الجمعة، 8 فبراير 2013

رواية سبع الليالى الجزء الثانى كاملا



الجزء الثاني
من رواية سبع الليالي
كتبت في 1987م

هبطت الطائرة ،  في أحد مطارات القاهرة ، بحملها من البشر ما بين مصاب ، إصابة جسيمة ، وما بين  مصاب إصابات خفيفة ، وكان عرفان من أصحاب الإصابات الخفيفة لكنه ظل طوال الرحلة في دوامة من الأفكار ، أخذت به كل اتجاه وهو لا ينتهي فيما أخذته وهي لا تنتهي فيما أعطته.
الأيام والليالي ، ما بين انخفاض وارتفاع وانخفاض ما بين الريف والحضر والصحراء ، ما بين النهار وما بين الليل ما بين الشركات قائمة وناجحة وبينها الآن وهي تلفظ انفاسها ولم يجد معها فتيلاً ، الأسرة قربها وبعدها والمناجم ومستخرجاتها ، وعمالها وقسوتها وليونتها.
وها هي الآن تقفل أبوا بها ، ولكن عمالها كانوا رجالاً في الدفاع عنها والزود عنها ولم يكن أقل وطنية منهم ، ولكنها التجارة ، ربح وخسارة ، وتحسب ، بالعائد و بالتالف ايضاً ، وتجري مقارنات عديدة لصالح القرار السليم ، وقد لا يكون بأي حال لصالح كلمات عاطفية ، مجردة  أو لصالح انفعالات هوجاء ،فالصناعة ومنها التجارة، تحتاج إلى حسابات دقيقة ،من مصادر الإنتاج إلي مصادر الإستهلاك ، وكل هذا يحتاج تمويل ، وهاهي الشركة صاحبة الإمتياز ، ترى أن المنجم لم يعد صالحاُ ولكن العمال لا يرون ذلك وكان ما كان ، ولكن في اللحظة المناسبة.
كان هناك ، إنبلاج ضوء جديد ، قد يبدد الظلمة ، وقد يزيدها ، أكثر ظلمة .
**كان  عرفان يحاورنفسه ، في هذه الدوامة ، لقد كان هناك وضع ، في ظل أمين باشا وفي ظل الجوهري باشا ، وغيرهم من سادات هذا الزمان ، واليوم أول خطوة وضع جديد ، ويتذكر عرفان في ماضيه ، ديون الشركة ، وها هي قد تم تصفيتها ، ولكن اللماحية ، فيما تبرع به  للجيش من مبالغ ضخمة ، كانت رصيدا له نتيجة لصفقاته مع الجيش ، بصفته المورد الوحيد له أو أحد الموردين الكبار ، كان التبرع في محله تماماً ، لقد حسبها بدقة متناهية ، الضرائب تبتلع كل شىء وهذه المبالغ في ذمة الجيش ، صعب الحصول عليها ، ثم أنها تخصم من دين الضرائب بالكامل ، و الجيش في حالة تسليح ، إذن فالتبرع بها  كأنه ضرب عصفورين بحجر واحد  تخصم من الضرائب بالكامل وبذلك تتم تسوية الحسابات مع الضرائب ومن ناحية تظهره بمظهر الوطني الغيور علي وطنه  وعلي جيشه  عماد الأمة ، ومصدر فخرها علي أمد الزمان ، والحق يقال أنه لم يكن بالوطني القح ، ولم يكن أيضاً بالمتخاذل الضعيف ، وإنما هو تركيبة عجيبة من كل العناصر الخيرة والسيئة ، ثم أنها حسبة رياضية بمفاهيم الصناعة والتجارة والحياة.
وهكذا إذن  إنشغل عرفان مع نفسه ، في كل هذا الأمر ، وهو لا يعلم من أمر المستقبل شيئا ولا يعلم من أمر حياته المقبله شيئا ولكنه على أى حال لم يكن ليعصى نفسه فيما لاترضاه
ولاهى تعصيه فيما هو يريده ولكنه سيشق على كل وجه طريقه كما شقه من قبل وليدع الأيام
تفعل به ما فعلت من قبل وليسير معها ، يغوص فيها وتحركه ويحاول أن يحركها حتى يحدد طريقه ، ومصلحته ، ومنفعته وبما يلائم هوايات نفسه وكم هي نفس غير لوامة.
** في كافة الأحوال تحلو  لما تراه وما تتمناه .. هكذا كان الحوار النفسي العرفاني ، وهو جزء من قليل دار خلال رحلة الطائرة حتى هبطت في أحـد المطارات بالقاهرة.

                   ***************
**كان النهار قد بدأ  فى نسج خيوط شمسه ، وكان المطار في حركة  دائبه ، والعسكر يملأون المكان والبشر يصدح علي الوجوه كعصفور مغرد ، فوق شجرة ذات رائحة ذكية وكيف لا والناس عاشت ما عاشت ، وهي تحلم بالتغيير وأن يعود خير الوطن للطن ، وأن تبعد تلك الطغمة الفاسدة عن أماكنها.
**المسألة ليست ملكية أم جمهورية ، المسألة أبعد من ذلك وأعمق من هذا ، إنها العدالة ، فإن فقدت فقد النظام أي نظام ولقد أخذت الملكية حظها ، طويلاً منذ محمد علي الكبير ، ولكنها لم تستطع أن تحافظ علي نفسها لأنها فقدت في رحلتها الطويلة ، صفة العدالة ، ولو أخذت بها ، لظلت قابعة ، في حب وفخار ، والناس لكل هذا فرحين .
**أنزل المصابون ونقلوا إلي المستشفيات كل حسب إصابته ، والتخصص المطلوب لعلاجه ، ورافقهم عرفان جميعاً ، حتى إطمأن عليهم ثم عاد إلي شقته ، حيث إستقبله الأولاد مهللون فرحون وهو في حالة وجوم دائم ،لم ينته بترفيه إحدي زوجتيه وقد كانتا  علي شوق لهذا اليوم وهذا اللقاء ، ولكن أمام جهام الأمـور ، وصعابها ، تتوارى الرغبات ، بعيداً ، وإن كان هناك من يرى  أن قمة الأزمة يفرجها الجنس والخمر والحشيش ، وغير ذلك من الأمـور ، وإذا قلنا عرفان لعرفنا من هو فهو سيد كل هذا ،سيد كل هذا وأستاذه ،  كان تفكيره وماذا بعد ؟‍ الآن جد الجد وحان العمل فكل شىء قد ذهب مع الهـواء !!
** إنتقل إلي مكتبه داخل المنزل وأخذ يصفى أوراقه ، ويفكر فيما سيتخذه من خطوات ، وسرعان ما أخذ يدير الحاكي ليسمع موسيقى خفيفة ويفتح المذياع ليسمع مجموعة من الأغنيات الجديدة ، التي تمجد في الثورة نفس المطربين والمطربات وقد لبسوا الثوب الجديد ثوب الثورة ، ونشرة الأخبار ، تأتي بالمقابلات من إستقبالات رجال العهد الجديد لمسئولين سابقين وحاليين ومسئولين أجانب.
**أقفل المذياع ، وإستمرت الموسيقى الخفيفة ، ونادى فريال فأعدت النارجيلة ، وأخذ يشد الأنفاس، ثم إنتهى من كل هذا وأقفل الباب وإبتدأ في الرقص  الغربي والشرقي ، والحضرى ، والفلاحي والبدوى  كان يفرج عن نفسه ، وجـد أن كل شىء لا يستحق كل هذا الندب وكل هذا الحـزن  ،حياة غاص فيها كثيراً وركبها و ركبته ، فلم الحزن ،فإفعلى ياحياة ماشاء لك أن تفعلى،إرفعى وإخفضى ،شدى عزم الرجال وحطميه ، غني وفقر وفقر وغنى ، علقى كل النياشين ، وإخلعيها حينما تشائين !! **أوقف عرفان الرقص والموسيقى ، ثم نهض إلي مكتبه ، مرة أخرى وأدار قرص التليفون... لبيب الأسيوطي .. لا صوت يجيب .. الجوهري باشا .. في العزبة .. يا سيدي !! الأمين باشا في الخارج ياسيدي .. سليمان الموجي .. في الخارج يا سيدي ..!!
                         ************
** إذن عهد جديد ... وجوه جديدة ظهرت .. ووجوه إختفت .. في منازلها أوفى عزبها .أو فى خارج البلاد ..آه يارحلة العمريأأبى وياأمى...كله ذهب .. ومدخراته ... تكفى حتى يتدبر أمره
* نظر عرفان  إلي المكتبة .. ووجد هدية مادلين .. مازالت بلفافتها .. في طرد كبير من الكرتون فإنتزع الأغلفة نزعاً ... ظهر العديد من الكتب وأخذ يقرأ .. يا لسحر القراءة !!.. منذ أمد طويل لم يجلس للقراءة ... مثلما جلس اليوم والأيام التالية والأشهر الثلاث اللاتي قضاها في القاهرة ...قراءة مستمرة .. ليلاً ونهارا ... يقطعها ما بين الغذاء .. وشرب النار جيلة .. وشرب الكأس أو الخروج .. إلي بعض البارات التي إعتاد أن يرتادها .. و قد يقابل بعض الزملاء القدامى .. أو قد يستعرض الصحف .. وقد وجد برهان عبد التواب وقد إحتل مكانة أكبر في إحدي الصحف الكبيرة .. ووجد عبير أيضا وقد أخذت مكانها كصحفية. وحسن الستيني .. مازال يكتب في مجلته القديمة .. وفى أحيان اخرى  يزورعرفان  نادى السيارات .. وقد دخلته عناصر جديدة ... وقد يفض منازعات زوجتيه .. روح الحياة .. و عفارم .. قد يحضر بعض الهدايا البسيطة لأولاده وقد يزور بعض الأقارب .. وقد يزوره بعض الاقارب من الريف ... محملين بالهدايا ... وقد يلعب مع أولاده في الصالة الكبيرة ... وقد إمتد حبل من قماش ما بين أولها وآخرها .. وقطعت المسافة بينهما ... بدراجات بسيطة صغيرة ، وقد يركبها مثل الأطفال ، وقد يركبه أطفاله !! كما يركبون الدراجة أو الحصان أو الحمار أو حيوانات الصحراء ... المحنطة والمحشوة .. بلباب التجنيد ... وغير ذلك من الأمور.
                     *************
**كان قد أخـذ القرار .. العودة إلي الريف .. وهناك البيت القديم .. ترى مإذا بقى منه؟! .. جدران قديمة متهالكة ... ولكنها تعيش رغم هذه السنين ... يقطن بالدور الأول ، أخوه الذي بقى بالريف ، وإن كان يعمل فني تحليل وهو عبد الرحمن ، وأما الدور الثاني ، فمغلق ، وأما الدور الثالث ، فتشغله أخته ، زوجة عز الرجال.بعدما تهدم منزل زوجها .. القرار إذن ... هـو العودة إلي الريف .. بهذا الحمل من البشر .. وهذا الحمل من القراءات .. كم هائل من المعلومات ... داخل تكوينه ... إن بحر المعلومات ، واسع وكبير ... ليس بحراً ... بل هـو محيط ... والإنسان ... بما يأخذه من هذه المعلومات ... مثلما طفل صغير يلعب بلعبة صغيرة علي شاطىء هذا المحيط هكذا قال نيوتن .. ولكن تركيز عرفان ... كان علي المعلومات التي أتاحتها له.. كتب مادلين .. صاحبة الدير .. علي حافة الصحراء .. يوم كان هناك إستراحة ... و كان هناك منجم .. وكان هناك حواراً طويلاً .. بين الثقافات المصرية ... والثقافات الغربية ... إنها كتب زوجها .. رجل الدين .. الذي مات وتركها .. وكانت هديتها لعرفان ، بحر من المعلومات في شئون الروح ، وفي شئون الجن وفي شئون  عالم آخر ، وخلقت من عرفان شخصاً آخر ... غيرما عرفناه .. وما كان هذا خلقاً جديدا ، وإنما كان إظهارا لوجه من وجوه عرفان ، الكثيرة والعديدة ، يكفي أن يلقح فكره بالقراءة وإكتساب المعرفة ، حتى يظهر لنا ، في شكل جديد ، والعقل هو العقل والبدن هو البدن ، ولكن المعلومات الجديدة والمعرفة الجديدة تجعله (كل منهما أو معا ) شخصا جديدا وما هو بجديد ، و تجعله عالم ببواطن الأمور وخباياها ، ولم تكن بأي حال من الأحوال ، طريقة صوفية ، روحية ، خفية ، إنتابته ، بعد هذه المتغيرات ، بقدر ما هي طريقة جديدة ، لمواجهة المعيشة ولمواجهة الحياة ، ولمواجهة الواقع الجدي إنها طريقة لأكل العيش بشكل مشرف ، فماذا سيفعل بعد كل هذا ، كل شىء قد ذهب .. ولكنه قادر أن يستمر .. والإستمرار .. يحتاج وقت وتفكير .. وهناك أفواه مفتوحه .. تحتاج إلى مايجعلها قادرة على العيش .. وحتي يتحقق ما يتمناه .. مرة أخرة .. يعود إلي الريف .. قرار مدعم بالحصيلة الجديدة .. لم يفكر هل سينجح أم لا ؟!
لم يفكر إلا أنه يجب الإختفاء عن هذا المظهر الإجتماعي الذي كان يعيشه ولا يستطيع أن يعيشه مرة أخرى ، في نفس الظروف وبنفس الترفع وبنفس الإباء ، وبنفس الكرم الحاتمي ، وبنفس الأصـدقاء . وبنفس الزملاء .. إن الريف هو الذي يداري كل شىء .. تستطيع أن تعيش علي حد الكفاف ، وتظهر في مظهر  العائش عيشة هنية ... ثم أن هناك الأصل والفصل، الذي يغطي علي كل الأشياء الأخرى .. ولكن المدن تحتاج إلي مال غزير ، أكثر مما تحتاج إلي أصل وفصل .. والمال قد نفذ بعد كل هذا .. إذن هو قرار حكيم من جانبه . أما الأولاد فصغار .. وكم ذهبوا إلي الريف وأعجبوا به .. في أجازات عديدة .. ومن قبل ذلك قد ولدوا بالريف .. وروح الحياة من هذا الريف وأما عفارم .. فهي تريد أن تعيش وتربى أولادها ولا يهمها المكان
.. فقد سئمت كل حياتها السابقة .. وهي تستطيع أن تعيش بجانب أولادها .. في أي مكان .. ثم أنها ذكية  تستطيع .. أن تخفف من  غلواء روح الحياة وتكبرها وتسلطها .. وهي تعرف أنها طيبة .. ولكن هذه طبيعة النساء .. فهي لا تنسى!! - أن تبرر لبعض تصرفاتها - أنها جاءت عليها ، وأنها تنافسها في حب زوجها .. بعدما كان خالصا لها حب عرفان .. ذلك الذي قضى بالصحراء .. أكثر مما قضى في أحضان روح الحياة  أو الجديدة عفارم ، ثم أن المرأة يجب أن تصحب زوجها ، إلي أي مكان وأن تعيش معه علي حلو الحياة ومرارتها.
                          ****************
**كان الوداع قاسياً ، علي البواب ، الذي أخذ الكثير من كرم تلك الأسرة ، وحمل الحقائب ، دون أن يأخذ أو يطلب ، أو ينحني كانت عيناه ، تمتلآن بالدموع.. صعب الفراق .. كان اللقاء الأول عمل ميكانيكي بحت أما الآن بعد هذا العمرالطويل .. فهو كما تقول الكلمة ( عشرة ) وقد تكونت عبر آلاف الليالي .. وتشابكت عبر آلاف الطلبات .. وتجسدت في مشاركات عرفان للبواب ولأسرته .. في الأفراح والأحزان .. فكان قاسياً علي الرجل وعلي أسرته .. رحيل عرفان وأسرته .. ولم يكن الحال بأقل قسوة علي أسرة البك .. وزوجتيه وأما لبيب الأسيوطي رفيق عمله وجاره  فلم يره عرفان منذ حدث ما حدث .. لقد ذهب الرجل منذ قيام الثورة!!
وقد كبر وعجزت قدماه عن السير .. و لم يعد حتى رحيل عرفان .. كانت شقته مغلقه .. ويبدو أن لكل زمن رجاله ... فلا يستطيع رجال زمن ما ... أن يتلائموا .. مع زمن جديد .. ذلك أن الهرم يتدرج بحجارة من لون واحـد ، ومن نوع واحـد ولكن منها الحجارة الثمينة ، والحجارة الغثة.
                              ***************
**إبتدأت رحلة العودة ، نفس الطريق القديم ، في رحلة الذهاب والعربة مدفوعة الأجر ، فلم يعد هناك من سيارة ملاكي بعد كل هذا العناء ، وهي أكثر إتساعاً لحجم الأسرة الكبيرة ، و الأولاد كبروا قليلاً ، وفريال ، تثقفت أكثر بليالي القاهرة ، لكنها سئمت الحياة فيها .
**كان  الطريق أكثر تعبيداً ، عن ذي قبل ، والوجوم ينتاب الوجوه أحيانا ، ولكن عرفان لم يكن يعرف لليأس طريقاً لقد حسبها ألف مرة ، وكانت حساباته دائماً ، صحيحة ، وكانت أحياناً خاطئة ، و ها هي تخطىء مرة أخرى معه ولكنه لم يهتم ، لقد نجحت معه مرات عديدة ، فلتخطىء مرة أخرى فالحياة هكذا والحياة مركب يرسو علي شاطىء النجاح ، ولكنه قد يرسو أيضاً علي شاطىء الفشل ، والآن بعض من الفشل ، فلنذهب معه ، إلي مكان جديد ، وما هو بالجديد لعله يكون البداية  للنجاح من جديد، ولن يذهب إلى جهنم وإنما سيذهب إلى مكان ، طالما عشقه وطالما رأى فيه العز والسعاده والهناء وكم كان محببا إلى قلبه، كل ذكرياته بحلوها ومرها، أليس هو المكان الذى إنطلق فيه إلى كل هذا النجاح ، فلم الخوف من هذا، دع الأمور تقودك ، مثلما تمسك دفة السفينه تحرك الريح السفينه ولكن البحار الماهر  هو الذي يحرك " الدفة " كلما شط السير  إلي غير ما وجه له ، فقد الحياة.. يا عرفان  أودعها تقول ، ولكن أمسك " الدفة " بإحكام ولا تدعها تفلت منك.. وها أنت الآن علي الطريق.. الطريق  إلي البلدة ، إلي الأهل والذكريات والأصدقاء والمعارف القدامى، ترى ماذا فعلت بهم السنون ، مزيد من الهم ، أو مزيد من السعادة ، ولكنه لا شك الزمن ، تجاعيده  ستكون  فوق الوجوه ، والأصدقاء ، طالما راودته  فكرة أن يذهب إليهم كل أسبوع ، ولكن المشاغل  وتيار الحياة ، كان ينسيه  كل هذا ، ولم يكن يذهب إلا في مناسبة فرح أو عزاء .. وأولادهم ، وأولاد قريته ، أظنهم الآن قد شبوا عن الطوق ، والتعليم أظنه قد غرس غرساً ، ثم أن هذه الحكومة الجديدة ، آمالها عظيمة في تعمير الريف  والعقل الريفي ، والتعمير والنهضة ، يعني الماء النظيف ، و الملبس النظيف ، والصحة الجيدة ، والعلم الذي يقضي علي الجهل ، والعيشة المرضية ، لا شك كل هذا وماذا  يا ترى نظرة الناس ، إلي العهد الجديد ومن يؤيد ، ومن يعارض ؟! أشياء جديدة  وكثيرة سوف يكون المقام إذن مغيراً ومتغيراً  ، ولن تعدم يا عرفان وسيلة للعيش والمعيشة والمعايشة،ولاتحمل هم الأولاد ، فالمدارس تغمر الريف أيضاً.. إبتدائية وإعدادية وعلي مقربة من البلدة ، المدرسة الثانوية .. إن طال المقام بالريف بل أن المدرسة الإبتدائية لا تبعد عن منزله ، سوى شارع إنها مدرسة النيل الابتدائية ، بل أن المكان ذاته ملك لأخيه كان خاصته في الميراث والأولاد سيتعودون علي الريف فلقد ولدوا به وذهبوا وأتوا إليه كلما كان هناك ميعاد ، وإبنه الأكبر فقد ذات يوم في الترعة الرئيسية بالقرية ، وهناك الأجـداد والآباء عاشوا وماتوا ودفنوا وهناك الأقارب والخلان والأصدقاء ..
**ها هي العربة ، تقترب سريعاً من القرية العلامات علي الطريق توضح المسافة وها هو إسم البلدة يظهر علي لوحة إرشادية ولكنها بالية وهنا أخذ عرفان يوجه السائق ، المدخـل إلي اليسار ، يا أسطى محمد ، اعبـر هذا الكوبري ، ثم إستمر في السير ، راعي الطريق فهو ليس من طرق القاهرة ، وإستمر حتى أشير إليك بالتوقف.
أطاع الأسطى محمد ، وعلق علي قوله ، يا سعادة البك  أنا لست من المدينة ،   فأنا من الأرياف أيضاً وأعرف حال الطريق ومشاكله ولكني أعرف أيضاً فيه الهدوء والسعادة ، فلعلها رحلة سعيدة  هنية ، وأن لا تطول أجازتك يا سعادة البك فرد عليه عرفـان ، بل هي أجازة كبيرة .. ولو فطن السائق إلي  حمل العربة من الحقائب ، لعرف كم هي أجازة طويلة ، ولو حضر قبل ميعاده بساعة في القاهرة ، لوجد عربة أخرى قد حملت الأثاث جميعه ، في رحلة عودة إلي القرية وأقفلت الشقة ، وسلمت لصاحبها ، لو عرف كل هذا أو لو فطن إليه لأراح وإستراح ، ولكنه علي كل حال تعليق إبن البلد الفهيم ( الفهلاوي ) وكان لابد أن يعلق ، مادامت الرحلة  قد قاربت علي الإنتهاء بالخير والسلامة ، فآن له أن ينطق بعد صمت طويل ، لم يقطعه إلا مناقشة عرفان لزوجتيه ، أو لأولاده ، أو توجيهه له  طوال الرحلة.
                         **********
**أخيراً وصلت العربة أمام المنزل تماماً وهنا أشار عرفان بالتوقف ومنح السائق أجرة إضافية ، فما زال في الجيب ما يجود به ، وهذا من شيم الكرام وقد كان العربي يذبح لضيفه حصانه أو ناقته ليقوم بواجب الضيافة  وهو لا يملك غيره أو غيرها ، ولم يكتف بذلك بل دعاه إلي الغذاء.
كان الوقت عصراً أو يزيد والأهل في الإنتظار والأصقاء والندامي السابقون ، والسيدات من الأسرتين أسرة الزوج وأسرة الزوجة قد قمن ، بفرش الشقة بعد تنظيفها وتلميعها بالماء والصابون ووضع الأثاث الذي وصل قبل وصول البك ، كل في مكانه الطبيعي ، وكانت الشقة كبيرة ، بها حجرتين للنوم واحدة ستكون لروح الحياة وأخرى لعفارم ، وحجرة للأولاد ، ودورة مياه حديثة ، لا تتلائم مع شكل المنزل الخارجي العتيق المتهدم ، وحجرة واسعة متسعة للبك وحجرة للأطفال ، وصالة كبيرة متسعة ، وحجرة للمطبخ يعلوها ( سندرة ) للمخزون من الطعام والمؤون ، والسمن البلدي  والجبن والبصل والثوم  والأرز وغير ذلك من الاشياء ، إنها مخزن المنزل .
كانت الشقة في الدور الثاني ، كما قلنا وقد تمت عملية التنظيف ، بحماسة وشجاعة وبحب لكل من ساهم بهذه النظافة لذا كانت علي أكمل وجه لدى الوصول  ، وقد إستخدمت أيضاً في طهي الطعام للأسرة القادمة ، وكان الإعـداد لهذه الطبخة شاملاً وكاملاً!! ، لذا كـان الوصول معدا له بكل التفاصيل من شقة جهزت ومن طعام أعـد ومن إستقبال حافل شامل ، أنست عرفان ، قسوة الأيام وعنف هذه القسوة ، الكل يرحب بسعادة وحب .
 أنزلت كل الحقائب ، وحملتها آلاف الأيدي وآلاف الأكتاف وحضر المتسولة والعاشقون لكرم عرفان فمنحهم بعض ما كان يمنحه  من قبل .
 صعد الأولاد بصحبة أولاد عمهم ، وأولاد خالاتهم ثم صحب عرفان رجالات الأسرة ، والأسطى محمد ، وصعد إلي الشقة ، وتقدم الجميع وعلي رأسهم عرفان وقال هو يدخل برجله اليمين ، علي بركة  الله ، اللهم إجعله منزلاً آمناً مطمئناً لنا ولأخواننا ثم أردف يقول، إدخلوها بسلام  آمنين .. ودخل الجميع ، وهم يدعون بالدعاء والبركة لرب البيت وأسرته.


                       ****************

**جلس الجميع في حجرة الصالون والسيدات في حجراتهن ، والأولاد صعدوا فوق السطح يلعبون ويلعبون وما هي إلا دقائق حتى أعدت الموائد مائدة للرجال وأخرى بالداخل للنساء ، وقام الجميع إلى المائدة  ليأكلوا وليشربوا وعرفان يطعم الأسطى محمد ..أنه واجب الضيافة ، وكان الأكل دسما ، وكان الطهي الجيد  يعطي الأكل نكهة ولذة  ومتعة، وكانت الصحبة  تعطي الشهية لأن تشتغل المعدة  وللضروس  أن تطحن أكثر ، كان طعاماُ ريفياً شهياً أعـد له طوال اليوم ، من مواد لزوم الطبخ ، ومن خضروات ، ومن لحوم مختلفة الأسماء والأنواع ومن سلطات  ومن فطائر مالحة  وحلوة ، وكانت السيدات الطابخات  خير السيدات في الطبخ ، كان طبخهن طبخاً بالسليقة وبالمعرفة  أما عن أم ، ولم يكن طبخاً من كتب الطبخ والطهي ، لم يكن طبخاً بالقلم والمسطرة ، والكميات المقننة والمقادير والموازين اللازمة لصنع هذه الأطعمة الشهية ، ولو رجعوا إلي الكتب المؤلفة في الطهي كما تفعل سيدات القاهرة لأصبح الطعام بلا معنى وبلا طعم وبلا إحساس بالمتعة لمن يأكله  ، كان عرفان في القاهرة يجبر في كثير من الأحيان علي أن يأكل من هذا الطبخ القاهري ، لدى بعض السيدات في القاهرة ، اللاتي يعتقدن أن الطبخ  لا يكون سليما إلا بكتاب الطهي  المكتوب بطريقة علمية ، وبأسلوب منهجي ، للكاتبة في فن الطبخ  عطيفة علام  ومساعديها من أساتذة الطبخ ، وقد نمى إلي عرفان أن هذا الكتاب مترجم  لطبخات عالمية ، من عدة مجلات وصحف عالمية ، متخصصة في شئون الطبخ ، ومن هنا عرف عرفان والعارف لا يعرف أن عدم تمتعه بالطعام ، المصنوع لمواصفات  كتاب الطهي المذكور ، يرجع إلي أن الكتاب مترجم ، من المجلات والصحف الأجنبية المتخصصة في الطهي ، رغم أن السيدة عطيفة علام ورفاقها ، يصرون في برامج الأسرة بالإذاعة ، أن الكتاب عصارة أفكارهم وتجاربهم في مجال الطهي وأن النسب والمقادير  موضوعة بطريقة علمية ، ومن ثم فمن يتبعه  يضمن النجاح من طاه  أو طاهية ومن متذوق للطعام بأصنافه المختلفة .. ومن يومها وعرفان يمتنع عن تناول طبيخ (طنط )عطيفة علام و (شلتها ) ويعود سريعاً  إلي المنزل حيث الطهي الريفى ، الذي يجيده وتجيده زوجتيه ، وفريال التي علمت عفارم عليه .. وهاهو اليوم يعود إلي الريف ويتذوق طعامه بأيدي خبراء الطعام الريفي علي أفضل ما يكون ، وقد تمتع الجميع بهذه المائدة العظيمة وكان الطعام وفيراً ، وكان عرفان مضيافاً ، وكان الأسطى محمد  في فمة سعادته .
رفعت المائدة ، وإنتقل الجميع إلي الصالون ، والسيدات في الداخل يثرثرن في أحاديث مختلفة ، عن الوضع في القاهرة ، وحياة القاهرة ولم يعرض ابداُ علي السياسة أما الرجال فقد تناثرت الأحاديث عن العهد الجديد ، بينما أكواب الشاي تقدم للجميع  مرة ومرات والجميع في فرح ومرح ، يتبادلون الذكريات ما بين ذكريات قريبة وذكريات قديمة ، ولم يخلو الجو  من مداعبات بريئة وغير بريئة ونكات صارخة ونكات هادئة و (فشرة من هناك وفشرة من هناك  ) حتى كاد الجميع أن يقعوا علي ظهورهم من كثرة الضحك ، وكيف لا والمجلس القديم قد عاد وزاده إشتعالاً حضور (جمرة وعجوة) أكبر فشارين ، عرفهم أهل الصحبة  والسرور والفرفشة ، لقد إكتمل عقد الأحبة كما لم يكتمل من قبل وكانت النارجيلة  لا تفارق عرفان ، و(غبارتها )ملأت المكان .
إستأذن الأسطى محمد فى الرحيل ، فشدد عليه عرفان بالمبيت فإعتذر  بأنه سيعرج علي المنصورة ، حيث يزور قريته القريبة منها ، كما تعود كلما جاء في سفريه إلي ريف الدقهلية ودمياط ، فأذن له عرفان بالرحيل، وقام معه حتى باب الخروج ونادى مظلوم أحد مريديه ، أن يصحب الأسطى محمد إلي أسفل حيث العربة ، فشكر له الأسطى محمد ..كريم ضيافته ، ودعا له بطول العمر ، وأن يظل بيته مفتوحاً دائماً للناس بخيره وكرمه فشكره عرفان في تواضع شديد ، وسرعان ما عاد عرفان إلي شلته  ليصل ما إنقطع من حديث، و ما لبث أن إنسحب الجميع وخلا البيت علي عرفان وأسرته.
ذهب إلي الحمام وأخذ ( دشا بارداً ) وغير ملابسه وجلس مع زوجتيه قليلاً ، وكانت فريال ، قد غيرت للأولاد ، ملابس السفر بعد حمام ساخن  بالمياه والصابون، ولبسوا ملابس النوم ، وعادت إلي غرفة سيدها وسيدتيها ، طلبا لأمرأو مطلب فأمرها ، أن تذهب للنوم ، وقام عرفان هو الآخر ، فذهب إلي حجرته ونادي علي عفارم قائلاً اليوم يومك يا عفارم !! لا يوم روح الحياة !! فكم هو جميل أن نصحب المدينة إلي أحضان الريف ‍‍‍‍ فإبتسمت عفارم وهي في كامل زينتها وذهبت إلي غرفته ، في غنج ودلال ، مستأذنة من روح الحياة إإ وهي تقول لها باسمة ، أمر عرفان واجب حتى ينظم الجدول !!!‍‍ فزامث ، روح الحياة ، وأقفلت الباب علي نفسها ، وسحبت ( اللحاف ) فوق جسدها الثمين ، وعلا شخيرها ! عله يقطع المتعة  التي ذهبت منها في أول يوم في قريتها وبيتها ،وسرعان ماذهبت فى نوم عميق .. ولم يبق من صوت في المنزل إلا موسيقى الشخير الصادرة من روح الحياة!!
وهمسات ضاحكة .. في حجرة عفارم وعرفان .. و صوت قطة في الشارع تلاعب قطاً آخر .. و صوت مجموعة من الكلاب .. تنبح في ظلام الليل .. حتى آذن الليل أن يمضى .. وصوت الآذان ..  يأتى من بعيد.. آذان الفجر .. مبشراً بيوم جديد.
                           ************
**إنتظم الأطفال فى المدرسة وسرعان ما تفوقوا على زملائهم من التلاميذ وعلى مدرسيهم ومدرساتهم وعلى ناظر المدرسة كانت المدرسة قديمة قدم العهد وكانت واسعة وتسع عدد كبير من التلاميذ وكان جديد لماح ذكياً ، وأيضاً غدير ، وكان غدير يميل إلي السمنة قليلاً ، ولكنهما في دراستهما ، كان من المتفوقين ، وكم أثنى عليهما ،مدرسيهم ، وناظرهم ، كان الناظر ، رجل حكيم يعرف كيف يسوس المدرسة ، والمدرسين ، والتلاميذ ، ولكن مدرسة كانت في واد ، والمدرسة في وادي آخر ، إذا كانت من النوع الثقيل ، ليس في الوزن ، وإنما في الدهن واللحم ، وثقل الدم ، وثقل الدم ، ليس له علاج فهو هبة إلهية ، ولكنها أبداً ن لم تكن بالنسبة لها ، وبالنسبة للتلاميذ ولزملائها ، ولمدرسي المدرسة وكان الناظر يكرهها ، ورغم ذلك لا يستطيع أن يفعل لها شيئاً ، فقد جاءت إلي المدرسة بعد توصية من السيد وكيل الوزارة أبو الروس الشيكي ، وكانت علي صلة به ، ذلك أنه يعرف والدها المرحوم الأستاذ شارل الشراكي ، ويبدو أنه ينتمي إلي أصول شركسية ، وكانت له آراء غريبة ، علي مجتمعنا ، ذلك أن أفكاره ، كانت مطعمة ، بنغم شيوعي ، أورثها إبنته فملكت عليها ليها ، وصارت حياته ، لقد كان أبوها ، مطعما فقط ببعض هذه الأفكار لكنها كانت برميلا مملوءا بهذه الأفكـار ، وكان اسمها غريبا ايضاً فلقد سمها أبوها " حليلة " وما كان فيها شيئاً من الحلوى أو التحلية ، أو السعادة ، كانت شيئاً آخر ، غير اسم الدلع من أبيها ، واسمها في شهادة الميلاد ، كانت مشكلة بالنسبة للمدرسة لكل فروعنا ، تلاميذ ، مدرسين ناظر وأيضاً لزميلاتها ، والأدهى من هذا ، أنها كانت تدخن ، وتدخن بالذات ، السيجار ، وكم هو غريب وعجيب ، أن يكون ذلك في الريف والغريب ، أنها تنادى بهذه الأفكـار ، وتذهب إلي القاهرة ، كل شهر في اجتماعات مستمرة ، مع شلتها وفرقتها ، وتعود بخراطيش السيجار ، والهدايا المختلفة فرحة مبتسمة ، وكانت مطلقة ، لم تستطع أن تتحمل الزواج ، لقد هرب منها زوجها ، إنها صداع لا يطاق ، وكان لها بعض الأولاد ، في مراحل الدراسة المختلفة ، تركتهم لأبيهم بعداً عن المشاكل خاصة وأن الحب لديها مفقود ، وصلاتها غير موصولة ، حتى مع أولادها ، كانت نموذجاً شيئاً للتدريس ، ولكل المدارس التي عملت بها
والحق يقال أن الأستاذ أبو الروس ، لم يكن من تديمي أفكار ، أبيها ولا كان يقوم بما قام به إلا محاولة للوفاء لوالدها ، وأه أبداً لم يكن ليكني ، بناكر الجميل وإنما كان الوفاء منبتة ، خاصة وأنه أصلاً ، من الصعيد وإن كان قد ذلة بالقاهرة ، وانعكست هذه الظروف علي عملها وقد حظت جدير وغدير ، بالكثير من لعناتها ، رغم أن إيمانها أنهما علي مستوى من الذكاء وكانت درجاتهما مرتفعة في كل المواد ، إلا درجات المادة التي تقدمها وكانت في التاريخ وحاول الجميع أن يثنوها عن غيها وأن تراعي الله في مبادئها دون جدوى ولم تكن ترد إلا دخان سيجارها ، ينفث في وجه مناظيرها ، حتى في وجه ناظر المدرسة ، وهو لا يستطيع أن يرد عليها فهو يعرف الأيدي الخفية ، التي تساندها ، ثم أنه ممسوك من رقبته ، كما يقول المثل ذلك ، أنها شهدت ضده في واقعة سابقة حينما كان مدرساً أول بالمدرسة ، وحدث بينه ، وبين ناظر المدرسة السابق ، خناقة لرب السماء ، فما كان من نظر المدرسة السابق إلا أن خلع الحذاء ، وضرب به المدرس الأول السابق ، والناظر الحالي ، وكانت حاضرة للمناقشة ، واشتدادها ، وواقعة الحذاء ، وكان حذاءاً تقليديا ، ضخماً ، أحدث جرحاً بسيطاً  ، في وجه الناظر ، الأستاذ مروان إلهامي ، ولكن ندبته ، مازالت ظاهرة حتى اليوم ، ولكنها شهدت ، ضد الأستاذ مروان إلهامي ، وأنه هو المعتدي ، علي حضرة الناظر السابق ، الأستاذ عبد الصبور المغبون ، أطال الله في عمره ، وهو يقضي أيامه علي المعاش ، لقد لعبت لقبتها ، واختارت الأقوى ، ثم أنها تمسك علي حضرة الناظر ، وبعض المدرسين ، والمدرسات ، ولات وذلات ، من حيث تصحيح الانتخابات ، والمساعدة في نجاح ، بعض التلاميذ لجاه أو سلطان ، أو منفعة ، أو تبادل منافع ومن ثم فقد كانت هي الأخرى ، تباشر سلطاتها ، وكأنها حضرة الناظر ينقصها فقط أن يكبر شنبها ، ويصبح في حجم شنب الرجال ، وحقاً وواقعاً لها بوادر شنب ، ولكنه كان لا يظهر إلا للمدقق ، وقوى الملاحظة ، ولم يعجبها جديراً أو غدير ، طوال سنوات دراستهم ن تيطوقان ، في كل المواد ، ويحصلان علي الدرجة النهائية في كل المواد ، وتحسب بدرجاتهم الأرض في مادة التاريخ وكان الأولاد يعرضون ما يحدث علي والدهم ، فكان يطمئنهم ، عليكم احترام مدرستكم ، ثم يقابل من ورائهم ، الأستاذ مروان ن فيقول له والله يا أستاذ زعرقان ، لقد انهزمت أمامها ولا أعرف لها سبيلاً ، وعليك أن تتحمل وتحمل عرفان حتى جائت السنة قبل النهائية ، والأولاد ناجحون ، في كل المواد دون مادتها ، ويعني ذلك أن يعيد الأولاد السنة ومعنى ذلك ضياع سنة من عمرهما ، وذهب إليها الأستاذ عرفان ، فقالت له ، وما ذنبي يا أستاذ ، أولادك ضعاف ، وأنا لا أجامل ، إن لي مبادىء وعقيدتي ، ويعلو صوت عرفان و يقول لها سوف أربع الأمر إلي أعلى مستوى ، فتردد عليه أعلى ما في خيلك ، إركبه ، أنا لا يهمني وسوف يسقطون ، طالما ظلوا في هذه المدرسة ويتدخل الأستاذ مروان ، والمدرسون والمدرسات ، والفراشون ، لفحص هذه المشاجرة دون جدوى ، فما كان من عرفان ، إلا أن ذهب لمقابلة مدير  التعليم العام ، قال له سيدي ، نحن لا نعيد تصحيح الأوراق ، إن هذا يعني أن المعلم غير موثوق فيه وهذا لا نقبله ، ثم أبدلها ظهراً كبيراُ.
يا سيدي / لا تعرف الأستاذ أبو الروس الشيكي ، أنه قريبها ، وما لنا ووجع الدماغ ، وينطلق عرفان إلي القاهرة لمقابلة السيد أبو الروس ، فيقابله بابتسامة ، ويطلعه علي التعليمات بعدم تصحيح أوراق الامتحانات ومسألة عرفان ، وماذا لو أخطأ المعلم ، وهؤلاء تلاميذ صغار ، لا يتوقعون ، أن يكون هناك معلم أو معلمة ، بهذه القسوة ، ويصدمون من التعليم ، والعلم ، يقولون علم إيه يا بابا ، لقد تعبنا واجتهدنا وجاءت المدرسة ، وأسقطتنا ، بدون وجه حق ، ولم يقل له طبعاً أن الأولاد ، يسمونها ( أم قويق ) فيزيد ، أبو الروس بك من ابتسامته ويقول له هدى سيادتكم يا أستاذ ، الآن تحتاج إلي فنجان قهوة مضبوط ، ثم يؤدون القول ، لماذا يا سيدي لا تنقل الأولاد ، إلي مدرسة أخرى ، ما دامت هذه المدرسة ، تتعقب أولادك ، أنني أعرف أن لها أفكار غريبة ، نوع ما ولكنها إنسانة ذات مبادىء ، فيقول عرفان ، وقد قارب صبره أن ينفذ ، وما دامت صاحبة مبادىء ، فلماذا لا تعطي لكل إنسان حقه ، خاصة وأنها تتعامل مع تلاميذ صغار ، لابد أن يكون لديها خلفية ، في معاملة التلاميذ ، وأعتقد يا سيدي ابو الروس أن هذه تحتاج إلي درس وتدريب في السلوكيات وفي الضمير ، وأن تطلق المبادىء التي تتدعي بها ، فالمبادىء تتجزأ فيرد الأستاذ أبو الروس لا تنسى يا استاذ أنك تهاجم ، مدرسة من رجالات التعليم !! أقصد من نساءات التعليم وانك تهاجم مرءوسه لي ، فكأنك هاجمت التعليم والمعلمين ، ولولا أنك في ضيافتي ، لكان هناك شأن آخر .. فيرد عرفان وقد تعدة الغضب كل حد ، يا سيدي أنا لا أهاجم رجال التعليم وأعرف أن لهم قدسية ، من مدرسي الابتدائي ، حتى أساتذة الجامعة ، وما زال بيت شوقي ماثلا ، " قم للمعلم وفه التبجيلا ، كاد المعلم أن يكون رسولا " ولكني أهاجم فرد شد عن هذا المجتمع ، وأسقط تلاميذ ناجحين ، وقد حصلت علي صور من الإجابات بطريقتي ولا تسألني يا سيدي ، كيف ، وقد صححها أساتذة آخرين من زملائها ، وأثبتوا أن الأولاد يستحقون النجاح ، فما قولك يا أستاذ ؟! فرد الأستاذ ابو الروس ، والله حصولك علي الأوراق ، طريقة غير قانونية ، سأبحث فيها وأعاقب المسئولين .. ويرد عرفان لقد تركت يا سيدي الأصل ن وبحثت في الفرع ... والأمر سبيلاص يا سيدي أنك قمت بترقيتها ، إلي وكيلة مدرسة فهل يصح يا سيدي ، أن ترقى المخطىء .. فيرد ابو الروس بك .. والله يا سيدي ، هذا اختصاصنا وليس اختصاصك ، إنها تعليمات عليا .. فيسخر عرفان ، من قوله تعليمات عليا !! من أصدرها يا سيدي ؟ ! أصدرها مجلس قيادة الثورة ؟ ! أم قائد الثورة الجديدة ؟!! أصدرها من يا سيدي ؟ ! السيد وزير التعليم ؟!
أصدرها من يا أستاذ أبو الروس ؟ ! رجال العهد الجديد ، الذي ينادون بأن يأخذ كل إنسان حقه ...  الذين ينادون بالعدالة الاجتماعية ... الذين ينادون بالتعليم ، وأنه حق للجميع ، كمال قال طه حسين .. أشكرك يا أستاذ أبو الروس ... وسوف أصعد الأمر إلي السيد معالي الوزير ..!
ووقفت أبو الروس بك .. كفأر وأي قطا .. وقال لا تعتقد أننا سيئون إلي هذا الحد .. ولا يخلو النقاش من جدل .. والحوار مفيد .. وقد يؤدي إلي نتائج جيدة .. ولا تنسى أن واجبي ، أن أدافع عن مرءوسي والآن ..
تفضل وسترى خيرا  إن شاء الله .. واستأذن عرفان بعد أن سمع ما سمع .. وهو غير مصدق ما الذي غير الرجل هكذا .. أهو التهديد بمعالي الوزير .. أم هو تساؤلاته .. عن التعليمات العليا .. المهم أنه قد وعد خيراً .. وعلي هذا انتهت المهمة .. مهمة البحث عن الحق الضائع .. وآن له أن يعود أن القرية .. ولكن ها هي القاهرة .. مرة أخرى ولكنها غير ما كانت .. تغير الكثير .. رجل الاستعمال .. الإنجليزي عن مصر ووضع دستوراً جديداً للبلاد .. وفكر في إنشاء السد العالي ... فتحالفت القوى الأجنبية .. وكان عدوان 1956 وكان نصر مصر .. بقوتها ، أم بمساعدة الدول الكبرى .. فهو انتصار ...... وأجريت الانتخابات .. ولكن النجاح ، كان حليف العهد الجديد ... و أما الأسماء القديمة .. فلم يعد لها مكان .. وأكثرهم .. غادر إلي الخارج ..أو مات .. أو أودع السجن أو منزله أو المستشفى...
والخلافات الكثيرة في القيادة ... سرعان ما حددت في التخلص  من المعارضين ، للثورة .. أو هكذا قيل .. وظهر عبد الناصر .. وكأنه المحرك لكل الخيوط .. وتراجع محمد نجيب في قصر المرج .. أو أجبر علي التراجع .. أو لم يترك له حتى المناورة .. وكان هو الصورة وكان هو المحبوب من الشعب .. وغيره وغيره .. تباديل وتوافيق والأحزاب في خبر كان .. ولعبت الصراعات دورا كبيراً .. وعموماً فعرفان لم يهمه هذا أو ذاك ... لقد بعد عن كل هذا .. واستقر في الريف .. لا يهمه أن تأكل القطة أولادها ، أم أن الأولاد أصبح لهم مخالب ... قد تعض الأم أيضاً لقد بعد تماماً .. كما بعد يوم حكم اللواء خير الدين .. غريمه القديم .. ولم يشمت أيضاً له أو بسببه .. وقد حكم عليه بالبراءة .. في حكم محكمة الثورة التي شكلت لمحاكمة .. رجال النظام القديم .. وكان سبب الزج به هو أنه كان أحد مساعدي إبراهيم عبد الهادي باشا .. أو قل أنه الساعد الأيمن .. وكان إسماعيل المليجي الساعد الأيسر .. وقد حكم علي الباشا ذاته بالإعدام ولكنه خفف إلي الأشغال الشاقة المؤبدة .. ثم إلي تحديد الإقامة بالمنزل .. ثم ما لبث أن كرم قليلا .. من الثورة فصينوا ابنه بالخارجية ، بناء علي تلبية رغبته .. كل الأحباب القدامى ... انتهوا والقليل من الماضي .. ظل يحاول أن يستمر .. حتى ولو تغير كل شىء .. الأشخاص والألوان والطبائع والبيئات ... ذهب كل هذا وذهب بعيداً عن عرفان .. حتى أولاد أخته .. الذي زج بهم في الكليات العسكرية الشرطية .. وبمساعدته .. وبنفقاته المادية .. والمسكنية .. والملسية ... أصبحوا من رجال العهد الجديد .. وبعد وأيمن عرفان .. فالمصالح ، أصبحت ماذا يفيدني ، وماذا يضرني .. بعدما كانت "أنا وأخويا علي ابن عمي ، وأن وابن عمي علي الغريب " ... لم يعد عرفان في من هذا .. وأنه علي كل حال .. يتذكر الماضي .. ويتابع الحاضر .. ويضطلع إلي المستقبل .. عله يعيد الذين كان .. وقد يحدث . فهو متفائل بطبعه .. المهم أنه أتى إلي القاهرة لمشكلة محددة ، ولما قاربت علي النجاح ... آن له أن يعود .. والعود أحمد .. ولكن يموت الزمار ويده تلعب ، أليست هناك سهرة ، من سهرات القاهرة .. ما زال بعض الأصحاب .. علي قيد الحياة .. وقد شبكوا علي العهد الجديد .. وقديما قيل " سوق حمير وسط حمير الفساكرة " وقد ساقوا الحمير والجمال والأصطنة والغنم والماعز بل ساقوا أنفسهم ايضاً مع العهد الميمون .. وها هو صاحبه وصواحبه وغيرهم .. وقد فعلو كل هذا ، إذن فليعهم معهم .. بالحظ ليلة .. وقد ينعم بالمبيت عندهم .. وإذا تبين صعوبة هذا .. فيسنيون ( ريشمونت ) ما زال قائماً لم يغيره الزمن ... والخواجاية وتيرانا مازالتا رابطتين كسباع كوبر قصر النيل ... وكانت ليلة من الليالي كل شىء ما زال كما كان ... الأحبة وقد زادوا بالدم الجديد ، من الصف الثاني ، و الصف الثالث ، وقد أشرق في هذا اليوم ، وجه من الصف الأول .. فصاحب عرفان .. نموذج فنان للمثل الذي ينادي بأن يسوق ..  وسريعاً ما يعترف بهم عرفان .. وكانت الأوراق قد وزعت والألعاب قد بدأت .. والكوؤس تدور كما تدور الساقية .. تجرها الثيران القوية ... أو الأبقار أو الجواميس .. المغمضة العينين .. وكانت الخمرة .. هي التي أغمضت عيون الرجال وعيون النساء ... وعيون القدامى ... وعيون الجدد ... كل شىء مغمض وحالم وراقص وكأن الجديد ، قد أخذ في الراحة ... وعاد قديماً من جديد ... كل ما كان .. أن النوع تغير .. كانت هناك الباشوات .. والطبقة الوسطى ... والموظفين .. والعامة من الشعب .. واليوم ...هناك البشاوات الجدد ، من أصحاب العهد الجديد ، وهناك الطبقة الوسطى الجديدة ، من المحيطين والندامى ، وطبقة الموظفين ، وعامة الشعب .. كل ما كان .. أن النوع تغير .. والجديد صار قديماً .. ولكنه السيد الجديد .. والساقية تدور .. والليالي تدور .. وفي الفجـر .. حملته العربة التاكسي .... إلي البنسيون .. وحملة السائق علي كتفيه حملاً ، ورماه في المصعد .. حتى وصل الطابق ، الذي يقيع فيه البنسيون .. وأخذ أجرته من جيبه .. ثم دق جرس البنسيون .. وفتحت ( تيرانا ) وكانت سعيدة أن يعود الماضي الكريم ... وإلي مجرته .. والنوم حتى نهار الصباح .. ثم يجري ما جرى في كل مرة .. ولا تكثر من الغياب ... ونحن صرنا .. صداقة عمر .. تبدل فيها كل شىء .. ولم نتبدل .. لا نحن ... ولا أنت .. غنى أم فقير .. فأنت عرفان بك .. وسلم عرفان وشدد في السلالات وعاد إلي القرية عاد محملاً بالجديد ، وقد أصبح قديما وعاد والليالي الجميلة ، قد عادت من جديد .. وعاد وهو يحلم بأن يعود كما كان .. مادامت الساقية تدور كل الذي تغير هو الثيران والأبقاء والجواميس التي تشد الساقية ، وهي مغمضة العينين ، ثم أن المهمة الأصلية ، قد قاربت علي النجاح .. عادوا واستقبلته الأسرة بالترحاب ، ولماذا غبت وكيف الحال .. ولقد سأل عنك فلان وفلان .. وجاءك من الزبائن ، إناس كثير من ، من خارج البلاد ، ومن خارج البلدة ، ومن البلدة .. وقلنا لهم .. أنك في مأمورية في القاهرة .. قلنا أنك ذهبت لعلاج شخصية هامة ... قلنا كذبة بيضاء .. حتى نبين أن لديك زبائن وعملاء من الكبار أيضاً .. هكذا الحياة .. ولكنهم كانوا في سرعة .. فأخذهم فتوح البلهوان ، إلي الشيخ الكبير .. فقال لهم .. آسف لقد عشت في هذا العمل .. سنوات عديدة ولدى من الخبرة ما يعرفه الكبار والصغار .. وقد جاء عرفان .. وقال لي علي احواله .. واستأذن أن يعمل في البلدة  .. واشاد بي ويعلمي وخبرتي وموهبتي .. وحيث أنكم جئتم من أجله .. فازن أن من الأفضل أن تنتظروه وقدم لهم التحية .. فأستاذنوا .. لعي أن يعودوا في الغد .. منهم من ذهب إلي المنصورة .. ليقيم بالفندق ، علي أن يأتي غدا ومنهم من عاد إلي بلده .. علي أن يعود غداً أو بعد غد ، ومنهم من ذهب إلي منزله ، علي أن يعود لدى فراغك .. كل حسب المكان الذي جاء منه ، فرد عرفان قائلاً ، والله إن الشيخ الكبير ، لرجل وأي رجل ، سمح لي أن أعمل ، في نفس البلدة وهو المؤسس والخبير ، لهذا العلاج في البلادة وشهرته طافت الأقطار والبلاد ، خارج وداخل البلاد .. وما نحن إلا تلاميذ صغار في حضرته .. وها هو اليوم ، يضيف صنيعاً جديداً .. إذ يرفض زبائن ، لأنهم أقوالي .. والله لا أقدر علي شكى ما حييت ، ثم ينادي عرفان علي الأولاد ، فطمأنهم علي النجاح بإذن الله .. وسلم لهم هداياتهم ، التي يحضرها ، كلما أتى من القاهرة ، وقد كان ذلك منذ أمد بعيد ، عل يكل حال ، أنه يحضر الهدايا ، كلما سافر ، حتى ولو إلي دمياط أو المنصورة ، أو أقل منهما حجماُ أو أكبر منهما حجماً : ثم استراح قليلاً .. وعاد إلي قراءاته ، ونار جيلته ، وقد طلب ألا يستقبلوا ، ضيوفاً ، أو زبائن في هذا المساء فلما اشتد عويل الظلام وصرنا إلي ميعاد النعاس والنوم .. نادى روح الحياة ... وقال الليلة ليلتك .. فقد وضعت الجدول !! وكل منكما يعرف يومه .. وقد كنت في القاهرة .. وقال لنفسه هامسا .. وقد كان هناك .. أن حضنت المدينة الريف القادم إليها .. ففرحت روح الحياة .. وقامت من مكانها ، فكانت الأرض ترتجع من تحتها !! ولكنها مازالت في ملاحقها القديمة .. وقالت لعفارم في ضحكمة هادئة .. ولكنها مؤثرة ، بيقول المثل ، اتقل علي الرز لغاية ما يستوى ، وها هو قد استوى وطلبه الأقال .. حلالا بلالا فابتسمت عفارم .. ولم تحزن ... و تنام ويعلو شخيرها .. بل أصبحت فريال حتى نام الأطفال .. وفتحت للراديو .. علي أغنية .. جفنه علم الغزل ... وهي تحادث فريال .. حينا وتتابع الأغنية حينا وهي منكبة علي ماكينة الخياطة .. تخبط الفساتين والجلاليب .. والبيجامات والبنطلونات .. وتصلح هذا الفتق ... وتثبت هذا الزرار .. وهكذا كما تعلت في الأيام السابقة ، والسنوات السابقة ، منذ حاجات إلي الريف .. وفريال تساعدها ولم تقتصر علي حاجتها الخاصة ، وإنما حاجات زوجها وحاجات روح الحياة ، وحاجات أولاد زوجها ، وكان هذا بطبيعة الحياة ، وطبيعة الحال مجاناً أما الجيران ، وأهل البلدة، فكان مقابل نقود ، وإنما عرفان لم يكن يعلم بذلك ، فكانت تدخر هذه الأموال ، المساعدة في الصرف علي أولادها ولم تبخل علي روح الحية ، إذا احتاجت شيئاً ولا علي فريال ، ورغم أن روح الحياة ، نادراً ما ردت إليها ، ما يرد من أخواتها ، من معونات مادية ، كما تفعل هي معها ، اللهم إلا ما يرد من أكل أو معونات غذائية ، فهو للجميع .. فما زالت في أعمال روح الحياة ، أنها ضرتها ، ولكن الأيام ، عودتهما علي الإنسجام والتوافق والتوفيق ، وتأخذها عفارم هذه الأمور بسهولة ويسر ، إلا روح الحياة ، فكلما نست تذكرت ، وحتى آخر العمر.

اليوم بدوم جديد ، مثل مئات الأيام التي مرت ، أو آلاف الأيام ، التي مرت يوم جديد ، بكل ما فيه ، من أحداث وبكل ما فيه من أعمال يوم من أيام قادمة وما ينقضي إلا وينضم ، إلي تراكمات الأيام ، التي مرت فيشكل خبرة وتجربة وممارسة ، ويشكل أيضاً ذكرى وتاريخ حساب وجغرافيا ، ويشكل قيما أو يشكل إنحرافا أحداث كثيرة ، تكونت في هذا اليوم الذي نحن فيه ، وفي الأيام التي مضت فيها الخير والشرب فيها الحلو والمر ، فيها ارتفاع الرجال ، وانخفاضهم ، فيها صراح الحياة وتنشابكها ، فيها المصالح والمنافع العامة ، وأيضاً الخامة ، وقد تتعارض هذه المصالح ، بل الأكيد ، أنها تتعارض ، فالبشر ميول ومشارب مختلفة ، ومنها يأتي الاختلاف والتعارض ، ثم أن الإنسان ذاته ، ميول ومشارب مختلفة ويحدث التعارض ويحدث الاختلاف ، ويحدث الصراع داخل الإنسان ، ولكننا لا نرى كل هذا ، لأنه في داخل الإنسان ، ولكننا نراه في السلوك والتصرفات.
وهذا اليوم من هذه الأيام ، ميقاته بالساعات ولكن أحداثه بالأحجام ، ومن ذات الضخامة ، ضربة حظ أو قدر ، وتحول الساعات والثواني ، إلي نقلة ضخمة ، قد تتعدى قيمة سنوات من العمر بلا طائل ، وقد تكون النقلة إلي أعلى أو إلي أسفل ، واليوم من أيام الحياة ، فيه حياة الميلايين من البشر ، وفيها وفاة لملايين ، ولكن الشىء العجيب ، أن الناس لا تتذكر إلا من مات ، ويستعجبون ، وقد يربطون ذلك ، بأشياء كثيرة ، لو دققنا في  تصوراتهم لوجدناها تعني أنهم ناقصو في الإيمان ، ولكنهم أبدا ، لا يتذكرون من ولد في هذا اليوم إلا لحظة الميلاد ذلك أن النفوس قد جيلت علي الخوف من الغامض والخوف  من الآتي ، والخوف من المجهول لو هذا الخوف ، هو الذي يجعلهم في خوف من الموت ، والحزن علي من مات ، ولكن الحزن ما يلبث أن يقوه ، في دوران الحياة وفورانها ، وكلما زاد التوهان والدوران ، في هذه الحياة قل زمن التخلص ، من آثار الخوف من الموت ، وفي المدينة ، تأتي هذه اللحظة سريعة ، فلا خوف ولا يحزنون ذلك أن الدوران أشد ، والتوهان أكثر والإنشغال أسرع ، ولكن الريف أقل دورانا ، والتوهان أقل دورانا والإنشغال أقل ومن ثم يأتي الحزن عظيماً علي هذا العقد أو قل أنه الفراق ، ولكن طبيعة الأيام ، فيما سيأتي من مستقبل في زمن هذه الرواية ، سوف يعطينا ، أن في زمن ما ذابت الحدود ، بين الريف وبين المدينة ، وصار الحزن أسرع في الذهاب ، فالدوران ، أصبح بنفس المستوى ، وبنفس السرعة وبنفس الإنشغال ، فلا فرق بين مدينة أو ريف ، وأما الميلاد فكل يوم لحظات تضيف ، إلي النفس سعادة ولا تترك في النفس غصة ، أو كآابه ، أو شعور الحزن بالفراق كما يفعل الموت ، ورغم أن الحياة والوفا والميلاد أشياء " يقين " وأكيدة وإن اختلفت المواعيد من فرد إلي آخـر ، إلا أن الإنسان ابن اللحظة ، ولم يفكر أبدا ، أبعد من هذا ، وإن فكر ففي اللحظة ثم يتوه مع العمل ، ومع الأصدقاء ، ومع المجتمع ، ومع المشاكل ، ومع لقمة العيش.

واليوم ، يوم من عمر قرية ، بشيوخها ورجالها ونساءها ، وشبابها ، وأطفالها ، وحيواناتها كل فيما سخر له من عمل أو راحة ، أو لعب أو لهو أو تسلية ، أو ترفيه ، كل فيما سخر له من آمر ، أو مأمور ، من لاهث ومن جالس ، من مؤلم ، ومن متألم ، من شاظف في العيش ، ومن معظم في العيش.

ويوم القرية ، تغير بسيطاً عن بداية هذه الرواية ، ولكنه تغير بطىء غير محسوس أو ظاهر للعيان ، الأشجار مازالت واقفة رغم عواصف الزمان ، قد تأ×ذ منها ، وقد تعطيها ، والحيوانات إلي الحقل ذاهبة ، أو في الحقل تعمل ، أو من الحقل عائدة ، أو إلي السوق ذاهباً وإيابا ، أو للركوب كوسيلة مواصلات ، أو لنقل البضائع ، أو لنقل المحصول ، أو للتسلية والتدليل علي العظمة ، كحصان قد أتم زينته ، وأخذ يرقص ، فوقه ن صاحبه المنهدم ، ابن الأكابر ، أو قد شدنى عربة ذات عجلتين ، ( كارته ) وقد تقاذف الأواد فوقه ضحكاتهم ، وهم يمشون به ، علي شاطىء النيل الطويل الممتد و الناس متأثرون ، عل يالمقاهي العديدة يتبادلون الأحاديث ، ويستنشقون الدخان ، ويطردونه ، أو يبلعونه ، بلعا أو يمتصون المشروبات المتختلفة ، في هدوء أو بصوت عميق ، أو يتبادلون الألعاب ، من طاولة ، ودمينو ، وأحيانا شطرنج ، أو يطرقون أصابهم أو يلعبون في آذانهم بأعواد الكبريت الملقوفة ، بالقطن بقصد تسليكها ، أو يلعبون في أنوفهم ، في آلية ، ولكنها مصيبة ، أو يتناولن هذه أو تلك بسخرية ومداعبات محببة ، إلا إذا كانت ذات ظهر ، فيلوون أفواههم ويقيدون ألسنتهم ، ولكنهم لا يهمدون وإنما لابد من تعليق ، سبحان المعطي ، مالها وقد لون لأعين ، والحواجب ، وكظمت الفم كظما وتعالت بأنغامها إلي السماء ، أو يالهول ، ما ترى ، من تعليم البند ، في أولاد الذوات ، آه لو تلك أو هذه .. كانت ابنتي ، أو هذا المتعالى أو ذات كان ابني ، لحضرت له ، اسفل  الدورا ، وقفلت عليه ، وترى النساء أيضاُ علي أبواب البيوت جالسات ، وقد مدت كل منهن ساقيها ، وأخذت ، تفرز الأرز ، من سوادة ، أو العدس من مملاته ، أو تعجن في المندره والباب مفتوح أو تخيط الثوب ، أو تزين الملايات ، بالزهور الجميلة ، أو الحمامات الطائرة ، أو القطط المشكرة عن أنيابها ، أو تزين القرط بالترتر ، أو تخيط حوافي الألحفة ، أو الطرح السوداء أو البيضاء ، ولكن تعلقاتهن لا تنتهي ، وكلها محببة إلي النفس ، وقريبة إلي القلب ، والمساء يأتي في هذا اليوم من الأيام ، والجلسات تزداد اقتراباً والكلام يزداد إتساعاً ، بحيث لا يفوت اليوم ، إلا وقت انقلبت علي ظهره ،  وعلي بطنه ، وعلي قفاه ، وجلس علي أم رأسه ، وطار في الهواء ، وحط علي الارض ، و ارتفاع إلي عنان السماء ، وانحط إلي سابع أرض ، كل شخص من أشخاص هذا المجتمع ، وتحول الخبر ، إلي قصة والقصة ملحمة والملحمة ، إلي تاريخ طويل ، إلا الأمام ، وإلي الخلف ، وإلي الأصل وإلي الفصل ، حتى يهمد المساء ، وينام في حضن الظلام ، وتنام الطيور ، علي فروع الأشجار ، وتنام العصافير في أوكارها ، وتنام العيوم في حضن العيون ، ويتوه البشر في أحلام مخيفة ، أو أحلام جميلة عزيزة ، وينام الأطفال كالأبرياء ، في القصور أو في الأكواخ ، فوق سرير ناعم ، أو كومه من القش ، في منزل محمى ، أم في طل العراء . ولا يبقي إلا خفير يسير في دركه أو سكران عاد من صحبة سكر ، أو حشائش جاء يتارجح من غزرة ، أو فلاح ذاهب إلي حقله أو عائد من حقله ، أو فئران ، تجرى سريعاً تقطع الطريق أو ضفادع ، تنعق في جداول الماء ، أو صوت كروان يقطع السماء ، أو صوت مجموعة من الكلاب ، تجرى خلف كلبه أو قطط تعوي كما البكاء ، أو خمار ينهق ، أو يغني لا يدرى المرأ ماذا يفعل ، وقد يجري في الئشوارع ، يشمشم في الأرض أو يعجبه التراب فيتمرغ فيه ، ثم يلعب فيجري ثم يقفز بقدميه الخفيتين في الهواء الطلق ، أو مهر صغير ، يجري وكأنه في سياق الدربى البريطاني ، أو عرسة ، تطلق صرختها ثم تختفي في الشقوق.
يوم من الأيام القرية ، شرقا والنهر الخالد ، تغوص فيه القوارب والمراكب ليلاً ونهارا بحثاً عن الصيد من الأسماك ، وصبر طويل مع الأسماك وقد يكون الصيد منفرداً ، أو في جماعات ، أو بحثا عن تجارة مثل الملح ، أو مراكب عابرة ، تحمل بضائع من مصر ، حتى مصب النيل ، أو من الصعيد حتى مصر ، حتى مصب النيل ، أو صناديل قد عادت لأصحابها ، بعد رحلة طويلة في النهر المقدس وقد أتت في أجازة للصيانة والقمر ، ولا ينفك يوم  من هذه الأيام ، إلا ومثل هذا موجودة فيقوم صحاب الصندل بوليمة كبيرة للأهل والأحبة والخلان ، بمناسبة وصول المركب بسلامة الله ويكون التربيح عادة ، علي قدر المناسبة ، ولا يقل بحال من الأحوال عن خروف خروف كبير ، وقد طهي فأحسن طهيه  ، بعدما ذبح فأحسن ذبحه ، وقد التف معه ، الكثير من الدواجن ، والارز والبط ، والخضروات ، و الأرز الذي يملأ حجره ، ويتم الغذاء والعشاء لجماعات جماعات ، منها يجلس علي الأرض أو علي المائدة ، ومنها من يأكل باليد ومن يأكل بالمعلقة ، ويكون يوم من هذه الأيام ، ولا تنسى لحظة الشوق ، وقد عاد المسافرون لأشهر إلي بيوتهم و إلي زوجاتهم وقد طال بهم الشوق والحنين ، إلي البيت وإلي الزوجة ، وإلي المتعة الحلال وإلي روية الولد والحفيد وإلي استثمار مدخراتهم ، في مشكل بناء جديد ، أو تحسين منزلهم ، أو زواج بناتهم أو أولادهم ، أو الاطمئنان علي الأهل ثم يعودون مرة أخرى إلي النهر شرقا النهر ويحده الشاطىء والمنازل ، وقد تجددت بعض منها ، وقد نقلت البلدة إلي مساحات جديدة فائض عجل القرية ، في منازل جديدة أو مدار جديدة واتسعت أكثر وأكثر ، ولكن هذا لا تحسن به وأنت مقيم بها تحسه لو أنك أتيت من سفر ، وقد كنت غائباً طويلا ، وغربا وواجهة ، حتى تصل إلي الحقول ، زرع وحصاد ، ومحصول ، يعود علي أصحابه ، ويتحول إلي سوق القرية ، أو سوق المدينة جزء منه ويخزن آخر ، ويأتي موسم القطن ، في هذا الزمان يكو فرح الأولاد وفرح البنين ، كما كان فرح أولاد الصيادين ، والمراكبية ، كذلك أفراح أولاد الفلاحين وأولاد العمال ، أما أصحاب المال ، في شكل مراكب ، أو في شكل اراضي أو في شكل مصانع فيتحول إلي توسع جديد ، أو إدخار جديد ، أو إدخار جديد ، أو أفراح إلي أعلى مستوى ، لا يقدر عليها صغار القوم كما أسلفنا ، أو قد يتحول إلي مسرات ولهو ورشاوى وألقاب ، أو رحلات للشواطىء القريبة كرأس البر أو إلي أوربا وما فيها .. من كل شىء جديد وجديد وعجيب وغريب ولذيذ وممتع ، ولا يمنع هذا منهم ، هؤلاء من يوقف وتفيه للخير ، أو يقيم مسجداً  أو يقيم ، مستشفي أو مدرسة ، وإن كان  هؤلاء هم الصف الثاني ، الذي تبقى من كبار العائلات ، بعد بداية العهد الجديد ، او القليل القليل ، من القدامى الكبار ، الذين عاشوا في أضيق نطاق ، وفي عزلة تامة ، أو شبه تامة ، وكأن حالهم ( .... عزيز قدم زل ).

يوم من أيام الحياة ، ويوم من أيام الغربة ، ويوم من أيام عرفان . عرفنا الحياة ، وعرفته القرية ، وعرفة عرفان وأهله وصحبه ومجتمعه، وأخذ يتعود عليه ، ويتأقلم معه ، الصباح ، وبعد صلاة الفجر ، ولا تعجب ، فهم يصلى رغم كل هذا الذي يفعله ، والفطار بما لذ وطاب من خيرات الريف.
من منزل الأقارب ، بيت الزوجة الأولى ، أو بيت الأخوان من أبيه وأمه ، ثم متابعة لبس الأطفال ، وإقطارهم وذهابهم إلي المدرسة ، ثم مباشرة أعماله الجديدة في العلاج الروحي ، والعلاج الطبيعي والعلاج التقليدي القديم ، ثم في المساء أو قبل الغروب ، يكون تناول الوجبة الرئيسية والقيام ببعض الزيارات لأقارب والأصدقاء خارج البلدة أو داخلها ، في دمياط أو دمياط أو المنصورة أو الزقازيق ، أو غير ذلك أو داخلها للكبير هذا ، أو التاجر هذا أو الشيخ ذاك ، أو الوجبة السابق هذا أو المتقاعد هذا ، أو للعزبة الفلانية ، وما هي بعزبة ولكن الأشياء نسبية فالمائة فدان والخمسين فدان والفئات الصغيرة أصبحت عزب وما بالك لو قارناها بالأيام الخوالي ، لقنا أنها نقطة في بحر من تلك العزب التي كانت تعد بآلاف الأفدنة ، وعزبة البدراوي مثال علي ذلك يقول الراوي أن الحصان كان يجري أمامها ، بسرعة رهيبة ولا يستطيع أن يصل إلي نهايتها وقد بدأ رحلته في الصباح الباكر وتوقف عند غروب الشمس ، ولم يصل حتى إلي نصفها.
ولكن هذا هو واقع الحال الذي كان والذي عاشه عرفان وإذا حل مساء المساء ، تكون السهرة مع الأصدقاء وصحبة الزمان القديم ، وقد تجمعوا من كل صوب وحدب ، لديه ، وقد تنتقل السهرة في بعض الأيام ، إلي منزل حماة ، الشيخ محمد، فلا يجد إلا أخوات زوجته ، وتتسع المضيفة لعشرين أو يزيد ، يقطعون الوقت في كل ما يخطر عليك أو لا يخطر من ألعاب أو مشروبات أو نميمة أو غيبه . أو أحاديث ، في السياسة وفي الكياسة وفي الوجاهة ، وفي استعراض حكايات عن المرحلة والفتونة والفحولة وغير ذلك من الأمور ثم يذهب كل حال سبيله.
يوم من أيقام القرية ، هو يوم أيام الدنيا ، وكان الأطفال هلم عالم آخر ، المدرسة ، قد انتهت ، والأطفال في أجازة ، وقد أسعد من أسعد بالنجاح ، وسيعيد من يستحق الإعادة ، وذهب الأطفال إلي الحقل ، فيمن سيكون من أبناء الفلاحين ، لمساعدة آبائهم وأمهاتهم ، وقد ذهب إلي مصيف راس البر ، من كان له رصيدا من المال ، للاصطيان ، والنادر من ذهب إلي خارج البلاد ، ولكن من جلس في القرية ، مثل أولاد عرفان ، كان اليوم مثل كل يوم ، الذهاب للصيد بالسنارة ، ولعب الكورة في الشارع والذهاب إلي الحقول في رحلة علي الحمير ، أو اللعب مع الأقارب الآخرين ، ألعاب المساء ، مثل ( الطافية في العب ) ، وهي لعبة يجلس فيها الأطفال ، تحت الأضواء الخافتة ، من مصابيح الجاز ، ويتم تخبئة الطاقية في جيب أحدهم ، ويبحث عنها واحد ، حتى يكتشفها وهكذا يقوم غيره وغيره ، أو لعبة الاستغماية ، وهي فيها يغمض العينين ، ثم يختبىء الأطفال ويظل يبحث عنهم حتى يعثر علي أحدهم ، أو الأسكندراني ، وهذه لعبة من يقع عليه الدور ، ينحني في وضع رياضي ، و يقفون فوق ظهره الآخرون ، ثم لعبة اللعب وهي  الضر علي القفا ، وفيه يضع إنسان وجهه في الحائط ويخبىء وجهه بين من أياديه ، ويضع يده الأخرى خلف ظهره ، ثم يتبارون في ضربه ، وعليه أن يكتشف من ضربه ، وهكذا يحل محله ولعبة " رمي البلى " وهي كرة زجاجية صغيرة ولعبة النحلة ، ومن يستطيع أن يضعها في الجحر ، وهي مصنعوة من الخشب المخروط ، ويتم قذفها بالرمال (حبل) ولعبة تطيير الطائرة ، وهي طائرة من ورق ، تشد بحبل طويل ، حتى تسبح في الفضاء ، ولكن كان هناك بعض الأشقياء ، الذين يقذفونها بالنبل ، او بحبل آخر ، فتسقط متهاوية ، دون حراك !!
وكان اليوم الكبير ، يوم ( البلبطة ) في النيل أو الترع ، وكان السبب في تعليم الأطفال ، الكثير من فوق السباحة ، ولكنها أي السباحة ، كانت أيضاً السبب الكبير في أمراض البلهارسيا وقد يصعدون أو يتسلقون أشجار النخيل للحصول علي ثماره من البلح أو أشجار التوت في موسمه ، بأسودة وأحمره وأبيض ، أو أشجار الجميز الضخمة ، وقد يحضرون فولد من الموالد ، وقد يجلسون يبنون بيوتا من طين ، أو يصنعون تماثيل منها ولكن الكرة كانت تأخذ أكثر وقتهم ، أو يتعبون من هذا أو ذاك فيجلسون يتسامرون الحكايات ، التي يسمعونها ، وقد تكون مخيفة ، وقد تكون خرافية ، وقد تكون مسلية ، ولكن هكذا كانوا يتناقلونها ، ويرونها ، وهكذا يظل الأطفال ، فإذا جلت مواعيد الدراسة ، كان الإلتزام بالاستيقاظ مبكراً ، والإفطار ، والذهاب إلي المدرسة ، لتلقى التربية والتعليم ، وممارسة الأشغال المنزلية ، للبنات ، والاشتراك في النشاطات المختلفة ، من رياضة وكشافة ، في البلاد المجاورة ، والكفور والنجوع ، ومن عمل حفلات تمثيلية في نهاية العام ، وكانت حفلة السنة النهائية الابتدائية ، تعد من الحفلات الكبيرة ، التي تضع لها المدرسة ، كل إمكانياتها وكذلك أولياء الأمور ، وكان التلاميذ ، يقومون بادوار الرجال وأدوار النساء ، وكان العروض ممتازة وفي أسلوب بسيط وكل تمثيلية ، وراءها عبر كثيرة ، وكان ما يعيب هذه الحفلات ، هو محاولة عطيفة علام ، مدرسة التاريخ ، أن تقدم الحفلة ، فتفسدها ، بمسك الميكروفون ، كل دقيقة فكانت تثير الاشمئزاز ، وهي تمسك الميكروفون بيد ، وتتفث سيجارها ، باليد الأخرى في وجه النظارة وأيضاً الممثلين.
يوم أيام القرية ، هو يوم عائلات القرية ونشاطاتها ، وهكذا تمر الأيام علي عرفان ، كأسرة من الأسر ، تعيش كل هذا ، وتشترك في كل هذا وتمر الأيام سريعة ، سرعة البرق ، فلا نجد إلا وأولاده ، قد ورد لهما حقهما ونجا ، واستمر في النجاح ، لا ترهبهما عطيفة علام ، فقد كان قرار السيد أبو الروس ، نقلها إلي محافظة المنوفية ، ولم يستمر الأمر إليها كثيراً فسرعان ما نقلت إلي القاهرة ، حيث أراحت واستراحت.\

انتقل الولدان ، إلي مدرسة زغلول الإعـدادية ، وانتقلت بناته ، إلي الصف الخامس الابتدائي ، وإلتفت عرفان إلي عمله أكثر ، وأعطاه كل جهده وعرقه ، ودعمه بقراءاته ، واتصاله بالشيخ الكبير ، وإذا حلت به مشكلة ، لا يستطيع حلها ، حيث أن هذا العلاج ، هو دراسة سلوك الناس ، بالدرجة الأولى وعندما ييأس الناس من العلاج الطبي ، ولم يكن متوفراً ، كان لناس يلجأون إلي هؤلاء الذين درسوا من الكتب ومارسوا وكانت تلك القرية ، مهبط لكل صاحب مشكلة ، تاه فيها شرقا وغربا ولم يحد حلا ، إذا اشتهرت بشيخها الكبير ، وها هو عرفان يجتهد مثله ، ويحاول مثله ، ويستشيره ، كلما جاءت مشكلة أكبر ، وكان أصحاب المشاكل ، لا يبخلون بكل غال وثمين ، علي مثل هذه الاستشارات ، بل وبالهدايا الثمينة ، والرضيعة أو بالزاد و الزواد ، وقد يجلسون بالأيام ، وبالأشهر ، وقد يرحلون مباشرة ، وقد يعودون مرة ومرات.

ذات يوم من الأيام ، جاء إلي عرفان ، رجل عجوز ، وكل ما ينطق به ، هو الأيام والليالي ، وقد رسمت ملامحها ، علي وجهه ، وعلي أبنائه ، الذين يحيطون به فلاقى كل ترحاب ، وفتحت له غرفة الضيوف ، التي خصصها عرفان للضيوف والمريدين ، بعد أن قام بعدة تعديلات في المنزل ، وكان الرجل علي علم وعلي دراية ، بمثل هذه الأمـور ، وقال لعرفان ، أتيت إليك من آخر البلاد ، ومن أصعبها ظروفا ، وأقساها بيئة ، أتيت إليك من الصحراء ، عشت فيها الكثير والكثير ، وخيرت النجوم ، والطوابع ، والكتب الصفراء القديمة ، ولقد سمعت عن الشيخ الكبير وعنك ، ولقد عرفت أنك كنت ، والآن تحاول أن تعود كما حكت ولقد جئت إليك رغم الشيخ الكبير ، لا أبحث عن مشكلة ، أو حل لها ، وإنما أبحث عن أعطيك خبرتي وتجاربي وثق أن المهنة تلك ، فيها الصالح وفيها الطالح ، وأن كثير من الأمور ، يحتاج إلي حل وله حل فعلا وكثير من العاملين في هذا الميدان ،  علي علم وعلي كفاءة ولكن هناك الكثير من الدجالين والمشعوذين ، فماذا أنت صانع ، فرد عرفان ، أنت علي الرحب والسعة حللت أهلا وسهلاً ، وما الإنسان إلا خبرة ، عن خبرة نقلت عبـر الأجيال ، كل يعطي من خبرته ، وقد يضق بها ، وهي أنانية من هذا ولكنني بما سمعته منك ، أربأبك عن أن تكون مثل هذا وما هي الحياة ؟! إلا ان نرتفع ونخفض فيها ، ونتعلم فيها كل شىء ، ولقد عركت الصحراء مثلك ، وعشت حياة المناجم ويبدوا أنني بجانبك ، هامش من الهوامش ، وبيتي هو بيتك ، تأكل مما تأكل منه ، وتشرب مما نشرب منه ، والرزق من ند الله ، ويكفيني الجميع فابتسم الرجل وقال له أسمعنى ما عندك ، قل لي ماذا سمعت وشهدت ، في هذه السنوات القليلة ، وبعد أن  أسمع منك ستجد الخير عندي بإذن الله.

واخذ عرفان يحكى له فقال قد تتعجب أول الأمر من هذه القطط الكثير وقد تتعجب كيف تعيش هذه القطط ، لقد كانوا بداية قطا وقطة جاءوا إلي الشقة ، وجاء الخير معهما واستبشرت بهما ، فصاروا قطيعاً كبيراً كما ترى الزرق معهم ، ويأكلون ما يبقى من الطعام والخير بإذن الله كثير ، وقال الناس كثيرا ، يبدوا أن هذه القطط تساعده في أعمال ، و يبدو أن فيها من روح الجبن ، أو العفاريت ، إنها تأكل أكثر من ستين شخصا ، ولم أهتم ، فرزقها علي الله ، ولم أفكر في كلام الناس ، فقد يطول وقد يقصر ، ولكنه لن ينتهي ، ومن قبل قالوا عجيب يا دنيا ، ابن الذوات بعد أن أفلس يلعب بالثلاث ورقات ، يلعب شمهورس ، يا ملك الجان الأحمر ، إحضر وهات المطلوب ، عجيب يا دنيا ، ولم أرد ، ماذا أقول ؟ أنا لا أدخل علي أحد ومن جاء هذا دون كل الأعمال ، لأن الصحراء ذات يوم ، وهكذا كان القرار ، يوم إدلهمت الأمور معي ، وبات علي أن أفعل شيئاً ، والحمد لله ، الحالات الكثيةر ، التي قابلتني تم حلها والكثير يدعو إلي الأكثر فالزبائن مستمرة ، وأسأل نفسي أحيانا ، أين كان هذا الكم الهائل من الحالات ؟ ولماذا يلجأون ويطرقون ، أبواب ، وأبواب غيرنا وأتأمل حكمة الله ، هذه الملايين التي تسير وتنتشر كل صباح ، في هذه البلاد ، تسعى نحو الرزق ، بها كل هذا الكم الهائل ، ولا أكتمك الأمر ، أنني لم أوفق في كل الحالات هناك بعض الحالات وسأروى لك منها شيئاً.

جلس الجميع علي السجادة المفروشة ، بغرفة رجل الصحراء ، وكانت سميرة الوسيطة الروحية ، في أعمال عرفان ، تقوم بالخدمة عليه ، وعلي ضيوفه ، من شاي ، وقهوة ، وغير ذلك من الأمـور ، كان الوقت قبل الظهيرة ، وكانت الشمس أشعتها خارج المنزل معتدلة الحرارة ، وكان الجو داخل البيت ، معبق بالبخور الجاوي الممتازة ، وكانت القطط ما بين نائمة ومستيقظة ، وكان الأولاد بالمدارس ، وكانت الزوجتان وفريال ، وبعض النسوة ، في غرفة الطعام يعدون الطعام ، للغذاء ، وكان الضيوف من الزبائن قليلون ومعظمهم قد أخذ في الإنصراف فلم يأتوا لعمل ، وإنما زيادة مجاملة ، لم تنقطع منذ انتهت مشاكلهم ، وأخذ عرفان سيجارة من علبته ، وعزم علي الضيف الكبير وصحبه ، فأخذوا ، وأشعلوا له وأشعل لهم وكانت السيجارة هي عادة مؤقتة ، كلما كان هناك مثل هذا الضيف الكبير وبدأ في الحديث ن ي سيدي لا أستطيع أن أذكر لك كل الموافق ولعلها قابلتك يوما ما ، وأنت كما يبدو وكما سمعنا منك ، وما سمعناه عنك رجل " نجيب ومحفوظ " بإذن الله ، ونحن معك محفوظين ، وأقسم لك بالله ، وبحياة " المصطفى الأمين " بأن هناك الكثير من الحلول والعلاج ، يأتي إلي بالإلهام ، وأشعر كأن الجو الذي أعيش فيه ، جو روحاني ، نقى ، وقد يكون ذلك كرم من العلي الخلاق ، الذي يقول لكل شىء كن فيكون ، ويسخر الأشياء ، لمن يشاء وهكذا كانت ممارسات السنين السابقة ، أتى إلي ذات يوم يا سيدي  الكريم بعض من رجال البلدة ، بل قل والحق يقال ، أنهم ب عض الأقارب كان قد سرق منهم مبلغاً كبيرا وأتيت بسميرة ، وهي الوسيطة الملائمة التي اكتشفتها من بين الذين حضروا لأختار منهم رجالا ونساء كثيرون ووجدتها صاحبة تجاوب كبير ن مع هذا العالم الآخر وبدأت أحاول أن أكشف عن حل لهذه المشكلة ، لأن نتائجها كبيرة ،  فمن ناحية أن عدم معرفة السابق أدى إلي شك الزوج في زوجته والأم في ابنها والأب في زوجة ابنه ، وهكذا عائلة تكاد تنهار ، ثم أن المبلغ كان مخصصا لسداد رهن عليهم ، إلي البنك وإذا لم يسددوا فسوف يستولى البنك علي أراضي من أجور الأراضي الزراعية ، ثم أن بخاص يعني تدعيما إلي خاصة وأنهم يقولون في سرهم ، هذا صاحبنا ونعرفه ، هل سيضحك أيضاً ، كما يضحك علي الآخرين وكأنه امتحان وقد جاء ميعاده ، وبدأت أقرأ الكثير من الآبات القرآنية ، وأتلوا العزائم المختلفة ، ونومت سميرة أيما تنويم ، وحملت الفنجان في يدها ، والكل حولنا صامت واجم كانت الحجرة مغلقة ، ورائحة البخور تملأها ، وتملأ خياشمنا ، وبدأت سميرة تتكلم لقد حضروا وعدت المائدة ، وألوان الكراسي الخضراء ، هي التي تظهر وأحضرت الكتاب ذي اللون الأخضر ، وأخذت أقرا من ، ثم سألتها ماذا يقولون ؟ من سرق المبلغ ؟ وارتجت سميرة ، ولم تستطع أن تحدد ، والجميع متلهف ومتربص وكان معهم طفل صغير ، وكان شغوفاً أكثر من الجميع ، ولم نصل إلي نتيجة ، واضطرت أن أبرد الأمر ، وقلت أن هذا الطفل قد نظر في الفنجان ، فعطل كل شىء ، كنت أقول لأبرر ، ولا أدري يا سيدي ، هل كنت علي حق ، أم كنت مخطئا ، وضاع المبلغ وضاعت الثقة من هؤلاء ، ولم ينشروا ذلك ، لأنهم كانوا إلي الدم أقرب ، وإلي كتمان ذلك أعظم ، فلا هم يردون أن يشهروا بأنفسهم ، ولا أن يشهروا مني وكلاهما مر ، فما قولك يا شيخنا في هذا الأمر ، رجل الصحراء ، بيديه ، يدي عرفان ، ونظر فيها طويلا ، وقال الأمر غاية البساطة ، ما قلته شىء كبير من الحقيقة ، ذلك أن هناك من الأرواح ما تتألف ، وهناك من الأرواح ما تتنافر ، وكذلك الاتصال ، فلابد أن يكون الوسيط وسيط روحانيا لكي يقوم الاتصال بين ما هو لا مرئي وبين صفحة الفنجان ، التي تعكس الرؤية ، ويبدو أن هذا الطفل الشقي لديه قوة التأثير في قطع هذا الاتصال ، فقد استطاع ، بنظراته في الفنجان ، أن يشوش علي الاتصال ، القائم بين هذا العالم وبين وسيطك ، والأفضل أن لا يكون أحد موجوداً غير الوسيط وإذا رغب الآخرون أن يحضروا فيكون ذلك من وراء حجاب.
وابتسم الجميع لتفسير الشيخ ثم مسح الشيخ علي جبهة عرفان .. وقال له .. هات ما عندك .. أعطنى حالة أخرى.
فقال عرفان ، أما هذه الحكاية فهي حكاية من أغرب الحكايات وقد يقابلنا ، مشاكل علاجها ليس في الاتصال أو فتح المندل ، أو قراءة الفنجان بقدر ما تكون نتيجة أحقاد المجتمع وطمعه وجاء إلي ذات يوم شاب ، في العقد الثالث من عمره قوى البنيان ، موفور الصحة ، ثم قال " جئت إليك علي أحد عندك حلا لكل المشاكل أو قل مجمع المشاكل فقلت له سلاما وقلا من رب رحيم ، كل هذا تحمله علي كتفيك ،  وتكتف به عقلك ، قل لي كل شىء ، ولا تخشى أحدا فكل ما تقوله ، في أمن وفي أمان وأخذ الشاب ، يحكي كل ما يعلق به ويتعبه ، قال يا سيدي ، كنت في حياتي ، مخلصاً لدراستي ، ثم لعملي ، أعطيت لهما كل شىء ، الجهد والتعب ، والإخلاص المستمر ، ولم أكن في يوم من الأيام بالولد الشقي ، وإنما كنت دائما الولد الهادىء ، الرزين ، أحمل بين كتفي ، عقلا ناضجاً وذكياً ، ليس بمن يمجد في نفسه ، ولكن باعتراف الجميع وكنت شابا خجولاً ، أحب أسرتي أيما حب ، وأحب أصدقائي ، أيما حب وأحب أهل قريتي أيما حب ، وكنت أبكى إذا مس إحساسي أحد بكلمة ، وكنت أضع وجهي دائماً في الارض ، ليس عن خنوع ، وإنما عن خجل ، وكنت لا أجيد الحديث دائماً من شدة خجلي ، وكنت أخلط في نطق بعض الحروف ، ولا أقوم أسناني ، حتى يستقيم النطق ، ولكنني رغم كل هذا اجتماعي ، أمارعي الرياضة وأغوص مع القراءة في كل مجال ، ولا أهمل دروسي ، ولم أكن ملاكاً ، فالإنسان يخطى ويصيب ، ويتعلم من التجربة ويتعلم من تجارب الآخرين ، ويتذكر الإنسان قول عيسى عليه السلام ، حينما أنكر عليه المنكرون له ، أن تدلك قدميه إمرأة ليست فوق مستوى الشبهات ، " قالوا ؟ من كان منك بلا خطيئه فليرجمها بحجر " ، فبهت القوم لقوله وانصرفوا لحال سبيلهم  لأنهم " خطأون " .. وها هي إمرأة ذات تاريخ غريب ، وقل أنها كانت ذات يوم ، صاحبة نصيب من أخطاء الحياة ، تنصحني بعدم الخطيئة ، تلك المرأة التي لوثتها الحياة ، تنصح بعدم الخطيئة ، تلك المرأة طريق الخلاص والنجاة لكل خاطىء ، كان ذلك منذ عمر تعدي عقود من  السنوات ، وكنت صغيرا لم أبلغ السادسة عشر ، وكنت لا أفهم من الدنيا ن غير ما يفهمه طفل نعتي ، لم يتعد الخامسة ، ولا أعرف في زمننا معنى الخطيئة وحدودها ومجالاتها ..
هذا هو قول شاب الثلاثين لعرفان المتمرس المجرب المداوي اليوم لهموم البشر ، ويستطرد عرفان لشيخه .. لقد رددت عليه يا شيخنا .. " يا بني .. ليس العيب أن يخطىء الإنسان ، ولكن المهم ألا يتمادى في الخطأ ، وان يعرف الطريف الصحيح " ، فأجاب الشاب لعرفان .. أنه يعلم هذا ولم يكن بعد نصيحة المرأة له ، إلا الإنسان النظيف النقي ، الذي لم يخطىء لا قليلا ، لا يهمه إلا الدراسة والرياضة والعمل ن بكل إخلاص و اجتهاد ، ولكنه ابتعد عن كل شىء ومنه المرأة ، وحول كل هذا الجهد إلي النجاح ، ويبدو أن النجاح يولد الحق ، ويقف الحاقدون صفا واحدا ضد من ينجح ، وهم قوة أكبر من أي قوة ، وهم في تجمعهم أكثر صلابة ، وفي كذبهم أكثر صدقاً ، في نظر الكافة والعامة ويستطرد الشاب قائلا " أتيحت لي فرصة العمل في شركة بترول بالصحراء ، وكان المرتب كبيرا ، وكان الفراغ طويلا ، فتفرغت للقراءة وللكتابة ، وراسلت الصحف ، فنشرت لي ، ثم أخرجت الكتاب " الأول والثاني والثالث والرابع " ، وأنا قابع في مكاني المنعزل ، وكتبت عنه بعض من الصحف ، فتحول الحقد من مكان إلي آخر ومن عمل إلي آخر ، وقالوا " يهمل في عمله " وكنت أكثرهم عملا ، وقالوا ولاكوا في سيرتي ، وكنت انقاهم جميعاً واشرفهم ، وتصارعت فرق كبيرة ، فيما بينهم داخل الشركة ، وكان لكل فريق أنصاره ، وكنت محايداً ، وكل مجموعة تحاول أن تجذبني نحوها ، ورفضت فزادت الحرب ضدي ، واتهمت في الخفاء ن بتهريب اسرار الشركة إلي شركة أخرى ، ولم يحدث لأنه ليس من طبعي ، بل العكس ، لقد طورت في إنتاج شركتي في التصميمات ، وفي الرسومات وفي طرق الإنتاج ، وقدمت لها خططا جديدة وأفكارا حديثة ، بما اكتسبته من سعة إطلاعي علي أحدث التقنيات العالمية ، ولم أكتف بذلك ، بل راسلت بعض الجامعات الأجنبية ، وأرسلت لها بعض مؤلفاتي ، ولكني أبدا ، لم أملك القدر الكافي من المال اللازم للدراسة ، ولم يكن جهدي علي العمل فقط ن بل امتد إلي مجالات أخرى أجيدها مثل الكتابة وما يتعلق بها كالصحافة والأدب ، بل شغلني ذات يوم موضوع سقوط بعض الطائرات وأخذت افكر وأفكر ، فتوصلت إلي اخترع ، ولكن لم أكن أملك تكاليف تنفيذه ، كان الاختراع يتلخص بأن يتم عمل مظلة ضخمة للطائرة ، يتم ( فردها ) في الهواء ، لدى تعرض الطائرة لأي تعطل في المحركات ، أو في أي جهاز من أجهزتها ، وذلك بأن يتم الضغط علي زر " أتوماتيك " يقوم بفتح المظلة ، عن طريق الطيار أو أحد مساعديه ، كما يمكن فتحه يدويا أيضاً ، وعند هذه الحالة تتحول ، الطائرة إلي بالون ، كما يمكن إنزاله بطريقة ما أو يمكن تثبيته ، حتى تأتي طائرة أخرى وتلتحم به وتنقذ الركاب ، وهو عل كل حال فكرة خيالية ، ولكنها جاءت ، وحاولت تسجيلها دون جدوى وفوجئت بسرقة هذا الاختراع في الشركة ، وزاد الحق وهو عيب الذين يحدثون فلاهم يتركون الناس تعمل ، وتحول الحقد ، إلي تشويهات أكثر ، ونسوا المثل الذي يقول ، من كان " بيته من زجاج لا يرمى الناس بالحجارة ، لأنها سترمى بيته أيضاً ولكنهم حقودين ، وخبثاء لا يستطيعون أن يصرحوا بعيوبهم ، ولكنهم دائما صرحاء ، في معاقبة المجتهدين ، وكانت النتيجة طردي من الشركة واصبحت الشىء الأول وهو المتفانون الآوئل في عملهم ، ومرضت مرضا شديدا وقاومت وعدت إلي بلدتي فوجدت أن الأمر أكثر من ذلك بكثير ، وقد تحولت إلي شبه منبوذ بعد وفاة والدي وأمي ، ذلك أنني اكتشفت أن حياتي كتاب مفتوح يعرفه كل الناس ولا أعرض عنهم شيئا ، ومن ثم أصبح من الصعب علي أن أعيش أمام شاشة مرئية للناس ، وبالتالي فأقل خطأ في نظر الناس ، خطيئة كبرى ولم أكن أخطىء وإن كنت أتمنى الخطأ ، أن الإنسان يتمنى في لحظات أن يخطىء ، ولكنه لا يستطيع ، وهم يخطئون ، ولكنهم لا يظهر من أخطائهم الكبيرة أو الصغيرة ، فيكونوا أبرياء ، وكل منهم يصدق الآخر ، لان كل منهم يصرف عن الآخر ، مثل ما يعرف الآخر عنه ، ولكنهم عاشوا علي هذا كل منهم يداري عن الآخر ويبدوا أنني النشاذ الوحيد في جوقة الحياة ، لأن النقاء دائما ، لا يستطيع أن يعيش في مستنقع الرذيلة ، وتذكرت قصة لتوفيق الحكيم ( نهر الجنون ) كان رجلا وحيدا عاقلاً ، أو عدد قليل من الناس عاقلون ، وكان بقية الناس ، قد شربوا من نهر الجنون ، فصاروا مجانين ، ولكن العاقلين ، صاروا هم المجانين ، في نظر هؤلاء الناس وكان الحل أن يشرب العاقلون من نهر الجنون وصار المجتمع كله عاقلا !! ولكن هل علي أن اشرب من نهر الجنون ، أم ماذا أفعل ؟ أتركت المال والجاه والمركز والشهرة ، في شركة البترول ، وجئت إلي مجتمعي وأقاربي وأصدقائي ، فوجتني منبوذا ، من الجميع عدا الناس الطيبون ولكن ماذا يفعلون ، أمام هذه القوى ، وصرت مكللا نجزي وعار ، ليست مسئولا عنه ، ولا أعرف عنه شيئا ، ولكن كل أخطاء الغير ، أردوا أن يلصقوها بي وكأنني شماعة الأخطاء ، كل من يرتكب خطأ ولا يستطيع أن يتحمله ، يحوله علي ، وأنا لأدري ماذا فعلوا ؟ ولماذا فعلوا ؟ ولماذا أنا بالذات ، واكتشفت في رحلة الحياة أنهم يستثمرون جهدي وتعبي وحياتي ، في مكاسب ولا يعدوا علي إلا أشواكهم ، ويمتعون هم بورود الاستثمار ، ووجدت أن حياتي متوقفة ، أو قفوها لأنه يريدون ذلك ، العمل مغلق أمامي، الكتابة موقوفة أمامي ، كل شىء حتى الزواج ، وإذا تكلمت أو صرخت أو دافعت عن نفسي ، كنت المشاغب ن وهم الضحايا !! ويقولون أنت واهم أنت مريض ويصدق الناس كل هذا ، مسكين أصابته آفة العقل ، منذ جاء من الصحراء ، ويصدق الناس ، أنني أتوهم وأنني أتخيل ، وأرى من وراء الحجاب ، أيادي كثيرة تلعب في الظلام في أمنياتي وفي أحلامي ، وفي عملي وفي كتابتي وفي دراستي ، ويراها الناس ، أمامهم بأنني سىء الحظ ، أو بأنني الذي فعلت بنفسي هذا ، ولم يصدقوا ، أبدا أن هناك ما وراء الستار من يلعب ويخطط ، وينفذ ليضع العراقيل في طريقي ويظهرون أمامهم الناس ، بمظهر الحمل الوديع ، كل منهم حمل وديع ، وكل منهم هو الصادق وكل منهم هو الملاك ، والعجيب أنهم يشغلون ، مراكز عظيمة ، وعلي ثقافة عالية وكنت أساءل نفسي دائما ، إلي هذا الحد أنا سىء  ؟ وإلي  هذا الحد أنا شمشون حتى افعل كل هذا ؟ وإلي حدث أنني ضد نفسي ، وترد نفسي أنت علي حق ، وهم علي خطأ ، ولكنهم أمام الناس علي صواب ، وهم اشراف ، وانت المخطىء وأنت السىء بل يقولون بصراحة ، بل أنت ابن الشوارع وترد نفسي ساخرة ، وهم أولاد الملوك والأمرا ، وأنت ابن الجارية !! ، وتستمر حياتي بهذا الشكل يا سيدي ؟ ولا أدري ما هو الحل ؟ وهل نامت الضمائر إلي هذا الحد ؟ وهل أثقلت القلوب الحق إي هذا الحد ؟ وإلي متى ولمصلحة من ؟ كلنا أولاد آم ، وكلنا أبناء وطن واحد ن وكلنا أبناء دين واحد ، وكلنا نحمل أسماء آبائنا و أجدادنا ، ومسجلين في سجلات الحكومة ، وكلنا لم نر إلا آبائنا وأمهاتنا ، ولم نعرف إلا ميلادنا ، ومعيشتنا ، ومشاركتنا في الحياة ، حتى بلغنا ما بلغنا من العمر ، ولو شككنا في أنفنسا وفي آبائنا وفي أمهاتنا ، لشك كل الناس في آبائهم وفي أمهاتهم ، ولكن قصور عقولهم ، وشيطان مطامعهم ، ولا مراد لقضاء الله ، فيما يقولن ، وفيما يفعلون ولا راد لقضائه أيضا فيما يعلم وفيما يخصى ، وفيما يعد لهم ولكنهم لاهون هذه هي مشكلتى يا سيدي فماذا أفعل ؟ ويقول عرفان يا بني أنا لا أملك أن أفتح لك مندلا ولا أن أستدعي لك الأرواح كي تحل لك مشكلتك ، أو ارسل في طلب ملك من الجان ، لكي يفضي بالحقيقة ، ولكن كل ما أقوله لك ، أن هؤلاء الناس ، مجموعة من المرتزقة ، ومن المنتفعة ، يستغلونك ويحلبونك كما تحلب البقرة !! فلما أفقت ، منعت عنهم هذا الربح ، وهذه المنافع فكان عليهم أن يقضوا لك ، ويتهمونك بكل هذا وأنت من كل هذا براء ، لقد قطعت عنهم كل المنافع بل وأنك تبحث في حقوق ضائعة ، أكلوها ، وهضموها ، منذ أمد بعيد ، بعمر حياتك كلها ، فلا تتوقع منهم أقل من هذا ، بل أكثر من هذا لو استطاعوا فعليك أن تتسلح بالصبر ، وأن تحرص علي نفسك وأن تقاومهم ، وأن تدافع عن نفسك ، وكن قويا ، يخاف الخبثاء ، وكن كما تريد ، لا كما يرد الناس ، وعلي وجه التحديد ، كما يريد هؤلاء المنفعين ، وشق طريقك من جديد ، وإذا ضاقت عليك البلد فهاجر فأرض الله واسعة ، ودعم لحقدهم ن ودعهم لطمعهم ودعهم لجشعهم ، فكل هذا مرض في النفوس ، ولا علاج له ، إلا بأنفسهم ، ولن يعترفوا أنه مرضى ولن يعترفوا أنهم لصوص.
وأردف عرفان قائلا وإنصرف الشاب من عندي ، وعزمه قوى لا يليق وإرادته في صلابة الجبال ، وعقله متوهج ن نحو التفكير السليم وعيناك ذات بريق العظماء الذين يحددون الطريق ، نحو بلوغ أهدافهم ، فرد شيخ الصحراء ، في ابتسامة حانية ، وقطرات من عينيه ، تكاد تفر لولا حكمته ، التي علمته الصبر علي كل شىء وقال لو أنني مكانك ، ما قلت غير ما قلت ، وما نصحته بغير ما نصحت ولكن هؤلاء الأبالسة ، لابد لهم من رادع ، وما راوغ ، إلا بتوعية باقي الناس ، عن فعالهم ومنكروا أعمالهم ومساعدة هذا الشاب علي حقه ، ولو دونه ، قطع الرقاب وما صبر الناس ، علي البلاء وعلي هؤلاء الأفاعي ، من الناس إلا سويعات وإن قيست السويعات بسنوات وسنوات ، وإن كان هناك مثل هؤلاء ، فالدنيا ما زالت بخير ، والناس الكرام السمحاء ، يملاؤون مراث الأرض وجبالها وبحارها وأنهارها ، وجزرها وشعابها وصحراءها وخضراءها.
وهنا دقت سميرة علي الباب ، اتفضلوا يا سيدي عرفان ، الأكل جاهز ، فقام عرفان وهو يشد علي أيدي الشيخ ، وبعينه علي الوقوف ، وقام له ، ها يا سيي هيا يا رجال لقد حلت بنا البركة اليوم ، وقام الرجال دون اعتراض فكرم الرجال لا يعترض عليه إلا البخلاء وهؤلاء رجال صحراء طباعهم الكرم وخصالهم حب الضيف والترحيب به بل هو مجال فخرهم ، وإن ضاع منهم كل ما يملكون ، أمام حق الضيافة ، لذا فترحيب عرفان بهم ، كان شيئا عاديا ، ولم يتغنوا بأنهم قد أكلوا بطعام الإفطار الشديد ، وإنما الكريم يرحب بدعوة الكريم ، ولم يكن هذا بطبيعة الحال ، فعل كل أشعب ، حينما يمتنع عن الأكل ،  وهو إليه راغب ولكنها ألاعيب حبه للطعام ، علي أن يكون على حساب الآخرين ، وليس علي حسابه ، ولم يقد أبدا برد الضيافة.
وهكذا كل أشعب ، وكان الأكل هنيا شهيا فأقبلوا عليه كأنهم لم يأكلوا منذ مدة طويلة.  ثم عادوا إلي جلستهم ، بعد أن اغتسلوا ودارت كؤوس الشاي ، واستأذن عرفان الشيخ في شرب النارجيله ، وأذن له الشيخ ، وشاركه بعض رجاله ...
وأستمرت الأحاديث والحكايات وقال الرجل الضيف إن حكايات العمل كثيرة ، مساعدة الجن أكيدة ، لا ريب فيها والقرأن الكريم ، يذكر ذلك ويرى أنهم كم من أعمال قاما بها في خدمة سيدنا سليمان ، فلقد صنعوا له الأشياء ، وعرضوا إحضار عرش بلقيس ، وغاصوا له علي كل ثمين وفصلوا له ما لا يخطر علي عقل بشر ، ولكنه جميعا كان بإذن الله.
ولكن الشىء الثمين ، أن لا تستخدم في الشر أو في تفريق الزوج عن زوجه ، وأن تفعل دائما ، من أجل الخير ، ولا تنسى يا أستاذ عرفان ، أن هذه الأعمال الروحية لا تأتي بالغنى والثراء بتسخير الجن لمثل هذا  وإلا كنا أول الأغنياء ، واستغنينا عن كل هذه الجلسات ، وحضور الزبائن ، وحضرنا بالجلسات لصالحنا ، وأحضرنا لبن العصفور ، وهي أيضا ليست دجالة ، وشعوذة وضحك ، علي الذقون ، وإنما هي علم وله أصول وقواعد وإجراءات ، ومن يقع في خطا كأن يحضر الخادم ، من الجان ، حسبما يتلو من قرآن ، ومن آيات معينة ، ويعجز عن صرفه ، قد يؤذيه ، وقد يكون ذلك ، العاهة التي ليس لها علاج.
وأقره عرفان علي كل ما قاله ، وقال له الرجل ، وسوف يكون لك من الأكبر سنا خبرتي وعلمي طوال مدة إقامتي معك.

استمر عرفان في عمله ، يقضي منه حب العمل ونفقات قليلة تعين علي المعيشة والشيخ يؤيده ويعطيه من خبرته الكثير وأحيانا كان يقوم الشيخ بالمقابلة ، وعرفان معه يعلم ويتعلم وذاع صيته في الأقطار جميعها ، فلما استوثق الشيخ منه ، أذن في الرحيل ، فلبى عرفان بعد تمنع طويل وكرم الشيخ أيما تكريم وأوصله فكرما بكل عزيز لديه والشيخ فرح بكل ما لاقى من ترحاب وحب وسعادة وطلب من عرفان أن يزوره في مكانه الدائر بالصحراء ووعد عرفان بتلبية دعوته ولم ينسى الشيخ أن يعطي عرفان علاوة علي كل ما تقدم بعض الكتب والمراجع التي لا غني عنها في هذا الشأن واتفق كل منهما علي أن الكثير من الحالات التي قابلتهما ما هي إلا متاعب الحياة وقد تغلغلت في النفوس البشرية وتعقدت وأن أكثرها هو اختلال في العلاقات بين البشر كأسرة أو مجتمع وأن الحل يكون بمجادلة حل هذه الخيوط المتشابكة خيطا خيطا حتى يصل إلي اس المشكلة وسببها وان الحل والعلاج غالبا ما يكون بالعودة إلي التوازن داخل النفس البشرية في معاملتها مع البشر وفي معاملتها مع نفسها وأن كثير من الأمور يرجع إلي مشاكل يمكن حلها بالتفاهم والتراضي وقد تكون هناك مشاكل حلها في الطب وفي الجراحة وفي العلاج ، وأنه يجب أن لا يخدع أحدا طمعا في مزيد من المال أو العودة مرة وثانية وأن العلاج الروحي هو العلاج الأخير ، وأن العلاج الطبيعي بالعودة إلي الطبيعة من أعشاب طبية وغير ذلك من الأمور أثبت الكثير من النجاح خاصة وأن المواد الكيمياوية كثيرا ما تؤدي إلي زيادة هذا الاختلاف ، ثم صحبة عرفان قبل الرحيل ، في زيادة مجاملة للشيخ الكبير ، فكان لها الأثر الكبير في منع حساسية  التعامل والتنافس ، وركب الشيخ وبطانته سيارته وقبل أن يبرح  المكان وينطلق إلي حال سبيله قال لعرفان ينصحه لنفسه ولحياته " إياك أن تفرح لخير ، أو تحزن لحزن ، فلا ندري أخيرا أريد أم شرا يكون ، ولا ندري أجرنا يكون أو قضاء أخف من قضاء " وسلم الرجلان سلام الوداع .. و انطلقت عربة الشيخ وعاد عرفان إلي بيته ، وهو يتذكر كلمات الرجل ويضعها أمام نفسه ويقول لنفسه لقد صدق الرجل .. وأن القدر كان علي ميعاد معه ، فلما عاد إلي المنزل وقبل أن يخطو خطوة ، وجد تجمعا من الناس ، وصراخ وعويل ، وتذكر حكمة الشيخ ، فصبر حتى يصرف ، فإذا قائل له البقية في حياتك لقد مات ابنكم نعيم لقد عرف في النهر فابتسم عرفان ابتسامه باهتة وقال الحمد لله علي كل ما يأتي به وتذكر كلمات الشيخ مرة أخرى كان هذا الولد ، ابن عفارم وسبق أن غرف ابنة الأكبر في الترعة منذ زمن كان ابن روح الحياة وهذا النعيم الذي عرف ابن عفارم كان ولدا لطيفا ، رقيقا كالنسيم وكان صغيرا ولكنه يستطيع أن يمشى وأن يتحرك حاول أن ينزل إلي النهر ، وكانت السلالم من الصخر الأبيض جميلة ومنسقة ومنحدرة وأصل نزوله عليها أراد أن يتفرج علي بعض الصبيان وهم يلعبون في الماء ويسبحون ويقطعون المسافة ما بين البرين ، في مسابقات تثبت الشجاعة ثم نظر إلي الماء فأعجبه فمد رجله ( يطرطس ) بهاء الماء فإنزلقت رجله وغاب في الأعماق ، وبحث عنه الجميع دون جدوى ثم جاء الصيادون بقوا ربهم ومعهم ما يسمى (السنار) و هي الوحيدة المخصصة ، للبحث عن الغرقى ، في هذا النهر المقدمس الغامض حتى وجدوه فسحبوه وحمله أحدهم علي يديه ، ورمى عليه أحدهم ملاية أحضرها من منزلة القريب وأخرجوه وحملوه إلي المنزل ، وانطلق الصراخ من النساء وأعمى علي عفارم ، وبكت روح الحياة وتذكرت ابنها الأول البكرى الذي غرق من قبل في الترعة ، إلا أن كل الخوف ... والخوف كله من رد الفعل لدى عرفان ..
وذكرت روح الحياة ، الحاضرين بما حدث في الزمن القديم وأرادات أن تحضر أي سبب يبلغونه به خوف غضبه وآلاف الأسئلة التي يطرحها...
إلا أن عرفان كان إنسانا آخر  غير الذي كان .. أيامها كانت السعادة تملكه من كل جانب ومن ثم كان أثر الصدمة كبيرا علي عادل الابن البكري أما اليوم فالقدر يضرب فيه من كل جوانبه .. ومن ثم فهو قد تعدد علي كل هذا ... ثم أن كلمات الشيخ لم تبارح مخيلته. وكانت قبل الحارث بقليل .. وكأن الشيخ قد كشف عنه الحجاب ، فعرف ما عرف ، أو كان الشيخ ذو شفافية يعرف ما يحدث قبل أن يحدث لذا فعرفان حزن . نعم حزن .. ولكنه لم يفعل أكثر من الحزن في نفسه .. وكان وكان صابرا وتقبل القضاء والقدر وتقبل العزاء في ابنه .. وأقام له سرادق ضخم .. وحضر المسئولون بالمحافظة وحضر الأصدقاء و الأقارب والمعارف ومريدوه من كل مكان وحضر الشيخ فعزاه أيضا  لما عرف عاد في نفس اليوم بعد أن أبلغه الشيخ الكبير... وتلاقى الجميع في واجب المشاركة بالعزاء .. وتجمعوا كما لم يتجمعوا من قبل واتفضوا كما لم أتوا .. وعاد كل إلي ممارسة الحياة .. بكل ما فيها من سعادة وهناء .. وبكل ما فيها من مرارة وتعاسة .....كان عرفان قد صار غير عرفان لأنه قد كتم كل الحزن في نفسه ، وكان يفرغ كل الحزن ، في زيارات بعيده وقريبة عن البلدة وكانت أكثرها زيارات لعب وضحك وحب وكأس وحشيش وورق ، ولم تخلو من الجد أحيانا وكان البيت قد أخذ يعود إلي وضعه الطبيعي وكان الأولاد يتقدموا في مدارهم وقد تقدم جدير وغدير في الدراسة الإعدادية بمدرسة زغلول الإعدادية وتقدمت البنات حتى وصلن إلي الصف النهائي للقبول ، ثم انتلق إلي الصف الأول الإعدادي بنفس مدرسة الأخوة ، وكان هناك بعض المشاكل علي الإرث بين روح الحياة وأسرتها ولم يستطع أن يقوم عرفان بحلها مع أخواتها ، فكان يضع همه عليها فتقول له وما ذنبي ، وقد صرت من عائلتك ، وانفصلت عن عائلتي وانت السيد في كل شىء ، فتحمل كل شىء ثم ماذا سيفيدك ، هذا الإرث ، وكم يبلغ بجانب ما ضاع منك من ثروات ؟! لقد عشت معك علي كل الأحوال ، في الفقر وفي الغنى ثم الفقرة مرة أخرى ، ولم شكو ولم أتذمر ، وصبرت علي مثالبك وهي كثيرة من خمر ونساء وحشيش وسهو وفوضى وتذهب وأنت في أكمل أناقة وتصور محمولاً علي الأكتاف ، من كثيرة سكرك وعربتك وتحملتك وقد جئت لي بعفارم ، ولم أتذمر إلا قليلا .. ماذا تريد أكثر من هذا ؟ فيصمت عرفان .. وقد عرفته الأيام ، أن يتحمل وأن يترك الغضب في وقت ما .. وأن يبلغ غضبه كلما اشتد ، أو علا الشجــار .. ذلك أن هذا كفيل ، برأب الصدع ، وأن يترك للمشكلة ، وقتها ، الذي تحل فيه .. ثم أنه يرى في حالة مثل حالة روح الحياة أن كل كلمة قالتها .. كانت فيها علي حق .. فلم يضع كل همه عليها .. وكأنه يضع كل مشاكله وهمومه .. علي زوجتيه .. ومن قبل علي زوجته روح الحياة .. قبل أن تحضر عفارم .. فلما أتت عفارت .. وضع الهم كله عليها .. فكان نصيب روح الحياة السخرية من سمنتها وكان نصيب عفارم السخرية منها بالسب واللعن وكانت روح الحياة ، تردد دائما .. أما عفارم فكانت ذات خبرة جعلتها تبتسم وتضحك وتنحسب وكأن شيئا لم يحدث .. وتعودت روح بعد ذلك اللامبالاة فتسير ببطء وهي تلول ليبانه ولا تلتفت إليه .. حتى تدخل حجرتها ، ثم تقفل الباب ..
حتى يتنتهي الموضوع تماما .. وها هو تدريجياً يتحمل ويصبر وقد يتغاضى منعا لمزيد من المشاكل خاصة وانه كل يوم يقابل زبائن ويجب أن يكون أمامهم في أكمل لياقة .. لياقة بدنية ونفسية وراحة نفسية تنعكس في وجهه وفي ابتسامته الحانية إن الذين يحضرون إليه مرضى ومرضى بأمراض أكثرها نفسية وأمراض أكثرها نفسية فكيف يقابلهم ... وهو نفسه مشكلة .. كيف يكون صاحب الحل والعلاج .. في حاجة إلي علاج ..لهذا كان عرفان دائما .. يحاول أن يلغى كل هذه المشاكل منذ دلف إلي هذا المجال ، واختار هذا الطريق .. أو كل أنه أجبر علي هذا العمل.
كان هذا العمل ، روتين يومي منذ الصباح وحتى المساء .. وقد شغل هذا العمل ، عرفان عن متابعة التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة وكان يشغله عن متابعة الفنون وتطورها بكل فروعها المختلفة ، ولكنه كان ينتهز فرصة الاجتماع بصحبته الخاصة في مساء كل يوم أثناء جلساتهم اليومية ويجر الحديث بعضه البعض . وفي احدي هذه الجلسات قال السنباري عمدة القرية الجديد ، بعد أن أخذها عن والده أولم سمعت يا عرفان وكان علي صلة نسب وقرابة به ، فقد تزوج احدي بنات أخي عرفان ومن جانب آخر فهو ابن عم زوجته  وابن عم زوجة عرفان روح الحياة أما سمعت ما جاء بالرديو اليوم ؟! فرد عرفان والله من يوم هذه الشغلة ، ولم أعـد التفت للصحف ، أو الراديو أو غير ذلك من الأمـور ، ولولا ما تأتون به من أخبار لم أكن أعرف شيئا فمتلا نبأ الوحدة علي سوريا ، جاء من جلستكم ن حينما تحدث به الدكتور أنيس بهجت طبيب الوحدة الصحية ، وما يفعله الحكم الجديد أقصد حكم العسكر تأتون بكل كل يوم فأنتم المنفذ الوحيد لي الويم .. في معرفة الأخبار .. فالصحابي القدامى .. اكتفوا بالجلوس في منازلهم .. وأداء واجبات المناسبات الحختلفة فقط ، ولا تلام في السياسة ، فلم يعد اليوم يومهم .. وأما العمل فيأخذ كل وقتي ولوا القليل الذي أقضيه معكم .. لصرت منزعلا علي العالم تمام وزبائني لا تتحدث ، إلا في مشاكلهم فقط .. فرد السنياري قائلا وهو يبتسم ابتسامة العارف ببواطن الأمور يقولون أن عبد الناصر ، مم الصحف والشركات والمصانع ؟ ولم أفهم معنى التأميم ؟‍ فهل ذكرت لنا شيئا عن هذا ؟ ومم عرفان لأول لحظة ، ثم ما لبث أن قال يا سيد سنباري التأميم يعني نقل الملكية من أيدي اصحابها إلي أيدي الدولة ، يعني مثملا تبيع أرضك لواحد زي مثلا الشيخ جلال وتنقله الملكية فتصبح الأرض ملكه فرد السنباري قائلا ولكنني في هذه الحالة ، سيكون لي ثمن الأرض ولن أعطيها له ( بلوشى ) وسأخذ الثمن العادل تبع سعر السوق ، وموقع الأرض وسقعها ومدة صاجته إليها ومقدار إنتاجها لخصوبتها فكما ترعف نعطي للأرض حقها في التسميد البلدي والافرنجي فقال عرفان ولكن الدولة ترى غير ذلك ، يا عزيزي فهى ترى أن هؤلاء اساءوا  إلي الاقتصادي المصري ، وانهم انحرفوا به لصالحهم ومن ثم فالتأميم هذا بدون ولا يلم ‍‍ !! هنا قال السنباري كيف يكون ذلك  إن و الله لظلم كبير ولكنيسمعت أنهم سيعوضونهم ، فرد عرفان أي تعويض يا صديقي  فرش مقابل آلاف ، التعويض رمزي ، وهذه الفكرة ليست جديدة ولكنها راودتهم كثيرا ثم نفذوها ، وسنرى فيما سيأتي كيف سيكون الحال ولكني أشك في النجاح الكامل .. وانتقل الحديث في هذه الجلسة إلي موضوعات مختلفة ، والجميع فاتحي الأفواه ، من الشرب ومن الكلمات الجديد التي لم يعرفوها من قبل ، وفي اليوم التالي أحضر عرفان الصحف ولم يتركها ، إلا بعد أن عرف كل الأبعاد ، وقرأ السطور وما وراء السطور وعرف أن القضية أبعد من ذلك بكثير  ، ولم يشغله هذا الموضوع كثيرا ، ذلك أنه منذ أتى وهو بعيد عن كل هذه الأحداث ، لأنه وجد أنه لا فائدة ولن يعود إليه ما ذهب وحتى الأصحاب السابقين ، صاروا مثله علي الحديدة ، وقد أممت مصارفهم ، ومزارعهم ، وممتلكاتهم العقارية ، والمنقولة والثابتة ، مقابل دخول قليلة ، لا تغني ولا تشبع من جوع.   إلا أن هذا بدأ يلفت عرفان ، إلي محاولة الاهتمام قليلا ، بالأحداث عله يحد منفذا يعود به ، فما زال الأمل لديه قويا ، نحو ان يرد ما انقطع وقد يكون هذا ليس من سابع المستحيلات ، لذا فقد عول علي أن يعيد اتصالاته ، أيضا مع الصحبة الجديدة ، التي تعرف عليها أثنار زيارته للقاهرة في المرة الأخيرة أثناء بحث موضوع ابنه وما فعلته عطيفة علام ثم أنه يحاول أكثر من مرة أن يتصل ببرهان عبد التواب ، وقد أصبح رئيسا لتحرير صحيفة العهد الجديد ، وقطع شوطاً كبيرا في علاقته مع الزمة الجديدة وقد صارت قيمة بأفكارها وأفعالها ، لم يحظ بها وبادر بإرسال مظلوم إليه ، كان ذلك بعد التأميم بسنوات قليلة ، وكانت الوحدة قد تفكك وانفصلت بعد هذا التأميم ، وكانت الوجودة الجديدة تزداد في كافة المجالات المختلفة السياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية ورحب برهان برسالة عرفان وفي المساء كان لديه وقال عرفان لمظلوم لا أحد يدخل علينا مهما كان وقام عرفان بالواجب الضيافي كما تعود وأخذ الحوار بينه وبين برهان يمتد إلي ما بعد الفجر ، سأله عرفان ، قل لي يا صديقي العزيز كيف الأحوال ؟! رد برهان الحمد لله لقد أخذت حقي تماما من الحياة ومن المركز أما حقي من الأسرة فلم أزل أبحث عن مستنداته ولم أصل إليها حتى اليوم ، ولكن هذا لم يمنعني مما أنا فيه الآن وبجهودي وميرفيت التي قابلتها قد حصتل علي الدكتوراه وتم تعيينها أستاذة بالجامعة ، ولها نصيب من الحياة ولكن الحياة الجامعية لم تعجببها فما زال فيها من الأشياء التي لا تعجبها والتي تتعارض مع قيمتها وتقاليدها وها قد استقالت من الجامعة وهي في راحة بال عجيبة ، والتحقت بمقر اليونسكو ، التابع للأم المتتحدة بالقاهرة ، وأما الأولاد فهم بالمدارس امختلفة وكلها أجنبية وهم ولدان وبنت ، كما وناجي وحرية وزملائهم ، من أولاد الطبقة الجديدة التي نعيش في رعايتها اليوم.
فقال عرفان وماذا من جديد بعد التأميم ؟! فرد برهان قائلا التأميم .. آه .. أحب قبل أن أرد علي سؤالك أن أوضح لك نقطة مهمة .. لا تعتقد أنني رغم مكاني قد رضيت عن كل ما حدث في هذا العهد الجديد فهناك ما أراه ممتاز من هذه القرارات ، وهناك ما أرفضه من هذه القرارات ، ويكون قلمى تبعا لهذا أو ذاك ثم أن التنفيذ في كثير من هذه القرارات قد خرج عن الغرض منها  ، خذ مثلا العقارات التي وضعت تحت الحراسة أتعرف ماذا حدث فيها ؟! .. لقد تم توزيعها علي الأقارب و المعارف والأصدقاء والأحباب ، وكل منهم أخذ فيلا أو شقة أو قصرا ، وقس علي ذلك الأراضي ، والممتلكات الأخرى واللجان التي شكلت أخذتها عملةي منفعة فقد قامت كل لجنة كبيرة أو صغيرة ، بمهازل ، يعف عنها اللسان والضمير والمبدأ ، وبالتالي فما حدث لم يكن تأميما وإنما كان استيلاء بالفمهوم ، أنني اقوم بخطوة لصالح الشعب ، ولمصلحته ، ولكنني لا أقوم بها من أجل أن يستولى عليها آخرون ، لقد كان الهدف ساميا ، ولكن التنفيذ كان سيئا فرد عرفان يعني أننا قد غيرها طبقة بأخرى وأن الهدف العظيم قد تحول إلي عكسه تماما وماذا فعلتم أنتم كصحفيين مهمتكم توجيه هذه الأمة لصالحها لا لصالح فئة محددة ، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت ، والله يا أستاذ برهان كان لدي حدسا بذلك ، فقال له برهان لا تعتقد أن بيدنا الحل والربط فهناك رقابة علي الصحف ولا نستطيع أن نعبر عن رأينا إلا بالرموز والمحاكاة والتشبيه بالبلدان الأخرى وما نحن إلا موظفين في صحف الدولة وقول عرفان ولكنها الآن أموال الشعب ومهمتكم المحافظة علي صحابها وعليها وإلا فاستقيلوا واجلسوا في بيوتكم ، فضحك برهان وقال ، يبدو أن الريف قد نقى منك يا أستا عرفان ، ما أعطته لك المدينة ، كلامك كلام نظري صرف ومن منا يستطيع أن يخرج عن الخط قليلا ومن منا يستطيع أن يستقيل ليس هناك شىء من هذا إما الإقالة أو وراء وراء أي شىء وراء القمر أو وراء الشمس ولا يدري عنك أحد شيئا بالمرة ، فالمسألة أصعب من هذا ولكننا إذا لم نتحدث في صحفنا فنحن نتحدث حينما يطلب منا ذلك من الاجتماعات ، ولا تعتقد أننا قد بهرنا بالمركز هذا وأننا قد تغاضينا من أجل المنصب ولكننا ما زلنا نملك ما نستطيع أن نقوله قد يكون بيننا القليل السىء جدا ، ولكننا نملك الحد الأدنى لأن نقول ولكن لكل زمان ، مقال فرد عرفان قائلا يا سيدي أنا لست  " مصلح اجتماعي " ولم أكن في يوم من الأيام ، إلا مصلحتي وسأظل هكذا علمتني العصور والعهود ولكنني أملك الحد الأدنى ، كما تملكه ذلك أنني مازلت أرى في الرجال المخلصين والكتاب المخلصين وكل مخلص في موقعه أنه الأعلى الذي لم تستطع أن نحققه ونحن شباب ، ونحن كبار وأنتم أخترتم القلم والقلم مسئولية ، وأكثر ثقلا ، من أي فرد آخـر ، وأي فرد في موقع آخر ، أنتم تروون الخطأ ، فتقولون هنا قف لي ولغيري ، وحيئنذ لم يكن أنا أو غيري ، قد يشط عن الطريق فأنتم المرشح ، لذي تمر منه المياه وكما يحجز المرشح الشوائب لنحصل علي الماء النقي ، كذلك أنتم فإن كان المرشح باليا ، أو سيئا ملأت الشواب الماء ، ومن ثم صار غير صالحا للشرب ، وكذلك أنتم واسمح لي بذلك لقد مرت شوائب كثيرة عبر مرشحكم وابتلى المجتمع بكافة الأمراض والعلل وهكذا تضن الأيام علي بلدنا ، بالمثل الطيب فلما نرى قبسا من نور ، سرعان ما يخفت ضوءه ، وما نلبث إلا قليلا حتى يخمد تماما ، وتمر السنون ، ونرى قبسا جديدا ، ويضل طريقه وكان برهان مستمعا جيدا ولم ينكر شيئا مما قاله عرفان وقال له إنني معك في كل كلمة وأفعل بقدر إمكاني ولكن الأوضاع أكثر من طاقتي ، ونعرض لها فقط وإنما نواجه المشاكل فيما بيننا ونواجه المقالب وقل أنها الصراعات كل من في هذا الوسط ، يحضر لأخيه حضرة أسفل مكانه حتى إذا ما وقع جلس مكانه ، و هذه طبيعة الحياة وآفتها ، ولكن لدينا بعض الشباب الواعد قد يكون له الغد الذي يريده ، والذي تريده ، أذكر منهم عهد المجيد العدل ، ودرية قدري ، ونجوى منير وبهاء الدين عصمت وكذلك سامي صادق وغيرهم كثيرون ، والمهم أن يتكاتف الجميع.
وابتسم عرفان قائلا لا تكن في ضيق من حديثي وإنما هو حديث الأب لمن في منزله ابنه أو أخية الأصغر ، ولقد كنت معجبا بك دائما منذ حكى لي عنك سيد الحلاق ، ذلك كان منذ زمن بعيد قد تتذكره ، وكان إعجابي بك لتمسكك بحقك وما زلت ولقد قابلتك مرة أخرى في نادي السيارات ، منذ عهد بعيد أيضا وكنت أتابع تقدمك حتى اليوم فلى الحق عندما أرى فيك كل ما قلته ، وأرى فيك أنك كنت قادرا علي أن تصنع ما لم نستطع أو نقوى عليه وأنك بموقعك هذا الذي شغلته ، ستحافظ علي الحق العام ، الذي ضاع منك في حقك الخاص وما زلت متمسكا ، بالبحث عن أصوله ، ومؤيداته في بالك بحق أمة بأكملها ، ومصائر بشر ، هم أصحاب كل هذا ، أنني أربأ بك ممن أن تكون مثل هذا الرجل الذي قابلته في نادي السيارات ذات يوم بعيد وكنت حاضرا هذا الحفل ولكنك لم تسمعه كان يهمس لي " أنا حشرة يدوسونني كل يوم ".  وهنا إما أن تكون منهم أو تكون حشرة ... " إن هذا الرجل كان يعني أنه قد انتهى تماما ، وسحق وكل ما يفعله أنه ينفش ريشه  حتى يحمي نفسه ، وكنت أضحك عليه ، كيف يحمي نفسه ، وقد صار تحت الأحذية ، وتحت الأقدام .. ولا أبرىء نفسي من إنني لي مصالحى ومنافعي ولكن شىء آخر فلا تجعلنا في يوم من الأيام نرى فيك أقل مما عهدناه عنك وبك.  فشكر برهان عرفان وقال له لا تعتقد أننا قد ارتمينا تماما فما زال هناك بعض الموضوعات ، كتبها عبد المجيد ، وغيرهم مما أشرت إليهم أتقرأ صحيفتنا العهد الجديد ؟ قال عرفان احيانا فالعمل يأخذني تماما ن فقال برهان علي كل حال ، سوف ألخص لك الموضوع " لقد تكشف لمحررنا ، أن رئيس مجلس إدارة احدي الشركات معاشه بعد أن تمسك الشركة " خمسمائة جنيها " ولكنه وجد أن أولاده يعيشون عيشة رفاهية ، لا تقل عن باشوات زمان فهم يركبون اللنشات البحرية في وقت الصيف بالإسكندريــة !! ويمرحون بها شمالا ويمينا !!  وأنهم قد كونوا شركات عديدة كل ابن من ابناءه ، شركة ضخمة ، وجدت نفس الحالة ، في رئيس مجلس إدارة شركة أخرى وعرض الموضوع علي ، فقلت له ، افحص واحصل علي مستندات ، وسأنشر لك وفعلا كون مجموعة صحفية قامت بتغطية الموضوع من جميع جوانبه ، وتم النشر وأحدث ضجة كبرى واستدعيت إلي جهات كبرى وناقشونني ، كيف تنشر هذا ؟!! وكيف رافق الرقيبة ؟! قلت لهم الموضوع مؤيد بالمستندات ، ونحن نحارب الإنحراف ، وهذه مبادىء عهدنا.. فلم يجدوا ردا ولكنهم حملوها لي في طياتهم ، ولا أدرى ماذا سيفعلون ولكن ما أعرفه ، أن الرقيب المسكين ، طار من مكانه فقد أدخلنا عليه الخدعة في نشر هذا الموضوع .. وموضوع آخر ، أنني اذكر لك فقط عينة مما نستطيع أن ننشره ، ولكن ليس في كل الأحـوال وهذا الموضوع لم يوافق الرقي علي نشره ذلك أن أحد المواطنين جاء إلي " وشكا أنه كان يعمل في احدى المؤسسات الصناعية ، وكان معه ابن مسئول من هؤلاء وحدث حريق كبير في هذه المؤسسة ، لإخفاء ، اختلاسات خطيرة من المخازن ، وقد أدى الحريق إلي تعتل الحارس وبعض العمال وحسرت المؤسسة ملايين ، في البضائع المسروقة ، وفي نتائج الحريق بالإضافة إلي الضحايا وقبض علي المواطن وهرب الآخر إلي الخارج ، وقد حول كل ما سرقه ، واتهم المواطن بأنه المتسبب الرئيسي في الحريق ونتائجه وهو برىء من كل هذا وذلك لأنه كان في هذا اليوم ، يعمل في عمل بالمؤسسة ، ومن ثم يكون هو المتهم والمتهم الحقيقي ، قد غادر البلاد هو و أسرته ، معززا مكرما وأفرج عن المواطن بكافلة ضخمة و كتبنا الموضوع ومنع من النشر ونما إلي علمنا أنه جاري تسوية الموضوع ، منعا للفضائح ، فرد عرفان سلام قولا من رب العالمين رحيم هو ألهذا الحد ؟!! لقد صدق قول الشارع  إذ يقول " حين يميل الميزان في كل زمان ، كان المتهم يكرم والبرىء يدان ".
هكذا يا أستاذ عرفان فلا تعتقد أننا مقصرون ، ولكنك لا تعتقد أيضا أننا قد فعلنا ما نريد ، أو ما نصبوا إليه فنحن مقيدوا الأيدي ، واقلامنا مكبلة حتى أن أكثرنا أصبحوا رقباء علي أقلامهم وأقلام زملائهم أكثر من الرقيب ومن ثم فيشطب هذا ويعاد صياغة هذا ، والكلمة هذه لا والكلمة هذه بلاش منها وهذه أيضا وأكثر من هذه ، وأضف تلك وهكذا وبلاش هذا الكاتب نحن لا نعرف ميوله ، مع أم ضد ، أم له رأي مستقل ، وما لنا ووجع الدماغ ، يا عم وأنا مالي " واللي يجوز أمي ، اقوله ، يا عمي " واللي يشتغل عند السلطان يقوله يا سيدي ، وها نحن نقولها جميعا ، بطريقة أو بأخرى .. وصمت برهان قليلا ولكنه استطرد قائلا والآن يا سيدي ماذا أنت فاعل الآن ، وهل تستطيع هذه البلدة ، أن تنسيك مجد الماضي ، وهل تستطيع أن تعيش من هذا العمل وأنت تصرف علي ضيوفك ، اكثر من دخل ، وأنت صاحب أسرة كبيرة ثم أنك لك الأيادي البيضاء علي الكثيريين ، ولعلك تعرفت ببعضهم من أصحاب المعاني أقصر المعالي الجدد ، ثم أن لك من أبناءك ضلع وأكثر بينهم فلماذا لا تحاول العودة مرة أخرى إلي شركتك وقد تم تأميمها أيضا وأعيد فتح مناجمها من جديد ، أو إلي أي شركة أخرى فقال له عرفان ، والله أنني حاولت الكثير أن أكتب خطابا إلي رئيس المؤسسة العامة للتجارة وهو لواء سابق وصاحبنا منذ كان ضابطا صغيرا وهو من الزمرة الجديدة ، ولكنني كلما كتبت مزقت ومزقت وأعيد الكتابة مرة اخرى وأخرى وأمزق وأمزق مرة أخرى ثم أن الحياة استغرقتني هنا وأخذت علي هذه المعيشة لولا أن الحزن يقتلني لفقد ولدي غرقا ، في هذه البلدة ولكن الليالي ونهارها علمتنا الصبر والتأقلم ، علي كل شىء فعزاه برهان ولكن عزاءه ، جاء متأخرا وقال له ، أني مثلك دائما ، أحن إلي الريف ، وأحبه ولكن فشاغلي كثيرة ، وهذه واحدة تمنعني من الحضور دائما ولكن المشكلة الأكثر منعا هي كرهي لمن أكل حقي ، تجعلني دائما في حيرة وتردد من الحضور ولولا أنني أريد لا أجعل عناك انفصالا بين زوجتي وأولادي من ناحية وبين بلدتي ومواطني من ناحية ما أتيت ، ولكن ليعرفوا أنه كان هنا إنسان وكان هنا أب وكان هنا جد ، وكان هنا حق ، ولا أربي فيه روح الانتقام ، وإنما روح التسامح والحب والمحافظة علي الحق فإن كل هذا يستطيع أن يجتمع ، ثم اقول لك ، إذن نحن نملك عاملا مشتركا العمل والعيش في المدينة وحب الريف مع كرهنا لبعض الأشياء ، وإن اختلفت عندك عما عندي.  وإذا كنت مازلت تريد أن تعمل باحدي شركات هذه المؤسسة فأعطني معلومات عنك وعن خبراتك السابقة وعن الأعمال التي قمت بها للدولة ، وأظن أنك تبرعت بمبلغ كبير للجيش ، وكذلك أظن أنك أول من استورد البنسلين مع أحد الشركاء ، إذن اكتب هذه النقاط ، وأحضر صورة جميلة لك ، وسف أنشرها لك في جريدتي وقد أعطيتها أيضا لأصحاب لي بالإذاعة في برنامج " كل مشكلة ولها حل " التي تقدمه المذيعة مها فريد أو قد أعطيتها في البرنامج الجديد ، مشاكل المواطنين ، والذي يشاهد بالتليفزيون والذي تقدمه المذيعة فايزة نور والمذيع أكرم الجبراوي وقد أعطى نسخة لكل برنامج بالإضافة إلي جريدتي فرد عرفان والله أكون ممنونا ، وأشكرك علي صنيك ، وسوف يكون يوما هذا اليوم حينما يأتي وقد شرفتني ، بنشر مشكلتي ، في وسائل الإعلام جميعها قديمها ، من صحافة وردايو ، وجديدها  ، من تليفزيون ، وقد أشاهدها في تلفزيون الشيخ الكبير فكما بقلم ان هذه الأجهزة بقد علي الأصابع في القرية ، تجدها في المقاهي وفي بعض البيوتات وقد اشترى واحدا قريبا فقد كنت معارضا لوجوده علي أساس أنه لم تدخل الإنارة القرية ، إلا منذ أشهر وكان يدار بماكينات كهرباء صغيرة ، ومن ثم كان يحتاج إلي ماكينة ، إضافة إلي أن التليفزيون ، افتتح منذ سنوات قليلة جدا ولكن مادام الأمر هكذا فلابد أن نشتريه قريبا ، وهنا قام برهان فصحبه حتى باب الخروج ، وقال له إنشاء الله سأرسل لك ما طلبت غدا إنشاء الل  فقال له برهان ، وأنا في انتظار رسالتك وعلي فكرة اكتبها أنت في شكل مقالة فأنا أعرف عنك كيف تتربح مثل هذا قال لي حسن الستيني وعبير وآخرون ، فقال له عرفان ، وهل وصلوا إليك فضحك برهان ضحكة صافية وقال نحن وسط واحد يا سيدي وأمر عرفان مظلوم ، أن يوصل الاستاذ برهان حتى باب البيت ولا يتركه أبدا حتى يدخل بابه ويقفله عليه فشكره برهان وبرفقته مظلوم ، وهو يقول لبرهان طوال الطريق دا احنا زارنا النبي أي والله ، احنا بلدنا اتقدمت قوي يا سعادة البيه كنا فين وبقينا فين وبرهان يضحك من حديثه التلقائي المرح ، ويقول له وفين التقدم بس يا عم مظلوم ، فيقول أولاتها المية حلوة ، والتانية الكهرباء والثالثة أراضي الإصلاح بس لحسوها ولاد الأبالسة والرابعة المدارس والتعليم والصحة والجمعيات الزراعية والانتخابات عمال وفلاحين بس لحسوها يا سعادة البيه ، خمسين في المائة عمال وفلاحين،  وهم عمرهم ماشالوا مسحة ، ولا جردوا قناية ، ولا فكلوا صامولة واحدة بأيدهم ولا شحموا عربية واحدة ، ولا اشتغلوا في مصانع ولا في مزارع بالإيد يعني ، وكثير يا بيه بس لحسوه كله.
وظل هكذا حتى وصل برهان إلي المنزل وقال له مظلوم ها تطلعني في الجرنان ، مع الأستاذ عرفان ؟ فضحك برهان وقال له معك صورة فرد الرجل الطيب مظلوم ، نعم عندي صورة من أيام ما كنت رايح علشان اطلع بطاقة فابتسم برهان قائلا طيب ابقى هاتها ، مع الرسالة اللي هايدها اللي عرفان بيه ، وإنشاء الله هاطعلاك في الجرنان تشكر يا سعادة البيه ، أنا عاون يعني تطليلي معاش علشان المعيشة غالية ، وأنا كنت زمان بشتغل حارس علي شركة القطاوي باشا ، بتاع القطن قبل ما أجى البلد يعني يبقى معاشي عليها حاضر يا سيدي ، ولا يهمك فرد مظلوم تشكر يا أمير يابن الأمرة وسلم علي برهان ، وانصرف إلي منزل عرفان ، وكانت تباشير الصباح قد أهلت علي البلدة ، وكل قد قام إلي حال سبيله ..

*قام عرفان نشيطا كما تعود وقام بتمارين الصباح التي لم ينقطع عنها ، منذ الصبا ، مرور بأيام التفتيش وانطلاقات واسعا في أيام الصحراء حيث كان الفراغ طويلا صباحا قبل العمل ومساء بعد ترتيب وردية الليل في المناجم وهي تمارين للتنفس ولتحريك العضلات ولتنشيط الدورة الدموية ولاكتساب اللياقة البدنية والذهنية لقد آمن دائما أن الرياضة ضرورية لكل إنسان وفي جميع مراحل العمر المختلفة ، ولهذا لم يتخلف عنها أبدا وإن تغيرت طبيعتها حسب الوقت وحسب المكان وبعد أن انتهى من رياضته أخذ " وشا " باردا ، وحلق ذقنه حتى صارت ناعمة كالحرير ثم تناول افطاره ، وتناقش مع أولاده ، الكبار عن سيرهما بدراستهم الإعـدادية بمدرسة زغلول وأحوال المدرسين معهم وقصى عليه الأولاد حكايات عجيبة وطريفة عن المدرسين والمدرسات فضحك كما لم يضحك من قبل ، ثم انتقل إلي مكتبه بحجرة المقابلات ، الخاصة بعمله وكان مكتبا بسيطا ولكنه أثرى إذ كان ملك جده الأكبر ، وتوارثه عن أبيه ، وأخذ قلمه " الحبر" الذي لم يغيره وأخذ يسطر رسالته إلي المسئولين وكانت بسيطة مختصرة ولكنها معبرة عن أزمته وقد جاء فيها ضمن ما جاء ".... سيدي ، لم أفعل غير ما يفعله كل مواطن شريف ، عملت وكافحت واجتهدت من أجل وطني ، وأممت الشركات ومن ضمنها شركتي وطردت منها ، دون مبرر أو داع ، إلا تصفية حسابات وتصفية اختلاف في الرأي لا تقوم الحياة بدونه ، ولقد كنت أول من ساعدني بناء هذا الوطن ، فلقد استوردت البنسلين بصحة زملاء لي لأول مرة في مصر ، ولا يخفى علي سيادتكم ، ماله من أثر في علاج الأمراض في حينه وعندما دعي داعي الكفاح تبرعت بكل رصيدي من أجل تسليح الجيش وها هي الحياة بكل مشاكلها تقابلني ولا أجد إلا أن أرفع مظلمتي ، أو قل أنها إلتماس بأن يكون لي مكان في بناء هذا الوطن ن بدلا من أعيش علي المعاش بدون معاش ، وما زلت قادرا لعي العمل هذا  علاوة علي ظروف أسرة وأولاد يتعلمون ويحتاجون إلي الدخل ، الذي يكفيهم مذلة السؤال ، وقد تعودوا علي العيش الكريم ، وكم يكون ذلك مؤلما ، في ظل العهد الجديد ".
ولما انتهى من رسالته غلفها بغلاف جميل ، وأرفق معها صورة حديثة ، مازالت في ملامحها وسامة الماضي ونادة علي مظلوم فحملها مسرورا إلي الأستاذ برهان فدق الباب وخرجت له ابنته حرية فسلمها الرسالة وأطل من بعيد فنظر برهان في صالة المنزل وهو يتناول شاي الصباح فسلم عليه فناداه فدخل مظلوم وهو يضحك ضحكة ساذجة ، فسلم علي الأستاذ برهان وقال له الرسالة مع ابنتكم المصونة "حرية" وأما .. وأما .. وأما.  قالها مظلوم وهو مازل في ضحكته الباسمة .. ففهم برهان ما يدور في نفسه ، فقال له لكي يعطيه من حرجة أمن صورتك يا عم مظلوم ، فأخرجها مظلوم ، بيد مرتعشة ، وبنفس متهيجة وذلك بعد بحث طويل ، في جيوب " السريري " الداخلي ، وابتسم برهان مرة أخرى وقال له إنشاء الله سوف تنشر وسوف أسلمها للصحفي رجب حسين المختص بشون العمال والتأمينات فشكره مظلوم ، شكرا عظيما واتمنى أمامه ، انحناء المتأدب ، ومن برهان ، بمبلغ من المال فريده ، فرفض الرجل رفضا عظيما ، وقال الحمد لله مستورة بخير عرفان بك ، فقالت حرية له خذ من بابا يا عم مظلوم ، فلم يرد فأخذت المبلغ من والدها وزادت عليه وسلمته للرجل ، فأخذه ، وهو " متأذى " من هذا ولولا أنه لا يريد أن يجرح شعور هذه الابنة الرقيقة ما قبل أبدا ، خاصة وأنها تشبه ابنته المفقودة منذ عمله بملمح القطاوي ، وماتت أمها حسرة عليها ومازل يحمل علي كتفيه آلام كل هذا منذ زمن بعيد ويعيش وحيدا ، في هذه القرية حتى التحق بمعية عرفان ، ولم يفارقه ، منذ حضر عرفان إلي القرية لكل هذا قبل المبلغ حبا في الفتاة ، وليس صبا في المال ، فهذا الرجل العجوز ، يكفيه القليل لأن يعيش وقد كان ذلك موجودا عند عرفان ، فالخير وإن بات كبيرا أحيانا ، و إن قل أحيانا كثيرة يكفني الجميع انصرف مظلوم ، فرحا مبتسما ابتسامة الرضاء وسلك طريقا مختصرا إلي سيدة عرفان ، وأبلغه بتبليغ الرسالة ، وسلام الأستاذ برهان وأراد أن يسلى سيدة فقال له والله يا سيدي إن لديه ابنته وجدتها ملائمة ، لسيدي جدير ، ابن حضرتكم ، فابتسم عرفان وقال له يا مظلوم إن الأولاد ، مازالوا صفارا ، أيكون زوج عيال في الإعـدادية انتظر حتى يتخرجون من الجامعة وعندئذ يكون لكل منهم ما يريده هـو ، لاما نريده نحن ، حيئنذ يكون علينا التوجيه والنصح وليس الأمر ، والأمر المشدد فضحك مظلوم ضحكته الساذجة الصافية الآتية من القلب ن وقال إنها كانت مجرد خطرت بذهني ، وما أريد إلا الخير ، فرد عرفان أعرف يا مظلوم ، والآن انظر من بحجرة الضيافة من الزبائن.
استمر عرفان يصرف الأعمال المختلفة من مقابلات ن ما بين واحدة تبحث عن الإنجاب ، وقد طافت علي كل الأطباء واتبعت كل الوسائل البلدية وغيرها وقال لها عرفان ، حينما يريد الله وأعطاها (كارتا) لطبيب كبير متخصص في مثل هذه الأمور وقال لها خيرا إنشاء الله وأخرى تزوج عليها زوجها.
واحدة وثانية وثالثة ، فأقنعها ، أن هذه شريعة الله ، وما دام قادرا علي الصرف عليكم وإعطائكم حقوقكم الشرعية فلا مناجي من نبذ الغيرة وأوصاها ، بحسن الاستقبال ، والتزين له ، وألا تقابله ، بملابس الفرن ، فكل مقام مقال ولكل مناسبة ملبسها وكل خلق لما هو ميسر له ، ليس المهم أن تكون الملابس غالية الثمن ، بقدر ما تكون بسيطة ونظيفة وأنيقة ، وهذه الضجة رجل مجرب قابل هذا من رجالات المودة وألوانها وأشكالها  ومن النساء الأنيقات ، علي مستوى الكبار ، وعