عرفهم أهل الصحبة والسرور والفرفشة ، لقد إكتمل عقد الأحبة كما لم يكتمل من قبل وكانت النارجيلة لا تفارق عرفان ، و(غبارتها )ملأت المكان .
إستأذن الأسطى محمد فى الرحيل ، فشدد عليه عرفان بالمبيت فإعتذر بأنه سيعرج علي المنصورة ، حيث يزور قريته القريبة منها ، كما تعود كلما جاء في سفريه إلي ريف الدقهلية ودمياط ، فأذن له عرفان بالرحيل، وقام معه حتى باب الخروج ونادى مظلوم أحد مريديه ، أن يصحب الأسطى محمد إلي أسفل حيث العربة ، فشكر له الأسطى محمد ..كريم ضيافته ، ودعا له بطول العمر ، وأن يظل بيته مفتوحاً دائماً للناس بخيره وكرمه فشكره عرفان في تواضع شديد ، وسرعان ما عاد عرفان إلي شلته ليصل ما إنقطع من حديث، و ما لبث أن إنسحب الجميع وخلا البيت علي عرفان وأسرته.
ذهب إلي الحمام وأخذ ( دشا بارداً ) وغير ملابسه وجلس مع زوجتيه قليلاً ، وكانت فريال ، قد غيرت للأولاد ، ملابس السفر بعد حمام ساخن بالمياه والصابون، ولبسوا ملابس النوم ، وعادت إلي غرفة سيدها وسيدتيها ، طلبا لأمرأو مطلب فأمرها ، أن تذهب للنوم ، وقام عرفان هو الآخر ، فذهب إلي حجرته ونادي علي عفارم قائلاً اليوم يومك يا عفارم !! لا يوم روح الحياة !! فكم هو جميل أن نصحب المدينة إلي أحضان الريف ‍‍‍‍ فإبتسمت عفارم وهي في كامل زينتها وذهبت إلي غرفته ، في غنج ودلال ، مستأذنة من روح الحياة إإ وهي تقول لها باسمة ، أمر عرفان واجب حتى ينظم الجدول !!!‍‍ فزامث ، روح الحياة ، وأقفلت الباب علي نفسها ، وسحبت ( اللحاف ) فوق جسدها الثمين ، وعلا شخيرها ! عله يقطع المتعة التي ذهبت منها في أول يوم في قريتها وبيتها ،وسرعان ماذهبت فى نوم عميق .. ولم يبق من صوت في المنزل إلا موسيقى الشخير الصادرة من روح الحياة!!
وهمسات ضاحكة .. في حجرة عفارم وعرفان .. و صوت قطة في الشارع تلاعب قطاً آخر .. و صوت مجموعة من الكلاب .. تنبح في ظلام الليل .. حتى آذن الليل أن يمضى .. وصوت الآذان .. يأتى من بعيد.. آذان الفجر .. مبشراً بيوم جديد.
************
**إنتظم الأطفال فى المدرسة وسرعان ما تفوقوا على زملائهم من التلاميذ وعلى مدرسيهم ومدرساتهم وعلى ناظر المدرسة كانت المدرسة قديمة قدم العهد وكانت واسعة وتسع عدد كبير من التلاميذ وكان جديد لماح ذكياً ، وأيضاً غدير ، وكان غدير يميل إلي السمنة قليلاً ، ولكنهما في دراستهما ، كان من المتفوقين ، وكم أثنى عليهما ،مدرسيهم ، وناظرهم ، كان الناظر ، رجل حكيم يعرف كيف يسوس المدرسة ، والمدرسين ، والتلاميذ ، ولكن مدرسة كانت في واد ، والمدرسة في وادي آخر ، إذا كانت من النوع الثقيل ، ليس في الوزن ، وإنما في الدهن واللحم ، وثقل الدم ، وثقل الدم ، ليس له علاج فهو هبة إلهية ، ولكنها أبداً ن لم تكن بالنسبة لها ، وبالنسبة للتلاميذ ولزملائها ، ولمدرسي المدرسة وكان الناظر يكرهها ، ورغم ذلك لا يستطيع أن يفعل لها شيئاً ، فقد جاءت إلي المدرسة بعد توصية من السيد وكيل الوزارة أبو الروس الشيكي ، وكانت علي صلة به ، ذلك أنه يعرف والدها المرحوم الأستاذ شارل الشراكي ، ويبدو أنه ينتمي إلي أصول شركسية ، وكانت له آراء غريبة ، علي مجتمعنا ، ذلك أن أفكاره ، كانت مطعمة ، بنغم شيوعي ، أورثها إبنته فملكت عليها ليها ، وصارت حياته ، لقد كان أبوها ، مطعما فقط ببعض هذه الأفكار لكنها كانت برميلا مملوءا بهذه الأفكـار ، وكان اسمها غريبا ايضاً فلقد سمها أبوها " حليلة " وما كان فيها شيئاً من الحلوى أو التحلية ، أو السعادة ، كانت شيئاً آخر ، غير اسم الدلع من أبيها ، واسمها في شهادة الميلاد ، كانت مشكلة بالنسبة للمدرسة لكل فروعنا ، تلاميذ ، مدرسين ناظر وأيضاً لزميلاتها ، والأدهى من هذا ، أنها كانت تدخن ، وتدخن بالذات ، السيجار ، وكم هو غريب وعجيب ، أن يكون ذلك في الريف والغريب ، أنها تنادى بهذه الأفكـار ، وتذهب إلي القاهرة ، كل شهر في اجتماعات مستمرة ، مع شلتها وفرقتها ، وتعود بخراطيش السيجار ، والهدايا المختلفة فرحة مبتسمة ، وكانت مطلقة ، لم تستطع أن تتحمل الزواج ، لقد هرب منها زوجها ، إنها صداع لا يطاق ، وكان لها بعض الأولاد ، في مراحل الدراسة المختلفة ، تركتهم لأبيهم بعداً عن المشاكل خاصة وأن الحب لديها مفقود ، وصلاتها غير موصولة ، حتى مع أولادها ، كانت نموذجاً شيئاً للتدريس ، ولكل المدارس التي عملت بها
والحق يقال أن الأستاذ أبو الروس ، لم يكن من تديمي أفكار ، أبيها ولا كان يقوم بما قام به إلا محاولة للوفاء لوالدها ، وأه أبداً لم يكن ليكني ، بناكر الجميل وإنما كان الوفاء منبتة ، خاصة وأنه أصلاً ، من الصعيد وإن كان قد ذلة بالقاهرة ، وانعكست هذه الظروف علي عملها وقد حظت جدير وغدير ، بالكثير من لعناتها ، رغم أن إيمانها أنهما علي مستوى من الذكاء وكانت درجاتهما مرتفعة في كل المواد ، إلا درجات المادة التي تقدمها وكانت في التاريخ وحاول الجميع أن يثنوها عن غيها وأن تراعي الله في مبادئها دون جدوى ولم تكن ترد إلا دخان سيجارها ، ينفث في وجه مناظيرها ، حتى في وجه ناظر المدرسة ، وهو لا يستطيع أن يرد عليها فهو يعرف الأيدي الخفية ، التي تساندها ، ثم أنه ممسوك من رقبته ، كما يقول المثل ذلك ، أنها شهدت ضده في واقعة سابقة حينما كان مدرساً أول بالمدرسة ، وحدث بينه ، وبين ناظر المدرسة السابق ، خناقة لرب السماء ، فما كان من نظر المدرسة السابق إلا أن خلع الحذاء ، وضرب به المدرس الأول السابق ، والناظر الحالي ، وكانت حاضرة للمناقشة ، واشتدادها ، وواقعة الحذاء ، وكان حذاءاً تقليديا ، ضخماً ، أحدث جرحاً بسيطاً ، في وجه الناظر ، الأستاذ مروان إلهامي ، ولكن ندبته ، مازالت ظاهرة حتى اليوم ، ولكنها شهدت ، ضد الأستاذ مروان إلهامي ، وأنه هو المعتدي ، علي حضرة الناظر السابق ، الأستاذ عبد الصبور المغبون ، أطال الله في عمره ، وهو يقضي أيامه علي المعاش ، لقد لعبت لقبتها ، واختارت الأقوى ، ثم أنها تمسك علي حضرة الناظر ، وبعض المدرسين ، والمدرسات ، ولات وذلات ، من حيث تصحيح الانتخابات ، والمساعدة في نجاح ، بعض التلاميذ لجاه أو سلطان ، أو منفعة ، أو تبادل منافع ومن ثم فقد كانت هي الأخرى ، تباشر سلطاتها ، وكأنها حضرة الناظر ينقصها فقط أن يكبر شنبها ، ويصبح في حجم شنب الرجال ، وحقاً وواقعاً لها بوادر شنب ، ولكنه كان لا يظهر إلا للمدقق ، وقوى الملاحظة ، ولم يعجبها جديراً أو غدير ، طوال سنوات دراستهم ن تيطوقان ، في كل المواد ، ويحصلان علي الدرجة النهائية في كل المواد ، وتحسب بدرجاتهم الأرض في مادة التاريخ وكان الأولاد يعرضون ما يحدث علي والدهم ، فكان يطمئنهم ، عليكم احترام مدرستكم ، ثم يقابل من ورائهم ، الأستاذ مروان ن فيقول له والله يا أستاذ زعرقان ، لقد انهزمت أمامها ولا أعرف لها سبيلاً ، وعليك أن تتحمل وتحمل عرفان حتى جائت السنة قبل النهائية ، والأولاد ناجحون ، في كل المواد دون مادتها ، ويعني ذلك أن يعيد الأولاد السنة ومعنى ذلك ضياع سنة من عمرهما ، وذهب إليها الأستاذ عرفان ، فقالت له ، وما ذنبي يا أستاذ ، أولادك ضعاف ، وأنا لا أجامل ، إن لي مبادىء وعقيدتي ، ويعلو صوت عرفان و يقول لها سوف أربع الأمر إلي أعلى مستوى ، فتردد عليه أعلى ما في خيلك ، إركبه ، أنا لا يهمني وسوف يسقطون ، طالما ظلوا في هذه المدرسة ويتدخل الأستاذ مروان ، والمدرسون والمدرسات ، والفراشون ، لفحص هذه المشاجرة دون جدوى ، فما كان من عرفان ، إلا أن ذهب لمقابلة مدير التعليم العام ، قال له سيدي ، نحن لا نعيد تصحيح الأوراق ، إن هذا يعني أن المعلم غير موثوق فيه وهذا لا نقبله ، ثم أبدلها ظهراً كبيراُ.
يا سيدي / لا تعرف الأستاذ أبو الروس الشيكي ، أنه قريبها ، وما لنا ووجع الدماغ ، وينطلق عرفان إلي القاهرة لمقابلة السيد أبو الروس ، فيقابله بابتسامة ، ويطلعه علي التعليمات بعدم تصحيح أوراق الامتحانات ومسألة عرفان ، وماذا لو أخطأ المعلم ، وهؤلاء تلاميذ صغار ، لا يتوقعون ، أن يكون هناك معلم أو معلمة ، بهذه القسوة ، ويصدمون من التعليم ، والعلم ، يقولون علم إيه يا بابا ، لقد تعبنا واجتهدنا وجاءت المدرسة ، وأسقطتنا ، بدون وجه حق ، ولم يقل له طبعاً أن الأولاد ، يسمونها ( أم قويق ) فيزيد ، أبو الروس بك من ابتسامته ويقول له هدى سيادتكم يا أستاذ ، الآن تحتاج إلي فنجان قهوة مضبوط ، ثم يؤدون القول ، لماذا يا سيدي لا تنقل الأولاد ، إلي مدرسة أخرى ، ما دامت هذه المدرسة ، تتعقب أولادك ، أنني أعرف أن لها أفكار غريبة ، نوع ما ولكنها إنسانة ذات مبادىء ، فيقول عرفان ، وقد قارب صبره أن ينفذ ، وما دامت صاحبة مبادىء ، فلماذا لا تعطي لكل إنسان حقه ، خاصة وأنها تتعامل مع تلاميذ صغار ، لابد أن يكون لديها خلفية ، في معاملة التلاميذ ، وأعتقد يا سيدي ابو الروس أن هذه تحتاج إلي درس وتدريب في السلوكيات وفي الضمير ، وأن تطلق المبادىء التي تتدعي بها ، فالمبادىء تتجزأ فيرد الأستاذ أبو الروس لا تنسى يا استاذ أنك تهاجم ، مدرسة من رجالات التعليم !! أقصد من نساءات التعليم وانك تهاجم مرءوسه لي ، فكأنك هاجمت التعليم والمعلمين ، ولولا أنك في ضيافتي ، لكان هناك شأن آخر .. فيرد عرفان وقد تعدة الغضب كل حد ، يا سيدي أنا لا أهاجم رجال التعليم وأعرف أن لهم قدسية ، من مدرسي الابتدائي ، حتى أساتذة الجامعة ، وما زال بيت شوقي ماثلا ، " قم للمعلم وفه التبجيلا ، كاد المعلم أن يكون رسولا " ولكني أهاجم فرد شد عن هذا المجتمع ، وأسقط تلاميذ ناجحين ، وقد حصلت علي صور من الإجابات بطريقتي ولا تسألني يا سيدي ، كيف ، وقد صححها أساتذة آخرين من زملائها ، وأثبتوا أن الأولاد يستحقون النجاح ، فما قولك يا أستاذ ؟! فرد الأستاذ ابو الروس ، والله حصولك علي الأوراق ، طريقة غير قانونية ، سأبحث فيها وأعاقب المسئولين .. ويرد عرفان لقد تركت يا سيدي الأصل ن وبحثت في الفرع ... والأمر سبيلاص يا سيدي أنك قمت بترقيتها ، إلي وكيلة مدرسة فهل يصح يا سيدي ، أن ترقى المخطىء .. فيرد ابو الروس بك .. والله يا سيدي ، هذا اختصاصنا وليس اختصاصك ، إنها تعليمات عليا .. فيسخر عرفان ، من قوله تعليمات عليا !! من أصدرها يا سيدي ؟ ! أصدرها مجلس قيادة الثورة ؟ ! أم قائد الثورة الجديدة ؟!! أصدرها من يا سيدي ؟ ! السيد وزير التعليم ؟!
أصدرها من يا أستاذ أبو الروس ؟ ! رجال العهد الجديد ، الذي ينادون بأن يأخذ كل إنسان حقه ... الذين ينادون بالعدالة الاجتماعية ... الذين ينادون بالتعليم ، وأنه حق للجميع ، كمال قال طه حسين .. أشكرك يا أستاذ أبو الروس ... وسوف أصعد الأمر إلي السيد معالي الوزير ..!
ووقفت أبو الروس بك .. كفأر وأي قطا .. وقال لا تعتقد أننا سيئون إلي هذا الحد .. ولا يخلو النقاش من جدل .. والحوار مفيد .. وقد يؤدي إلي نتائج جيدة .. ولا تنسى أن واجبي ، أن أدافع عن مرءوسي والآن ..
تفضل وسترى خيرا إن شاء الله .. واستأذن عرفان بعد أن سمع ما سمع .. وهو غير مصدق ما الذي غير الرجل هكذا .. أهو التهديد بمعالي الوزير .. أم هو تساؤلاته .. عن التعليمات العليا .. المهم أنه قد وعد خيراً .. وعلي هذا انتهت المهمة .. مهمة البحث عن الحق الضائع .. وآن له أن يعود أن القرية .. ولكن ها هي القاهرة .. مرة أخرى ولكنها غير ما كانت .. تغير الكثير .. رجل الاستعمال .. الإنجليزي عن مصر ووضع دستوراً جديداً للبلاد .. وفكر في إنشاء السد العالي ... فتحالفت القوى الأجنبية .. وكان عدوان 1956 وكان نصر مصر .. بقوتها ، أم بمساعدة الدول الكبرى .. فهو انتصار ...... وأجريت الانتخابات .. ولكن النجاح ، كان حليف العهد الجديد ... و أما الأسماء القديمة .. فلم يعد لها مكان .. وأكثرهم .. غادر إلي الخارج ..أو مات .. أو أودع السجن أو منزله أو المستشفى...
والخلافات الكثيرة في القيادة ... سرعان ما حددت في التخلص من المعارضين ، للثورة .. أو هكذا قيل .. وظهر عبد الناصر .. وكأنه المحرك لكل الخيوط .. وتراجع محمد نجيب في قصر المرج .. أو أجبر علي التراجع .. أو لم يترك له حتى المناورة .. وكان هو الصورة وكان هو المحبوب من الشعب .. وغيره وغيره .. تباديل وتوافيق والأحزاب في خبر كان .. ولعبت الصراعات دورا كبيراً .. وعموماً فعرفان لم يهمه هذا أو ذاك ... لقد بعد عن كل هذا .. واستقر في الريف .. لا يهمه أن تأكل القطة أولادها ، أم أن الأولاد أصبح لهم مخالب ... قد تعض الأم أيضاً لقد بعد تماماً .. كما بعد يوم حكم اللواء خير الدين .. غريمه القديم .. ولم يشمت أيضاً له أو بسببه .. وقد حكم عليه بالبراءة .. في حكم محكمة الثورة التي شكلت لمحاكمة .. رجال النظام القديم .. وكان سبب الزج به هو أنه كان أحد مساعدي إبراهيم عبد الهادي باشا .. أو قل أنه الساعد الأيمن .. وكان إسماعيل المليجي الساعد الأيسر .. وقد حكم علي الباشا ذاته بالإعدام ولكنه خفف إلي الأشغال الشاقة المؤبدة .. ثم إلي تحديد الإقامة بالمنزل .. ثم ما لبث أن كرم قليلا .. من الثورة فصينوا ابنه بالخارجية ، بناء علي تلبية رغبته .. كل الأحباب القدامى ... انتهوا والقليل من الماضي .. ظل يحاول أن يستمر .. حتى ولو تغير كل شىء .. الأشخاص والألوان والطبائع والبيئات ... ذهب كل هذا وذهب بعيداً عن عرفان .. حتى أولاد أخته .. الذي زج بهم في الكليات العسكرية الشرطية .. وبمساعدته .. وبنفقاته المادية .. والمسكنية .. والملسية ... أصبحوا من رجال العهد الجديد .. وبعد وأيمن عرفان .. فالمصالح ، أصبحت ماذا يفيدني ، وماذا يضرني .. بعدما كانت "أنا وأخويا علي ابن عمي ، وأن وابن عمي علي الغريب " ... لم يعد عرفان في من هذا .. وأنه علي كل حال .. يتذكر الماضي .. ويتابع الحاضر .. ويضطلع إلي المستقبل .. عله يعيد الذين كان .. وقد يحدث . فهو متفائل بطبعه .. المهم أنه أتى إلي القاهرة لمشكلة محددة ، ولما قاربت علي النجاح ... آن له أن يعود .. والعود أحمد .. ولكن يموت الزمار ويده تلعب ، أليست هناك سهرة ، من سهرات القاهرة .. ما زال بعض الأصحاب .. علي قيد الحياة .. وقد شبكوا علي العهد الجديد .. وقديما قيل " سوق حمير وسط حمير الفساكرة " وقد ساقوا الحمير والجمال والأصطنة والغنم والماعز بل ساقوا أنفسهم ايضاً مع العهد الميمون .. وها هو صاحبه وصواحبه وغيرهم .. وقد فعلو كل هذا ، إذن فليعهم معهم .. بالحظ ليلة .. وقد ينعم بالمبيت عندهم .. وإذا تبين صعوبة هذا .. فيسنيون ( ريشمونت ) ما زال قائماً لم يغيره الزمن ... والخواجاية وتيرانا مازالتا رابطتين كسباع كوبر قصر النيل ... وكانت ليلة من الليالي كل شىء ما زال كما كان ... الأحبة وقد زادوا بالدم الجديد ، من الصف الثاني ، و الصف الثالث ، وقد أشرق في هذا اليوم ، وجه من الصف الأول .. فصاحب عرفان .. نموذج فنان للمثل الذي ينادي بأن يسوق .. وسريعاً ما يعترف بهم عرفان .. وكانت الأوراق قد وزعت والألعاب قد بدأت .. والكوؤس تدور كما تدور الساقية .. تجرها الثيران القوية ... أو الأبقار أو الجواميس .. المغمضة العينين .. وكانت الخمرة .. هي التي أغمضت عيون الرجال وعيون النساء ... وعيون القدامى ... وعيون الجدد ... كل شىء مغمض وحالم وراقص وكأن الجديد ، قد أخذ في الراحة ... وعاد قديماً من جديد ... كل ما كان .. أن النوع تغير .. كانت هناك الباشوات .. والطبقة الوسطى ... والموظفين .. والعامة من الشعب .. واليوم ...هناك البشاوات الجدد ، من أصحاب العهد الجديد ، وهناك الطبقة الوسطى الجديدة ، من المحيطين والندامى ، وطبقة الموظفين ، وعامة الشعب .. كل ما كان .. أن النوع تغير .. والجديد صار قديماً .. ولكنه السيد الجديد .. والساقية تدور .. والليالي تدور .. وفي الفجـر .. حملته العربة التاكسي .... إلي البنسيون .. وحملة السائق علي كتفيه حملاً ، ورماه في المصعد .. حتى وصل الطابق ، الذي يقيع فيه البنسيون .. وأخذ أجرته من جيبه .. ثم دق جرس البنسيون .. وفتحت ( تيرانا ) وكانت سعيدة أن يعود الماضي الكريم ... وإلي مجرته .. والنوم حتى نهار الصباح .. ثم يجري ما جرى في كل مرة .. ولا تكثر من الغياب ... ونحن صرنا .. صداقة عمر .. تبدل فيها كل شىء .. ولم نتبدل .. لا نحن ... ولا أنت .. غنى أم فقير .. فأنت عرفان بك .. وسلم عرفان وشدد في السلالات وعاد إلي القرية عاد محملاً بالجديد ، وقد أصبح قديما وعاد والليالي الجميلة ، قد عادت من جديد .. وعاد وهو يحلم بأن يعود كما كان .. مادامت الساقية تدور كل الذي تغير هو الثيران والأبقاء والجواميس التي تشد الساقية ، وهي مغمضة العينين ، ثم أن المهمة الأصلية ، قد قاربت علي النجاح .. عادوا واستقبلته الأسرة بالترحاب ، ولماذا غبت وكيف الحال .. ولقد سأل عنك فلان وفلان .. وجاءك من الزبائن ، إناس كثير من ، من خارج البلاد ، ومن خارج البلدة ، ومن البلدة .. وقلنا لهم .. أنك في مأمورية في القاهرة .. قلنا أنك ذهبت لعلاج شخصية هامة ... قلنا كذبة بيضاء .. حتى نبين أن لديك زبائن وعملاء من الكبار أيضاً .. هكذا الحياة .. ولكنهم كانوا في سرعة .. فأخذهم فتوح البلهوان ، إلي الشيخ الكبير .. فقال لهم .. آسف لقد عشت في هذا العمل .. سنوات عديدة ولدى من الخبرة ما يعرفه الكبار والصغار .. وقد جاء عرفان .. وقال لي علي احواله .. واستأذن أن يعمل في البلدة .. واشاد بي ويعلمي وخبرتي وموهبتي .. وحيث أنكم جئتم من أجله .. فازن أن من الأفضل أن تنتظروه وقدم لهم التحية .. فأستاذنوا .. لعي أن يعودوا في الغد .. منهم من ذهب إلي المنصورة .. ليقيم بالفندق ، علي أن يأتي غدا ومنهم من عاد إلي بلده .. علي أن يعود غداً أو بعد غد ، ومنهم من ذهب إلي منزله ، علي أن يعود لدى فراغك .. كل حسب المكان الذي جاء منه ، فرد عرفان قائلاً ، والله إن الشيخ الكبير ، لرجل وأي رجل ، سمح لي أن أعمل ، في نفس البلدة وهو المؤسس والخبير ، لهذا العلاج في البلادة وشهرته طافت الأقطار والبلاد ، خارج وداخل البلاد .. وما نحن إلا تلاميذ صغار في حضرته .. وها هو اليوم ، يضيف صنيعاً جديداً .. إذ يرفض زبائن ، لأنهم أقوالي .. والله لا أقدر علي شكى ما حييت ، ثم ينادي عرفان علي الأولاد ، فطمأنهم علي النجاح بإذن الله .. وسلم لهم هداياتهم ، التي يحضرها ، كلما أتى من القاهرة ، وقد كان ذلك منذ أمد بعيد ، عل يكل حال ، أنه يحضر الهدايا ، كلما سافر ، حتى ولو إلي دمياط أو المنصورة ، أو أقل منهما حجماُ أو أكبر منهما حجماً : ثم استراح قليلاً .. وعاد إلي قراءاته ، ونار جيلته ، وقد طلب ألا يستقبلوا ، ضيوفاً ، أو زبائن في هذا المساء فلما اشتد عويل الظلام وصرنا إلي ميعاد النعاس والنوم .. نادى روح الحياة ... وقال الليلة ليلتك .. فقد وضعت الجدول !! وكل منكما يعرف يومه .. وقد كنت في القاهرة .. وقال لنفسه هامسا .. وقد كان هناك .. أن حضنت المدينة الريف القادم إليها .. ففرحت روح الحياة .. وقامت من مكانها ، فكانت الأرض ترتجع من تحتها !! ولكنها مازالت في ملاحقها القديمة .. وقالت لعفارم في ضحكمة هادئة .. ولكنها مؤثرة ، بيقول المثل ، اتقل علي الرز لغاية ما يستوى ، وها هو قد استوى وطلبه الأقال .. حلالا بلالا فابتسمت عفارم .. ولم تحزن ... و تنام ويعلو شخيرها .. بل أصبحت فريال حتى نام الأطفال .. وفتحت للراديو .. علي أغنية .. جفنه علم الغزل ... وهي تحادث فريال .. حينا وتتابع الأغنية حينا وهي منكبة علي ماكينة الخياطة .. تخبط الفساتين والجلاليب .. والبيجامات والبنطلونات .. وتصلح هذا الفتق ... وتثبت هذا الزرار .. وهكذا كما تعلت في الأيام السابقة ، والسنوات السابقة ، منذ حاجات إلي الريف .. وفريال تساعدها ولم تقتصر علي حاجتها الخاصة ، وإنما حاجات زوجها وحاجات روح الحياة ، وحاجات أولاد زوجها ، وكان هذا بطبيعة الحياة ، وطبيعة الحال مجاناً أما الجيران ، وأهل البلدة، فكان مقابل نقود ، وإنما عرفان لم يكن يعلم بذلك ، فكانت تدخر هذه الأموال ، المساعدة في الصرف علي أولادها ولم تبخل علي روح الحية ، إذا احتاجت شيئاً ولا علي فريال ، ورغم أن روح الحياة ، نادراً ما ردت إليها ، ما يرد من أخواتها ، من معونات مادية ، كما تفعل هي معها ، اللهم إلا ما يرد من أكل أو معونات غذائية ، فهو للجميع .. فما زالت في أعمال روح الحياة ، أنها ضرتها ، ولكن الأيام ، عودتهما علي الإنسجام والتوافق والتوفيق ، وتأخذها عفارم هذه الأمور بسهولة ويسر ، إلا روح الحياة ، فكلما نست تذكرت ، وحتى آخر العمر.

اليوم بدوم جديد ، مثل مئات الأيام التي مرت ، أو آلاف الأيام ، التي مرت يوم جديد ، بكل ما فيه ، من أحداث وبكل ما فيه من أعمال يوم من أيام قادمة وما ينقضي إلا وينضم ، إلي تراكمات الأيام ، التي مرت فيشكل خبرة وتجربة وممارسة ، ويشكل أيضاً ذكرى وتاريخ حساب وجغرافيا ، ويشكل قيما أو يشكل إنحرافا أحداث كثيرة ، تكونت في هذا اليوم الذي نحن فيه ، وفي الأيام التي مضت فيها الخير والشرب فيها الحلو والمر ، فيها ارتفاع الرجال ، وانخفاضهم ، فيها صراح الحياة وتنشابكها ، فيها المصالح والمنافع العامة ، وأيضاً الخامة ، وقد تتعارض هذه المصالح ، بل الأكيد ، أنها تتعارض ، فالبشر ميول ومشارب مختلفة ، ومنها يأتي الاختلاف والتعارض ، ثم أن الإنسان ذاته ، ميول ومشارب مختلفة ويحدث التعارض ويحدث الاختلاف ، ويحدث الصراع داخل الإنسان ، ولكننا لا نرى كل هذا ، لأنه في داخل الإنسان ، ولكننا نراه في السلوك والتصرفات.
وهذا اليوم من هذه الأيام ، ميقاته بالساعات ولكن أحداثه بالأحجام ، ومن ذات الضخامة ، ضربة حظ أو قدر ، وتحول الساعات والثواني ، إلي نقلة ضخمة ، قد تتعدى قيمة سنوات من العمر بلا طائل ، وقد تكون النقلة إلي أعلى أو إلي أسفل ، واليوم من أيام الحياة ، فيه حياة الميلايين من البشر ، وفيها وفاة لملايين ، ولكن الشىء العجيب ، أن الناس لا تتذكر إلا من مات ، ويستعجبون ، وقد يربطون ذلك ، بأشياء كثيرة ، لو دققنا في تصوراتهم لوجدناها تعني أنهم ناقصو في الإيمان ، ولكنهم أبدا ، لا يتذكرون من ولد في هذا اليوم إلا لحظة الميلاد ذلك أن النفوس قد جيلت علي الخوف من الغامض والخوف من الآتي ، والخوف من المجهول لو هذا الخوف ، هو الذي يجعلهم في خوف من الموت ، والحزن علي من مات ، ولكن الحزن ما يلبث أن يقوه ، في دوران الحياة وفورانها ، وكلما زاد التوهان والدوران ، في هذه الحياة قل زمن التخلص ، من آثار الخوف من الموت ، وفي المدينة ، تأتي هذه اللحظة سريعة ، فلا خوف ولا يحزنون ذلك أن الدوران أشد ، والتوهان أكثر والإنشغال أسرع ، ولكن الريف أقل دورانا ، والتوهان أقل دورانا والإنشغال أقل ومن ثم يأتي الحزن عظيماً علي هذا العقد أو قل أنه الفراق ، ولكن طبيعة الأيام ، فيما سيأتي من مستقبل في زمن هذه الرواية ، سوف يعطينا ، أن في زمن ما ذابت الحدود ، بين الريف وبين المدينة ، وصار الحزن أسرع في الذهاب ، فالدوران ، أصبح بنفس المستوى ، وبنفس السرعة وبنفس الإنشغال ، فلا فرق بين مدينة أو ريف ، وأما الميلاد فكل يوم لحظات تضيف ، إلي النفس سعادة ولا تترك في النفس غصة ، أو كآابه ، أو شعور الحزن بالفراق كما يفعل الموت ، ورغم أن الحياة والوفا والميلاد أشياء " يقين " وأكيدة وإن اختلفت المواعيد من فرد إلي آخـر ، إلا أن الإنسان ابن اللحظة ، ولم يفكر أبدا ، أبعد من هذا ، وإن فكر ففي اللحظة ثم يتوه مع العمل ، ومع الأصدقاء ، ومع المجتمع ، ومع المشاكل ، ومع لقمة العيش.

واليوم ، يوم من عمر قرية ، بشيوخها ورجالها ونساءها ، وشبابها ، وأطفالها ، وحيواناتها كل فيما سخر له من عمل أو راحة ، أو لعب أو لهو أو تسلية ، أو ترفيه ، كل فيما سخر له من آمر ، أو مأمور ، من لاهث ومن جالس ، من مؤلم ، ومن متألم ، من شاظف في العيش ، ومن معظم في العيش.

ويوم القرية ، تغير بسيطاً عن بداية هذه الرواية ، ولكنه تغير بطىء غير محسوس أو ظاهر للعيان ، الأشجار مازالت واقفة رغم عواصف الزمان ، قد تأ×ذ منها ، وقد تعطيها ، والحيوانات إلي الحقل ذاهبة ، أو في الحقل تعمل ، أو من الحقل عائدة ، أو إلي السوق ذاهباً وإيابا ، أو للركوب كوسيلة مواصلات ، أو لنقل البضائع ، أو لنقل المحصول ، أو للتسلية والتدليل علي العظمة ، كحصان قد أتم زينته ، وأخذ يرقص ، فوقه ن صاحبه المنهدم ، ابن الأكابر ، أو قد شدنى عربة ذات عجلتين ، ( كارته ) وقد تقاذف الأواد فوقه ضحكاتهم ، وهم يمشون به ، علي شاطىء النيل الطويل الممتد و الناس متأثرون ، عل يالمقاهي العديدة يتبادلون الأحاديث ، ويستنشقون الدخان ، ويطردونه ، أو يبلعونه ، بلعا أو يمتصون المشروبات المتختلفة ، في هدوء أو بصوت عميق ، أو يتبادلون الألعاب ، من طاولة ، ودمينو ، وأحيانا شطرنج ، أو يطرقون أصابهم أو يلعبون في آذانهم بأعواد الكبريت الملقوفة ، بالقطن بقصد تسليكها ، أو يلعبون في أنوفهم ، في آلية ، ولكنها مصيبة ، أو يتناولن هذه أو تلك بسخرية ومداعبات محببة ، إلا إذا كانت ذات ظهر ، فيلوون أفواههم ويقيدون ألسنتهم ، ولكنهم لا يهمدون وإنما لابد من تعليق ، سبحان المعطي ، مالها وقد لون لأعين ، والحواجب ، وكظمت الفم كظما وتعالت بأنغامها إلي السماء ، أو يالهول ، ما ترى ، من تعليم البند ، في أولاد الذوات ، آه لو تلك أو هذه .. كانت ابنتي ، أو هذا المتعالى أو ذات كان ابني ، لحضرت له ، اسفل الدورا ، وقفلت عليه ، وترى النساء أيضاُ علي أبواب البيوت جالسات ، وقد مدت كل منهن ساقيها ، وأخذت ، تفرز الأرز ، من سوادة ، أو العدس من مملاته ، أو تعجن في المندره والباب مفتوح أو تخيط الثوب ، أو تزين الملايات ، بالزهور الجميلة ، أو الحمامات الطائرة ، أو القطط المشكرة عن أنيابها ، أو تزين القرط بالترتر ، أو تخيط حوافي الألحفة ، أو الطرح السوداء أو البيضاء ، ولكن تعلقاتهن لا تنتهي ، وكلها محببة إلي النفس ، وقريبة إلي القلب ، والمساء يأتي في هذا اليوم من الأيام ، والجلسات تزداد اقتراباً والكلام يزداد إتساعاً ، بحيث لا يفوت اليوم ، إلا وقت انقلبت علي ظهره ، وعلي بطنه ، وعلي قفاه ، وجلس علي أم رأسه ، وطار في الهواء ، وحط علي الارض ، و ارتفاع إلي عنان السماء ، وانحط إلي سابع أرض ، كل شخص من أشخاص هذا المجتمع ، وتحول الخبر ، إلي قصة والقصة ملحمة والملحمة ، إلي تاريخ طويل ، إلا الأمام ، وإلي الخلف ، وإلي الأصل وإلي الفصل ، حتى يهمد المساء ، وينام في حضن الظلام ، وتنام الطيور ، علي فروع الأشجار ، وتنام العصافير في أوكارها ، وتنام العيوم في حضن العيون ، ويتوه البشر في أحلام مخيفة ، أو أحلام جميلة عزيزة ، وينام الأطفال كالأبرياء ، في القصور أو في الأكواخ ، فوق سرير ناعم ، أو كومه من القش ، في منزل محمى ، أم في طل العراء . ولا يبقي إلا خفير يسير في دركه أو سكران عاد من صحبة سكر ، أو حشائش جاء يتارجح من غزرة ، أو فلاح ذاهب إلي حقله أو عائد من حقله ، أو فئران ، تجرى سريعاً تقطع الطريق أو ضفادع ، تنعق في جداول الماء ، أو صوت كروان يقطع السماء ، أو صوت مجموعة من الكلاب ، تجرى خلف كلبه أو قطط تعوي كما البكاء ، أو خمار ينهق ، أو يغني لا يدرى المرأ ماذا يفعل ، وقد يجري في الئشوارع ، يشمشم في الأرض أو يعجبه التراب فيتمرغ فيه ، ثم يلعب فيجري ثم يقفز بقدميه الخفيتين في الهواء الطلق ، أو مهر صغير ، يجري وكأنه في سياق الدربى البريطاني ، أو عرسة ، تطلق صرختها ثم تختفي في الشقوق.
يوم من الأيام القرية ، شرقا والنهر الخالد ، تغوص فيه القوارب والمراكب ليلاً ونهارا بحثاً عن الصيد من الأسماك ، وصبر طويل مع الأسماك وقد يكون الصيد منفرداً ، أو في جماعات ، أو بحثا عن تجارة مثل الملح ، أو مراكب عابرة ، تحمل بضائع من مصر ، حتى مصب النيل ، أو من الصعيد حتى مصر ، حتى مصب النيل ، أو صناديل قد عادت لأصحابها ، بعد رحلة طويلة في النهر المقدس وقد أتت في أجازة للصيانة والقمر ، ولا ينفك يوم من هذه الأيام ، إلا ومثل هذا موجودة فيقوم صحاب الصندل بوليمة كبيرة للأهل والأحبة والخلان ، بمناسبة وصول المركب بسلامة الله ويكون التربيح عادة ، علي قدر المناسبة ، ولا يقل بحال من الأحوال عن خروف خروف كبير ، وقد طهي فأحسن طهيه ، بعدما ذبح فأحسن ذبحه ، وقد التف معه ، الكثير من الدواجن ، والارز والبط ، والخضروات ، و الأرز الذي يملأ حجره ، ويتم الغذاء والعشاء لجماعات جماعات ، منها يجلس علي الأرض أو علي المائدة ، ومنها من يأكل باليد ومن يأكل بالمعلقة ، ويكون يوم من هذه الأيام ، ولا تنسى لحظة الشوق ، وقد عاد المسافرون لأشهر إلي بيوتهم و إلي زوجاتهم وقد طال بهم الشوق والحنين ، إلي البيت وإلي الزوجة ، وإلي المتعة الحلال وإلي روية الولد والحفيد وإلي استثمار مدخراتهم ، في مشكل بناء جديد ، أو تحسين منزلهم ، أو زواج بناتهم أو أولادهم ، أو الاطمئنان علي الأهل ثم يعودون مرة أخرى إلي النهر شرقا النهر ويحده الشاطىء والمنازل ، وقد تجددت بعض منها ، وقد نقلت البلدة إلي مساحات جديدة فائض عجل القرية ، في منازل جديدة أو مدار جديدة واتسعت أكثر وأكثر ، ولكن هذا لا تحسن به وأنت مقيم بها تحسه لو أنك أتيت من سفر ، وقد كنت غائباً طويلا ، وغربا وواجهة ، حتى تصل إلي الحقول ، زرع وحصاد ، ومحصول ، يعود علي أصحابه ، ويتحول إلي سوق القرية ، أو سوق المدينة جزء منه ويخزن آخر ، ويأتي موسم القطن ، في هذا الزمان يكو فرح الأولاد وفرح البنين ، كما كان فرح أولاد الصيادين ، والمراكبية ، كذلك أفراح أولاد الفلاحين وأولاد العمال ، أما أصحاب المال ، في شكل مراكب ، أو في شكل اراضي أو في شكل مصانع فيتحول إلي توسع جديد ، أو إدخار جديد ، أو إدخار جديد ، أو أفراح إلي أعلى مستوى ، لا يقدر عليها صغار القوم كما أسلفنا ، أو قد يتحول إلي مسرات ولهو ورشاوى وألقاب ، أو رحلات للشواطىء القريبة كرأس البر أو إلي أوربا وما فيها .. من كل شىء جديد وجديد وعجيب وغريب ولذيذ وممتع ، ولا يمنع هذا منهم ، هؤلاء من يوقف وتفيه للخير ، أو يقيم مسجداً أو يقيم ، مستشفي أو مدرسة ، وإن كان هؤلاء هم الصف الثاني ، الذي تبقى من كبار العائلات ، بعد بداية العهد الجديد ، او القليل القليل ، من القدامى الكبار ، الذين عاشوا في أضيق نطاق ، وفي عزلة تامة ، أو شبه تامة ، وكأن حالهم ( .... عزيز قدم زل ).

يوم من أيام الحياة ، ويوم من أيام الغربة ، ويوم من أيام عرفان . عرفنا الحياة ، وعرفته القرية ، وعرفة عرفان وأهله وصحبه ومجتمعه، وأخذ يتعود عليه ، ويتأقلم معه ، الصباح ، وبعد صلاة الفجر ، ولا تعجب ، فهم يصلى رغم كل هذا الذي يفعله ، والفطار بما لذ وطاب من خيرات الريف.
من منزل الأقارب ، بيت الزوجة الأولى ، أو بيت الأخوان من أبيه وأمه ، ثم متابعة لبس الأطفال ، وإقطارهم وذهابهم إلي المدرسة ، ثم مباشرة أعماله الجديدة في العلاج الروحي ، والعلاج الطبيعي والعلاج التقليدي القديم ، ثم في المساء أو قبل الغروب ، يكون تناول الوجبة الرئيسية والقيام ببعض الزيارات لأقارب والأصدقاء خارج البلدة أو داخلها ، في دمياط أو دمياط أو المنصورة أو الزقازيق ، أو غير ذلك أو داخلها للكبير هذا ، أو التاجر هذا أو الشيخ ذاك ، أو الوجبة السابق هذا أو المتقاعد هذا ، أو للعزبة الفلانية ، وما هي بعزبة ولكن الأشياء نسبية فالمائة فدان والخمسين فدان والفئات الصغيرة أصبحت عزب وما بالك لو قارناها بالأيام الخوالي ، لقنا أنها نقطة في بحر من تلك العزب التي كانت تعد بآلاف الأفدنة ، وعزبة البدراوي مثال علي ذلك يقول الراوي أن الحصان كان يجري أمامها ، بسرعة رهيبة ولا يستطيع أن يصل إلي نهايتها وقد بدأ رحلته في الصباح الباكر وتوقف عند غروب الشمس ، ولم يصل حتى إلي نصفها.
ولكن هذا هو واقع الحال الذي كان والذي عاشه عرفان وإذا حل مساء المساء ، تكون السهرة مع الأصدقاء وصحبة الزمان القديم ، وقد تجمعوا من كل صوب وحدب ، لديه ، وقد تنتقل السهرة في بعض الأيام ، إلي منزل حماة ، الشيخ محمد، فلا يجد إلا أخوات زوجته ، وتتسع المضيفة لعشرين أو يزيد ، يقطعون الوقت في كل ما يخطر عليك أو لا يخطر من ألعاب أو مشروبات أو نميمة أو غيبه . أو أحاديث ، في السياسة وفي الكياسة وفي الوجاهة ، وفي استعراض حكايات عن المرحلة والفتونة والفحولة وغير ذلك من الأمور ثم يذهب كل حال سبيله.
يوم من أيقام القرية ، هو يوم أيام الدنيا ، وكان الأطفال هلم عالم آخر ، المدرسة ، قد انتهت ، والأطفال في أجازة ، وقد أسعد من أسعد بالنجاح ، وسيعيد من يستحق الإعادة ، وذهب الأطفال إلي الحقل ، فيمن سيكون من أبناء الفلاحين ، لمساعدة آبائهم وأمهاتهم ، وقد ذهب إلي مصيف راس البر ، من كان له رصيدا من المال ، للاصطيان ، والنادر من ذهب إلي خارج البلاد ، ولكن من جلس في القرية ، مثل أولاد عرفان ، كان اليوم مثل كل يوم ، الذهاب للصيد بالسنارة ، ولعب الكورة في الشارع والذهاب إلي الحقول في رحلة علي الحمير ، أو اللعب مع الأقارب الآخرين ، ألعاب المساء ، مثل ( الطافية في العب ) ، وهي لعبة يجلس فيها الأطفال ، تحت الأضواء الخافتة ، من مصابيح الجاز ، ويتم تخبئة الطاقية في جيب أحدهم ، ويبحث عنها واحد ، حتى يكتشفها وهكذا يقوم غيره وغيره ، أو لعبة الاستغماية ، وهي فيها يغمض العينين ، ثم يختبىء الأطفال ويظل يبحث عنهم حتى يعثر علي أحدهم ، أو الأسكندراني ، وهذه لعبة من يقع عليه الدور ، ينحني في وضع رياضي ، و يقفون فوق ظهره الآخرون ، ثم لعبة اللعب وهي الضر علي القفا ، وفيه يضع إنسان وجهه في الحائط ويخبىء وجهه بين من أياديه ، ويضع يده الأخرى خلف ظهره ، ثم يتبارون في ضربه ، وعليه أن يكتشف من ضربه ، وهكذا يحل محله ولعبة " رمي البلى " وهي كرة زجاجية صغيرة ولعبة النحلة ، ومن يستطيع أن يضعها في الجحر ، وهي مصنعوة من الخشب المخروط ، ويتم قذفها بالرمال (حبل) ولعبة تطيير الطائرة ، وهي طائرة من ورق ، تشد بحبل طويل ، حتى تسبح في الفضاء ، ولكن كان هناك بعض الأشقياء ، الذين يقذفونها بالنبل ، او بحبل آخر ، فتسقط متهاوية ، دون حراك !!
وكان اليوم الكبير ، يوم ( البلبطة ) في النيل أو الترع ، وكان السبب في تعليم الأطفال ، الكثير من فوق السباحة ، ولكنها أي السباحة ، كانت أيضاً السبب الكبير في أمراض البلهارسيا وقد يصعدون أو يتسلقون أشجار النخيل للحصول علي ثماره من البلح أو أشجار التوت في موسمه ، بأسودة وأحمره وأبيض ، أو أشجار الجميز الضخمة ، وقد يحضرون فولد من الموالد ، وقد يجلسون يبنون بيوتا من طين ، أو يصنعون تماثيل منها ولكن الكرة كانت تأخذ أكثر وقتهم ، أو يتعبون من هذا أو ذاك فيجلسون يتسامرون الحكايات ، التي يسمعونها ، وقد تكون مخيفة ، وقد تكون خرافية ، وقد تكون مسلية ، ولكن هكذا كانوا يتناقلونها ، ويرونها ، وهكذا يظل الأطفال ، فإذا جلت مواعيد الدراسة ، كان الإلتزام بالاستيقاظ مبكراً ، والإفطار ، والذهاب إلي المدرسة ، لتلقى التربية والتعليم ، وممارسة الأشغال المنزلية ، للبنات ، والاشتراك في النشاطات المختلفة ، من رياضة وكشافة ، في البلاد المجاورة ، والكفور والنجوع ، ومن عمل حفلات تمثيلية في نهاية العام ، وكانت حفلة السنة النهائية الابتدائية ، تعد من الحفلات الكبيرة ، التي تضع لها المدرسة ، كل إمكانياتها وكذلك أولياء الأمور ، وكان التلاميذ ، يقومون بادوار الرجال وأدوار النساء ، وكان العروض ممتازة وفي أسلوب بسيط وكل تمثيلية ، وراءها عبر كثيرة ، وكان ما يعيب هذه الحفلات ، هو محاولة عطيفة علام ، مدرسة التاريخ ، أن تقدم الحفلة ، فتفسدها ، بمسك الميكروفون ، كل دقيقة فكانت تثير الاشمئزاز ، وهي تمسك الميكروفون بيد ، وتتفث سيجارها ، باليد الأخرى في وجه النظارة وأيضاً الممثلين.
يوم أيام القرية ، هو يوم عائلات القرية ونشاطاتها ، وهكذا تمر الأيام علي عرفان ، كأسرة من الأسر ، تعيش كل هذا ، وتشترك في كل هذا وتمر الأيام سريعة ، سرعة البرق ، فلا نجد إلا وأولاده ، قد ورد لهما حقهما ونجا ، واستمر في النجاح ، لا ترهبهما عطيفة علام ، فقد كان قرار السيد أبو الروس ، نقلها إلي محافظة المنوفية ، ولم يستمر الأمر إليها كثيراً فسرعان ما نقلت إلي القاهرة ، حيث أراحت واستراحت.\

انتقل الولدان ، إلي مدرسة زغلول الإعـدادية ، وانتقلت بناته ، إلي الصف الخامس الابتدائي ، وإلتفت عرفان إلي عمله أكثر ، وأعطاه كل جهده وعرقه ، ودعمه بقراءاته ، واتصاله بالشيخ الكبير ، وإذا حلت به مشكلة ، لا يستطيع حلها ، حيث أن هذا العلاج ، هو دراسة سلوك الناس ، بالدرجة الأولى وعندما ييأس الناس من العلاج الطبي ، ولم يكن متوفراً ، كان لناس يلجأون إلي هؤلاء الذين درسوا من الكتب ومارسوا وكانت تلك القرية ، مهبط لكل صاحب مشكلة ، تاه فيها شرقا وغربا ولم يحد حلا ، إذا اشتهرت بشيخها الكبير ، وها هو عرفان يجتهد مثله ، ويحاول مثله ، ويستشيره ، كلما جاءت مشكلة أكبر ، وكان أصحاب المشاكل ، لا يبخلون بكل غال وثمين ، علي مثل هذه الاستشارات ، بل وبالهدايا الثمينة ، والرضيعة أو بالزاد و الزواد ، وقد يجلسون بالأيام ، وبالأشهر ، وقد يرحلون مباشرة ، وقد يعودون مرة ومرات.

ذات يوم من الأيام ، جاء إلي عرفان ، رجل عجوز ، وكل ما ينطق به ، هو الأيام والليالي ، وقد رسمت ملامحها ، علي وجهه ، وعلي أبنائه ، الذين يحيطون به فلاقى كل ترحاب ، وفتحت له غرفة الضيوف ، التي خصصها عرفان للضيوف والمريدين ، بعد أن قام بعدة تعديلات في المنزل ، وكان الرجل علي علم وعلي دراية ، بمثل هذه الأمـور ، وقال لعرفان ، أتيت إليك من آخر البلاد ، ومن أصعبها ظروفا ، وأقساها بيئة ، أتيت إليك من الصحراء ، عشت فيها الكثير والكثير ، وخيرت النجوم ، والطوابع ، والكتب الصفراء القديمة ، ولقد سمعت عن الشيخ الكبير وعنك ، ولقد عرفت أنك كنت ، والآن تحاول أن تعود كما حكت ولقد جئت إليك رغم الشيخ الكبير ، لا أبحث عن مشكلة ، أو حل لها ، وإنما أبحث عن أعطيك خبرتي وتجاربي وثق أن المهنة تلك ، فيها الصالح وفيها الطالح ، وأن كثير من الأمور ، يحتاج إلي حل وله حل فعلا وكثير من العاملين في هذا الميدان ، علي علم وعلي كفاءة ولكن هناك الكثير من الدجالين والمشعوذين ، فماذا أنت صانع ، فرد عرفان ، أنت علي الرحب والسعة حللت أهلا وسهلاً ، وما الإنسان إلا خبرة ، عن خبرة نقلت عبـر الأجيال ، كل يعطي من خبرته ، وقد يضق بها ، وهي أنانية من هذا ولكنني بما سمعته منك ، أربأبك عن أن تكون مثل هذا وما هي الحياة ؟! إلا ان نرتفع ونخفض فيها ، ونتعلم فيها كل شىء ، ولقد عركت الصحراء مثلك ، وعشت حياة المناجم ويبدوا أنني بجانبك ، هامش من الهوامش ، وبيتي هو بيتك ، تأكل مما تأكل منه ، وتشرب مما نشرب منه ، والرزق من ند الله ، ويكفيني الجميع فابتسم الرجل وقال له أسمعنى ما عندك ، قل لي ماذا سمعت وشهدت ، في هذه السنوات القليلة ، وبعد أن أسمع منك ستجد الخير عندي بإذن الله.

واخذ عرفان يحكى له فقال قد تتعجب أول الأمر من هذه القطط الكثير وقد تتعجب كيف تعيش هذه القطط ، لقد كانوا بداية قطا وقطة جاءوا إلي الشقة ، وجاء الخير معهما واستبشرت بهما ، فصاروا قطيعاً كبيراً كما ترى الزرق معهم ، ويأكلون ما يبقى من الطعام والخير بإذن الله كثير ، وقال الناس كثيرا ، يبدوا أن هذه القطط تساعده في أعمال ، و يبدو أن فيها من روح الجبن ، أو العفاريت ، إنها تأكل أكثر من ستين شخصا ، ولم أهتم ، فرزقها علي الله ، ولم أفكر في كلام الناس ، فقد يطول وقد يقصر ، ولكنه لن ينتهي ، ومن قبل قالوا عجيب يا دنيا ، ابن الذوات بعد أن أفلس يلعب بالثلاث ورقات ، يلعب شمهورس ، يا ملك الجان الأحمر ، إحضر وهات المطلوب ، عجيب يا دنيا ، ولم أرد ، ماذا أقول ؟ أنا لا أدخل علي أحد ومن جاء هذا دون كل الأعمال ، لأن الصحراء ذات يوم ، وهكذا كان القرار ، يوم إدلهمت الأمور معي ، وبات علي أن أفعل شيئاً ، والحمد لله ، الحالات الكثيةر ، التي قابلتني تم حلها والكثير يدعو إلي الأكثر فالزبائن مستمرة ، وأسأل نفسي أحيانا ، أين كان هذا الكم الهائل من الحالات ؟ ولماذا يلجأون ويطرقون ، أبواب ، وأبواب غيرنا وأتأمل حكمة الله ، هذه الملايين التي تسير وتنتشر كل صباح ، في هذه البلاد ، تسعى نحو الرزق ، بها كل هذا الكم الهائل ، ولا أكتمك الأمر ، أنني لم أوفق في كل الحالات هناك بعض الحالات وسأروى لك منها شيئاً.

جلس الجميع علي السجادة المفروشة ، بغرفة رجل الصحراء ، وكانت سميرة الوسيطة الروحية ، في أعمال عرفان ، تقوم بالخدمة عليه ، وعلي ضيوفه ، من شاي ، وقهوة ، وغير ذلك من الأمـور ، كان الوقت قبل الظهيرة ، وكانت الشمس أشعتها خارج المنزل معتدلة الحرارة ، وكان الجو داخل البيت ، معبق بالبخور الجاوي الممتازة ، وكانت القطط ما بين نائمة ومستيقظة ، وكان الأولاد بالمدارس ، وكانت الزوجتان وفريال ، وبعض النسوة ، في غرفة الطعام يعدون الطعام ، للغذاء ، وكان الضيوف من الزبائن قليلون ومعظمهم قد أخذ في الإنصراف فلم يأتوا لعمل ، وإنما زيادة مجاملة ، لم تنقطع منذ انتهت مشاكلهم ، وأخذ عرفان سيجارة من علبته ، وعزم علي الضيف الكبير وصحبه ، فأخذوا ، وأشعلوا له وأشعل لهم وكانت السيجارة هي عادة مؤقتة ، كلما كان هناك مثل هذا الضيف الكبير وبدأ في الحديث ن ي سيدي لا أستطيع أن أذكر لك كل الموافق ولعلها قابلتك يوما ما ، وأنت كما يبدو وكما سمعنا منك ، وما سمعناه عنك رجل " نجيب ومحفوظ " بإذن الله ، ونحن معك محفوظين ، وأقسم لك بالله ، وبحياة " المصطفى الأمين " بأن هناك الكثير من الحلول والعلاج ، يأتي إلي بالإلهام ، وأشعر كأن الجو الذي أعيش فيه ، جو روحاني ، نقى ، وقد يكون ذلك كرم من العلي الخلاق ، الذي يقول لكل شىء كن فيكون ، ويسخر الأشياء ، لمن يشاء وهكذا كانت ممارسات السنين السابقة ، أتى إلي ذات يوم يا سيدي الكريم بعض من رجال البلدة ، بل قل والحق يقال ، أنهم ب عض الأقارب كان قد سرق منهم مبلغاً كبيرا وأتيت بسميرة ، وهي الوسيطة الملائمة التي اكتشفتها من بين الذين حضروا لأختار منهم رجالا ونساء كثيرون ووجدتها صاحبة تجاوب كبير ن مع هذا العالم الآخر وبدأت أحاول أن أكشف عن حل لهذه المشكلة ، لأن نتائجها كبيرة ، فمن ناحية أن عدم معرفة السابق أدى إلي شك الزوج في زوجته والأم في ابنها والأب في زوجة ابنه ، وهكذا عائلة تكاد تنهار ، ثم أن المبلغ كان مخصصا لسداد رهن عليهم ، إلي البنك وإذا لم يسددوا فسوف يستولى البنك علي أراضي من أجور الأراضي الزراعية ، ثم أن بخاص يعني تدعيما إلي خاصة وأنهم يقولون في سرهم ، هذا صاحبنا ونعرفه ، هل سيضحك أيضاً ، كما يضحك علي الآخرين وكأنه امتحان وقد جاء ميعاده ، وبدأت أقرأ الكثير من الآبات القرآنية ، وأتلوا العزائم المختلفة ، ونومت سميرة أيما تنويم ، وحملت الفنجان في يدها ، والكل حولنا صامت واجم كانت الحجرة مغلقة ، ورائحة البخور تملأها ، وتملأ خياشمنا ، وبدأت سميرة تتكلم لقد حضروا وعدت المائدة ، وألوان الكراسي الخضراء ، هي التي تظهر وأحضرت الكتاب ذي اللون الأخضر ، وأخذت أقرا من ، ثم سألتها ماذا يقولون ؟ من سرق المبلغ ؟ وارتجت سميرة ، ولم تستطع أن تحدد ، والجميع متلهف ومتربص وكان معهم طفل صغير ، وكان شغوفاً أكثر من الجميع ، ولم نصل إلي نتيجة ، واضطرت أن أبرد الأمر ، وقلت أن هذا الطفل قد نظر في الفنجان ، فعطل كل شىء ، كنت أقول لأبرر ، ولا أدري يا سيدي ، هل كنت علي حق ، أم كنت مخطئا ، وضاع المبلغ وضاعت الثقة من هؤلاء ، ولم ينشروا ذلك ، لأنهم كانوا إلي الدم أقرب ، وإلي كتمان ذلك أعظم ، فلا هم يردون أن يشهروا بأنفسهم ، ولا أن يشهروا مني وكلاهما مر ، فما قولك يا شيخنا في هذا الأمر ، رجل الصحراء ، بيديه ، يدي عرفان ، ونظر فيها طويلا ، وقال الأمر غاية البساطة ، ما قلته شىء كبير من الحقيقة ، ذلك أن هناك من الأرواح ما تتألف ، وهناك من الأرواح ما تتنافر ، وكذلك الاتصال ، فلابد أن يكون الوسيط وسيط روحانيا لكي يقوم الاتصال بين ما هو لا مرئي وبين صفحة الفنجان ، التي تعكس الرؤية ، ويبدو أن هذا الطفل الشقي لديه قوة التأثير في قطع هذا الاتصال ، فقد استطاع ، بنظراته في الفنجان ، أن يشوش علي الاتصال ، القائم بين هذا العالم وبين وسيطك ، والأفضل أن لا يكون أحد موجوداً غير الوسيط وإذا رغب الآخرون أن يحضروا فيكون ذلك من وراء حجاب.
وابتسم الجميع لتفسير الشيخ ثم مسح الشيخ علي جبهة عرفان .. وقال له .. هات ما عندك .. أعطنى حالة أخرى.
فقال عرفان ، أما هذه الحكاية فهي حكاية من أغرب الحكايات وقد يقابلنا ، مشاكل علاجها ليس في الاتصال أو فتح المندل ، أو قراءة الفنجان بقدر ما تكون نتيجة أحقاد المجتمع وطمعه وجاء إلي ذات يوم شاب ، في العقد الثالث من عمره قوى البنيان ، موفور الصحة ، ثم قال " جئت إليك علي أحد عندك حلا لكل المشاكل أو قل مجمع المشاكل فقلت له سلاما وقلا من رب رحيم ، كل هذا تحمله علي كتفيك ، وتكتف به عقلك ، قل لي كل شىء ، ولا تخشى أحدا فكل ما تقوله ، في أمن وفي أمان وأخذ الشاب ، يحكي كل ما يعلق به ويتعبه ، قال يا سيدي ، كنت في حياتي ، مخلصاً لدراستي ، ثم لعملي ، أعطيت لهما كل شىء ، الجهد والتعب ، والإخلاص المستمر ، ولم أكن في يوم من الأيام بالولد الشقي ، وإنما كنت دائما الولد الهادىء ، الرزين ، أحمل بين كتفي ، عقلا ناضجاً وذكياً ، ليس بمن يمجد في نفسه ، ولكن باعتراف الجميع وكنت شابا خجولاً ، أحب أسرتي أيما حب ، وأحب أصدقائي ، أيما حب وأحب أهل قريتي أيما حب ، وكنت أبكى إذا مس إحساسي أحد بكلمة ، وكنت أضع وجهي دائماً في الارض ، ليس عن خنوع ، وإنما عن خجل ، وكنت لا أجيد الحديث دائماً من شدة خجلي ، وكنت أخلط في نطق بعض الحروف ، ولا أقوم أسناني ، حتى يستقيم النطق ، ولكنني رغم كل هذا اجتماعي ، أمارعي الرياضة وأغوص مع القراءة في كل مجال ، ولا أهمل دروسي ، ولم أكن ملاكاً ، فالإنسان يخطى ويصيب ، ويتعلم من التجربة ويتعلم من تجارب الآخرين ، ويتذكر الإنسان قول عيسى عليه السلام ، حينما أنكر عليه المنكرون له ، أن تدلك قدميه إمرأة ليست فوق مستوى الشبهات ، " قالوا ؟ من كان منك بلا خطيئه فليرجمها بحجر " ، فبهت القوم لقوله وانصرفوا لحال سبيلهم لأنهم " خطأون " .. وها هي إمرأة ذات تاريخ غريب ، وقل أنها كانت ذات يوم ، صاحبة نصيب من أخطاء الحياة ، تنصحني بعدم الخطيئة ، تلك المرأة التي لوثتها الحياة ، تنصح بعدم الخطيئة ، تلك المرأة طريق الخلاص والنجاة لكل خاطىء ، كان ذلك منذ عمر تعدي عقود من السنوات ، وكنت صغيرا لم أبلغ السادسة عشر ، وكنت لا أفهم من الدنيا ن غير ما يفهمه طفل نعتي ، لم يتعد الخامسة ، ولا أعرف في زمننا معنى الخطيئة وحدودها ومجالاتها ..
هذا هو قول شاب الثلاثين لعرفان المتمرس المجرب المداوي اليوم لهموم البشر ، ويستطرد عرفان لشيخه .. لقد رددت عليه يا شيخنا .. " يا بني .. ليس العيب أن يخطىء الإنسان ، ولكن المهم ألا يتمادى في الخطأ ، وان يعرف الطريف الصحيح " ، فأجاب الشاب لعرفان .. أنه يعلم هذا ولم يكن بعد نصيحة المرأة له ، إلا الإنسان النظيف النقي ، الذي لم يخطىء لا قليلا ، لا يهمه إلا الدراسة والرياضة والعمل ن بكل إخلاص و اجتهاد ، ولكنه ابتعد عن كل شىء ومنه المرأة ، وحول كل هذا الجهد إلي النجاح ، ويبدو أن النجاح يولد الحق ، ويقف الحاقدون صفا واحدا ضد من ينجح ، وهم قوة أكبر من أي قوة ، وهم في تجمعهم أكثر صلابة ، وفي كذبهم أكثر صدقاً ، في نظر الكافة والعامة ويستطرد الشاب قائلا " أتيحت لي فرصة العمل في شركة بترول بالصحراء ، وكان المرتب كبيرا ، وكان الفراغ طويلا ، فتفرغت للقراءة وللكتابة ، وراسلت الصحف ، فنشرت لي ، ثم أخرجت الكتاب " الأول والثاني والثالث والرابع " ، وأنا قابع في مكاني المنعزل ، وكتبت عنه بعض من الصحف ، فتحول الحقد من مكان إلي آخر ومن عمل إلي آخر ، وقالوا " يهمل في عمله " وكنت أكثرهم عملا ، وقالوا ولاكوا في سيرتي ، وكنت انقاهم جميعاً واشرفهم ، وتصارعت فرق كبيرة ، فيما بينهم داخل الشركة ، وكان لكل فريق أنصاره ، وكنت محايداً ، وكل مجموعة تحاول أن تجذبني نحوها ، ورفضت فزادت الحرب ضدي ، واتهمت في الخفاء ن بتهريب اسرار الشركة إلي شركة أخرى ، ولم يحدث لأنه ليس من طبعي ، بل العكس ، لقد طورت في إنتاج شركتي في التصميمات ، وفي الرسومات وفي طرق الإنتاج ، وقدمت لها خططا جديدة وأفكارا حديثة ، بما اكتسبته من سعة إطلاعي علي أحدث التقنيات العالمية ، ولم أكتف بذلك ، بل راسلت بعض الجامعات الأجنبية ، وأرسلت لها بعض مؤلفاتي ، ولكني أبدا ، لم أملك القدر الكافي من المال اللازم للدراسة ، ولم يكن جهدي علي العمل فقط ن بل امتد إلي مجالات أخرى أجيدها مثل الكتابة وما يتعلق بها كالصحافة والأدب ، بل شغلني ذات يوم موضوع سقوط بعض الطائرات وأخذت افكر وأفكر ، فتوصلت إلي اخترع ، ولكن لم أكن أملك تكاليف تنفيذه ، كان الاختراع يتلخص بأن يتم عمل مظلة ضخمة للطائرة ، يتم ( فردها ) في الهواء ، لدى تعرض الطائرة لأي تعطل في المحركات ، أو في أي جهاز من أجهزتها ، وذلك بأن يتم الضغط علي زر " أتوماتيك " يقوم بفتح المظلة ، عن طريق الطيار أو أحد مساعديه ، كما يمكن فتحه يدويا أيضاً ، وعند هذه الحالة تتحول ، الطائرة إلي بالون ، كما يمكن إنزاله بطريقة ما أو يمكن تثبيته ، حتى تأتي طائرة أخرى وتلتحم به وتنقذ الركاب ، وهو عل كل حال فكرة خيالية ، ولكنها جاءت ، وحاولت تسجيلها دون جدوى وفوجئت بسرقة هذا الاختراع في الشركة ، وزاد الحق وهو عيب الذين يحدثون فلاهم يتركون الناس تعمل ، وتحول الحقد ، إلي تشويهات أكثر ، ونسوا المثل الذي يقول ، من كان " بيته من زجاج لا يرمى الناس بالحجارة ، لأنها سترمى بيته أيضاً ولكنهم حقودين ، وخبثاء لا يستطيعون أن يصرحوا بعيوبهم ، ولكنهم دائما صرحاء ، في معاقبة المجتهدين ، وكانت النتيجة طردي من الشركة واصبحت الشىء الأول وهو المتفانون الآوئل في عملهم ، ومرضت مرضا شديدا وقاومت وعدت إلي بلدتي فوجدت أن الأمر أكثر من ذلك بكثير ، وقد تحولت إلي شبه منبوذ بعد وفاة والدي وأمي ، ذلك أنني اكتشفت أن حياتي كتاب مفتوح يعرفه كل الناس ولا أعرض عنهم شيئا ، ومن ثم أصبح من الصعب علي أن أعيش أمام شاشة مرئية للناس ، وبالتالي فأقل خطأ في نظر الناس ، خطيئة كبرى ولم أكن أخطىء وإن كنت أتمنى الخطأ ، أن الإنسان يتمنى في لحظات أن يخطىء ، ولكنه لا يستطيع ، وهم يخطئون ، ولكنهم لا يظهر من أخطائهم الكبيرة أو الصغيرة ، فيكونوا أبرياء ، وكل منهم يصدق الآخر ، لان كل منهم يصرف عن الآخر ، مثل ما يعرف الآخر عنه ، ولكنهم عاشوا علي هذا كل منهم يداري عن الآخر ويبدوا أنني النشاذ الوحيد في جوقة الحياة ، لأن النقاء دائما ، لا يستطيع أن يعيش في مستنقع الرذيلة ، وتذكرت قصة لتوفيق الحكيم ( نهر الجنون ) كان رجلا وحيدا عاقلاً ، أو عدد قليل من الناس عاقلون ، وكان بقية الناس ، قد شربوا من نهر الجنون ، فصاروا مجانين ، ولكن العاقلين ، صاروا هم المجانين ، في نظر هؤلاء الناس وكان الحل أن يشرب العاقلون من نهر الجنون وصار المجتمع كله عاقلا !! ولكن هل علي أن اشرب من نهر الجنون ، أم ماذا أفعل ؟ أتركت المال والجاه والمركز والشهرة ، في شركة البترول ، وجئت إلي مجتمعي وأقاربي وأصدقائي ، فوجتني منبوذا ، من الجميع عدا الناس الطيبون ولكن ماذا يفعلون ، أمام هذه القوى ، وصرت مكللا نجزي وعار ، ليست مسئولا عنه ، ولا أعرف عنه شيئا ، ولكن كل أخطاء الغير ، أردوا أن يلصقوها بي وكأنني شماعة الأخطاء ، كل من يرتكب خطأ ولا يستطيع أن يتحمله ، يحوله علي ، وأنا لأدري ماذا فعلوا ؟ ولماذا فعلوا ؟ ولماذا أنا بالذات ، واكتشفت في رحلة الحياة أنهم يستثمرون جهدي وتعبي وحياتي ، في مكاسب ولا يعدوا علي إلا أشواكهم ، ويمتعون هم بورود الاستثمار ، ووجدت أن حياتي متوقفة ، أو قفوها لأنه يريدون ذلك ، العمل مغلق أمامي، الكتابة موقوفة أمامي ، كل شىء حتى الزواج ، وإذا تكلمت أو صرخت أو دافعت عن نفسي ، كنت المشاغب ن وهم الضحايا !! ويقولون أنت واهم أنت مريض ويصدق الناس كل هذا ، مسكين أصابته آفة العقل ، منذ جاء من الصحراء ، ويصدق الناس ، أنني أتوهم وأنني أتخيل ، وأرى من وراء الحجاب ، أيادي كثيرة تلعب في الظلام في أمنياتي وفي أحلامي ، وفي عملي وفي كتابتي وفي دراستي ، ويراها الناس ، أمامهم بأنني سىء الحظ ، أو بأنني الذي فعلت بنفسي هذا ، ولم يصدقوا ، أبدا أن هناك ما وراء الستار من يلعب ويخطط ، وينفذ ليضع العراقيل في طريقي ويظهرون أمامهم الناس ، بمظهر الحمل الوديع ، كل منهم حمل وديع ، وكل منهم هو الصادق وكل منهم هو الملاك ، والعجيب أنهم يشغلون ، مراكز عظيمة ، وعلي ثقافة عالية وكنت أساءل نفسي دائما ، إلي هذا الحد أنا سىء ؟ وإلي هذا الحد أنا شمشون حتى افعل كل هذا ؟ وإلي حدث أنني ضد نفسي ، وترد نفسي أنت علي حق ، وهم علي خطأ ، ولكنهم أمام الناس علي صواب ، وهم اشراف ، وانت المخطىء وأنت السىء بل يقولون بصراحة ، بل أنت ابن الشوارع وترد نفسي ساخرة ، وهم أولاد الملوك والأمرا ، وأنت ابن الجارية !! ، وتستمر حياتي بهذا الشكل يا سيدي ؟ ولا أدري ما هو الحل ؟ وهل نامت الضمائر إلي هذا الحد ؟ وهل أثقلت القلوب الحق إي هذا الحد ؟ وإلي متى ولمصلحة من ؟ كلنا أولاد آم ، وكلنا أبناء وطن واحد ن وكلنا أبناء دين واحد ، وكلنا نحمل أسماء آبائنا و أجدادنا ، ومسجلين في سجلات الحكومة ، وكلنا لم نر إلا آبائنا وأمهاتنا ، ولم نعرف إلا ميلادنا ، ومعيشتنا ، ومشاركتنا في الحياة ، حتى بلغنا ما بلغنا من العمر ، ولو شككنا في أنفنسا وفي آبائنا وفي أمهاتنا ، لشك كل الناس في آبائهم وفي أمهاتهم ، ولكن قصور عقولهم ، وشيطان مطامعهم ، ولا مراد لقضاء الله ، فيما يقولن ، وفيما يفعلون ولا راد لقضائه أيضا فيما يعلم وفيما يخصى ، وفيما يعد لهم ولكنهم لاهون هذه هي مشكلتى يا سيدي فماذا أفعل ؟ ويقول عرفان يا بني أنا لا أملك أن أفتح لك مندلا ولا أن أستدعي لك الأرواح كي تحل لك مشكلتك ، أو ارسل في طلب ملك من الجان ، لكي يفضي بالحقيقة ، ولكن كل ما أقوله لك ، أن هؤلاء الناس ، مجموعة من المرتزقة ، ومن المنتفعة ، يستغلونك ويحلبونك كما تحلب البقرة !! فلما أفقت ، منعت عنهم هذا الربح ، وهذه المنافع فكان عليهم أن يقضوا لك ، ويتهمونك بكل هذا وأنت من كل هذا براء ، لقد قطعت عنهم كل المنافع بل وأنك تبحث في حقوق ضائعة ، أكلوها ، وهضموها ، منذ أمد بعيد ، بعمر حياتك كلها ، فلا تتوقع منهم أقل من هذا ، بل أكثر من هذا لو استطاعوا فعليك أن تتسلح بالصبر ، وأن تحرص علي نفسك وأن تقاومهم ، وأن تدافع عن نفسك ، وكن قويا ، يخاف الخبثاء ، وكن كما تريد ، لا كما يرد الناس ، وعلي وجه التحديد ، كما يريد هؤلاء المنفعين ، وشق طريقك من جديد ، وإذا ضاقت عليك البلد فهاجر فأرض الله واسعة ، ودعم لحقدهم ن ودعهم لطمعهم ودعهم لجشعهم ، فكل هذا مرض في النفوس ، ولا علاج له ، إلا بأنفسهم ، ولن يعترفوا أنه مرضى ولن يعترفوا أنهم لصوص.
وأردف عرفان قائلا وإنصرف الشاب من عندي ، وعزمه قوى لا يليق وإرادته في صلابة الجبال ، وعقله متوهج ن نحو التفكير السليم وعيناك ذات بريق العظماء الذين يحددون الطريق ، نحو بلوغ أهدافهم ، فرد شيخ الصحراء ، في ابتسامة حانية ، وقطرات من عينيه ، تكاد تفر لولا حكمته ، التي علمته الصبر علي كل شىء وقال لو أنني مكانك ، ما قلت غير ما قلت ، وما نصحته بغير ما نصحت ولكن هؤلاء الأبالسة ، لابد لهم من رادع ، وما راوغ ، إلا بتوعية باقي الناس ، عن فعالهم ومنكروا أعمالهم ومساعدة هذا الشاب علي حقه ، ولو دونه ، قطع الرقاب وما صبر الناس ، علي البلاء وعلي هؤلاء الأفاعي ، من الناس إلا سويعات وإن قيست السويعات بسنوات وسنوات ، وإن كان هناك مثل هؤلاء ، فالدنيا ما زالت بخير ، والناس الكرام السمحاء ، يملاؤون مراث الأرض وجبالها وبحارها وأنهارها ، وجزرها وشعابها وصحراءها وخضراءها.
وهنا دقت سميرة علي الباب ، اتفضلوا يا سيدي عرفان ، الأكل جاهز ، فقام عرفان وهو يشد علي أيدي الشيخ ، وبعينه علي الوقوف ، وقام له ، ها يا سيي هيا يا رجال لقد حلت بنا البركة اليوم ، وقام الرجال دون اعتراض فكرم الرجال لا يعترض عليه إلا البخلاء وهؤلاء رجال صحراء طباعهم الكرم وخصالهم حب الضيف والترحيب به بل هو مجال فخرهم ، وإن ضاع منهم كل ما يملكون ، أمام حق الضيافة ، لذا فترحيب عرفان بهم ، كان شيئا عاديا ، ولم يتغنوا بأنهم قد أكلوا بطعام الإفطار الشديد ، وإنما الكريم يرحب بدعوة الكريم ، ولم يكن هذا بطبيعة الحال ، فعل كل أشعب ، حينما يمتنع عن الأكل ، وهو إليه راغب ولكنها ألاعيب حبه للطعام ، علي أن يكون على حساب الآخرين ، وليس علي حسابه ، ولم يقد أبدا برد الضيافة.
وهكذا كل أشعب ، وكان الأكل هنيا شهيا فأقبلوا عليه كأنهم لم يأكلوا منذ مدة طويلة. ثم عادوا إلي جلستهم ، بعد أن اغتسلوا ودارت كؤوس الشاي ، واستأذن عرفان الشيخ في شرب النارجيله ، وأذن له الشيخ ، وشاركه بعض رجاله ...
وأستمرت الأحاديث والحكايات وقال الرجل الضيف إن حكايات العمل كثيرة ، مساعدة الجن أكيدة ، لا ريب فيها والقرأن الكريم ، يذكر ذلك ويرى أنهم كم من أعمال قاما بها في خدمة سيدنا سليمان ، فلقد صنعوا له الأشياء ، وعرضوا إحضار عرش بلقيس ، وغاصوا له علي كل ثمين وفصلوا له ما لا يخطر علي عقل بشر ، ولكنه جميعا كان بإذن الله.
ولكن الشىء الثمين ، أن لا تستخدم في الشر أو في تفريق الزوج عن زوجه ، وأن تفعل دائما ، من أجل الخير ، ولا تنسى يا أستاذ عرفان ، أن هذه الأعمال الروحية لا تأتي بالغنى والثراء بتسخير الجن لمثل هذا وإلا كنا أول الأغنياء ، واستغنينا عن كل هذه الجلسات ، وحضور الزبائن ، وحضرنا بالجلسات لصالحنا ، وأحضرنا لبن العصفور ، وهي أيضا ليست دجالة ، وشعوذة وضحك ، علي الذقون ، وإنما هي علم وله أصول وقواعد وإجراءات ، ومن يقع في خطا كأن يحضر الخادم ، من الجان ، حسبما يتلو من قرآن ، ومن آيات معينة ، ويعجز عن صرفه ، قد يؤذيه ، وقد يكون ذلك ، العاهة التي ليس لها علاج.
وأقره عرفان علي كل ما قاله ، وقال له الرجل ، وسوف يكون لك من الأكبر سنا خبرتي وعلمي طوال مدة إقامتي معك.

استمر عرفان في عمله ، يقضي منه حب العمل ونفقات قليلة تعين علي المعيشة والشيخ يؤيده ويعطيه من خبرته الكثير وأحيانا كان يقوم الشيخ بالمقابلة ، وعرفان معه يعلم ويتعلم وذاع صيته في الأقطار جميعها ، فلما استوثق الشيخ منه ، أذن في الرحيل ، فلبى عرفان بعد تمنع طويل وكرم الشيخ أيما تكريم وأوصله فكرما بكل عزيز لديه والشيخ فرح بكل ما لاقى من ترحاب وحب وسعادة وطلب من عرفان أن يزوره في مكانه الدائر بالصحراء ووعد عرفان بتلبية دعوته ولم ينسى الشيخ أن يعطي عرفان علاوة علي كل ما تقدم بعض الكتب والمراجع التي لا غني عنها في هذا الشأن واتفق كل منهما علي أن الكثير من الحالات التي قابلتهما ما هي إلا متاعب الحياة وقد تغلغلت في النفوس البشرية وتعقدت وأن أكثرها هو اختلال في العلاقات بين البشر كأسرة أو مجتمع وأن الحل يكون بمجادلة حل هذه الخيوط المتشابكة خيطا خيطا حتى يصل إلي اس المشكلة وسببها وان الحل والعلاج غالبا ما يكون بالعودة إلي التوازن داخل النفس البشرية في معاملتها مع البشر وفي معاملتها مع نفسها وأن كثير من الأمور يرجع إلي مشاكل يمكن حلها بالتفاهم والتراضي وقد تكون هناك مشاكل حلها في الطب وفي الجراحة وفي العلاج ، وأنه يجب أن لا يخدع أحدا طمعا في مزيد من المال أو العودة مرة وثانية وأن العلاج الروحي هو العلاج الأخير ، وأن العلاج الطبيعي بالعودة إلي الطبيعة من أعشاب طبية وغير ذلك من الأمور أثبت الكثير من النجاح خاصة وأن المواد الكيمياوية كثيرا ما تؤدي إلي زيادة هذا الاختلاف ، ثم صحبة عرفان قبل الرحيل ، في زيادة مجاملة للشيخ الكبير ، فكان لها الأثر الكبير في منع حساسية التعامل والتنافس ، وركب الشيخ وبطانته سيارته وقبل أن يبرح المكان وينطلق إلي حال سبيله قال لعرفان ينصحه لنفسه ولحياته " إياك أن تفرح لخير ، أو تحزن لحزن ، فلا ندري أخيرا أريد أم شرا يكون ، ولا ندري أجرنا يكون أو قضاء أخف من قضاء " وسلم الرجلان سلام الوداع .. و انطلقت عربة الشيخ وعاد عرفان إلي بيته ، وهو يتذكر كلمات الرجل ويضعها أمام نفسه ويقول لنفسه لقد صدق الرجل .. وأن القدر كان علي ميعاد معه ، فلما عاد إلي المنزل وقبل أن يخطو خطوة ، وجد تجمعا من الناس ، وصراخ وعويل ، وتذكر حكمة الشيخ ، فصبر حتى يصرف ، فإذا قائل له البقية في حياتك لقد مات ابنكم نعيم لقد عرف في النهر فابتسم عرفان ابتسامه باهتة وقال الحمد لله علي كل ما يأتي به وتذكر كلمات الشيخ مرة أخرى كان هذا الولد ، ابن عفارم وسبق أن غرف ابنة الأكبر في الترعة منذ زمن كان ابن روح الحياة وهذا النعيم الذي عرف ابن عفارم كان ولدا لطيفا ، رقيقا كالنسيم وكان صغيرا ولكنه يستطيع أن يمشى وأن يتحرك حاول أن ينزل إلي النهر ، وكانت السلالم من الصخر الأبيض جميلة ومنسقة ومنحدرة وأصل نزوله عليها أراد أن يتفرج علي بعض الصبيان وهم يلعبون في الماء ويسبحون ويقطعون المسافة ما بين البرين ، في مسابقات تثبت الشجاعة ثم نظر إلي الماء فأعجبه فمد رجله ( يطرطس ) بهاء الماء فإنزلقت رجله وغاب في الأعماق ، وبحث عنه الجميع دون جدوى ثم جاء الصيادون بقوا ربهم ومعهم ما يسمى (السنار) و هي الوحيدة المخصصة ، للبحث عن الغرقى ، في هذا النهر المقدمس الغامض حتى وجدوه فسحبوه وحمله أحدهم علي يديه ، ورمى عليه أحدهم ملاية أحضرها من منزلة القريب وأخرجوه وحملوه إلي المنزل ، وانطلق الصراخ من النساء وأعمى علي عفارم ، وبكت روح الحياة وتذكرت ابنها الأول البكرى الذي غرق من قبل في الترعة ، إلا أن كل الخوف ... والخوف كله من رد الفعل لدى عرفان ..
وذكرت روح الحياة ، الحاضرين بما حدث في الزمن القديم وأرادات أن تحضر أي سبب يبلغونه به خوف غضبه وآلاف الأسئلة التي يطرحها...
إلا أن عرفان كان إنسانا آخر غير الذي كان .. أيامها كانت السعادة تملكه من كل جانب ومن ثم كان أثر الصدمة كبيرا علي عادل الابن البكري أما اليوم فالقدر يضرب فيه من كل جوانبه .. ومن ثم فهو قد تعدد علي كل هذا ... ثم أن كلمات الشيخ لم تبارح مخيلته. وكانت قبل الحارث بقليل .. وكأن الشيخ قد كشف عنه الحجاب ، فعرف ما عرف ، أو كان الشيخ ذو شفافية يعرف ما يحدث قبل أن يحدث لذا فعرفان حزن . نعم حزن .. ولكنه لم يفعل أكثر من الحزن في نفسه .. وكان وكان صابرا وتقبل القضاء والقدر وتقبل العزاء في ابنه .. وأقام له سرادق ضخم .. وحضر المسئولون بالمحافظة وحضر الأصدقاء و الأقارب والمعارف ومريدوه من كل مكان وحضر الشيخ فعزاه أيضا لما عرف عاد في نفس اليوم بعد أن أبلغه الشيخ الكبير... وتلاقى الجميع في واجب المشاركة بالعزاء .. وتجمعوا كما لم يتجمعوا من قبل واتفضوا كما لم أتوا .. وعاد كل إلي ممارسة الحياة .. بكل ما فيها من سعادة وهناء .. وبكل ما فيها من مرارة وتعاسة .....كان عرفان قد صار غير عرفان لأنه قد كتم كل الحزن في نفسه ، وكان يفرغ كل الحزن ، في زيارات بعيده وقريبة عن البلدة وكانت أكثرها زيارات لعب وضحك وحب وكأس وحشيش وورق ، ولم تخلو من الجد أحيانا وكان البيت قد أخذ يعود إلي وضعه الطبيعي وكان الأولاد يتقدموا في مدارهم وقد تقدم جدير وغدير في الدراسة الإعدادية بمدرسة زغلول الإعدادية وتقدمت البنات حتى وصلن إلي الصف النهائي للقبول ، ثم انتلق إلي الصف الأول الإعدادي بنفس مدرسة الأخوة ، وكان هناك بعض المشاكل علي الإرث بين روح الحياة وأسرتها ولم يستطع أن يقوم عرفان بحلها مع أخواتها ، فكان يضع همه عليها فتقول له وما ذنبي ، وقد صرت من عائلتك ، وانفصلت عن عائلتي وانت السيد في كل شىء ، فتحمل كل شىء ثم ماذا سيفيدك ، هذا الإرث ، وكم يبلغ بجانب ما ضاع منك من ثروات ؟! لقد عشت معك علي كل الأحوال ، في الفقر وفي الغنى ثم الفقرة مرة أخرى ، ولم شكو ولم أتذمر ، وصبرت علي مثالبك وهي كثيرة من خمر ونساء وحشيش وسهو وفوضى وتذهب وأنت في أكمل أناقة وتصور محمولاً علي الأكتاف ، من كثيرة سكرك وعربتك وتحملتك وقد جئت لي بعفارم ، ولم أتذمر إلا قليلا .. ماذا تريد أكثر من هذا ؟ فيصمت عرفان .. وقد عرفته الأيام ، أن يتحمل وأن يترك الغضب في وقت ما .. وأن يبلغ غضبه كلما اشتد ، أو علا الشجــار .. ذلك أن هذا كفيل ، برأب الصدع ، وأن يترك للمشكلة ، وقتها ، الذي تحل فيه .. ثم أنه يرى في حالة مثل حالة روح الحياة أن كل كلمة قالتها .. كانت فيها علي حق .. فلم يضع كل همه عليها .. وكأنه يضع كل مشاكله وهمومه .. علي زوجتيه .. ومن قبل علي زوجته روح الحياة .. قبل أن تحضر عفارم .. فلما أتت عفارت .. وضع الهم كله عليها .. فكان نصيب روح الحياة السخرية من سمنتها وكان نصيب عفارم السخرية منها بالسب واللعن وكانت روح الحياة ، تردد دائما .. أما عفارم فكانت ذات خبرة جعلتها تبتسم وتضحك وتنحسب وكأن شيئا لم يحدث .. وتعودت روح بعد ذلك اللامبالاة فتسير ببطء وهي تلول ليبانه ولا تلتفت إليه .. حتى تدخل حجرتها ، ثم تقفل الباب ..
حتى يتنتهي الموضوع تماما .. وها هو تدريجياً يتحمل ويصبر وقد يتغاضى منعا لمزيد من المشاكل خاصة وانه كل يوم يقابل زبائن ويجب أن يكون أمامهم في أكمل لياقة .. لياقة بدنية ونفسية وراحة نفسية تنعكس في وجهه وفي ابتسامته الحانية إن الذين يحضرون إليه مرضى ومرضى بأمراض أكثرها نفسية وأمراض أكثرها نفسية فكيف يقابلهم ... وهو نفسه مشكلة .. كيف يكون صاحب الحل والعلاج .. في حاجة إلي علاج ..لهذا كان عرفان دائما .. يحاول أن يلغى كل هذه المشاكل منذ دلف إلي هذا المجال ، واختار هذا الطريق .. أو كل أنه أجبر علي هذا العمل.
كان هذا العمل ، روتين يومي منذ الصباح وحتى المساء .. وقد شغل هذا العمل ، عرفان عن متابعة التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة وكان يشغله عن متابعة الفنون وتطورها بكل فروعها المختلفة ، ولكنه كان ينتهز فرصة الاجتماع بصحبته الخاصة في مساء كل يوم أثناء جلساتهم اليومية ويجر الحديث بعضه البعض . وفي احدي هذه الجلسات قال السنباري عمدة القرية الجديد ، بعد أن أخذها عن والده أولم سمعت يا عرفان وكان علي صلة نسب وقرابة به ، فقد تزوج احدي بنات أخي عرفان ومن جانب آخر فهو ابن عم زوجته وابن عم زوجة عرفان روح الحياة أما سمعت ما جاء بالرديو اليوم ؟! فرد عرفان والله من يوم هذه الشغلة ، ولم أعـد التفت للصحف ، أو الراديو أو غير ذلك من الأمـور ، ولولا ما تأتون به من أخبار لم أكن أعرف شيئا فمتلا نبأ الوحدة علي سوريا ، جاء من جلستكم ن حينما تحدث به الدكتور أنيس بهجت طبيب الوحدة الصحية ، وما يفعله الحكم الجديد أقصد حكم العسكر تأتون بكل كل يوم فأنتم المنفذ الوحيد لي الويم .. في معرفة الأخبار .. فالصحابي القدامى .. اكتفوا بالجلوس في منازلهم .. وأداء واجبات المناسبات الحختلفة فقط ، ولا تلام في السياسة ، فلم يعد اليوم يومهم .. وأما العمل فيأخذ كل وقتي ولوا القليل الذي أقضيه معكم .. لصرت منزعلا علي العالم تمام وزبائني لا تتحدث ، إلا في مشاكلهم فقط .. فرد السنياري قائلا وهو يبتسم ابتسامة العارف ببواطن الأمور يقولون أن عبد الناصر ، مم الصحف والشركات والمصانع ؟ ولم أفهم معنى التأميم ؟‍ فهل ذكرت لنا شيئا عن هذا ؟ ومم عرفان لأول لحظة ، ثم ما لبث أن قال يا سيد سنباري التأميم يعني نقل الملكية من أيدي اصحابها إلي أيدي الدولة ، يعني مثملا تبيع أرضك لواحد زي مثلا الشيخ جلال وتنقله الملكية فتصبح الأرض ملكه فرد السنباري قائلا ولكنني في هذه الحالة ، سيكون لي ثمن الأرض ولن أعطيها له ( بلوشى ) وسأخذ الثمن العادل تبع سعر السوق ، وموقع الأرض وسقعها ومدة صاجته إليها ومقدار إنتاجها لخصوبتها فكما ترعف نعطي للأرض حقها في التسميد البلدي والافرنجي فقال عرفان ولكن الدولة ترى غير ذلك ، يا عزيزي فهى ترى أن هؤلاء اساءوا إلي الاقتصادي المصري ، وانهم انحرفوا به لصالحهم ومن ثم فالتأميم هذا بدون ولا يلم ‍‍ !! هنا قال السنباري كيف يكون ذلك إن و الله لظلم كبير ولكنيسمعت أنهم سيعوضونهم ، فرد عرفان أي تعويض يا صديقي فرش مقابل آلاف ، التعويض رمزي ، وهذه الفكرة ليست جديدة ولكنها راودتهم كثيرا ثم نفذوها ، وسنرى فيما سيأتي كيف سيكون الحال ولكني أشك في النجاح الكامل .. وانتقل الحديث في هذه الجلسة إلي موضوعات مختلفة ، والجميع فاتحي الأفواه ، من الشرب ومن الكلمات الجديد التي لم يعرفوها من قبل ، وفي اليوم التالي أحضر عرفان الصحف ولم يتركها ، إلا بعد أن عرف كل الأبعاد ، وقرأ السطور وما وراء السطور وعرف أن القضية أبعد من ذلك بكثير ، ولم يشغله هذا الموضوع كثيرا ، ذلك أنه منذ أتى وهو بعيد عن كل هذه الأحداث ، لأنه وجد أنه لا فائدة ولن يعود إليه ما ذهب وحتى الأصحاب السابقين ، صاروا مثله علي الحديدة ، وقد أممت مصارفهم ، ومزارعهم ، وممتلكاتهم العقارية ، والمنقولة والثابتة ، مقابل دخول قليلة ، لا تغني ولا تشبع من جوع. إلا أن هذا بدأ يلفت عرفان ، إلي محاولة الاهتمام قليلا ، بالأحداث عله يحد منفذا يعود به ، فما زال الأمل لديه قويا ، نحو ان يرد ما انقطع وقد يكون هذا ليس من سابع المستحيلات ، لذا فقد عول علي أن يعيد اتصالاته ، أيضا مع الصحبة الجديدة ، التي تعرف عليها أثنار زيارته للقاهرة في المرة الأخيرة أثناء بحث موضوع ابنه وما فعلته عطيفة علام ثم أنه يحاول أكثر من مرة أن يتصل ببرهان عبد التواب ، وقد أصبح رئيسا لتحرير صحيفة العهد الجديد ، وقطع شوطاً كبيرا في علاقته مع الزمة الجديدة وقد صارت قيمة بأفكارها وأفعالها ، لم يحظ بها وبادر بإرسال مظلوم إليه ، كان ذلك بعد التأميم بسنوات قليلة ، وكانت الوحدة قد تفكك وانفصلت بعد هذا التأميم ، وكانت الوجودة الجديدة تزداد في كافة المجالات المختلفة السياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية ورحب برهان برسالة عرفان وفي المساء كان لديه وقال عرفان لمظلوم لا أحد يدخل علينا مهما كان وقام عرفان بالواجب الضيافي كما تعود وأخذ الحوار بينه وبين برهان يمتد إلي ما بعد الفجر ، سأله عرفان ، قل لي يا صديقي العزيز كيف الأحوال ؟! رد برهان الحمد لله لقد أخذت حقي تماما من الحياة ومن المركز أما حقي من الأسرة فلم أزل أبحث عن مستنداته ولم أصل إليها حتى اليوم ، ولكن هذا لم يمنعني مما أنا فيه الآن وبجهودي وميرفيت التي قابلتها قد حصتل علي الدكتوراه وتم تعيينها أستاذة بالجامعة ، ولها نصيب من الحياة ولكن الحياة الجامعية لم تعجببها فما زال فيها من الأشياء التي لا تعجبها والتي تتعارض مع قيمتها وتقاليدها وها قد استقالت من الجامعة وهي في راحة بال عجيبة ، والتحقت بمقر اليونسكو ، التابع للأم المتتحدة بالقاهرة ، وأما الأولاد فهم بالمدارس امختلفة وكلها أجنبية وهم ولدان وبنت ، كما وناجي وحرية وزملائهم ، من أولاد الطبقة الجديدة التي نعيش في رعايتها اليوم.
فقال عرفان وماذا من جديد بعد التأميم ؟! فرد برهان قائلا التأميم .. آه .. أحب قبل أن أرد علي سؤالك أن أوضح لك نقطة مهمة .. لا تعتقد أنني رغم مكاني قد رضيت عن كل ما حدث في هذا العهد الجديد فهناك ما أراه ممتاز من هذه القرارات ، وهناك ما أرفضه من هذه القرارات ، ويكون قلمى تبعا لهذا أو ذاك ثم أن التنفيذ في كثير من هذه القرارات قد خرج عن الغرض منها ، خذ مثلا العقارات التي وضعت تحت الحراسة أتعرف ماذا حدث فيها ؟! .. لقد تم توزيعها علي الأقارب و المعارف والأصدقاء والأحباب ، وكل منهم أخذ فيلا أو شقة أو قصرا ، وقس علي ذلك الأراضي ، والممتلكات الأخرى واللجان التي شكلت أخذتها عملةي منفعة فقد قامت كل لجنة كبيرة أو صغيرة ، بمهازل ، يعف عنها اللسان والضمير والمبدأ ، وبالتالي فما حدث لم يكن تأميما وإنما كان استيلاء بالفمهوم ، أنني اقوم بخطوة لصالح الشعب ، ولمصلحته ، ولكنني لا أقوم بها من أجل أن يستولى عليها آخرون ، لقد كان الهدف ساميا ، ولكن التنفيذ كان سيئا فرد عرفان يعني أننا قد غيرها طبقة بأخرى وأن الهدف العظيم قد تحول إلي عكسه تماما وماذا فعلتم أنتم كصحفيين مهمتكم توجيه هذه الأمة لصالحها لا لصالح فئة محددة ، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت ، والله يا أستاذ برهان كان لدي حدسا بذلك ، فقال له برهان لا تعتقد أن بيدنا الحل والربط فهناك رقابة علي الصحف ولا نستطيع أن نعبر عن رأينا إلا بالرموز والمحاكاة والتشبيه بالبلدان الأخرى وما نحن إلا موظفين في صحف الدولة وقول عرفان ولكنها الآن أموال الشعب ومهمتكم المحافظة علي صحابها وعليها وإلا فاستقيلوا واجلسوا في بيوتكم ، فضحك برهان وقال ، يبدو أن الريف قد نقى منك يا أستا عرفان ، ما أعطته لك المدينة ، كلامك كلام نظري صرف ومن منا يستطيع أن يخرج عن الخط قليلا ومن منا يستطيع أن يستقيل ليس هناك شىء من هذا إما الإقالة أو وراء وراء أي شىء وراء القمر أو وراء الشمس ولا يدري عنك أحد شيئا بالمرة ، فالمسألة أصعب من هذا ولكننا إذا لم نتحدث في صحفنا فنحن نتحدث حينما يطلب منا ذلك من الاجتماعات ، ولا تعتقد أننا قد بهرنا بالمركز هذا وأننا قد تغاضينا من أجل المنصب ولكننا ما زلنا نملك ما نستطيع أن نقوله قد يكون بيننا القليل السىء جدا ، ولكننا نملك الحد الأدنى لأن نقول ولكن لكل زمان ، مقال فرد عرفان قائلا يا سيدي أنا لست " مصلح اجتماعي " ولم أكن في يوم من الأيام ، إلا مصلحتي وسأظل هكذا علمتني العصور والعهود ولكنني أملك الحد الأدنى ، كما تملكه ذلك أنني مازلت أرى في الرجال المخلصين والكتاب المخلصين وكل مخلص في موقعه أنه الأعلى الذي لم تستطع أن نحققه ونحن شباب ، ونحن كبار وأنتم أخترتم القلم والقلم مسئولية ، وأكثر ثقلا ، من أي فرد آخـر ، وأي فرد في موقع آخر ، أنتم تروون الخطأ ، فتقولون هنا قف لي ولغيري ، وحيئنذ لم يكن أنا أو غيري ، قد يشط عن الطريق فأنتم المرشح ، لذي تمر منه المياه وكما يحجز المرشح الشوائب لنحصل علي الماء النقي ، كذلك أنتم فإن كان المرشح باليا ، أو سيئا ملأت الشواب الماء ، ومن ثم صار غير صالحا للشرب ، وكذلك أنتم واسمح لي بذلك لقد مرت شوائب كثيرة عبر مرشحكم وابتلى المجتمع بكافة الأمراض والعلل وهكذا تضن الأيام علي بلدنا ، بالمثل الطيب فلما نرى قبسا من نور ، سرعان ما يخفت ضوءه ، وما نلبث إلا قليلا حتى يخمد تماما ، وتمر السنون ، ونرى قبسا جديدا ، ويضل طريقه وكان برهان مستمعا جيدا ولم ينكر شيئا مما قاله عرفان وقال له إنني معك في كل كلمة وأفعل بقدر إمكاني ولكن الأوضاع أكثر من طاقتي ، ونعرض لها فقط وإنما نواجه المشاكل فيما بيننا ونواجه المقالب وقل أنها الصراعات كل من في هذا الوسط ، يحضر لأخيه حضرة أسفل مكانه حتى إذا ما وقع جلس مكانه ، و هذه طبيعة الحياة وآفتها ، ولكن لدينا بعض الشباب الواعد قد يكون له الغد الذي يريده ، والذي تريده ، أذكر منهم عهد المجيد العدل ، ودرية قدري ، ونجوى منير وبهاء الدين عصمت وكذلك سامي صادق وغيرهم كثيرون ، والمهم أن يتكاتف الجميع.
وابتسم عرفان قائلا لا تكن في ضيق من حديثي وإنما هو حديث الأب لمن في منزله ابنه أو أخية الأصغر ، ولقد كنت معجبا بك دائما منذ حكى لي عنك سيد الحلاق ، ذلك كان منذ زمن بعيد قد تتذكره ، وكان إعجابي بك لتمسكك بحقك وما زلت ولقد قابلتك مرة أخرى في نادي السيارات ، منذ عهد بعيد أيضا وكنت أتابع تقدمك حتى اليوم فلى الحق عندما أرى فيك كل ما قلته ، وأرى فيك أنك كنت قادرا علي أن تصنع ما لم نستطع أو نقوى عليه وأنك بموقعك هذا الذي شغلته ، ستحافظ علي الحق العام ، الذي ضاع منك في حقك الخاص وما زلت متمسكا ، بالبحث عن أصوله ، ومؤيداته في بالك بحق أمة بأكملها ، ومصائر بشر ، هم أصحاب كل هذا ، أنني أربأ بك ممن أن تكون مثل هذا الرجل الذي قابلته في نادي السيارات ذات يوم بعيد وكنت حاضرا هذا الحفل ولكنك لم تسمعه كان يهمس لي " أنا حشرة يدوسونني كل يوم ". وهنا إما أن تكون منهم أو تكون حشرة ... " إن هذا الرجل كان يعني أنه قد انتهى تماما ، وسحق وكل ما يفعله أنه ينفش ريشه حتى يحمي نفسه ، وكنت أضحك عليه ، كيف يحمي نفسه ، وقد صار تحت الأحذية ، وتحت الأقدام .. ولا أبرىء نفسي من إنني لي مصالحى ومنافعي ولكن شىء آخر فلا تجعلنا في يوم من الأيام نرى فيك أقل مما عهدناه عنك وبك. فشكر برهان عرفان وقال له لا تعتقد أننا قد ارتمينا تماما فما زال هناك بعض الموضوعات ، كتبها عبد المجيد ، وغيرهم مما أشرت إليهم أتقرأ صحيفتنا العهد الجديد ؟ قال عرفان احيانا فالعمل يأخذني تماما ن فقال برهان علي كل حال ، سوف ألخص لك الموضوع " لقد تكشف لمحررنا ، أن رئيس مجلس إدارة احدي الشركات معاشه بعد أن تمسك الشركة " خمسمائة جنيها " ولكنه وجد أن أولاده يعيشون عيشة رفاهية ، لا تقل عن باشوات زمان فهم يركبون اللنشات البحرية في وقت الصيف بالإسكندريــة !! ويمرحون بها شمالا ويمينا !! وأنهم قد كونوا شركات عديدة كل ابن من ابناءه ، شركة ضخمة ، وجدت نفس الحالة ، في رئيس مجلس إدارة شركة أخرى وعرض الموضوع علي ، فقلت له ، افحص واحصل علي مستندات ، وسأنشر لك وفعلا كون مجموعة صحفية قامت بتغطية الموضوع من جميع جوانبه ، وتم النشر وأحدث ضجة كبرى واستدعيت إلي جهات كبرى وناقشونني ، كيف تنشر هذا ؟!! وكيف رافق الرقيبة ؟! قلت لهم الموضوع مؤيد بالمستندات ، ونحن نحارب الإنحراف ، وهذه مبادىء عهدنا.. فلم يجدوا ردا ولكنهم حملوها لي في طياتهم ، ولا أدرى ماذا سيفعلون ولكن ما أعرفه ، أن الرقيب المسكين ، طار من مكانه فقد أدخلنا عليه الخدعة في نشر هذا الموضوع .. وموضوع آخر ، أنني اذكر لك فقط عينة مما نستطيع أن ننشره ، ولكن ليس في كل الأحـوال وهذا الموضوع لم يوافق الرقي علي نشره ذلك أن أحد المواطنين جاء إلي " وشكا أنه كان يعمل في احدى المؤسسات الصناعية ، وكان معه ابن مسئول من هؤلاء وحدث حريق كبير في هذه المؤسسة ، لإخفاء ، اختلاسات خطيرة من المخازن ، وقد أدى الحريق إلي تعتل الحارس وبعض العمال وحسرت المؤسسة ملايين ، في البضائع المسروقة ، وفي نتائج الحريق بالإضافة إلي الضحايا وقبض علي المواطن وهرب الآخر إلي الخارج ، وقد حول كل ما سرقه ، واتهم المواطن بأنه المتسبب الرئيسي في الحريق ونتائجه وهو برىء من كل هذا وذلك لأنه كان في هذا اليوم ، يعمل في عمل بالمؤسسة ، ومن ثم يكون هو المتهم والمتهم الحقيقي ، قد غادر البلاد هو و أسرته ، معززا مكرما وأفرج عن المواطن بكافلة ضخمة و كتبنا الموضوع ومنع من النشر ونما إلي علمنا أنه جاري تسوية الموضوع ، منعا للفضائح ، فرد عرفان سلام قولا من رب العالمين رحيم هو ألهذا الحد ؟!! لقد صدق قول الشارع إذ يقول " حين يميل الميزان في كل زمان ، كان المتهم يكرم والبرىء يدان ".
هكذا يا أستاذ عرفان فلا تعتقد أننا مقصرون ، ولكنك لا تعتقد أيضا أننا قد فعلنا ما نريد ، أو ما نصبوا إليه فنحن مقيدوا الأيدي ، واقلامنا مكبلة حتى أن أكثرنا أصبحوا رقباء علي أقلامهم وأقلام زملائهم أكثر من الرقيب ومن ثم فيشطب هذا ويعاد صياغة هذا ، والكلمة هذه لا والكلمة هذه بلاش منها وهذه أيضا وأكثر من هذه ، وأضف تلك وهكذا وبلاش هذا الكاتب نحن لا نعرف ميوله ، مع أم ضد ، أم له رأي مستقل ، وما لنا ووجع الدماغ ، يا عم وأنا مالي " واللي يجوز أمي ، اقوله ، يا عمي " واللي يشتغل عند السلطان يقوله يا سيدي ، وها نحن نقولها جميعا ، بطريقة أو بأخرى .. وصمت برهان قليلا ولكنه استطرد قائلا والآن يا سيدي ماذا أنت فاعل الآن ، وهل تستطيع هذه البلدة ، أن تنسيك مجد الماضي ، وهل تستطيع أن تعيش من هذا العمل وأنت تصرف علي ضيوفك ، اكثر من دخل ، وأنت صاحب أسرة كبيرة ثم أنك لك الأيادي البيضاء علي الكثيريين ، ولعلك تعرفت ببعضهم من أصحاب المعاني أقصر المعالي الجدد ، ثم أن لك من أبناءك ضلع وأكثر بينهم فلماذا لا تحاول العودة مرة أخرى إلي شركتك وقد تم تأميمها أيضا وأعيد فتح مناجمها من جديد ، أو إلي أي شركة أخرى فقال له عرفان ، والله أنني حاولت الكثير أن أكتب خطابا إلي رئيس المؤسسة العامة للتجارة وهو لواء سابق وصاحبنا منذ كان ضابطا صغيرا وهو من الزمرة الجديدة ، ولكنني كلما كتبت مزقت ومزقت وأعيد الكتابة مرة اخرى وأخرى وأمزق وأمزق مرة أخرى ثم أن الحياة استغرقتني هنا وأخذت علي هذه المعيشة لولا أن الحزن يقتلني لفقد ولدي غرقا ، في هذه البلدة ولكن الليالي ونهارها علمتنا الصبر والتأقلم ، علي كل شىء فعزاه برهان ولكن عزاءه ، جاء متأخرا وقال له ، أني مثلك دائما ، أحن إلي الريف ، وأحبه ولكن فشاغلي كثيرة ، وهذه واحدة تمنعني من الحضور دائما ولكن المشكلة الأكثر منعا هي كرهي لمن أكل حقي ، تجعلني دائما في حيرة وتردد من الحضور ولولا أنني أريد لا أجعل عناك انفصالا بين زوجتي وأولادي من ناحية وبين بلدتي ومواطني من ناحية ما أتيت ، ولكن ليعرفوا أنه كان هنا إنسان وكان هنا أب وكان هنا جد ، وكان هنا حق ، ولا أربي فيه روح الانتقام ، وإنما روح التسامح والحب والمحافظة علي الحق فإن كل هذا يستطيع أن يجتمع ، ثم اقول لك ، إذن نحن نملك عاملا مشتركا العمل والعيش في المدينة وحب الريف مع كرهنا لبعض الأشياء ، وإن اختلفت عندك عما عندي. وإذا كنت مازلت تريد أن تعمل باحدي شركات هذه المؤسسة فأعطني معلومات عنك وعن خبراتك السابقة وعن الأعمال التي قمت بها للدولة ، وأظن أنك تبرعت بمبلغ كبير للجيش ، وكذلك أظن أنك أول من استورد البنسلين مع أحد الشركاء ، إذن اكتب هذه النقاط ، وأحضر صورة جميلة لك ، وسف أنشرها لك في جريدتي وقد أعطيتها أيضا لأصحاب لي بالإذاعة في برنامج " كل مشكلة ولها حل " التي تقدمه المذيعة مها فريد أو قد أعطيتها في البرنامج الجديد ، مشاكل المواطنين ، والذي يشاهد بالتليفزيون والذي تقدمه المذيعة فايزة نور والمذيع أكرم الجبراوي وقد أعطى نسخة لكل برنامج بالإضافة إلي جريدتي فرد عرفان والله أكون ممنونا ، وأشكرك علي صنيك ، وسوف يكون يوما هذا اليوم حينما يأتي وقد شرفتني ، بنشر مشكلتي ، في وسائل الإعلام جميعها قديمها ، من صحافة وردايو ، وجديدها ، من تليفزيون ، وقد أشاهدها في تلفزيون الشيخ الكبير فكما بقلم ان هذه الأجهزة بقد علي الأصابع في القرية ، تجدها في المقاهي وفي بعض البيوتات وقد اشترى واحدا قريبا فقد كنت معارضا لوجوده علي أساس أنه لم تدخل الإنارة القرية ، إلا منذ أشهر وكان يدار بماكينات كهرباء صغيرة ، ومن ثم كان يحتاج إلي ماكينة ، إضافة إلي أن التليفزيون ، افتتح منذ سنوات قليلة جدا ولكن مادام الأمر هكذا فلابد أن نشتريه قريبا ، وهنا قام برهان فصحبه حتى باب الخروج ، وقال له إنشاء الله سأرسل لك ما طلبت غدا إنشاء الل فقال له برهان ، وأنا في انتظار رسالتك وعلي فكرة اكتبها أنت في شكل مقالة فأنا أعرف عنك كيف تتربح مثل هذا قال لي حسن الستيني وعبير وآخرون ، فقال له عرفان ، وهل وصلوا إليك فضحك برهان ضحكة صافية وقال نحن وسط واحد يا سيدي وأمر عرفان مظلوم ، أن يوصل الاستاذ برهان حتى باب البيت ولا يتركه أبدا حتى يدخل بابه ويقفله عليه فشكره برهان وبرفقته مظلوم ، وهو يقول لبرهان طوال الطريق دا احنا زارنا النبي أي والله ، احنا بلدنا اتقدمت قوي يا سعادة البيه كنا فين وبقينا فين وبرهان يضحك من حديثه التلقائي المرح ، ويقول له وفين التقدم بس يا عم مظلوم ، فيقول أولاتها المية حلوة ، والتانية الكهرباء والثالثة أراضي الإصلاح بس لحسوها ولاد الأبالسة والرابعة المدارس والتعليم والصحة والجمعيات الزراعية والانتخابات عمال وفلاحين بس لحسوها يا سعادة البيه ، خمسين في المائة عمال وفلاحين، وهم عمرهم ماشالوا مسحة ، ولا جردوا قناية ، ولا فكلوا صامولة واحدة بأيدهم ولا شحموا عربية واحدة ، ولا اشتغلوا في مصانع ولا في مزارع بالإيد يعني ، وكثير يا بيه بس لحسوه كله.
وظل هكذا حتى وصل برهان إلي المنزل وقال له مظلوم ها تطلعني في الجرنان ، مع الأستاذ عرفان ؟ فضحك برهان وقال له معك صورة فرد الرجل الطيب مظلوم ، نعم عندي صورة من أيام ما كنت رايح علشان اطلع بطاقة فابتسم برهان قائلا طيب ابقى هاتها ، مع الرسالة اللي هايدها اللي عرفان بيه ، وإنشاء الله هاطعلاك في الجرنان تشكر يا سعادة البيه ، أنا عاون يعني تطليلي معاش علشان المعيشة غالية ، وأنا كنت زمان بشتغل حارس علي شركة القطاوي باشا ، بتاع القطن قبل ما أجى البلد يعني يبقى معاشي عليها حاضر يا سيدي ، ولا يهمك فرد مظلوم تشكر يا أمير يابن الأمرة وسلم علي برهان ، وانصرف إلي منزل عرفان ، وكانت تباشير الصباح قد أهلت علي البلدة ، وكل قد قام إلي حال سبيله ..

*قام عرفان نشيطا كما تعود وقام بتمارين الصباح التي لم ينقطع عنها ، منذ الصبا ، مرور بأيام التفتيش وانطلاقات واسعا في أيام الصحراء حيث كان الفراغ طويلا صباحا قبل العمل ومساء بعد ترتيب وردية الليل في المناجم وهي تمارين للتنفس ولتحريك العضلات ولتنشيط الدورة الدموية ولاكتساب اللياقة البدنية والذهنية لقد آمن دائما أن الرياضة ضرورية لكل إنسان وفي جميع مراحل العمر المختلفة ، ولهذا لم يتخلف عنها أبدا وإن تغيرت طبيعتها حسب الوقت وحسب المكان وبعد أن انتهى من رياضته أخذ " وشا " باردا ، وحلق ذقنه حتى صارت ناعمة كالحرير ثم تناول افطاره ، وتناقش مع أولاده ، الكبار عن سيرهما بدراستهم الإعـدادية بمدرسة زغلول وأحوال المدرسين معهم وقصى عليه الأولاد حكايات عجيبة وطريفة عن المدرسين والمدرسات فضحك كما لم يضحك من قبل ، ثم انتقل إلي مكتبه بحجرة المقابلات ، الخاصة بعمله وكان مكتبا بسيطا ولكنه أثرى إذ كان ملك جده الأكبر ، وتوارثه عن أبيه ، وأخذ قلمه " الحبر" الذي لم يغيره وأخذ يسطر رسالته إلي المسئولين وكانت بسيطة مختصرة ولكنها معبرة عن أزمته وقد جاء فيها ضمن ما جاء ".... سيدي ، لم أفعل غير ما يفعله كل مواطن شريف ، عملت وكافحت واجتهدت من أجل وطني ، وأممت الشركات ومن ضمنها شركتي وطردت منها ، دون مبرر أو داع ، إلا تصفية حسابات وتصفية اختلاف في الرأي لا تقوم الحياة بدونه ، ولقد كنت أول من ساعدني بناء هذا الوطن ، فلقد استوردت البنسلين بصحة زملاء لي لأول مرة في مصر ، ولا يخفى علي سيادتكم ، ماله من أثر في علاج الأمراض في حينه وعندما دعي داعي الكفاح تبرعت بكل رصيدي من أجل تسليح الجيش وها هي الحياة بكل مشاكلها تقابلني ولا أجد إلا أن أرفع مظلمتي ، أو قل أنها إلتماس بأن يكون لي مكان في بناء هذا الوطن ن بدلا من أعيش علي المعاش بدون معاش ، وما زلت قادرا لعي العمل هذا علاوة علي ظروف أسرة وأولاد يتعلمون ويحتاجون إلي الدخل ، الذي يكفيهم مذلة السؤال ، وقد تعودوا علي العيش الكريم ، وكم يكون ذلك مؤلما ، في ظل العهد الجديد ".
ولما انتهى من رسالته غلفها بغلاف جميل ، وأرفق معها صورة حديثة ، مازالت في ملامحها وسامة الماضي ونادة علي مظلوم فحملها مسرورا إلي الأستاذ برهان فدق الباب وخرجت له ابنته حرية فسلمها الرسالة وأطل من بعيد فنظر برهان في صالة المنزل وهو يتناول شاي الصباح فسلم عليه فناداه فدخل مظلوم وهو يضحك ضحكة ساذجة ، فسلم علي الأستاذ برهان وقال له الرسالة مع ابنتكم المصونة "حرية" وأما .. وأما .. وأما. قالها مظلوم وهو مازل في ضحكته الباسمة .. ففهم برهان ما يدور في نفسه ، فقال له لكي يعطيه من حرجة أمن صورتك يا عم مظلوم ، فأخرجها مظلوم ، بيد مرتعشة ، وبنفس متهيجة وذلك بعد بحث طويل ، في جيوب " السريري " الداخلي ، وابتسم برهان مرة أخرى وقال له إنشاء الله سوف تنشر وسوف أسلمها للصحفي رجب حسين المختص بشون العمال والتأمينات فشكره مظلوم ، شكرا عظيما واتمنى أمامه ، انحناء المتأدب ، ومن برهان ، بمبلغ من المال فريده ، فرفض الرجل رفضا عظيما ، وقال الحمد لله مستورة بخير عرفان بك ، فقالت حرية له خذ من بابا يا عم مظلوم ، فلم يرد فأخذت المبلغ من والدها وزادت عليه وسلمته للرجل ، فأخذه ، وهو " متأذى " من هذا ولولا أنه لا يريد أن يجرح شعور هذه الابنة الرقيقة ما قبل أبدا ، خاصة وأنها تشبه ابنته المفقودة منذ عمله بملمح القطاوي ، وماتت أمها حسرة عليها ومازل يحمل علي كتفيه آلام كل هذا منذ زمن بعيد ويعيش وحيدا ، في هذه القرية حتى التحق بمعية عرفان ، ولم يفارقه ، منذ حضر عرفان إلي القرية لكل هذا قبل المبلغ حبا في الفتاة ، وليس صبا في المال ، فهذا الرجل العجوز ، يكفيه القليل لأن يعيش وقد كان ذلك موجودا عند عرفان ، فالخير وإن بات كبيرا أحيانا ، و إن قل أحيانا كثيرة يكفني الجميع انصرف مظلوم ، فرحا مبتسما ابتسامة الرضاء وسلك طريقا مختصرا إلي سيدة عرفان ، وأبلغه بتبليغ الرسالة ، وسلام الأستاذ برهان وأراد أن يسلى سيدة فقال له والله يا سيدي إن لديه ابنته وجدتها ملائمة ، لسيدي جدير ، ابن حضرتكم ، فابتسم عرفان وقال له يا مظلوم إن الأولاد ، مازالوا صفارا ، أيكون زوج عيال في الإعـدادية انتظر حتى يتخرجون من الجامعة وعندئذ يكون لكل منهم ما يريده هـو ، لاما نريده نحن ، حيئنذ يكون علينا التوجيه والنصح وليس الأمر ، والأمر المشدد فضحك مظلوم ضحكته الساذجة الصافية الآتية من القلب ن وقال إنها كانت مجرد خطرت بذهني ، وما أريد إلا الخير ، فرد عرفان أعرف يا مظلوم ، والآن انظر من بحجرة الضيافة من الزبائن.
استمر عرفان يصرف الأعمال المختلفة من مقابلات ن ما بين واحدة تبحث عن الإنجاب ، وقد طافت علي كل الأطباء واتبعت كل الوسائل البلدية وغيرها وقال لها عرفان ، حينما يريد الله وأعطاها (كارتا) لطبيب كبير متخصص في مثل هذه الأمور وقال لها خيرا إنشاء الله وأخرى تزوج عليها زوجها.
واحدة وثانية وثالثة ، فأقنعها ، أن هذه شريعة الله ، وما دام قادرا علي الصرف عليكم وإعطائكم حقوقكم الشرعية فلا مناجي من نبذ الغيرة وأوصاها ، بحسن الاستقبال ، والتزين له ، وألا تقابله ، بملابس الفرن ، فكل مقام مقال ولكل مناسبة ملبسها وكل خلق لما هو ميسر له ، ليس المهم أن تكون الملابس غالية الثمن ، بقدر ما تكون بسيطة ونظيفة وأنيقة ، وهذه الضجة رجل مجرب قابل هذا من رجالات المودة وألوانها وأشكالها ومن النساء الأنيقات ، علي مستوى الكبار ، وعلي مستوى الصغار وذكر لها ، ما قاله المحرر الفني لتطور المودة الأستاذ سمير شلبي والناقد الكبير ، الأستاذ وجيه البارودي وأيضا ملك المودة الأستاذ إبراهيم منتصر والسيدة / سهير حمزة والسيدة / نجاة لطفي ، وغيرهم وغيرهن كلهم تحدثوا عن الأناقة في حشمة وفي بساطة وفي الذوق ، وأن تتمشى مع صاحبها ، أو صاحبتها ، فلا تكون صارخة الألوان ولا تكون باهتة الألوان وإنما نسق جميل ، وبتكاليف معقولة ، لا ترهق جيب الزوج ، وذكر لها ما قاله ، سمير لقمان في مجلده الضخم أن علي المرأة ألا تراعي الأخيرات فكل منهن لها ظروفها ولها أحوالها وليس عيبا أن تكون الملابس رخيصة ن ولكن العيب أن تكون غير ملائمة ، وأن سبب المشاكل في الأسر القائمة ، والمقبلة علي التكوين ، هو المحاكاة والتقليد ، مع الآخرين أو مع الأخريات فلم يخلق الله الناس لكي يقلدوا ما يفعله الآخرون ، وإنما لكي يعيشوا وينتخبوا ويتحابوا في مناحي الخير ، أكثر مما يتصارعوا ويتنافسوا ويتقاتلوا علي أشياء ثانوية في حياتهم ..... بكل هذا يا سيدتي هكذا قال لها عرفان ، تكونين قد حققت ما يكسبك ود زوج ويبعدك عن الغيرة القاتلة ، أو الحمقاء ، وبذا تظللين علي عشك وتحافظين علي ما قسمه الله لك.
ودخل شاب عليه وهو في حالة نفسية سيئة وقد بدأ يتكلم ، وهو في شرود ، كانت الحالة واضحة إنهيار تام وكلام متناقص ، وأهله يقولون لعرفان ( شوفه يا أستاذ عرفان باين عليه معموله عمل علي قحف قرموط ) بينما يرى عرفان أنها أعراض إنهيار كامل وقد تكون حالة من حالات انفصام الشخصية ويسألهم كيف حدث فيردون قائلين كان أمنيته أن يشتغل في الصحافة طوال عمره ، وهو يخرج مجلات الحائط ، والمجلات المطبوعة ، والمكتوبة بخط اليد ، أو الآلة الكاتبة ابتدائي إعدادي ، ثانوي ، جامعة وعمل بعده صحفة بعد ذلك لكنهم لم يقيدوه في النقابة وطردوه ومن يومها علي هذه الحالة ... ونقول له في داهية الصحافة فيقول صحافة يا بني اهتدي دى غابة كبيرة فيقول اصلكم ما تعرفوش الحكاية ، أصل الحكاية إن الموضوع ، الفرخة ولا البيضة ، مين بيجي الأول ، عشان تشتغل في الصحافة لازم تكون عضو في النقابة وعشان تكون عضو في النقابة لازم تشتغل في الصحافة !! وعملت قرد وما انفعش وعملت حاوي وانفعش أروح أقدم في الصحافة يقولوا تقيد في النقابة ، أروح أتقيد في النقابة روح اشتغل أول في الصحافة !! طيب ما أنا اشتغلت ومعاي شهادات تثبيت كده ، يقولوا لأ ، إحنا عاوزين تجيب شهادة موجهة من المؤسةس اللي كنت بتشتغل فيها وبعدين بعد مدة التمرين نقيدك .. طيب ما هي الشهادات دي ، تغطي مدة التدريب وتزيد بكثير يقولوا لأ لازم تتمرن من أول وجديد ، أروح اشتغل في جرنان ، يقولوا خبرتك كبيرة ، واحنا عندنا عدد كافي ولو شغلانك هيكون بمرتب مبتدىء يقولهم موافق ، يقولوله ، لأ يا حدق ن وترجع تكشينا في النقابة وتضم مدة خدمتك ، يقولهم وإيه يعني بافتراحض ده حصل يضايقكم في حاجة ، هي أموالكم ولا أموال الدولة ؟! يردوا في نفس واحد ، احنا بنحافظ علي أموال الدولة ، يضحك في هستريا ، بتحافظوا عليها ، علشان ، بدلات السفر والرحلات والشقق ، والذي منه يقوموا يبوزوا في وشه ، ويقولوا والله مالكش مكان عندنا ن ويلاقى كثير اتعينوا من الباب الخلفي ، قريب فلان ، وقريب علان ، ومن شلة فلان ومن شلة علان وهكذا جرى ، يروح يحاول جاد ، إرادته قوية يحاول يشتغل في مجلة ولا جرنان ، من بتوع الأقاليم ، ويروح يسجل في النقابة يقولوا له ، لأ يا حبيبي إحنا عاوزين جرنان كبير جرنان خمس نجوم !!
مش إقليمي ويفاجىء أنهم أدوا الجرنان الإقليمي ، اللي مش عاعجبهم التسجيل عن طريقه جائزة أحسن جرنان إقليمي ، قام الواد تعقد ، وجت له الحالة دي ، ليقوم يصرخ البيضة ولا الفرخة ، ويمسك طباشيرة ويرسم الصفحات علي الحيطان وعلي الأرض وعلي الأرصفة ونقوله يا بني بلاش صحافة ، يقولنا بلاش سخافة ، أمال كنت بتعلم ليه ، وكنت بشتغل ليه ، وهو من يومها وهو يقول ، الكوسة طرحت بوسة والبوسة طرحت ورقت ، والورقة بيلعب بيها بيه والبيه ، حو ليه بهوات وطريقة ، مليان أشواك ، والشوكة طلعت كوسة والكوسة عاوزة بوسة والبوسة أجيبها منين ، دورت كثير وكثير قل يومن أو ألفين مالقيت خدي مدارس ، يقوم ينباس ينباس ،، والكوسة أصلها قرعة ، والقرعة عاوزه شعرة ، والشعرة عند الكوافير ، والكوافير عاوز قرشين ، والقرشين طاروا يدوب في يومين ، خدهم أبو جيبين ورماهم جنب الحيطة والحيطة مايله ، وآيلة وآيلة .
وهكذا يا أستاذ عرفان فشلنا معه في كل الطرق وبكل الطرق ولا ندري ماذا نفعل معه فابتسم عرفان وقال لهم دعوه لي ، واتركونا وأخذ يحادثه في حداد طويل معه وقال له ولا يهمك صحافة سيكون لك ذلك بإذن الله سأحدث لك الأستاذ برهان عبد التواب لعلك قرأت له فأجابه ، في شرود أتذكر أنني قرأت له ، إذن اتفقنا وإذا لم يلب طلبك ، سأرسلك للعمل بإحدي الصحف اللبنانية ، فلدى صديق قديم ، استقر بلبنان ، وسوف يساعدك بإذن الله ، وكل ما اطلبه منك أن تذهب وأن تكون مطمئنا ولكن شرطي الوحيد أن تعـود إلي حالتك الطبيعية ، ثم أخذه حيث أقاربه بالخارج نتحدث معهم وطلب منهم أن يداوم علي الدواء الذي وصفه له أحد الأطباء الكبار وذلك من واقع الروشتات ، التي اطلع عليها عرفان وهي برفقة أقاربه ، وشد علي يديه وقال له ، المهم تنفيذ الشرط. فأجابه بابتسامه شاحبة ، وبهزة رأس وهو خارج من عند عرفان ، بما يفيد الموافقة ولكنه قبل أن يغادر المكان كلية سمع عرفان صوته ، وهو ينزل الخطوة الأولى ، من السلم البيضة ولا الفرخة صحافة ولا شخافة ن صداقة ولا عداوة حقيقية ولا طراوة !! فابتسم عرفان وقال ، والله عنده حق تعقيبات لا داعي لها يكفي أن يقيد فيشتغل بالصحافة ، أو أن يشتغل بالصحافة ، ما دم قد تم قيده ، وإذا لم يتم قيده فيتم قيده ليفي بالشرط ، وإذا كان لديه الخبرة ، فليقيد ، مادامت خبرة حقيقية ، وتم التأكد منها. كان عرفان يحدث نفسه ، فقال له مظلوم ، بتقول إيه يا سعادة البيه ، صحافة ولا نقابة ، نقابة ولا صحافة ، ناقص يا بيه تقول الفرخة والبيضة ، فنهره عرفان في غير غضب وقال له ألي هناك ضيوف آخرين فقال له ، لم يبق غير السيدة فريدة وابنتها شوقية ، فرد عرفان ، ومانا أفعل لهما علي كل حال احضرهما ، وأعدلي فنجان من القوة ، ودخلت السيدة فريدة وابنتها شوقية ، وشوقية شاحبة العينين كاملة النمو ، تعدت العشرين قبيحة الشكل ، سمينة القوام وهي تقول ، بحبه يا ناس ، خلي بي صرفت عليه كثير ، لحد ما شنكلته ، وفي لحظة فص ملح وداب ، طار مع البلبلة أيوه يا بلبلة ، حلاوة وجمال ، وثقافة ، ومال طب أعمل إيه كنت مواعده ، وقفلت كل الأبواب ، لكنه فص ملح وداب ، لم يرد عرفان علي شوقية فالموضوع قديم وهذه ليست أول جلسة مرات ومرات من قبل أحضر لها الكثير من العرسان دون جدوى مازالت مصممة علي هذا الذي ذاب ومن اين يحضرها له ، هل يكشف لها عن مكانه عن طريق الأرواح أم عن طريق الجن أم عن طريق ماذا ؟! فما كان منه ، إلا أن طمئنها بأنه سوف يحضره لها وأنه سوف يستخدم كل خدام الآيات لإحضاره ولكن عليكم أن تعودي إلي دراستك وأن تلتفتي إلي الصلاة هذا شرط الخدام ، فأومأت رأسها موافقة ، وخرجت من حجرة العمل وأمها تخاطبه ، كيف ستحضره ولم يحبها أبدا وقد مات منذ زمن طويل فيقول لها ماذا أفعل لها يا حاجة ، البنت مشغوفة بعشق قديم ومن الصعب محوه ، إلا بحل واحد ، قالت السيدة فريدة علي به قال لها أين الأستاذ عبد الحليم عبد الطيف ، أمازال علي حبه لها ، فقالت الأم والله شاب ونعم الشباب ومتعلم ومثقف وقد فعل كل جهده وماله من أجلها ولكنها مازالت تعيش في ماضي منصور ، الله يرحمه كان ونعم الشباب ولكنه لم يحبها قط ثم أنه ذهب ولن يعود فهل نستطيع أن نعيده ، صعب ومستحل علي فرد عرفان ، إذن هو الحل ، الحل هو أن نقربها ، من عبد الحليم ، وخطوه خطوة ستتعلق به ، وضعي هذا الحجاب لها ، وهو يقرب المودة ، ويصفي القلوب ويربطها ، وعليها بالصلاة فهي تنسيها وتعود بها إلي طبيعتها والدواء الذي أعطاها إياه الطبيب ، فلتداوم عليه ، وسوف يكون خيرا إنشاء الله. فشكرته فريدة تلك المرأة الطيبة التي فعلت المستحيل من أجل ابنتها سهرت عليها طوال السنتين الماضيتين بعد أن حدث ما حدث ، ودارت بها علي الأطباء والحكماء ، والشيوخ من أمثال عرفان وهي سيدة قوية ، لم تتألم رغم ما مرت به من ظروف كثيرة ، بعد وفاة زوجها وصبرت علي تربية أولادها فأحسنت تربيتهم ، حتى تخرج منهم ، من تحرج من الجامعة أو الدبلوم ، وهذه الفتاة هي التي حصلت السيدة الصابرة ، تصرح من الألم لم تكن في حاجة إلي مال لتكملة طريق الحياة فقد ترك لها زوجها الكثير ولكنها كانت في حاجة إلي كبرى بناتها فما قاربت علي التخرج من كلية الطب حتى حدث لها ما حدث ، ومنصور هذا الذي جاء كالشهاب ، ضوءا وانتهى مثله وانتهى مثله ، انطفاءا كان بعيدا عنها كل البعد ، ولكنها تعلقت به ، كان زميلا لأخيها الأكبر ولكنه لم يلتفت إليها أبدا ، وقد كان ما كان حين أصابه ذلك المرض الخبيث ، ولم يهمله علاجا ولكن المرض لم يمهله إلا قيلا ، وهكذا أصيبت الفتاة ولم يكن لها ولم تكن له ، ولكنه ماذا نفعل أمام القدر ، وأما سخرياته ، كان قلبه مع أخرى وكان قلبها معه ، ولكن عائلتها لم تكن معها وعائلته لم تكن معه ، وأنقذه الموت من كل هذا ، فأراح واستراح إلا هذه الفتاة ، وفعلت الأم كل مافي طاقتها ، حتى وصلت أخيرا إلي عرفان وكان عرفان لطيفا في القول وفي التشريع ، وفي المساعدة فكان أخف علي الفتاة ، من أي معالج آخر ولكن الحالة لم تتحسن حتى آخر جلسة هذه التي كانت وكان الحجاب وكان اللعب بورقة عبد الحليم عبد اللطيف لعلها الورقة الأخيرة وأخذت السيدة الحجاب ، وخرجت تصحب ابنتها وهي تلوح بيديها مودعة عرفان والأخيرة تلوح له بيديها ، ورأسها وهي تقول له خطفته بلبلة ، وطار ، كأنه فص ملح وداب ، ويرد السلام عليها ، عرفان ويقول لها سيعود بإذن الله المهم العودة إلي الدروس.

*انتهى عرفان من عمل اليوم ، واستراح علي الكرسى الهزاز القديم العتيق ، الذي يحوي رائحة الماضي ، والأجواء والآباء ومظلوم يحمل له القهوة العاشرة التي يحتسبها في هذا اليوم وقد كان العمل قد أخذ كل وقته لم يقطعه إلا غذاء عمل سريع ، مجموعة من سندوتشات الجبن الرومي والزيتون والبسطرمة بالبيض ، ومجموعة من فناجين القهوة آخرها هذا الفنجان وجلس علي هذا الحال ، ساعة من الزمان أو أكثر ثم دخل إلي الحمام فأخذ " دشا " ساخنا ، وانطلق إي حجرة نومه ، مذكرا مظلوم ألا يوقظه حتى الساعة الثامنة ، ومذكرا جريمة ، بنفس التذكرة وملفتا أولاده ن إلي أن يذاكر في هدوء وألا يلعبوا فقد قاربت السنة الدراسة علي الانتهاء ن ومن جد وجد ، وإن تضافرت عوامل الشر كلها ضده.

*قام عرفان من النوم ، وهو في حالة صمت ووجوم ظاهرة علي وجه فسأله مظلوم ماذا بك يا سيدي فرد عليه عرفان وهو في حالة متعبة ن وهو يدلك وجهه بيديه قد يبعد عنه النوم ن لا شىء لا شىء ولكن مظلوم يرد عليه سيدي " إن أثار الإجهاد تظهر علي وجهك " أنت مجهد يا سيدي ماذا الم بك أظن يا سيدي ، أنه حلم أو كابوس مزعج ، فيرد عرفان بعد أن استيقظ تمام هو كذلك يا مظلوم ، إنه حلم مزعج ، أتستطيع أن تفسره لي ؟! فيقول مظلوم ن أنا أفسره وأنت شيخ المفسرين وعلي كل إرويه ، يا سيدي فلدي من آثار الماضي وروايات جدي وجدتي ، ما قد أجد لك فيه تفسيرا ، فقال عرفان شاهدت والله أعلم حلما عجيبا ، شاهدت كأنني في نهر النيل ، وكأنني في نصف ملابسي ، بملابسي الكاملة لا أدرى وأنني في مواجهة شلال من الماء ماء يتدفق بغزارة لا يستطيع مواجهته أقوى الآلات أو القوى ، فما حال بشر وليس كل البشر بل فرد واحد ن ووجدت في هذا السيل المتدفق ، أحد الأصدقاء ، وقد كان رئيسا للشركة العامة ، للتأمين ، وهو جالس علي كرسي فخم ، ولكن الكرسي ينحدر مع التيار الضخم وحاولت بكل قوتي ، أن أوقف إنحدار الرجل مع تيار الماء المنهمر ، ولكن دون جدوى وما لبثت برهة وأنا أبتعد عن مجرى التيار العنيف ، حتى وجدتني اقوم من النوم ، لعي هزل لي وقد انقطع الحلم تماما ، فماذا أنت قائل في هذا يا مظلوم ؟ والله يا سيدي علي حد علمي وخبرتي أن صديقك هذا في ضائعة ولن يخرج منها بسلام ، وهي ضائعة شديدة لن يستطيع أن ينجو منها ، ولن يستطيع أن يدافع عنه إنسان ، حتى أصدقائه ، وهو إما سيزول منه مركز ، مثل رئاسة شركته ، أو أنه سيفارق الدنيا ولن يستطيع أحدا مساعدته ، في هذه أو تلك. فرد عرفان ، لا يملك الإنسان أما القدر وقضاء الله ، إلا التسليم بما يأتي به رغم أنه كان قريبا إلي قلبي وإلي عقلي ، ومازال رغم أنني لم أقابله منذ أمد بعيد ويفعل الله ما يفعله ، مسلمين بكل ما يأتي منه ، وهو العالم الخالق الرحمن الرحيم.

والآن علينا بالعمل يا مظلوم ، وانترك صاحبنا ، لما قدر له ، ولعله خيرا له في كل الأحوال ، ماذا عندك من ضيوف يا سيدي قا ملظوم ، وقج جاء منذ نومك عدة حالات وأرجأتها إلي ما بعد استيقاظك أولهما حالة عاجلة ذلك عن إمرأة مصابة بصداع شديد ، وقد لجأت إلي كل الأطباء ، فعالجها بعضهم خطأ ، ذلك أنه شخص الحالة علي أنها تحتاج إلي مخدر قوى وكتب " روشته " علي أساس أحد الأنـواع ، ولكنه كان نوعا شديد التأثير ، وقد استخدمته بكثرة مما جعلها في حالة يرثى لها ، وقد أصبحت في حالة غيبوبة مستمرة ، نتيجة هذا المخدر وقد تم نقلها إلي أستاذ متخصص وقام بالتحليلات اللازمة فوجد جسدها قد تحمل بكميات رهيبة ، من هذا النوع وهو علاج خاطىء فأعطاها مجموعة من الترياقات حتى استردت الوعي مرة أخرى ولكن الصداع مازال مستمرا ولم تجد له علاجا شافيا فعرضوها علي أساتذة آخرين دون جدوى وفي أثناء احدي الزيارات لأحد الأطباء ، شاهدتها احدي المترددات علي الطبيب وقالت لأهلها ، أن هذه الحالة ليست طبيبة وإنما هي حالة نتيجة (عمل) قد عمل لها ، وأنه قد حدث ذلك لابنتها ، بعد الزواج مباشرة ، وقد شفيت علي يد الأستاذ عرفان ووضعت لهم عنوانك ، وقد أتـوا إليك لعلهم يجدون عندك مرادهم ، والله خير حافظ للجميع ، وهي والله يا سيدي ، من حالتها ، تضيف إلي القلب المزيد من الألم ، خاصة وأنه لم يمر علي فرحها أسبوعا ، فقال له عرفان والثاني ؟! رسول أتيى من عند الأستاذ / مدحت موسى يعرض عليك رسالة بشأن أرض أبو حمص بالبحيرة ، وقـد جاء منذ ذهبتم إلي بعض الراحة يا سيدي قال ذلك مظلوم ، وهو ينتظر رد سيده ، فقال له ، وهل أكرمت وفادته ، نعم يا سيدي فقال عرفان والآن علي بالحالة الأولى فقام مظلوم ذلك الذي يفهم الدنيا ، بكل ما فيها ولكنه يأخذها مرة ، بالفهم ويأخذها مرة بالسذاجة ، وهو مرة تحسبه ن مثقفا في ثوب فلاح وتراة تراه ساذجا في ثوب فلاح وما هو بفلاح في هذه أو في تلك ، وإنما موظف سابق ، بشركة القطاوي للقطن ، التي أممت من قبل وقد عاشر فيها الأجنبي والشامي والمصري ، في معاملاتهم مع صاحب الشركة القطاوي باشا سابقا ، وهو في كل هذه الحالات يريد أن يعيش حسبما يرى أماهه ، فهو المثقف إذا أراد محدثه ذلك ، وهو الساذج ، إذا أراد محدثه ذلك ، وكثير من الناس يحبون أن يكونوا ، في وضع وفي مظهر أكثر من الآخرين ، وكثير من الآخرين ، يحبون أن يكونوا ، في وضع وفي مظهر أقل من الناس ، ذلك يرجع إلي تكوين كل منهم ، من تلك الفئة أو هذه ، فئة تحب التظاهر الخادع ، وفئة تحب التواضع الخادع ، وفئة ظاهرها كباطنها ، وفئة باطنها كظاهرها ، وفئة لا تخدع ، وإنما ترى أن الحياة لا تستحق كل هذه الأقنعة ، ومن ثم فهي تريد أن تعيش وليس المهم إن كانت في الصف الأول من المظاهر والكبرياء ، والوجاهة ، وهي أهل لذلك ، أو إن كانت من الصف الثاني في كل هذا فكله سيان ، ومادام ذلك أو هذا يرضى بعض الناس ، فلم لا دعهم لما يرضيهم ، فلن يقلل منك ، أو منهم ولن يزيد منهم أو منك فهم لا يعلمون أن هذه أشياء ذائعة ، أو أنهم يعلمون ولكنهم يستمرأون حب هذا ، ويرضيهم ، ولو مجرد الشعوب به ذلك هو مظلوم في حديثه مع برهان ، وفي حديثه مع عرفان ، وفي حديثة مع الآخرين وفي حياته من قبل عرفان ، عند القطاوي وسيظل كما هو وهاو وإن لخص الحالات لصحابه ولأستاذه ، ولولى نعمته وسيده عرفان ، حتى خرج وقد أحضر الحالة الأولى فتاة في مقتبل العمر ، موصوبة الرأس ومستودة علي أمها ، من ناحية وعلي زوجها من ناحية أخرى ومجموعة من الرجال ومن النساء في معيتها ، فأمرهم عرفان بالانتظار بالخارج فيما عدا أمها وزوجها وأقفل الباب عليهم وبدأ في الحديث معها وأخذ بما يسمى (بقطر منها) وأخذ يشمه كثيرا ثم جلس في لحظه صمت ثم قام من علي مكتبه ، وأخذ كتابا لونه علامة (أزرق) وأخذ يفتش فيه قليلا ، حتى وصل إليه بغيته و أخذ يقرأ في صمت ، والجميع في صمت إلا أنات ألم ، تخرج من الفتاة وسحابات دخان معبقة برائحة البخور ، متصاعدة في أركان الغرفة مما تعطي وأعطت من قبل ، جوا صوفيات خالصا بعيدا عن ضوضاء الحياة وضجيجها ، ودخانها املوث الذي تشمه في شوارعها وفي مصافها ، وفي متاجرها وفي منازلها وفي أزقتها ، ذلك أن المقارنة بين هذا الجو وذاك الجو الآخر غير عادلة لأن الفرق كبير جدا ، كان هذا المنظر الصامت ، يثقل من خدر الأعصاب ويخفف من عبء الجسد وتتسامى في الأفكار ، وقد بدأ صوت عرفان يقطع الصمت قائلا اسمك يا سيدتي (عفاف) وأنت العفاف وأمك اسمها فتحية تبارك الله فميا سمى وخير ما يعطيه الإنسان أن يحسن تسمية أولاده ، أما أنت يا هذا فأنت الزوج الطيب المسكين الذي تتألم لزوجتك ، ولا تستطيع أن تفعل لها شيئا ولقد ساعدت علي الخطا ، مع الطبيب المعالج حينما أعطيتها من الدواء المخدر ، أليس كذلك يا أستاذ محسن.
لقد حاولت أن تنقذ زوجتك وما كنت بالمنقذ ، أليس هذا يا سيدي ؟! فرد الزوج قائلا لا تحملني أكثر من طاقتي يا سيدي ، وما كنت بالمضر وكن منصفا معي ، ولست بناصف نفسي ، وإنما هي تعليمات الطبيب ، كنت أنفذها وما أنا بطبيب ، فرد عرفان أعلم أعلم ووجه حديثه ، إلي أمها ، فتحية وأنت يا سيدتي قد حركت الأمومة ، ففعلتي ، الوصفات البلدية وما كان ذلك صحيحا فقالت السيد ، وماذا أفعل ، يا أستاذ عرفان ، وقد لحت حليلتنا وكانت بلا حراك ، حتى اعتقدنا أنه الواداع الأبدى فقال عرفان كل نفس مقدر لها عمرها كما قدر لها حياتها ومن قبل ميلادها وما تقابله من حلو ومن مر ، المهم أن الأمر أن هناك ( عملا ) هناك حيث المنزل الكبير وعلي بعد متر ، من بداية سلم الحديقة وضع هذا العمل مجموعة من المسامير ، قد سكت علي ورقة من الجهتين ولفت علي بعضها البعض ثم لف قطعة من ثوب فرحها الساتان الأحمر ، ثم لفت عليها خصلات من شعرها وعقدت تعقيدا ، ثم كما حضر لها ردم عليها وتحضرونها ، ويفك كل هذا في حجرها ، وسوف يكون الخير كله بإذن الله فوقف الجميع مبشرين ، مهليين فرحين ، وكانوا في الانصراف ، وسلموا وسلمت عفاف ، ورسم بسمة أو مشروع بسمة ولكنها بسمة باهتة تعكس الأمل ولكنه الأمر الذي لم يتحقق بعد ، ولكن بوارد قد لاحت من خلال نظرات الثقة ، في عيني عرفان ، والثقة في كلماته ، وقد كان قد يراني كل هذا ولا ننسى حياته الطويلة ، بكل ما فيها وقد عرف كيف يتعامل مع الناس جميعا ، كأنه ممثل عظيم ، ضر طريقه عن خشبة المسرح وضل طريقه عن شاشة التليفزيون وضل طريقه عن شاشة السينما وعرف طريقه علي خشبة مسرح الحياة ، وعلي شاشة تليفزيون الحياة وعلي شاشة سينما الحياة وكم تكون الحياة أكثر العروض عمقا وفرحا وألما وصراعا ، لأنها الأصل والباقي تمثيل !!
قام رسول الاستاذين مدحت موسى بناء علي طلب الأستاذ عرفان متعدد للدخول بينما التفت مظلوم علي تقاضي الأتعاب من الزبونة السابقة كما هي عادته دائما وما كان يأخذ لنفسه شيئا فوق الأتعاب وما كانت الأتعاب محددة مقدما أو مؤخراً وما كانت كبيرة وما كانت صغيرة وإنما كل بما يستطيع هكذا كان عرفان قنوعا ، وما كان بالمتسول أو بالدجال فإن علمه كان مدعما بشهادات كثيرة فهي مجال الفلك والعلوم الروحية حصل عليها من معاهد عالمية ومعاهد محلية ، وهو جالس في منزله ذلك بطريق المراسلة ، وقد زينت جدران منزله وسلمت نسخا منها لجهات الترخيص الحكومية والمسئولة عن هذا وعرفان دائما لا تفوته مثل هذه الاجراءات ولكن من يعرفه من اهله وصحبته ، كان يعقتدون أنه يمارس ولا شهادات ولا يحزنون وإنما هي قراءة وممارسة وشىء من الفهلوة وهي رجل العلاقات الأول.
ولذا فلم يكن يأخذ شيئا مقابل دجلا وإنما مقابل علم وممارسة وبطريقة رسمية ولكنه من ناحية أخرى كان لا يفرض أتعابا وإنما يتركها لظروف كل عميل ويتركها بالمرة لمظلوم ثم أن الذي يأتي يأكل منه الجميع أهل المنزل والضيوف المرضي ، وضيوف عرفات الخاصة فالجميع له نصيب وافر في كل هذا إلا عرفان ذاته ، الذي كان يهمه الآخرون دون نفسه في مثل نواحي الغذاء وكرم الضيافة وأمثال هذا وأكثر من أمثالها.

دخل الرسول علي عرفان محييا عرفان فقام من مجلسه مسلما عليه ، مرحبا به وناداه علي مرتبه قد أسندت إلي حائط فوق سجادة الحجرة وقد غطت بملاية منقوشة بالزهور والورود شغل الأيدي الناعمة وقد وضع بجانب الحائط ( مسندين ) من القطن المغطي ببياضات مشغولة أيضا فجلس عرفان وبجانبه رسول صديقه ، وحياة تحية عظيمة ، وأمر مظلوم بالقهوة المضبوطة له والزيادة لضيفه ، فسأله عن احوال الأستاذ /مدحت موسى والأستاذ صبري الشرقاوي والأستاذ صالح عاصم والدكتو محمود حافظ ، والأستاذ جاد الورداني والآخرون أصدقاء ، عرفان تعرف عليهم عن طريق الأستاذ مدحت موسى في سهرة من سهرات القاهرة ، الغنية ذات يوم من الأيام الملكية وظلت الصحابة بينهم حتى يومنا هذا ولكن الأيام والمشاغل قد مزقتهم ، وكان كل منهم يمثل طورا شامخا وصديقا وفيات وكانوا أهل عمل وإدراك للمسئولية ، وأهل فق وطرب وموسيقى ومسرح وصحافة وغير ذلك من نفوق الحياة وكانوا أيضا ، أهل ثقافة وأهل أدب ، ولم يتقصروا علي هؤلاء عدا واسما ، وإنما كانوا أكثر من هذا وتناقصوا يوما بعد يوم بحكم البعد وبحكم السفر ، وبحكم الموت وقد أزعجهم موت أستاذ كبير كان عزيزا عليهم جميعا ، وهو الأستاذ عبد الرحمن طلعت محمود ولكنهم سرعان ما عادوا إلي ندواتهم الدائمة ، كلما تجمعوا ، أولاحت الأيام بفرصة وهاهم تفرقوا قلبا وقالبا ، في المكان وفي الزمان وتباعدت القلوب ايضا ، وقد نفر منها ما نفر ولم يبق من الجمع الحاشد علي رابطة الود والمحبة ، إلا هذه المجموعة الصغيرة ، حتى وهي علي بعد من بعضها البعض ، مسافات ، ومسافات فدائما ما يكون السؤال برسول أو برسالة ، أو يسفر ، أحدهم أو كلهم علي موعد بلقاء أو ماشابه ذلك وها هو عرفان يسأل رسول صديقه عن أحوال الأستاذ مدحت موسى والمجموعة ، فيطمأنه الرسول عليهم ويقول يبلغونك السلام وقد جئت إليك من الأستاذ مدحت ذلك أنه يمتلك مساحة تعدت الخمسين فدانا ، بناحية أبو حمص بحيرة ، ويرد أن يؤجرها لك ، حيث أنه مشغول دائما بالقاهرة وبسفره إلي الخارج ، وقد أحضر لها أقارب من كفر الشيخ ولكنهم فشلوا في إدارتها ، علاوة علي أن الخلاف مع أخواته ، منعه من تركها معهم ، فما رأيك في ذلك ؟ وقد أوصاني أن أبلغك ألا تخيب رجاءه وقال ذكره بالذي مضى ذكره بأنه زاده الأرض وشاهدها وكم كان مغرما بها ، أثناء زيارتهم لها ، مع الأصدقاء موعده عرفان خيرا ، وأستاذن في الإنصراف فقال له المساء قد قارب علي الانتصاف ، فقال له معي عربتي وسوف أذهب إلي القاهرة وسأتوقف قليلا بقليوب لقضاء بعض المصالح للأستاذ مدحت موسى ، ولابد أن أكون في القاهرة ، قبل ظهر الغد فرد عرفان متمسكا بالمبيت ولكن الوقت متأخرا لوصولك لقضاء مصالح في قليوب ، فقال الرجل وكان اسمه صابر عبد الرحيم ، سوف أنزل علي ابن خالتي ، فاروق جمال وهو له منزل كبير هناك وسوف أقوم مع الصباح الباكر ، أقضى المصالح ثم أعود إلي القاهرة بإذن الله لأقابل الأستاذ /مدحت عند الاستاذ /مجدي فلقس المحامي المعروف ، فقال عرفان براحتك البيت بيتك وسوف أتدبر الأمر وأرد علي الأستاذ مدحت خلال أسبوع واعتبر الأمر منتهي ولكن سوف أرى ما يمكن عمله من حيث إرسال مجموعة من الفلاحين وناظر لذلك الأمر ويمنك أن تبلغه ، أنني موافق علي المبدأ والمسألة مسألة تنفيذ وبلغه سلامي وسلامي إلي الأسرة الكريمة والي الأصدقاء الكرام فرد الرجل قائلا ( يوصل إنشاء الله ) وانطق معه مظلوم حتى الشارع وحتى دارت العربة قاطعة الطريق المؤدي للنهر متجهة إلي الطريق الرئيسي بينما مظلوم ينظر إليها من أمام المنزل تماما ، حتى اختفت في تعرجات الطريق ....

*المساء يزداد غموضا أو أن الدنيا قد توشحت بثوب الظلام الأسود ، وخارج المنزل لا يبدو ضوء القمر ، إلا في بداياته ، وهو القبس الوحيد ، في هذا الظلام ، وبعض المصابيح الكهربائية الخافتة ، الضوء في الشارع الممتد أمام المنزل وبالداخل ، تكدست النساء في حجرة عفارم ، وكانت هناك صيغة عزيزة عليهن ، وقريبة لهم أيضا كانت السيدة / نعمت المسلمي ، وابنتها آمال القباني ، و كانت زيارتها ، لهذه الأسرة عادة كلما نزلت إلي عزبتها ، بعزب البلدة حيث تقطن استراحة قصيرة وتشرف علي زراعات زوجها من الموالح والفواكة المختلفة وعطف عطور ، لما تصنعه ، من الورود والزهور المزروعة ، وكان زوجها صاحب مزارع كبيرة تخصصت في إنتاج الفراخ اليومي ، الديوكة الرومي ، والأرانب الشانسيلا الممتازة ، وكانت مزارعة منتشرة في أماكن مختلفة في الفيوم وفي بني سويف وفي المنيا ، وفي سوهاج وفي أسيوط وفي قنا وفي إسوان علي ذلك فكانت حياته ، كلها تنقلا بين هذه المزارع وأما شرارة لزوجته هذه العزبة فذلك أنها من هذه المنطقة وكان لها فيها ميراثا ، فاشتراها ، من أخوات زوجته ، وسجلها باسمها ، وحاولت معه كثيرا ، أن يحاول نشاطه إلي هذه المنطقة فقال لها القسمة قسمة عادلة ، أنا مع آبائي ، وأجدادي وأنت مع آبائك وأجدادك ، وكان الرجل له علاقات ممتازة ، في القاهرة وفي الإسكندرية ، وكان يصدر بضائعه من منتجاته الحيوانية ، عبر بورسعيد إلي الدول العربية ، وبلدان آسيا وعبر الإسكندرية إلي شمال أفريقيا وأوربا ، وعبر ميناء السويس إلي جنوب القارة الأفريقية والحجاز واليمن وغيره من بلاد الجنوب ، ولم يكن وارثا لهذه المزارع بقدر ما كان استيلاء من الأجانب الذين تركوا مصر ، بعد الثورة مقابل أسعار رمزية وبيع صورة وقد قام بتنميتها وكان وراءه من يحميه من رجال العهد الجديد ، فلم يتعرض لأي تأميم أو مصادرة أو غيره ذلك من الأمور فالرجل كان وراءه من وراءه في هذا الحين.
والسيدة نعمات وابنتها آمال الطالبة بكلية الآداب قسم صحافة كانتا علي جانب كبير من الكياسة واللباقة مما جعل الجميع يقابلون الأم والابنة بكل ترحاب وحفاوة وكانت زيارة بيت عرفان زيارة محملة بكل ما طاب من إنتاج الأب ومن إنتاج الأم وهذه الزيارة الأخير مثل كل الزيارات السابقة أحاديث مختلفة ، وتطرقت إلي خطبة آمال مقالت السيدة نعمات أن الخطاب يتنافسون ولكنني أرجأت كل شىء إلي ما بعد التخرج فقالت لها روح الحياة ولكن البنت تعلمت أو لم تتعلم مصيرها البيت ، وأيدت كلامها عفارم ، وقالت نعمات أن كلامها حقيقي ولكن البنت لم تتخرج بعد ثم أن كل المتقدمين ما بين طامع في ثروتها أو متلصص علي الإلتصاق بصلات والدها ، وسوف يحسم الأمر حين يتم التخرج وقالت آمال معلقة وكان لها رأيها ثم أنني التي سوف تختار ، ولم أجد بعد ما يناسبني ، ويلائم طباعي فضحك الجميع وانتقلوا إلي أحادث أخرى متفرقة ثم انصرف الضويف ، في صحبة فتوح البهلول ، حتى ركبا العربة ( الكارتة ) يشدها حصانين قويين متوجيهن إلي عزبتهما و السائق نعمان يرفع صوته بالغناء ، ويده بالكرباج مطرقعا في الهواء ، فلما اطمأن عليهما فتوح عاد أدراجه.
بينما كان هذا في الداخل ، كانت صحبة عرفان قد اجتمعت كما هو حال كل الأيام ، وبنفس الجمع وبنفس الجلسة تدور النارجيلة ، أو الجوزة أو الشيشة ، وأكواب الشاي وكؤوس الخمرة ، وقد خلطت بالكوكا والمزة من المخلات وبينما الجميع في أحاديث شتى ، التقط الخيط عز الرجال وقد كبر علي مهام شياخه البلد ، وقال أما سمعت يا عرفان ؟ فرد عرفان خير إنشاء الله ؟ قال صاحبك حجرة ، لقد أوقعنا في مطب كبير فضح عرفان ، لابد أنها قشرة ، جاءت واسعة هو ما تقول أجاب عز الرجال ،الحكاية يا سيدي أن السيد رئيس النيابة ، وجدان بك كان في معاينة ، وأراد جمرة ، أن يظهر كرمه وضيافته ، فقال له يا سعادة البك هذه الأرض أرضي وقطيع الأغنام هذا الذي يملأ البر بعبارة ملكي وأمنيتي أن تتكرم بالزيارة وأن ينعم بضيافتكم وكان سعادة رئيس النيابة يعرف عنه فشره فأراد ان يحرجه فقال وةمعه صحبة ، تتعدي (العشرون، شخصاً) وأنا قبلت عز وقتك ، فارتج الأمر علي جمرة وما أنقذه إلا الأستاذ الدهان واشترى من صاحب الغنم خروفا كبيرا وكانت العزومة في منزل صهرك الشيخ محمد ولم يرتدع جمرة ، وإنما كان يعزم علي الضيف كأنه فعلا صاحب الوليمة ، وبعد أن انتهى كل شىء أخبره السيد رئيس النيابة بأنه علي علم بكل ما تم ، فضحك جمرة ، وقال له يا سعادة البك ، لا تحرجنا ، سوف أدفع للدهان بك تكاليف كل شىء وما أرادت إلا مؤانسة سعادتكم فضحك الجميع ، وذهب كل منهم إلي حال سبيله ، بابتسم عرفان أحقا حدث هذا يا جمرة فرد من آخر الحجرة وهو شبه تائه أنه مقلب عمل في يا أستاذ عرفان وعلق عجوة يا جمرة قبل أن تفشر ، تعالى وأنا أعطيك درسا في الفشر حتى لا تقع في مثل ما وقعت فيه ، فاقل له جمرة وقد بدأ يضيق من كلمات غريمة وهلي أنت تستطيع أن تصاحب هؤلاء يكفيك أن تسمع فقط فضحك عجوة لافرا جمرة ، كل القطيع بتاعي يا سعادة البك فاشتد الشجار في دعابة والجميع يستفزونهما لكي يخرجا كل ما عندهما فلما يشتد النزاع يخفف الىخرون من غلوائه وكان عرفان يتدخل أيضا حين يجد الجد وقال له عبد الحميد كنت في التفتيش وسأل عليك الكثيرون وألح في السؤال حلمي وزوجته شربات وقد يزورنك مع أولادهم فضحك عرفان ومال إلي الوراء ، ( وسرح ) في الماضي والذكريات ، وقال له وكيف حال الجميع يا عبد الحميد فقال عبده الجميع في خير وحلمي أصيل إلي المعاش ،وفتح دكانا يبيع ويشترى وقد قال " أين أيام عرفان بك لقد كنت أسميه ، سبع الليالي ، وقد كان سبعا حقا وكنت أداعبه وهو سكران فأقول له يا سبع يا سبع يا سبع الليالي ، فيرد علي مداعبا أمك اسمها حلمية فأضحك وأقول له ، أنوار ، أنوار كلك أنوار فيقول سبع الليالي يا بن حلمية ، لا تسرق منى السكر ، وتردني إلي اللمز ، بالأسامي مرة ثانية ولا تنقل مني الحكايات وتفشر وتقول ، تأليفي أليس هذا عيبا يابن الحلمية وأضحك ، وأرد عليه قائلا وهو أنا الوحيد الذي يسرق منك كل ليالي الأنس والفرفشة ، يسرقونها منك ويقولونها في لياليهم من تأليفنا ومن أفكارنا ، وكل يضيف عليها من عنده حتى يحلو السهر ، وقد نقطعها علي لحقات في كل سهرة حتى نشد السامعين ، والمشاهدين لسهراتنا الليلية ، وسالت حلمي ألا تزور سيدك ، أنت والبنت شربات فيوقول إنشاء الله قريبا ، ثم أنني مكسوف لأنني لم أزره منذ العودة إلي الريف ، فابتسم عرفان مرة أخرة ربنا يفتح عليه هو وشربات !!
ثم تناول النار جيلة ، وأخذ يشد الأنفاس فارغة من كل صنف ، واستأذن الجميع في الانصراف وجاء الدور علي الشيخ عبد العليم في الانصراف فأبقاه عرفان قائلا له ، انتظر يا عمي عبد العليم فإنني أحتاجك في أمر هام ، فجلس الرجل بجانب عرفان ، وعرض عليه عرفان ، موضوع أرض البحيرة فوافق الرجل ، بعد مناقشات كبيرة وقال له لي شرط واحد فقال له كل شروطك مجابة فقال أن أكون المسئول الوحيد هناك وأن أحضر مجموعة من الرجال القادرين علي ذلك ، فوافقه عرفان علي كل شروطه ونهض مستأذنا فأذن له ، وكان عرفان قد جلس بمفرده ، بعد أن انصرف الجميع وهو في حالة اجهاد تام من تعب اليوم ، ولقاءاته ، وأخذ يتذكر يوم من روح الحياة أم عفارم ، فلم تسعفه ذاكرته من التعب والارهاق ، فنام في نفس حجرة الصحبة وعلا شخيره ، وجاءتا المحروستان فأطفأ "الأنوار" وعادتا باسمتين كل إلي حجرتها وقالا في نفس واحد " الله يديه العافين ، شغل ليل ونهار ونهار وليل !!"

كانت أيام ، عرفان القادمة فقسمه ما بين عمله ، وما بين حصبه المساء وأضاف إليها قراءة ، الصحف خاصة صحيفة العهد الجديد ، حتى يتابع نشر موضوعه ، وكان يتخلل برنامج العمل اليومي هذا ، الزيارات المختلفة ، إلي البلدان المحيطة أو البعيدة ، وإن كانت هذه الزيارات ليست لها صفة الدوام ، وإنما كانت تأتي من عفو الخاطر ، لهو لا يعد لها مقدما ولا يستعجلها ، وإنما هي تأتي كلما كان هناك فراغا أو مللا ، من العمل اليومي المتصل ، أو لأداء واجب عزاء ، أو واجب فرح وكم هي كثيرة ، في حياة الإنسان ، كانت متابعته للصحف بحثا عن مشكلته ، التي وعده برهان عبد التواب بنشرها ، إلا أنه لاحظ في صحف اليوم من هذه الأيام أنباء مثيرة وعجيبه ، عن القبض علي الكاتب الكبير مصطفى أمين بتهمة التخابر مع أمريكا وكانت التفاصيل كثيرة وكانت الأنباء غريبة وكان يعرف عن هذا الرجل أنه وقف مع الثورة منذ بدايتها وأنه دافع عن رجالاتها ، منذ قامت وكانت مقالته الشهرية ، ( سر التسعة) وإن كانت هناك من يقول أنهم ثلاثة عشر فيها تركيز الأضواء علي أقوى هذه الشخصيات وهو ناصر فما الذي غير الأوضاع ، وقلب اللعبة ضده لقد فعل الكثير لهذه الثورة وأممت صحفه ، ومازال يؤيدها ، بل إن صحيفته الأخبار اليومية صدرت في عام 1952 أي عام الثورة ولم يقف عرفان عند حد القراءة بل قام وأجرى عدة اتصالات مع بعض المسئولين من الصحبة ، وبعض العالمين ببواطن الأمور فتبين له أن القضية ملفقة ، ذلك أن الطرف الأقوى فرض وجدك ، وكان لابد من إزاحة مصطفى أمين في حينه ، وأن القيادة قد تعطي الضوء الأخضر لبعض الصحفيين ، لإجراء نوع من الحوار ببعض الدول ثم تتبرأ منها ، ويكون الضحية هم هؤلاء الصحفيون ، قد يكون لهذا الكاتب الكبير آرائه واتجاهاته ، كما يكون ذلك لكافة الكتاب ولكن لا يعني ذلك الخيانة أو مناداة الوطن ، والجميع مهما اختلفت اتجاهاتهم ، ومهما ( شط بعضهم ) فكلهم أبناء الوطن ولا يمكن أن طعن فرد في وطنيته ، ولكن عرفان عرف أنها أمور السياسة ومقالبها ، وكان الجناح الآخر والتوأم علي أمين قد غادر البلاد متنقلا بين بيروت ولندن ، قبل أن يلقى نفس المصير ، وإن كانت الرسائل بينهما لم تنقطع أبدا بطريقة أو أخرى ، وتذكر عرفان أحداث 54 مع التيارات المختلفة ، داخل البلاد ولم ينته الأمر عن هذا الحد ليكون هذا العام هو أيضا تكرار لعام 54 ، وأدرك عرفان بماسته الغريبة ، أن القطة قد أكلت معظم أبناءها ولم يعد إلا القليل ، حتى تجهز علي بقية الأولاد قد أعارضك في الرأي ولكن لا يعني ذلك أن أكرهك ، أو أقيد رأيك بل أن الاختلاف في الرأي هو هبة سماوية تؤدي إلي الحقيقة وتدعهما وتضع التوازن بين الأشياء ، مما يحفظها من السقوط ولن تستطيع أن تجبر إنسانا ، علي أن يكون معك أو ضدك ، بل أن الذي يحفظك ، أن تسمع لهذا وتسمع لذاك ، وأن تقفل آذانك ، أمام الهامسين ، والسامعين لهيمسوا لك ن إن هذا شر بلاء الحياة والمثل الصيني يقول " تستطيع أن تقود الجواد إلي الماء وكلنك لا تستطيع أن تجبره علي الشرب " ، والحقيقة قد تغيب قليلا ، وقد يحولها البعض إلي الضد تماما ، وقد يؤدها البعض ولكنهم يخشون الأقوى ولكن الأيام كفيلة دائما بأن تظهرها ، واضحة جلية يخشون الأقوى ولكن الأيام كفيلة دائما بأن تظهرها ، واضحة جليلة كالشمس ، مهما طمست ، ومهما أخفيت ، وكم من الأشياء ، وقصص وحكايات ، يعرفها عرفان ، ونت وغيرت وبدلت ، فصارت قصصا ، وحكايات ومرت الأيام وظهرت أصولها ومعاونها ، نقية من كل شوائب وتصبح العملية علي مر الزمن ، تصفية حسابات وتستمر اللعبة ، بين الفريق الأقوى فلما يضعف ويقوى الفريق الضعيف ، تنقلب الآية وليس بهذا تنهض الأمم ، وترقى بالمصالح والصراعات ، تبدأ بالدفاع عن المنفعة العامة وتنتهي بالمنعة الخاصة ، وقد يكون هناك خاطىء ، أو يخطىء في نظر بعض الناس ، وتظهر الأيام أنه كان الرأي الصحيح ونعيد من جديد الحسابات ، كل هذا يأخذ عمرا ووقتا ، وعندما تريد أن تصحح أو تغير الحسابات مختلفة ، ويكون الوقت ، كالسيف يقطع ، مادمت لم تقطعه غيرها يترتب علي ذلك من تشويه رجال عملوا علي بناء البلد ، فكانجزائهم جزاء سنمار ، ومازال عرفان يتذكر ، حكاية أحد الكتاب الصحفيين ، الذي غادر البلاد أملا أن يجد انطلاقات بعيدا لم يخن ولم يترشى ولم يشرب ولم يأكل غير حب الوطن ولم يكتب في لقبة وكان قادرا علي ذلك وكان الطريق مفتوحا ولم يكن ذي ألاعيب أو خبث أو مداهبة ولم يكن تابعا لهذا أو ذاك. فإذا به بين فكي الكماشة وإذا ب محاصرا من الجميع ، وإذابة قد تحول إلي فسخ آدمي ، لا حقته العيون والأيادي ، والأرجل وركلته من كل جانب فلم يهنأ له عيش في غربته ، ولم يهنأ لهم عيش إلا بعد أن تحول من عاقل إلي مجنون ن أو هم ارادوا له ذلك ، أو أوجوا له بذلك ، وأوجوا لمن حوله بذلك فصار ذلك الرجل الصالح يصبح طالما وأصبح ذلك الكاتب مشعوذا ، وأصبح ذلك الصحفي واهما ، وأثقلوا عليه كل هذا فعاد تائه النظرات مشرد الوجدان والحياة يمشى كأنه آلة ، ولكنها آلة صماء ، لا تعي ولا تفهم كل هذا لماذا لأنه لم يكن تابعا لهذا ولم يكن تابعا لذلك ، فلما أفاق من كل هذا وجد الصدود من الجميع ، ووجدا الماضي الذي خلقوه ، يطل بمخالبه القوية ، وبظلاله الثقيلة ، ذلك كان الكاتب نافع المصري ذلك كان نتيجة ن عدم تقوقعه ، في داخل شرنقات ، عناكب سامة وحشرات قاتلة ، وتذكر عرفان ان تشويه سمعة إنسان صعب أن يمحوها الزمن رغم وضوح الحقيقة ، لدى من قلبوها ، وقلما يعترفون بأنهم فعلوا هذا ولكما يردون الحق إلي صاحبه ، وإنما هي لعبة الحياة ، بكل ما فيها وما فيها يكفي لأن يحرك القلوب ن إلي حياة نابضة بكل الخير أو يحولها إلي أتون مشتعل ، بكل الشر أما المعقول ، فهي في كل هذه الأحوال فقد فقدت قياداتها ، وصارت تتحرك في آلية ، كأنها ملجمة ، في أيادي كما نرى لاعب العرائس الماهر وقد أمسك بخيوط دمى لا روح فيها أو حياة فيراها الناس راقصة ، لاعبة كأنها كل الحياة ويصدقون ما يظهر أمامهم ، فرحين مهللين ، أو دامعي الأعين باكيين وكل ما كان لأنه أرادوا أن يفرجوا عن أنفسهم بلحظات مرح ، أو حتى حزن ، فالناس لا تشعر بآلام الآخرين ، ولا تشعر أيضا بأفراح الآخرين ، ولكنها تشعر بما يتعلق بها فقط ، وكان عرفان يعرف الكثير من المآسي والآلام ، ويعرف الكثير من الأكتفاف التي انحنت لتحمل غيرها ، والتي لم تنحن فكان مصيرها ، الإحناء ، ويعرف من لم يكتفوا بالإنحناء ، وإنما بالركوع علي أربع لكي يصعد فوقهم من يملكون القوة لذلك ، ويعرف أيضا من كان يمرح كحصان أو كحمار سعيدا بمن قد ركبه ، ولم يقفز به ، من فوق سرجه ، إلا حينما تحولت الأيام وتبدلت فوق عنق راكبه ، وداسه بأقدامه وصعد ليركب هو ظهر حمار آخر أو حصان ، ويعرف أيضا ، من رفض كل هذا واكتفى بالمشاهدة علي استعراض الخيول والفرسان ، ومن اكتفى من كل هذا فآثر الإنزواء في بيته ، حتي يقضي الله أمره أو امر هذا الزمان ، ولكن عرفان كان يعرف أكثر أن كل هذا طريقه ، طريق الشوك وأن الورود ، التي زرعت ذبل أكثرها ، وأن الشوك قد ذرع عمدا أو ظهر شيطانا بين الورود وأن الحديقة التي رعاها الجميع قد عبث بها أطفال أشقياء ، وان العاشقين لها ، قد تسربوا من ملاذها واحدا بعد الآخر ، ولم يروع عرفان لكل هذا ، فهو قد عرف الحياة وذاق من ويلاتها الكثير وان الجانب الطيب فيه هو الذي تحدث بكل هذا ، ولم يلبث في دوامة الأفكار هذه اكثيرا فسرعان ما أمسك بالصحف ، وأشعل فيها عودا من الثقاب ، وحملها إلي آنية كبيرة ، تستخدم في عمله كآنية بالبخور ، حتى تلاشت الأسطر وتلاشت الحروف وتلاشت الأخبار جميعها ولم يعبق فيها ، إلا ورق متضخم ، رمي فوقه قليلا من البخور ، ونادى بأعلى صورته ( يا أيها الوطن العزيز كم من جرائم ترتكب باسمك ، وكم من ضحايا ذهبوا ضحية من يزعمون حبك وهم منك براء ) ثم حمل آنية النار بيديه ، عاليا وأخذ يدور في الحجرة راقصا رافعا " ساق " ، ومنزلا آخر ، رافعا صوته بالغناء ، قائلا " كل ده كان ليه .. يا حبيبي ... " وظل علي هذا الحال ، يفرغ وعائه الإنساني ، مما علق به ، والقطط قد التفت حواليه ، وهي تنظر إليه بأعين ناعسة ، وتموء معها " نو – نو – نو " وكنها شكلت جوقه له ، ولم ينته إلا بمظلوم يدخل عليه ويقول له ، يا سيدي فيرد لعيه فلتشاركني الرقص يا مظلوم ، فيتعجب مظلوم من ذلك ولكنه لا يملك إلا أن يشاركه الرقص ، ويضحك عرفان قائلا له ، ارقصي يا مظلوم ، ارقص يا مظلوم ، فاليوم يوم الظلومين ، ألست واحداَ ، منهم وهذه القطط ألا تشاركني الرقص أو المغنى ، أو المعنى واستمرا هكذا حتى تصبب العرق منهما ، وسكتت القطط عن النونوة ، وكانت النونوة ، دائما تضيق صدر نساء البيت ، ولكن اليوم كان يومها أيضا ، فالباب مغلق ، فلتغني ما شاء لها ، أن تغني ولتمرح ما شاء لها ، وصاحبها معها شاركها وشاركته ، وتابعة مظلوم ، حتى سقطا علي الأرض في إعياء وقال عرفان لمظلوم وهو يلهث من هذا المجهود لقد فعلنا شيئا عظيما ، إذا أرحنا نفوسنا ، مما يحتم علي صدورها ، وفرحنا عن أنفسنا هما ثقيلا ، والآن ماذا وراءك ، قالها وهو يجفف عرقه ، وينثر بعض العطور ، في وجهه وفي صدره ، وفي وجهه ، وفي أيدي مظلوم ، فقال له مظلوم ، لا شىء أكثر من بعض المرضى قد جاءوا ليقابلوك فرد عرفان احضرهم بعد قليل ، وقام مظلوم ليدعي كل حاله علي حدة وقام عرفان ، فهندم من ملبسه ، ومشط شعره ، وجلس في جلسة العمل.

فتح الباب ودخل من دخل فإذا هم عائلة الأستاذ محسن ، زوجته عفان ، وأمها فتحية والأستاذ محسن ذاته ، فقال عرفان مسلما مرحبا ، سائلا عن الأحوال ، فرد الجميع الحمد لله ، وجدناه كان كما قلت ، أمام السلم في الحديقة وحضرنا في حرص فوجدناه ، وقمنا بفكه في حجرها ، وكأنك فتحت القفص ، للعصفور ، فطار في الحال ، كذلك الصداع ، طار في الهواء ، وعادت عفاف نقية من كل سوء ، وفرحنا جميعا كل العائلة للشفاء وأقمنا حفلة ، حضرها الأقارب والأصدقاء ، وجئنا نشكرك علي كل هذا ، فشكرهم ، عرفان ، وقال نحن لا نفعل شيئا نستحق عليه الشكر ، ولكن الأستاذ محسن قال ولكني أريد أن أعرف من هو الذي قام بهذا وأردفت السيدة فتحية ، أي والله يا أستاذ عرفان من هو هذا الإنسان ، الذي يفرق الناس ويبغضهم إلي هذا الحد ، فقال عرفان لا داعي يا جماعة ، مادام الشفاء قد حل وذهب كل شىء ، إلا أن العائلة ، شددت وأقسمت علي أن يبلغهم بمن فعل ومن عمل ، فرضخ عرفان لقولهم ، وتأمل قليلا في لحظات صمت وإطلع علي كتبه وزاد من كمية البخور ثم قال ، قريب جدا ابن العم أو ابن الخال كان يسعى طالبا لها ولم يوفق فكان ما كان ..
فشكره ، بعد أن ذهبوا في حيرة الأفكار ، وهم يمتعون وهم راحلين ، " معقول ، معقول يعملها يوسف ، ولا محمد ولا رفعت ولا مين " لأ مش معقول أكيد واحد تاني يمكن اسماعيل ، ولا سيد ولا مختار ولا عبـده" .
وهكذا كان لا يريد عرفان ، أن يصرح بأكثر مما يحل المشكلة ، ولكنه مضطر ولا مضطر يركب الصعب ، المهم أنهم غادروا عرفان ، وبعده قابلوا مظلوم وانتهت مشكلتهم ، ولكن حيرتهم لم تنته ، وإن قالوا في نفس واحد ، منة الله ، من فعل ومن عمل .. ودخل علي عرفان ، شاب الصحافة أو صبى الصحافة ، وقال له الآن جئت أشكرك يا سيدي ، لقد عدت إلي نفسي ، ولكن بعد جهد شديد ، وقد التحقت بصحيفة ، الوعد وهي صحيفة جديدة ، ولكن رجالها ، من صاحب ومن رئيس ومن محررين ومحررات ، في غاية الانسجام ، فقال له إذن قد حققت أحلامك ، بإذن الله ، فقال له والآن يا أستاذ سميح ، وقد تحققت أمنيتك ، أمازلت تبحث عن البيضة الأول أم الفرخة ؟! فقال له سمير من فضلك اسمي الفني سميح الوادي ، هذا أولا ، أما حكاية البيضة أم الفرخة ، فقد قطعت الخطوة الأولى ، ولعلهم يوافقون علي القيد ، هذه المرة إلا أن ما يبسطني في صحيفة الـوعـد أن فيها أفكار شابة جيدة ، ورغم أن رئيس تحريرها رجل في منتصف العمـر ، إلا أنه شباب في أفكاره ، ولقد وجد في نشاطا هالا ، فنزلت إلي الساحة من أول يوم ، ذهبت مع الأستاذ حسين السيناوي ، إلي مرسى مطروح ، وعملنا تحقيق صحفي عن مقابر العملين ، وحقول الألغام ، وقابلنا مصمرين ، من أيام الحرب ، وانتقلنا من هناك إلي الوادي الجديد ، وقمنا بتغطية كاملة عن هذه المحافظة الجديدة ، عادات وتقاليد المجتمع ، ورجاله ونساءه ، ومصادر دخـلـه ، وكل شىء عن هذه المحافظة ، وقد نشرت هذه الموضوعات تباعا ، ألا تقرأها يا أستاذ عرفان ؟ فرد عرفان والله ، أنا لا أتابع جميع الصحف ، وسوف أبحث عنها وأقرأها ، واستطرد سميح وذهبت مع الأستاذ إسماعيل العثمانلي وعمرو زايد ، وتامر عيسى وياسر خليفة ، وقمنا بتغطية شاملة ، لمنطقة سيناء ومعادنها وبترولها ، ومناطقها السياسية والدينية ، والتاريخية كنا مجموعة ، برئاسة الأستاذ اسماعيل العثمانلي ، وباقي المجموعة زملاء جدد مثلي تماما ، وقمنا بزيارة أخرى ، مع الأستاذ عمر العريشي للاسماعيلية ، وقمنا بتغطية ممتازة ، لشركة القناة وفروعها ، بدأنا بالإسماعيلية ، ثم السويس ثم رجعنا مرة أخرى إلي الإسماعيلية ثم بورسعيد ، وقمت مع الأستاذ رضا المطروحي ، بعدة أحاديث صحفية ، مع بعض المسئولين في الدولة ومع الأستاذة زهيرة عابد وسناء رياض ونادية الملاخ ، ونفيسة البيلي وكلهم صحفيات كبار ، قمنا بتغطية لآثار مصر فذهبنا إلي الهرم ، وإلي الأقصر وزرنا المتحف المصري ، وكان الجزء الأول من تغطية آثار مصر وقمنا مع الأستاذ عبد العظيم قابيل ، زيارة للمتاحف التاريخية ، والمساجد الآثرية والإسلامية ومسجـد الحسين والسيدة نفيسة ، وغصنا في المخطوطات الصفراء به ، وفرحنا بموضوع جيد ، وقد أجرينا أحاديث أخرى مع بعض الدبلوماسيين العرب كالأستاذ جابر الفهد وزايد عيسى وياسر خليفة وعرضنا للعلاقات المصرية العربية ، وأثر حرب اليمن علي العلاقات العربية وكـان هناك المعارض علي أساس أنها جرت الجيش المصري إلي معركة بعيدة عن استراتيجية وأنها محاولة خبيثة لتفتيت جهوده ، وانها دقت الإسفين بين العرب ، بينما العدو الرئيسي بكامل قوته .. وقمت بعدة احاديث فنية ، مع بعض الفنانين والفنانات ، وكان معي الزميلة ماجدة فراج ، ومنال الحكيم وعما آدم وزين الدين أبو السعود ....

وأيضا قمت مع زملاء كبار ، بتغطية عدة موضوعات رياضية ، أذكر منهم اسماعيل نجيب ، وناصف عبد المجيد ، وحجازي محمود وعبد الله إمام وحمادة لطيف . المهم يا أستاذ عرفان أنني استغلت مع هؤلاء جميعا وتمرنت بكل الأقسام ولم أترك قسما لم أعمل به وكان يشجعني رئيس التحرير الأستاذ عصام عبد العال وصاحب الجريدة الأستاذ فهمي عبد السلام ، فابتسم عرفان وقال له وكيف فلت من التأميم ؟ فرد سميح والله لا أعلم ولكن هي جريدة مرخص لها وجميعه مقيدون بالنقابة فيما عدا الجدد ، جاري قيدهم ، فقال له عرفان المهم أن تكون أحسن حالات وأفضل من ذي قبل وأعلم أن كل شىء يأتي بأوانه ، وأن المرحلة التي مررت بها لم تكن إلا كبوة ولكل جواد كبوة ، وأنت جواد أصيل فلا تجعل مثل هذه تلفت نظرك وتأمل عمالقه الصحافة وكيف أثروا الفكر ودافع عن الحق مهما كان أمامك من مغريات ولا تكن إمعة تمشى مع الزفة ، وتدق الدفوف والطبول ، لكل من حب وكل من دب ، ولا تطعن في زميل لك ، ولا تجرحه بغير ما فيه من أجل مركز تهواه ، أو مجاملة ترضاها أو سعيا إلي كسب ود كبير أو صغير فأنت صاحب قلم وعليك أن تتحرى الحقيقة كاملة وأن تعرف كل الملابسات ولا تعتقد أن المعروفين والمشهورين علي حق دائما ، فقد يكونوا مخطئين أيضا كما أن المضمورين والضعفاء ، قد يكون الحق معهم فلا تقف مع قول أي إنسان دون أن تتأكد وتفحص ولا تنتمي إلي جماعة أو شلة ولا تتجسس علي زملائك وليكن قلمك من أجل رد الحقوق لأصحابها وكشف المظالم ، ورفعها عن كاهل المظلومين ، ولا تبرر للمخطىء أو للظالم فعلقه ، وحاول حل المشاكل فإذا تعنت الظالم فإكشفه بكل الطرق ، ولا تخدعنك ، أقنعه ، الناس فتخفي عنك الحقيقة أو تلون أو تقلب فيصبح الظالم هو المظلوم والمظلوم هو الظالم ، ويصبح القوى هو الصادق والضعيف هو الكاذب ، تحرى الصدق في كل كلمة ودعم عملك بالمستندات والآراء المثبتة لما يثار ولا تأخذ آراء من تشتم في آرائهم شبهة الزيف أو الممالأة أو النفاق ، لمن يثار ضده هذه القضايا فقد يكون رئيسه ويخشى منه وقد يكون صديقه ويخاف علي صداقته أكثر من الحق ، وقد يكون قريبه ، ولا يريد أن يمس بسوء ، فتحرى الحقيقة ، ولا تنشر أخبار كاذبة وثق أن كل هذه الأضواء زائلة يوما ، ولا يبقى إلي ثوابت الأفعال كان ذا يوم في عداد المشهورين ، ومن رجالات الدولة ، ثم كبر الرجل وأحيل إلي المعاش فصار الحال غير الحال ، يمشى في الشارع فلا يقابل بمثل ما كان يقابل ، بل ان الناس لم تعد تعرفه ، أو أنها عرفته ونسته وكان الرجل يمتلأ حسرة علي نفسه بعد كل الجاه والسلطان ولم يعرف الوفاء معه إلا نفر قليل ظلوا معه علي العهد حتى مات وأصبح في خبر كان فيجب أن تعرف هذا وأن تسير عليه في حسن أدب وعفه قلم وأجعل هذا القلم سيفا مسلطا علي المنحرفين وعلي المفسدين ، والفاسدين واجعله عودا من الريحان ، أو غصنا من الزيتون علي الشرفاء والبسطاء والمساكين فرد سميح قائلا سأكون عند حسن ظنك وما مشكلتي الأولى التي سببت لي هلوثات الفرخة والبيضة إلا بسبب ما توصيني به الآن وإني لقمين علي كل هذا وأهل له بإذن الله وأستأذنكم لسفري إلي أسوان غدا برفقة وفد اجنبي زائر فأذن له عرفان وعاد إلي مجلسه فدخل عليه مظلوم وقال له ، الست فريدة وابنتها شوفية ، فقام عرفان وفتح الباب قليلا ،وقال لهما تفضلا بالدخول يا خبر تفضلا تفضلا فدخلا عليه ومعه رجل في متوسط العقد الثالث ، توسم فيه عرفان ، عبد الحليم عبد اللطيف ، وقال عرفان في سيره مالي اليوم أراه يبدأ بالحزن علي ما حدث بالصحف والكاتب ، وما أراه من خير مني عملي ، حيث معظم الحالات ، في طريقها السليم نحو العلام ، والعودة إلي وضعها الطبيعي ، وتذكر في الحال تول الشيخ الزائر " لا تفرح لخير ، ولا تحزن لألم " وقال لهم تفضلوا بالجلوس فرد عليه عبد الحليم قائلا ، نشكرك علي ما صنعته ، لشوقية وهو جميل لن نساه أبدا وقالت شوقية لقد كانت سحابه صيف وانقشعت ، ولكنها كانت فترة مليئة بالشكوك والحيرة والعذاب كانت المشاكل تتراكم ككرة الثلج تتضخم وتتدحرج ، فتضخم أكثر وأضافت السيدة فريدة والآن انزاحت الغمة يا شوقية ، وانصهرت كرة الثلج ماءا فأخضرت ، السعادة في حياتنا وحل السعد والهناء مكان الألم والحزن والكآبة وقد جئنا إليك يا أستاذ عرفان شاكرين طالبين منك أن تحضر هذا الفرح فوعدهم عرفان إن لم يكن وراءه سفر أو مشاغل فسيكون أول الحاضرين وتمنى لهعم السعادة في حضوره أو في غيابه ، وانصروفا من عنده ولسان حالهم يوقل كم تفرس السعادة ، وملاءات الحب ، وكم ترفرف بجناحيها ، مظللة علي الأحبة ، وكم يقوى الفرح من عزائم الناس فكأن ما كان لم يكن ، وكأن بحر الآلام ، قد تحول إلي بحر الشفاء ، يزيد من يشرب منه صحة وحيوية ويزيل من النفوس الشاربة مرارة الأيام وعلقم الماضي الأليم ويصحو من غفوته من شرب منه فإذا هو قد عاد إنسانا آخر كل الأبواب أمامه ، مترعة بالأماني بالعذاب ، فاتحة ذراعيها في كرم وفي أمان نحو بستان الراحة المرجوة.

*بعد أن خـرج الجميع ، قام عـرفان ، بطلب الأستاذ مدحت موسى بالقاهرة ، فرد عليه سكرتيره ، الأستاذ شريف عادل وأبلغه عرفان أن عرض الأستاذ مدحت قد صادفه القبول ، وأنه سيلتقي به ، في أبى حمص يوم الاثنين القادم وأوصاه أن تكون الأوراق قد أدعت لعقد الإيجار المرتقب فأفاده الأستاذ شريف ، أن كل شىء معه وأن الأستاذ مدحت سيكون موجودا هناك ، وانتهى بالاتصال التليفوني ، ليطلب من عرفان أن يبلغ الشيخ عبد العليم بما تم الاتفاق عليه وأن يتفق مع الأسطى حاتم أن يوصلهم إلي أبي حمص علي أن يكون السفر ، فجر الاثنين وذهب مظلوم إلي ما كلف به وعاد عرفان إلي الداخل ن حيث عرج علي غرفة أولاده وقد انكب كل من جدير وغدير ، علي كتبهما ، وهم في مرحلة شهادة وهي شهادة الإعـدادية ، وأما ميرفت وثاني فبالصف الثاني والأول الإعـدادي أولاد روح الحياة. وكانت نجوى ونسيم بالصف الثاني الإعـدادي ، أما ندى ونرجس ونعيمة فكان بالقبول الابتدائي والصف الخامس الابتدائي والصف الرابع الابتدائي ، وهؤلاء من عفارم. وقد أخذ يناقش كل منهم في مواده الدراسية ثم هم بمغادرة الغرفة فسألته نرجس ، ولكن الأسماء كثيرة في كتاب التاريخ يا بابا فقل لها لأنه تاريخ يا ابنتي وتذكر مع مرور الزمن ، ما حدث مع أولاده من قبل وكله بسبب التاريخ ولكنه أضاف قائلا ، واشوفي يا بنتي ، كل شىء في الحياة له اسمه ، الإنسان له اسم والحيوان له اسم ، والأماكن لها أسماء والأزمنة لها أسماء والشجر له أسماء ، والطير لها أسماء والحشرات لها أسماء والنبات له أسماء والنجوم لها أسماء والبضائع لها أسماء والخضروات لها أسماء ، واصناعات لها أسماء والأنهار والبحار والمحيطات لها أسماء عندك مثلا نهر النيل والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ، وهكذا كل شىء في هذه الحياة له أسماء علشان نعرفه نميزها ونعرف نفرق بينها وبين غيرها وانتي وأخواتك ، كل واحد له اسم والذكر له اسم ، و الأنثى لها اسم علشان نفرق بين الولد و البنت ، في شهادات الميلادو في المدرسة وفي الحياة وعلشان كده الأسما مهمة والأسماء يا بنتي معناها الحياة لأننا بنعيش ونتكلم مع بعض وبنحكي مع بعض لو حكينا ، بدون أسماء يعني معنى كده نحكي بالإشارات وأحنا مش في مجتمع صم وبكم ، إحنا بنكلم بعض مفهوم يا نرجس فردت قائلة ، مفهوم يا بابا ، و خرج من الحجرة ، وهو يتمنى لهم التفوق وانطلق إلي حجرة النساء ، فسلم عليهن ، وقال لهم كيف الأحوال فرددن روح الحياة وعفارم و فريال وسميرة و عال والحمد لله ، ثم ابتسم وهو يهمس ، لنفسه سبحان الله الشامي علي المغربي في حجرة واحدة !!
وذهب إلي حجرة الضيوف ، بينما النسوة من السيدات والخدم يسمعون صدى حركاته ، فيضحكون ضحكة مكتومة ، يبدوا أنه مازال يقظا حتى الآن وقالت عفارم ، فاكرة يا بت فريال يوم البطارخ ، فابتسمت روح الحياة قائلة والله دا كان يوم واستفسرت سميرة عن الحكاية ، فردت عفارم قائلة ابدا في يوم من الأيام أحضر كيلو من البطارخ الدمياطي ، الممتازة وقام بتغطية ، إلي قطـع صغيرة ، وأحضر أحد أبناء أخت روح الحياة وقال له قم بعد القطع وسلمها عهده لعفارم ، وخد بالك منها خوفا أن تسرقها منك وقام الولد المسكين بعد معي ، وأنـا أخفى القطعة تحت القطعة وأقول واحد وهي اثنين وهكذا وبعد أن تم العد والإحصاء قمت بسحب القطع السفلى وبقى العد مضبوطا ، والولد المسكين أكل اللعبة أو خجل منى ولم يتكلم وجاء سبع الليالي في المساء ، وهو سكران طينة وأخذ معه باسم وقال له كم العدد ، فذكره فقال له ضحكوا عليك ضحكت عليك عفارم " بنت الهرمة " دا كيلو ، وأنا عارف تقطيعه يطلع كام ، ضحكوا عليك وعملي حسيب ولم ننته من هذه الواقعة ، إلا بفناجنين من القهوة المرة ، شربهما ثم ارتمى بلبسه الداخلي علي السجادة ثم تصاعد شخيره ، وفي الصباح كأن شيئا لم يكن ومن يومها ، وباسم لا يقبل أن يشرف علي العدو والإحصاء والحسابات ، فضحكت سميرة وقالت ، ولماذا تفصلين هذا ، ما دام قد أحضره لكم جميعا ، فردت عفارم ، وقالت أنا بضحكك ، حتفطميني ، أهو ده اللي حصل ، ويعيش وياخذ غيرها وانطلقت النسوة تثرثرت في مواضيع مختلفة ، ثم قمنا بتشغيل التليفزيون ، ناجح أطفال الغد الذي تقدمه السيدة / منى شاهين بينما جلست روح الحياة ، وفريال تقصى أظافرها ، وتقول لها قوللي يا ستي ، لماذا نتزاور ، مع عمتك ، وسفلتك ، فقالت والله ، مشاغل وهم كل يوم هنا ، والناس مشغولة لكن لزما تزوريهم يا ستي ، فردت عليها كل شىء بأدوانه ، فقالت عفارم كفاية بقى دوشة ، خلينا نتفرج علي الرسوم المتحركة ، فردت روح الحياة طيب وطي الصوت شوية لحسن العيال تسيب المذاكرة وتيجي تتفرج فقالت عفارم حاضر وبينما هم علي هذا الحال كما كل يوم في الصباح ، الراديو مفتوحا علي برامج الأسرة والتمثيليات ، في فترة ما بعد الظهر ، والتليفزيون في المساء ، وكان التليفزيون جديدا ، أحضره عرفان منذ مدة قليلة ومن يومها واجميع يجري نحوه ويجلسون أمامه كما التماثيل ، حتى ينتهي البرنامج اليومي ، وأما الجرنال ، فلم يكن له مكانه مع النساء ، سوى فريال أو سميرة ، يقرآن القليل منهما لروح الحياة ، وأما عفارم ، رغم أنها تقرأ إلا أنها منذ جاءت إلي الريف لم تتابع الصحف ولكن الأولاد كانوا يقرأون الصحف ، والصغار منهم يستهجون الحروف والكلمات بمساعدة الكبار ، وكان الجميع في هذا المساء مشددين ، أمام فلم الرسوم المتحركة الكاريكاتوري ، حتى نادى مظلوم علي فريال وقال لهما قومي حضري شاي وقهوة ، للضيوف ، كان مظلوم قد عاد من مشواره ، وعاد إلي سيدة ، توجده جالسا ، في حجرة الضيوف ، وقد أخذ الجمع ، يدخلون وحدا بعد الآخر حتى اكتمل جمعهم تماما وأعدت جلسة كل يوم. والجميع يتساؤلون عن أرض البحيرة ، فأخبرهم عرفان بكل شىء ، وقالوا إذن ستنتهي الليالي الحلوة ، كما انتهت من قبل ، أيام التفتيش ، فقال له عرفان باسما لا هذه غير تلك ، فالأخيرة ، سيذهب إليها الشيخ عبد العليم ومن أختارهم وسوف أتابعه بالزيارة كل مرة أما الذهاب لمدة طويلة ، فقد يأتي ولكن ليس من تلك الأرض وإنما من أرض أخرى ارض القاهرة فقال أحدهم إذن نقول أن ليالي القاهرة ستعود كما كانت زاهرة فقال يفعل المرأ منا ما يتمناه ولكن ليس كل التمني يأتي ، ولا كل فعـل يؤدي إلي تحقيق التمني ، وإنما هي مجرد افتراضات قد تتحقق أو لا تتحقق ، واستمرت الجلسة علي هذه الحالة حتى دخل إلي الحجرة ، رجل ملامحه ليست غريبة ، وقد أخفاها علي الجالسين ، للمفأجأة والتمتع بصدمة اللقاء ، فما خلع الشال الذي يلف به وجهه حتى هتف عرفان من ؟! حلمي !! وأخذه بالأحضان ، وسلامات وسؤال عن الزملاء القدامى ، وأني حسني بك الآن ، فذكر له أنه أحيل إلي المعاش ، وعين رئيسا لمؤسسة اللحوم والثروة الداجنة ، وأنت تعرف قرابته ايضا ، لأحد رجال العهد الجديد ، فقال عرفان ، ولكن لا تنكر أنه كفاءة فقال حلمي ، ولا أحـد ينكر ذلك وقد أقمنا حفلة كبيرة لتوديعه ، وأحلت بعده للمعاش ، وفتحت دكانا للبيع والشراء ، كـان الحديث قد أخذها ، وهم واقفين والجميع في دهشة ، فيما عدا القليل الذي يعرف حلمي ، ثم جلسا وقام عرفان بالتعريف ، كان زميلا لي ، ولم يقصد أن يقلل من قيمته ، أنه كان فراشا للمكتب ، رغم أن العمل شرف لا يدانيه شرف ، أيا كان ولكن فعلا حلمي ، كان نديمه في العمل وفي غير العمل ، أثناء فترة التفتيش ثم أنه زوجه شربات فسأله عنها فقال له إنها بالداخل ، عند الست روح الحياة ، فأستـأذن عرفان في أن يسلم عليها ، وقال لحلمي بين أصدقائك وخلانك ورتب بيده علي كتفه في موده وحب قائلا ، البيت بيتك يا حلمي ، وولف إلي الداخل صائما أين أنت يا بنت يا شربات فقامت من علي الأرض ، وهي تبتسم في خجل ، فقال رغم السنين مازلت شربات ، فردت في حياء خلاص راحت علينا يا سعادة البيه ، فقال لا و الله مازلت لحوة رغم السنين والشهور والأيام فضحكت النسوة من حديثه وضحكت هي أيضا والشهور والأيام فضحكت النسوة من حديثه ، وضحكت هي أيضا وقالت الله يكرمك يا بيه زي ما عطفت علي بالكلمتين الحلوين دول ، فقال لها ، وإزي أولادك فردت بيبوسو إيدك وإزي حلمي معاك ، عال يا سعادة البيه ، بس هو كل يوم يقعد يشرب الجوزة ، ويقول فين أيام عرفان بيه ويعد بعيدا الذكريات ، ويا خدني جنب الخبيثة ونلف هو إليها وأوقات نخشى ويقو للي فاكرة القاعـدة دي مع ستك ، روح الحياة ، وكل يوم علي كـده ، فرد عـرفان ، ربنا يوفقكم خدي راحتك يا شربان ، البيت بيتك خللي باللي منها يا روح الحياة و أنتي يا عفارم ، وأنت يا بت يا فريال ، وأنت يا سميرة ، ويستأذن عرفان و يعود إلي الصحبة وهو يرحب بحلمي وحملت قد أخذ علي المجموعة وأخذ يحكي لهم كيف أصبح عرفان سبع الليالي وكيف كان يضحك معه ويقول له أمك اسمها حلمية أو يا بن الحلمية ويحكي حلمي كيف كان يسمع الحكاية من عرفان ويقول في جلسته ، أنها حكايته فيرد الناس عليه. هي ليالي عرفان ولا ليالي حلمي ، ولا ليالي أمك حلمية ، ويضحك الحميع ويزيد حلمي قائلا لهم ، لكنني لم أكن السارق الوحيد ، لحكايات عرفان التي لا تنتهي ، فأذكر أنه كان يجلس معي ، عوض الساندي ، وكان يريد أن يتعلم الحكى وفي الحكى ، فكان ينقل منى بالحرف ، ثم يحور في الموضوع ، ويقول لصحابته من تأليفي والحكاية أصلا منقولة عني ، منقولة عن عرفان ، وكان عوض الساندي ، يفتخر بأنه صار راويا للحكايات ، وكانت تعطيه الجلسة المريحة بين الناس ويستمعون إليه و هـو يحكي كأنهم يستمعون إلي تمثيلية في الراديو ، أو أنهم يشاهدونها في التليفزيون الذي أحضره عبد القادر عبد الجليل ، في القهوة ولما وجد أدم مظهر ، أن عوض الساندي لديه حكايات جميلة تخللي الناس تفرح أو تخليهم يبكوا ، أو الاثنني مع بعض وكان آدم بيشتغل في فرقة مسرحية في المحافظة ضحك علي عوض الساندي ونقل الحكايات كلها وأداه قرشين ، وقال لونيه جديدهات ، واقبض ولما خلص عوض الساندي جالي ، وقبضت منه وكل واحد يشيل حته ويحط حته ويمط في حته ، وتوصل لآدم مظهر ، يبيعها للفرقة ويمثلها كمان ويقبض وسمعت أنه أيضا يعرف واحد في المجال ده كبير اسمه ملكية ، أحيانا بياخد منه ، والحكايات أصلها يا جماعة حكايات مين حكايات مين ، فيرد الحاضرون بين النوم وبين الحصيان من كثرة الشرب تبقى حكايات سبع الليالي فيرد حلمي ضاحكا ، لأ حكايات عرفان فيقول عرفان ومازل الجراب ممتلأ بكل جديد ومفيد ومبكي ومفرح ومسلى فيقول حلمي علي به فيقول عرفان ليس أوانه ، وكان جالسا حجرة وعجوة ، وقد سمعا كل هذا ، فقالا في نفس واحد طيب يا أخويا ، ما احنا عندنا حكايات كبيرة قوى ، فيتعجب حلمي فيقولان له ، إسأل عرفان بيه ، فيقول عرفان أيوه يا حلمي لديهما حكايات لم ترد علي خيال أحـد ، ويهمس له في أذنه ( فشاران ) فيضحك حلمي ويقول لهما ، لم أر في حياتي ، حكايات أكثر مما قرأته ، في كتاب ( مغامرات محجوب ) ، فيسألان حكايات مبين ؟! فيرد حلمي حكايات محجوب فيها من الخيال الكثير فيسألان وأين نجده فيرد حلمي والله هذا الكتاب ينقل باليد فليس له وجود غير طبعة قديمة مكتوبة بخط اليد ، كان قد أحضرها لي ، ابن أختى ونسي من مكتبة المعارف القديمة ، ونسختها فسألاه ؟ وأين تلك النسخة ؟! فيرد حلمي ، وقد لعب بهما ما لعب سوف أبحث عنها لعلها هنا أو هناك أو يمكن ونيس خدها تاني علي كل يمكن ألاقيها وأجيبها لكم فرد عليه في نفس واحد باين عليك فشار ، فضحك حلمي وضحك عرفان وضحك الجميع ولم يكن حلمي يكذب أو يفشر وإنما قرأ هذه الحكايات مغامرات محجوب ولكنه أعطاه لونيس بعد نسخها وونيس ردها لمكتبة المعارف القديمة ، وقد كان علي علاقة بصاحبها ومن يومها لم يطلع عليها ، والنسخة التي لديه ، فقد فقدت ضمن ما فقد ، والحقيقة أن شربات كانت تولع وابور الجاز ، ورقة منها أو ورقة جرنا حتى خلصت النسخة وكان عرفان يتابع الحوار بين الفشارين وبين حلمي وهو يقول لهما عن حلمي لا تقللان من قيمته ، لقد كان حلمي في شبابه لاعب كرة وهو يحلم حتى الآن في منامه ، أنه يلعب ولا يستيقظ إلا إذا كسر في المباراة !! ثم أنه لعب دور محجور دور البطولة في مسرحية شجرة الدر مع فرقة التفتيش ، ثم أنه أيضا مثل أمام دراكولا مصاص الدماء ، بتاع السينما ، مع نفس الفرقة فمنظر الجميع إلي حلمي ، ونظر الفشاران إليه أن حلمي أكلا منهما الجو ، فقال جمرة وإيه يعني أنا كنت مرة في مصر ومثلت دور البطولة ، أمام صباح فضحك الجميع وقالوا له وأخذ كام ، فرد جمرة ولا مليم ، أصل أنا مثلت الدور بعد أن قام يوسف وهبى بالتحايل علي من أجل هذا الدور ، فيرد الجميع يا سلام !! وتحفز عجوة وإيه يعني ما أنا برضك مثلت في فيلم عربي قدام شادية ، وعلشان اطر الأستاذ فريد الأطرش وفيه فيلم أجنبي أيضا مع أنتوني كوين ، ولولا خاطر المنتج والدت ديزني ، ماكنتش رضيت أمثل ، ويرد الجميع يا سلاميين !! وقال الشيخ عبد العليم ، إلي أين ذهبتما يا جمرة وأن يا عجوة ، إنكما لم تغادرا هذه البلدة ، منذ ولدتما ، ولم نسمع أي فشر ، غير فشر كما عن هذه البلدة ، فكيف ذهبتما إذن إلي هذه الأفلام ؟ ورد الجميع أي والله كيف ذهبتما ؟! فرد جمرة وعجوة ؟! جرى إيه يا يشيخ عبد العليم ؟! ما أنت عارف اللي حطنا في الأفلام دية ، فشر حلمي !! قلناها يكشفنا فألفنا الحكاية ، زي ما هو بيألف ، يبقى في بيتنا وياكل منا العقدة يصح يا جماعة ؟! فترد الجماعة في نفس واحد عداكم العيي يا فشارة ، نقصد يا رجالة وضحك عرفان وقال لهم جميعا وهو يحلـو السهر بدونكم جميعا جمرة وعجوة بخفة دمهما وارتفاع مستوى قرعهما ، وحلمي ضيف عزيز وأنتم رفقة قديمة ، تزاملنا وجلسنا في هذه الحجرة أو في مضيفة الشيخ محمد ، أكثر من أي مكان آخر ، فجمعتنا الألفة والمحبة والضحكة و البسمة ، وكل علي راحته ، وليخلع كل منكم ثوب الألم ، ويلبس ثوب الفرح حينما نجلس جلستنا فابتسم الجميع راضين مستقري النفوس وقد كانت مثل هذه الجلسات تترك كل إنسان علي سجيته ، حتى يريح جسده ونفسه وكيانه مما علق بهم طول اليوم ، لذا فأي معارضة ، لم يقوله كل واحد تؤدي إلي الشحناء وإلي البغضاء ، و يقول من يقف له الغد ، وقفة شديدة ماذا جرى أيها الأخ ستقف لي علي كل واحدة ، خذها كما تعجبك ، أو إرميها خلف ظهرك ، وهكذا جرت ليالي الأنس والمؤانسة ، في ود بالغ ولم تخلو من جد ، حينما يجد الجد ، أو قد تعن مشكلة ، فيتلقفها الجميع كل برأيه لما فيه ما صواب ، حتى يوجد الحل الناجح فينصحون به صاحب المشكلة وتنتهي ليعودوا مرة أخرى إلي مزاحهم ونكاتهم وشربهم وطعامهم كما كان هذا اليوم ، فلما غابت العقول وقطع الليل ، مسافة طويلة قام كل منهم منصرفا مودعا عرفان ، ومودعا حلمي ، حتى اقتصر المكان علي عرفان وحلمي ، فترك له الحجرة وأعد له مظلوم مكانا للنوم وحلفته شربات ، بعد أن شدت عليها روح الحياة أن تنام في حجرتها إلا أن عرفان قال مع زوجها ، فالمكان واسع وليس هنا ضيوفا اليوم فأطاع الجميع ، ونادى عرفان علي عفارم ودخلا إلي حجرته ، وقفل الباب ، ومازلت روح الحياة وفريال وسميرة يجلسن بالحجرة ، وسيدتهما تحكي لهما عن " عطايا " والدها الكبير ، الشيخ محمد إبان حياته وأن عرفان قد كلت قدماه من الذهاب و الإياب حتى وافق الشيخ محمد علي طلبه بالزواج وفهمت الفتاتان أنها تبرر لهما ، لماذا أخـذ عفارم ، وتركها في هذه الليلة وأضافت روح الحياة في حياتها هذه السيدة ، لم تكن من ثوبة ، ولكنه وجدها ذات مرة ، وأتى بها إلي المنزل وقد كان أصبحت زوجته ، كانت هذه دائما رواية روح الحياة لفريال و لسميرة كلما كانت الليلة ليلة عفارم سمعا ألف مرة ، ولكنهما يوافقاتها ، في كل كلمة حتى تخلد إلي النوم وكانت سميرة تتجرأ وتقول لها ، ولكن الجدول ، الليلة لها فترد روح الحياة وهي تضربها ، ضربا لينا قومى يا بت ، ها تلى ما يه أشرب ، هو يعني كان دائما ممشى الجدول بالضبط !! فتضحك فريال وتجري سميرة ، من أجل المياه ، وقد كتمت ضحكتها ، واستمر الحال حتى أتى النوم وعلا شخير الجميع ، ونامت القطط بعض الوقت ، ولعبت طول الوقت إلا بعضه ، حتى الصباح.

*جاء يوم الاثنين ، فانطلق الجميع في فجر هذا اليوم متجهين إلي أبى حمص ، بحيرة ، كان الجو جميلا ، ومبشرأ ، بيوم صحو وكان الطريق هادئا ، إلا من عربات قليلة ، انطلقت ، إلي أغراضها ، وهكذا مع صباح كل يوم ، تعودت أن تسير علي بركة الله ، وكان النسيم عليلا لافحا بزداذ من ماء وجوه القائمين إلي أعمالهم ، كان عرفان و الشيخ ، عبد العليم بجانب السائق واستقل العاملون صندوق العربة ، وقد غطوا أنفسهم بمشمع العربة ، أتقاءا لبرد الصباح ، وكانت معداتهم كاملة من أدوات فلاحة مختلفة ، وكانوا يقطعون الوقت ، بحكاياتهم التي لا تنتهي أو بالحديث ، عن هذه الأرض ، الجديدة ، لم تكن هذه أول مرة يسافرون فيها ، كانت آخر رحلة ، ولكنها لم تكن الأخيرة ، ولم تكن أيضا الأولى وقد عرفوا مرارة الغربة ، في رحلاتهم السابقة ، ولكنه أكل العيش وكم هو قاسي علي أمثالهم وأترابهم ، وكان كل منهم قد تزود بزاده وزواده ، والعربة تنطلق إلي الطريق الرئيسي ، ومنها إلي المنصورة ، فالمحلة فطنطا ، فإيتاي البارود ، فطريق فرعي يوصل إلي أبي حمص ، كان عرفان في هذه الأثناء ، في حديث مع السائق والشيخ عبد العليم يتابع حديثهما ، ويشترك أحيانا فيه ، ويقول يا عرفان ، يا أخي لا أعرف لماذا لا يستقيم كل شىء ، فتحدث عن شىء فيهمه الناس بالعكس ، وتمدح صديق فيعتقد أنك تذمه ، أهو عيب في الناس أم عيس في فيقول حاتم وهو رجل كبير في السن ، ولكن الزمن والسفريات المتعددة جعلته واعيا لكل شىء ، وصاحب تجربة وخبرة ، وكان علي عكس الكثير السائقين ، لا يشرب أي مكيفات كان همه الوحيد ، هو العمل يقوم مع الصباح فيشغل عربته ، ويقرأ بعض آيات القرآن الكريم ، ثم يفحص الزيت ، والمياه والبنزين ويطمأن عليهم فلما يجد كل شىء في وضعه الطبيعي ، ويتأكد أيضا من الفرامل ، ومن نفـخ الكاوتش علي الميزان يتوكل علي الله في رحلته ، ويبدأ في السير ، وهو يدير شريط تسجيل من الجديد الشيخ من شيوخ المقرئين ، ولما ينتهي يستعرض شرائطه ، من الأغاني الخفيفة ، وكان يعوض عدم الشرب بقطعة من الشيوكلاته ، او الكرامل أو النعناع وقد يدخل في حوار بين آن وآخر مع مرافقه أو مع تباعه الخاص ومن كل هذا فهو جوهر نادر ، يفهم في عمله ويفهم في غيره من أشياء قد يثيرها حديث ما ، وكان حديث عرفان ، فاتحه له لأن يقول يا سيدي أنت لن تستطيع أن تفعل ما يُرضى الآخرين دائما ، والعبرة إذن بأنك قلت ما تقوله وأما أن يفهمه الآخـرون ، بشىء مختلف ، فهذا إشكالهم ، وليس إشكالك وابتسم الشيخ عبد العليم ، معلقا علي هذا بقوله ، أتريد يا أستاذ عرفان أن ترضى الجميع ، محال وأي محال ، ولكن رغم كل هذا سيأتي يوم ويفهم الناس ما تقول ، أما القلة من الناس التي لا تريد أن تفهم فماذا تفعل لها ، إنا لن تفهم أبدا ، أو أنها تفهم وتدعى أنها لا تفهم ، وأقول لك ، شيئا شبيها من هذا ، كان هناك رجلا ، وكان الناس يخشونه ، ويطعون له الكثير من الأوصاف المخيفة ، وكان خيال الناس يزيد فيها وجاء وقت خافة الناسه وكرهه الناس ودسوا له في كل موقع وأشاعوا عليه في كل مكان ولكن جاء وقت آخر ، واكتشف الناس أن كل ما قيل عنه لم يكن حقيقيا ، وإنما حب الناس له وحبه للناس ، جعل الدساسون يشيعون عنه الجبروت والخوف والقسوة ، وغير ذلك من الأمور فجعل الناس تهرب منه ، ونجوا في ذلك وقد قام كل من هؤلاء بتفسير ما يحلو له ، ويؤكد صدق تفسيره ، حتى أتى وقت آخر ، ووضحت الحقيقة ، وهناك كثير من الأشياء قد تحدث ، الظاهر منها المدح ، والباطن فيها الذم ولكن في هذخ الحالة عن دسيسه ووقيعة ، وكان صاحبنا في كل هذا الحان الشاكر ولكنه لم يستطيع أن يواجه كل هذا ، وإنما تركها للأيام ، تحلها وكانت الأيام عند حسن ظنه ، كل ما نستطيع ان نقوله عنه ، أنه كان يتمسك بحقه ، ويدافع عنه حتى الموت ، وأعتقد أن هذه ميزة ، وليست عيبا ، ولكنه لم يكن يمد يديه ، إلي ما ليس له حق فيه ولو بلغ الملايين ، وبذلك كان الحانقون عليه ، يدسون عليه ، كأنهم يضعون السم في العسل ، وكان العسل ظاهرا ، وكان السم باطنا ، فلا تأخذ بالك بما ترى ، وأفعل ما تراه الصواب ، فقال عرفان معكما حق ، ولكن أحيانا الإنسان يقول لمصطفى مثلا ، أنه يحبه ويقدره ويقول لسين من الناس ، أنه لا يرتاح إليه ، وإذا بآخر يقول للأول ، لا ، أنه يقصدك ويقول للثاني أنه يكرمك ، فتختلط الأشياء ، وأنت ما قصدت إلا ما قصدت ومن ثم يصير الإنسان ، كمن رقص علي السلم ، فلا هو طال أعاليه ، ولا هو ظل أسفله ويفرح العلى كما يفرح السفلى فماذا أنت فاعل يا سائقنا الكريم وماذا انت فاعل يا سيخنا الجليل ؟ فقالا أننصحك يا أستاذ ، وأنت خيرا لناص صحين ، فأبتسم عرفان وقال رأيكما وانطلق يداعبهما بخفيف الكلام ، وبراءة الأطفال في عينيه ، كان كطفل صغير وأعظم شىء أن يظل الإنسان يحمل قلب طفل مهما كبر و مهما تقدم في السن إنها نعمة من الله أن يعيش الإنسان بنقاء الطفولة ، وأن يتعامل في عمله ، بفعل الرجال ، وكانت العربة تقترب من البلدة ، والمداعبات والنكات المتبادلة ، تسهل الطريق وكان الطريق الفرعي متبربا ويقفز العربة قفزا من المطبات ، وكان العاملون بأعلى العربة ، داخل الصندوق ، يقفزون من مجالسهم ، وهو بالسوق ويضحكون ويطرقون علي خشب الكابينة ، ما تهدي شويه يا ريس ، فيضحك ما تم يقول خلاص قربنا نوصل ، واستمر الحديث في كابينة العربة ، وفوق ظهر العربة ، حتى وصلت وقال الجميع حمد لله علي السلام وضغط السائق علي الفرامل ، في مهارة واقتدار ، وتوقفت العربة تماما ، فنزل عرفان والشيخ عبد العليم ، ونـزل السائق و أراد أن يفتح الباب الخلفي ، ويضع سقالة النزول ، إلا أن الجميع كانوا قد قفزوا من العربة ، وقد ساعدوا بعضهم البعض ، وحملوا معداتهم ، ووقفوا ينتظرون عرفان والشيخ عبد العليم ، وما هي إلا دقائق سدد فيها عرفان أجرة العربة ، لصاحبها ، وقال له توكل علي الله أتت وسلم عليه ، وانطلق إلي حال سبيله ، وعاد بعدها إلي العاملين يرافقه الشيخ عبد العليم ، وماهي إلا دقائق سدد فيها عرفان أجرة العربة ، لصاحبها وقال له توكل علي الله أتت وسلم عليه ، وانطلق إلي حال سبيله ، وعاد بعدها إلي العاملين يرافقه الشيخ عبد العليم فوجد الاستراحة الخاصة بالأستاذ مدحت ، وكانت استراحة كبيرة يحط بها صديقه من كل جوانبها ، وعلي البعد منها بقليل ، توجد مجموعة من البيوت المتراصة ، المصنوعة من قمائن الطوب ، وكانت تشكل في مجموعها ، حجرات متلاصقة ، ودورة مياه بلدى ، مشتركة للجميع وعلي مسافة منها مجموعة كبيرة ، من حظائر المواشي "وغية حمام كبيرة" واسطبل للخيل ، ويلتصق بكل هذا ، أراضي عزبة الأستاذ مدحت ، كانت عزبة كبيرة ولكن استقطع منها الكثير بالتأميم وبالتوزيع حسب الميراث ، ولم يبق إلا مساحة الخمسين فدانا ، وكانت تروى بماكينات الري الضخمة ، واستمرت هكذا تنتج الكثير من المحصولات المختلفة ، ومن الموالح والفواكهة ، المختلفة الأصناف ، والتي كانت تمثل عشرة فدادين من جملة المساحة ، وكانت أشجار النخيل تحيط بالمساحة كلها ، إحاطة السوار بالمعصم ، وكان حال العزبة في إزدهار ، حتى ما حدث من خلافات مع الأخوة وكان مدحت دائما مسافرا إلي الخارج ، أو يصرف أعماله في القاهرة ، فأهملت الأرض وأهمل الزرع ، وأهملت الحديقة علي أساس أن يمل منها ، ويبيعها برخص التراب ، ولكن مدحت كان عنيدا ، وأرسل في طلب عرفان صديقه القديم ، وكان يعرف عنه خبرته ، في الزراعة ، أثناء فترة عمله بالتفتيش ، وقد كان الحضور بعد رسول وبعد تحديد ميعاد يوم الاثنين .. ، وقال عرفان وهو يعطي توجيهاته للشيخ عبد العليم ، أمامك عمل شاق ، لكي تعود كما كانت ، وقد رايتها وهبة حبـة خضراء ، فقال الشيخ ، ولو كانت أرضا بورا فسوف تكون بعد الله وجهد الرجال كما كانت وأحسن ، وبـدأ عبد العليم ومعه أحـد حراس العزبة ، يوجه كل فرد إلي مكان استراحته ، وعرفان يستعرض من مكانه ، المساحة كلها ، ويسير حتى الحظائر والاسطبل ثم ارتد راجعا ، علي نداء من حارس الاستراحة ، لقد وصل الأستاذ مدحت وينتظر داخل الاستراحة ، فنادى عرفان علي الشيخ عبد العليم ، بعـد أن قام بترتيب أماكن العمال واستقر حالهم و اصطحبه إلي داخل الاستراحة ، حيث وجد علي مدخلها ، سيارة الأستاذ مدحت ، وسيارة أخرى صغيرة ، سأل الحارس عنها ، فقال أنها سيارة سوزان هانم ، ابنة الأستاذ مدحت فضحك عرفان ، أظنها اليوم قد صارت شابه كبيرة ناضجة ، فلم أرها منذ مدة طويلة ، ودخل عرفان ، فإذا بالأستاذ مدحت يقوم من جلسته علي الأريكة الأثرية ، و يقول يا يوم الحب كله يا يوم السعادة كلها بالأحضان يا حبيبي ، وكان لقب حبيبي لازمة ، يقولها دائما مدحت لكل صديق عزيز له حتى أصبحت تقال مع الزمن لكل فرد حتى الخدم ، وأخذ السلام وقتا كبيرا وكان الشوق عارما ، ومدحت يقول لعرفان ، أين أنت يا أبو الوفاء ، والعرفان معناه الوفاء ، ومعناه الامتناق ، فيرد عرفان أنت تعرف الحياة ومشاكلها ، فيقول مدحت عرفت عنك كل شىء ويرد عرفان ويقول وتابعت أخبارك كلما قابلت واحدا من صحبة الأمس ، ثم قدم مدحت لعرفان ابنته سوزان وقال له أنسانا اللقاء ، أن تراها اليوم ، وقد كبرت ونادى عليها ، مدحت تعالى يا سوزي ، سلمي علي ( أونكل ) فجاءت فتاة هادئة الجمال ، واثقة من نفسها وقال لها عمك عرفان فقال عرفان ، ما شاء الله أصبحت عروسة كبيرة فضحك وقالت سريعا ما يمر الزمان ، ويكبر الصغير وسألها عرفان ، أين أنتي الآن ، فقالت في الثانوية العامة ( شهادة يعني ) وحاورها قائلا وإزي حالك كويسة ، جدعة ماشية تمام ، فردت أنا طول عمري الأولى ، بس فيه كده برضه ، بعض المواد ما يحبها شىء ، علشان الأستاذة ، أقصد المدرسة لها طريقة تفكير ، ( باردون أونكل ) ، مش صحيحة فيرد عرفان ، زي مادة إية ؟! مادة لغـة ، إنجليزي ، فرنساوي ، إيطالي ، الماني ، لا تيني ، فتـرد قائلة (لا لا يا أنوكل ) ، أنا في المواد الأجنبية كويسة ، أنا طول عمري في مدارس أجنبية ، بس دى مادة ثانية ، مادة التاريخ ، وأصعب حاجة فيها " أسماء الأعـلام " ويرجع تعقيدي ، للمدرسة دائما تعقدنا ، وتسقطنا في أعمال السنة ، فيرد عرفان ولماذا ، يا سوزي ، تفعل هذا ، فترد سوي ، أصلها ماشية في عرض الأعلام من اليسار إلي اليمين ، ومن الشرق إلي الغرب ، واحنا بتعرضنا تبع الترتيب بتاعها ، فقال عرفان ، وإيه الفرق بين طريقتها وطريقتكم ؟ أبدا أصلها ماشية علي كتاب قديم ، وإحنا ماشيين علي أحـدث كتاب وبعدين حاجة تانية !! فيتدخل مدحت ويقول كفاية يا سوزي يا حبيبي ، خللي عمو يرتاح ، فيضحك عرفان ، ويقول دعها يا مدحت بيه ، لأن هذه المادة أسقطت ولدى بسبب المدرسة أيضا وتشرح سوزي عيوب المدرسة جميعها ولم تكن حاجة واحدة وإنما حاجات كثيرة أهملها أنها تدعي طريقة التدريس الحديثة ، وتقبل الحوار والمناقشة ، من التلاميذ ، ولكن إذا سألها تلميذ سؤالا أهملت سؤاله ، وكأنه غير موجود ، وانتقلت إلي موضوع آخـر ، ليس هذا فقط ، بل أنها تكره أي تلميذ ، يكتب وراءها الدرس التي تشرحه ، ويكون وحيد هذا أو هذه أو تلك أو ذلك ، هو الخسف بأعمال السنة ، ورصد ورقة امتحانه ، واسقاطه ، بل والأدهـى من ذلك ، تأليب المدرسين عليه ، بل وناظر المـدرسة ، وتضيف سوزي أن التلاميذ والمدرسين ، والناظر قال لها يوما ، إحـنـا في مدرسة ثانوية ، مش بنحضر دكتوراه !! ومازالت يا أنكل مستمرة ، فقال لهـا عرفان ، وما اسم هذه المدرسة فقالت له ، عريفة علام ، فضحك عرفان وقال في يسره ، حلمك يا سى علام !! فقال له مدحت ما الذي تخفيه في نفسك ، فقال ، أصل حصلت الحكاية مع الأولاد وفي نفس المادة ، حينما كانوا في المرحلة الابتدائية ، وكانت المدرسة اسمها عطيفة علام !! فابتسم مدحت وقال يبدوا أنهما من عائلة واحدة !! وقد يكونوا أقارب !! وقد يكونوا أخوات !! وأردف قائلا ، وماذا فعلت معها قال له شكوت ونقلت إلي القاهرة !! وماذا فعلت أنت ؟! والله يا عرفان مازلت رابضة ، علي قلوب هؤلاء التلاميذ المساكين وقد فعلت الكثير ، دون جدون معها ويبدو أن لها قريب في منصب تعليمي عال ، والمهم ان الأولاد فرجوا من تحت رحمتها الآن ، ولكن الإشكال والإشكالية ، والواجب البحث عنه ، والبحث العلمي الدقيق ، وبمنهجية دقيقة ، هو التلاميذ في المراحل الأخرى من ينجدهم من فلسفتها وطريقتها في التدريس !! استمر الحـديث عن هذه المشكلة ، وعن مشكلة التعليم وكيفية تطويره ، واتفقا علي أن الحـل السليم ، هو أن يشمل التطوير ، جميع مراحل التعليـم ، من الابتدائي حتى الجامعة وأن يشمل التطوير أيضا الكوادر التعليمية ، من الابتدائي حتى الجامعة وأن تعالج السلوكيات ، في العلاقة بين المدرسين أو الأستاذ ، والتلميذ أو الطالب واتفقا أن هناك حالات من الشواذ في سلوكيات التعليم ، بين المدرسين والأستاذة من ناحية وبين التلاميذ والطلاب من ناحية أخرى وأن هذه السلوكيات الخاطئة تؤثر علي مسيرة التعليم ولكنهم اتفقا أيضا علي أن الغالبية العظمى ، من المدرسين والأستاذ ، علي مستوى المسئولية في جهد التعليم وفي سلوكيات التعامل وأن السلوكيات الخاطئة قليلة ولكنها موجودة ويجب حلها بحيث يعطي لكل ذي حقه حقه ، اتفقا عرفان ومدحت علي هذا ، وشغلهما الحديث ، الذي فجرته سوزي ، عن حضورهما من أجل غرض واحـد ، هو الاتفاق علي فلاحة هذه الأرض ، ولكنه حديث الصحابة كلما اجتمعوا يتناولن ما يعن لهما من موضوعات ،ولهما من المعرفة والثقافة والعلم و الأرضية المناسبة ، لمثل هذا الحديث أو ذاك ، ولقد نسيا في حوارهما ، الشيخ عبد العليم الذي وقف يراقب النقاش ، وله من الأولاد في التعليم مثل ما لهما ولكنه لم يعلق لأنه لم يطلب منه الرأي والمشورة ، فلما كان في حالهما ، كان هو في في نقاش ، مع سكرتير مدحت في طبيعة الأرض وانتاجيتها السابقة ، وهل تم تسميدها ، في الفترات السابقة ، أم لا وأسباب تدهورها وطرق النقل والمواصلات ، وكيفية تسويق المحصولات وأجهزة وآلات الزراعة الميكانيكية ، وأقرب جمعية زراعية ، للأرض وغير ذلك من شئون الزراعة والري ، واستمر الجميع في نقاش عرفان ومدحت ، و عبد العليم والسكرتير ، حتى انتهى نقاش الأولين ، فانتهى بالضرورة نقاش الآخرين ، و نادى عرفان الشيخ عبد العليم وقام بعملية التعارف بينه وبين مدحت وقال له من أكفأ الفلاحين ، وأعظمهم خبرة وممارسة ولقد رشحته للعمل معي ، ليس فقط ، بل ستولى كل شىء هنا.
استمر الاجتماع مدة طويلة ووقعت العقود ، وتبادلوا الأنخاب ، أكواب من الشاي وانصرف الشيخ عبد العليم ليطمئن علي مساعديه ، وانصرفت سوزي إلي دروسها وجلسا عرفان ومدحت حتى غلبهما النوم ، فقال كل منهما إلي حجرته ، وقام سكرتير مدحت هو الآخر ، إلي حجرته ونام الشيخ عبد العليم مع مساعديه ، وفي الصباح الباكر ، قام الجميع يصلحون ما حولهم ، ونهض عرفان ، مبكرا ، يتابع ما يقومون به ، وأخذه الشيخ عبد العليم والسعدني ، ومرا علي الاسطبل كل حصان ، وسجلات كل فرسة ، وقال له هذه الخيول نتائج سلالات أبا عند جد ، وإن كانت قد بدأت منذ سنوات عديدة ، تعدت قرنا أو قرنين من الزمان كان منها الأصول الشركسية ، والأصول التركية ، والأصول الشامية ، والأصول الحجازية والأصول الأوربية ، والأصول المغربية ، والأصول النوبية ، والأصول الأسيوية ، والأصول الإفريقية ، وتدريجيا ، وعـن طريق التزاوج ، والتكاثر أصبحت أصول عربية ، مطعمة بأمهات مصرية ، أو مطعمة بذكور مصرية ، وأصبح النتاج كله ، خيول مصرية عربية ، وقد حافظ علي هذه السجلات ، كل من ملك هذه الأرض ، منذ أصحابها الأوائل ، حتى أجـداد الأصحاب الحاليين ، ونحن نستخدم البعض منها ،والبعض منها في السباق والبعض منها في تحسين السلالات ، والباقي تباع لعشاق الخيول ، ويأتي إلينا من كل أنحاء العالم من يريدون هذه السلالات العربية المصرية إضطلع عرفان و هو مندهش ، ومبهور ، بكل ما رأى وأخذ يتحسس الخيل ، معجبا ومغرما ، ثم ركب حصانا ، رأي فيه الألفة والوداعة ، وأخذ يسري به قليلا ، إلا أنه سرعان ما قفز به من فوق ظهره ، فآلمه ذلك وقال له السعدني أنه لم يأخذ عليك بعد ، وسرعان من أخذه عرفان ، مرة أخرى ، وأخذ يداعبه ، ويقدم له حبات من الفول السوداني ، ويهمس له في أذنه ، وكأنه إنسان ، ويقول له ، كن صديقا لي ولي من الأصدقاء ، الوفاء ، ولهم مني الوفاء ، فصهل الحصان ، وهز زيله ، وأخذ قدميه ، الأماميتين ، فركبه عرفان وقد صار طوع بنانه فمر به علي الأرض كلها وقد رأى فيها إمكانيات كبيرة ، وموارد عظيمة ، إذا ما تم العناية بها ولم يهمل استطلاع جنينة الموالح والفواكه ، فوجدها عظيمة الإنتاج ولكن بعض الأمراض التي تصيب أشجار الموالح والفواكه ، قد أعطيت الثمار وكان معه في هذه الجولة ، السعدني ، والشيخ عبد العليم فقال لهما عرفان ، قليلا من العناية ، وكثير من الإرادة ، نستطيع أن نفعل الكثير ثم وجه حديثه ، للشيخ عبد العليم وقال له همتك يا بطل ، وسوف تحقق النجاح المرجو ، وأول خطوة تبدأها هو تطهير القنوات والمسا قي ، فهي مملوءة بالأعشاب ، وكذلك نظافة المنطقة كلها ، حتى لا تنقل الأمراض ، وقال لها الشيخ عبد العليم ، إنشاء الله ، سيكون خيرا ، وسوف يقوم العمال بنقل أكوام السباخ خلف حظيرة المواشي ، إلي الأرض ، وهي كميات كبيرة ، وسوف ننقل أيضا ، السباخ الموجود أسفل البهائم ، وسوف تردم مكانها طميا جديدا ، وسوف نشترى مجموعة من المواشي ، لتدعيم المواشي اللازمة للحرث والتلويط بالإضافة إلي أن هناك بعـض من الأجهزة والآلات من وابور حرث ومن محراث ميكانيكي ، ومن ماكينات ري ، وقد قسمت العمال علي الأرض وعلي الحظائر ، وبهذا ستكون البداية سليمة ، ولعلك تعلم كيف اصلحت أرض صلاح الدين وأصبحت من أفضل الأراضي انتاجا ، وسنزرع زراعات خفيفة في أول الأمر ، حتى تسترد الأرض صحتها ، وتعود كما كانت فقال عرفان الآن ، استطيع أن أسافر وأنا مرتاح ، ولقد قمت بتسوية كل النواحي المالية ، مع الأستاذ مدحـت وأصبحت كل المواشي ، ملكنا أما الخيول فهي خـارج الصفقة ، وستظل كما هي تابعة له ، وإن كـنا سنأخذ هذا الحصان ، وتلك الفرسة البيضاء وكما تعرف فالأرض قد دفعت فيها ، مبلغا كبيرا ، مقابل استغـلالها ، فعليك أن تحافظ عليها ، وتزور من إنتاجها ، ووافقه الشيخ عبد العليم ، وقال له سوف ترى إنشاء الله ، خيرا كثيرا وانصرف عرفان ، وعاد إلي الاستراحة ، وكان قد استيقظ مدحت فتبادل معه الحديث قليلا واستأذنه في السفر ، فقال له مدحت ، هلم معني نسافر معا حتى طنطا ، ثم تعود إلي البلدة ، وأكمل السفر إلي القاهرة ، وسوف تلحقنا سوزي في سيارتها ، وأضاف مبتسما ، وأهي فرصة يا سيدي نتحدث مع بعضنا البعض ، ووافق عرفان ، وانتظر حتى أعـد مدحت حاجاته ، ونادي علي ابنته ، لكي تعد نفسها وما هي إلا نصف ساعة ، وكان الجميع قد انطلقوا في سيارتيهما ، الأولى وبها عرفان ومدحت وسكرتيرة والثانية وبها سوزي وقبل ان يبرحا المكان قال عرفان موجها حديثه إلي الشيخ عبد العليم ، لا أوصيك ، فقال الرج ، إنها أمانة علقتها في عنقي يا سيدي ، فلم علي الموجودين وانطلقت السيارتان ، في طريقهما حتى الطريق الرئيسي في اتجاه طنطا وقد أخذهما الحديث في موضوعات متعددة والسكرتير ، يعلق إذا طلب منه أو يذكر تاريخا أو رقما أو حادثة أو حكاية غابت عن ذهن الأستاذ مدحت أو لقاءا يتذكره ، فيتذكرونه ، حتى وصلا طنطا فدخل موقف السيارات المتجهة إلي المنصورة ، وتوقفا بالسيارة ونزل السكرتير ، فإتباع كمية كبيرة من حمص طنطا وكمية من الحلويات ، لزوم عرفان ، ولزوم أسرة مدحت فقالات الجميع هلت روايحك ، يا شيخ العرب ، يا سيدي أحمد يا بدوي ، وعرجت سوزي ، علي بعض صديقاتها ، في طنطا وكن يقضين أجازة عند أقارب لهن بطنطا وعارن معها إلي القاهرة ، كن ثلاث هالة وجيهات وراجية ، وقد ركبت واحدة بجوارها ، واثنتان بالخلف ، في نفس الوقت الذي انطلق مدحت وسكرتيره إلي القاهرة ، استقل عرفان عربة أجرة إلي المنصورة ، ومعه حملة من حلويات وحمص طنطا ، وكانت لها شهرة لا تقل عن الحلويات الدمياطية ، خاصة الحمص ، وإن كان نوعا من البقول ، وليس حلوى بالمرة ، وانطلقت السيارة الأجرة وعرفان شبه نائم أو في نصف نوم ، وبعض الراكبين قد أخذوا يتحدثون لقطع الوقت ، وطفل صغير علي يد أمه ، لا يكف عن البكاء ، وكل ما أخذ عرفان النوم ، أيقظه بكاء الطفل ، فأخذ يسال أمه لماذا يبكى الغلام ، أهـو جوعـان ؟ فقالت الأم ، لام الله ، لسه مأقلاه أكله بسيط ، فرد عرفان ، ولماذا يبكى إذن ؟ فردت الأم ، أصله بسينن ، يا عمي وكنت واخداه يزور السيد البدور فقال عرفان إنشاء الله خير وأخذ يداعب الطفل ويقرأ بعض الآيات القرآنية حتى هدأ الطفل تماما ونام علي كتف أمه وهي تهزه هذا خفيفا ، وتسأل عرفان ؟! وأنت بتتشغل إيه فيرد عرفان ، أنا ، فترد قائله إيوة إنت يا بيه ، فيقول عرفان بعد تردد ، رجل أعمــال !1 ولم يكذب عرفان فأحد صنوف عمله ، هو العمل !! فقال السيدة ، يا عني إيه يا بيه ، رجل أعمال ؟ ! يعني بتعمل أعمال ؟! فيقول عرفان ، وهو يكذب عليها ، وقد صدق حدسها التلقائي ، وعفويتها ، يعني يا ستي ، بتاجر تجارة يعني فتقول آه ، أنا فكرت يعني أصل إيدك فيها البركة ، الواد نام علي طول ، فيقول عرفان يا ستي ، ولا بركة ولا حاجة ، الطفل عاوز مدادية ، وبسمة حلوة ، تلاقيه نام علي طول ، واهدي وبقى تمام ، كان الحديث عاين عرفان ، والمرأة متصلا ، والآخرين ، قد علقا علي خبر في صحيفة ، لم يتبين عرفان اسمها ، وسمع عرفان صاحبها يقول " والله شىء عجيب يا أستاذ ، الأسعار بقت نار ، نـار خالص ، فيقول زميله ، اسكت يا يوسف ، الحيطان لها ودان ، فيتمادى يوسف ويقول ، والأعجب من كده يا خويا ، الصحفيون ، نقلوهم ، مؤسسة اللحوم والثروة الداجنة ، طيب ها يعملوا فيها إيه ، يسلخوا بهائم ، ولا هيربوا بقر ، ولا يردوا العلف ، ولا يرموا البواقي ، في المغارم ، فيكره زميله ، يا راجل كفاية ، ها تودينا في داهية ، بسبب لسانك الطويل ده ، فيرد قائلا ، وأنا مالي يا خويا ، لساني الطويل ، ولا لسانهم ، ما تشوف يا خويا ، أنا عجيب حاجة من عندي فاهم اللي كاتبين الأخبار ، وأنا بعلق بس !ّ! شوف بقى يا سمعنا ، الخبر الجاي ده ، والضباط ، حطوهم في الجرايد ، وفي المؤسسات تباديل وتوافيق ، رياضة يعني ، فيهمس له زميله ، يا راجل كفاية بقة ، شايف الأفندي اللي راكب ورا ، ودناه معاك فيرد عليه بهمس سيبك منه ، دا راجل أعمال ، فيقول زميله وايش عرفنا ، مش يمكن منهم فيرد عليهما عرفان ، وقد سمع كل ما دار ، لا اطمئن يا حبيبي ، لا أنا منهم ، ولا أنا ضدهم ، أنا مواطن زي زيك ،فيرد سمعان ، معلهش اعذرنا يا أستاذ ، البوق مليان ، ومافيش فضفضة ، إلا مرة ولا مرتين ، ها نعمل إيه بقه ، ويبتسم عرفان ويقول لهما ، يا جماعة ، المشكلة ، هي إنت معاي ، ولا ضدي يعني الثقة ، أم الكفاءة دي آخر حاجة ، في تفضيل زيد علي عبيد ، دي الخلاصة ، كانت العربة تسير ، والسائق متضايق من هذا الحديث ، فيقول يا جماعة بلاش سياسة ، خلينا ناكل عيش ، ولا وقف العربية ، وأنزلكم كلكم ، فترد السيدة ، وأنا مالي يا خويا ، هو أنا كنت تكلمت والواد العيان ، أو ديه فين ، ولم يجد السائق مفرا ، من أن يحول دفة الحديث ، فقال لهم ، أما سمعتم بالمعجز ؟ فرد الجميع أي معجزة فرد قائلا ، وقد شد انتباههم ، كان هناك رجل طيب ، وتاجر عظيم ، جاء يوما ، إلي بلد لا أتذكر اسمها الآن ، اسمها ، اسمها ، اسمها ماذا ، يا خليل ؟ أيوه اسمها ( بشان ) وكان الرجل غنيا ، وقد حط الليل ، فنزل في ضيافة رجل اسمه ( جائر ) فرحب به أيما ترحيب ، وأفرش له المنزل الطيب ، واقام له الولائم الكاملة ، وأقام له كل الواجب ، فما كان من الضيف ، إلا أن منحة العطايات الكثير ، إلا أن جائر ، تملكه الشيطان ولعب بعقله ، وطمع في أموال الرجل ، توضع له المخدر في الشراب ، فلما شرب ، قام بقتله ، وحمله في زكيبه ، ودفنه خلف المنزل ، إلا أنه بعد أن عاد أدراجه ، حدث شىء عجيب ، وجد الرجل ، نفسه ، وقد غاص رجليه في الارض ولم يستطع الفكاك من هذا الفخ ، وصرخ الرجل ، ولم ينجد أحدا ولكما مر الوقت والرجل يغوص حتى وصل إلي نصفه تقريبا ، ولم يستطع أن يخرج من هذا الفخ ، حتى طلع النهار ، والناس تتفرج عليه وهو يصرخ ويقول احفروا حولي ، انقذوني ، دون جدوى وتعجب الناس وقالوا ، ماذا فعل بك هذا فقال وجدت نفسي هكذا يا رجل قل الحقيقة وهو يقول ماذا أقول ؟! الناس تعرفه أنه طماع ومن أصحاب الليل وهو مستمر في إنكاره ، حتى جاء شيخ كبير ، وقد مر علي الرجل ، أسبوع وكان الناس ، يشربونه ، ويطمعونه ، وهو في مكانه ن وقال له الشيخ ماذا فعلت يا رجل ؟! فيرد لا شىء ، فيقول له الشيخ ن هل ظلمت أحدا ؟! هل أكلت حق يتيم ؟ هل تجبرت وتسلطت علي الناس ، هل سرقت ؟! والرجل رغم وضعه الخرج لا يرد غير لا لم أفعل ؟! حتى قال له الشيخ بعد أن أبعد الناس وهمس في أذنه ليس لك من حل سوى أن تعترف ، وترد لكل ذي حق حقه والناس بعيدون ولن يسمعوا هذا الحل الوحيد ، فقال له ماذا أقول ، لقد طمعت في ضيفي ، فقتلته واستوليت علي أمواله وبضاعته ، وما قال هذا حتى انفتحت الحفرة وتسطحت ، وخرج الرجل يجر رجليه ، وقبض عليه ولاقى جزاء عمله ، وسكت السائق ، وظل الجميع مذهولين ؟! وقال للسائق أحقا حدث هذا ؟! فقال له لقد رايته بعيني ، وقال الجميع مش معقول ، شىء لا يصدقه عقـل وسأله عرفان مرة أخرى أتستطيع أن تصف الشيخ لي ، فوصفه فقال عرفان ، لا يحل هذه المشاكل ، إلا شيخي الكبير ، شيخ الصحراء ، أنه صاحب الخبرة والشفافية ، فرد الجميع ومن هو الشيخ الجليل ؟ فقال شيخ الصحراء وحده ، الشيخ حضر العنذى هو الذي يفعلها ويقدر عليها وقالوا لم نسمع عنه من قبل ، فرد عرفان إن حياته دائما في الصحراء ولا يلبى نداء الوادي الأخضر ، إلا إذا كان مثل هذا وقد زارني في من قبل فتشرفت بزيارته وكان له الأيادي الفاضلة علي ، وقال السائق ما رأيكم يا سادة هذه الحكاية أم السياسة وبلاويها ؟! وقالوا جميعا ، خلينا في غرائب الحياة ، أحسن ، كانت العربة قد اقتربت من الدخول إلي المنصورة ، وقال السائق ، أروى لكم حكاية أخرى أم اكتفى ، فقال الثلاثة ، احكي وقالت السيدة احكي ، وكانت الآذان ، كبوق قد اتسع ، ليستقبل كل الكلام والأفواه مشدودة ، وعرفان معهم ، يسمع ولا يدهش ، فقد تعود علي الكثير ، وعرف الكثير فقال السائق " يقال والله أعلم ، أن هناك طبيبا ن قعالج الناس ويكتب روشتات ، بمساعدة من تحت الأرض ، اللهم ما احفظنا فتساءل الجميع كيف ؟! فابتسم السائق ، وقد سيطر علي الجلسة ، وكانت السيجارة لا تفارق شفتيه ، من جيبه ، ومن جيب الركاب ، وقال ، قبل والعهدة علي الراوي ، أن هذا كان طالب طب ، وترد الدراسة ، واختطفه الجن ، تحت الأرض لمدة خمس سنوات ، وعلموه الطب كاملا ، و زوجوه من جنيه ويوما بعد ان أتكمل تعليمه ، ردوه إلي سطح الأرض ، وأخذ يعالج كما الأطباء ، وأمع تتعجب كيف تعلم كل هذا ، وهو لم يكمل تعليمه ، وإن كانت قد فرحـت بعودته ، بعدما كف بصرها وإرتد بعودته كما ورد قميص يوسف ، بصر سيدنا يعقوب ، بما شمه من ريحه ، وأقبل الناس عليه من كل حدب وصوب ، وأصبحت الزيارة بمواعيد وجاء إليه من البلاد العربية من الخليج ، ومن الجنوب ومن الشمال وبعض الحالات من أمريكا ومن أوربا ، ومن روسيا ، ومـن كل البلاد بعدما عجزوا مع الطب الحديث ، وشوفوا بقه التقدم بتاعهم في التكنولوجيا والحاجات الإلكترونية ، المهم يا صحابي العزاز ، أن الأطباء جاءوا إليه وناقشوه وفحصوا روشتاته ، وتشخيصه للحالات ووصفه للعلاج ، والأدوية أنه مثلهم تماما ولم يجدوا شيئا يؤخذ عليه وإنما قالوا إنما العلم من عند الله ، فقالت السيدة ، وفين أراضيه يا بني ؟! والله يا ست مش فاكر ، أصل الأسماء ، بتحيرني دائما ، بلخبط فيها ، بس بيتيها لي ، حتى كدة جنب بلقاس ، فردت إنشاء الله أزوده ، يمكن الواد ما عدش يعيط !! ولم تنته حكاية السائق ، حتى ظهرت مداخل المنصورة ، وقال السائق ، حمد لله علي السلامة ، رضا وجينا بألف سلامة ، ولا سياسة ولا برلمان ، ولا زيطة من كل ده ، حكايات حيتنا أحلى وأفضل ، ولا إيه يا أستاذ ؟! فرد عرفان معك حق(الرواية كاملة بالروابط اعلاه )

ليست هناك تعليقات: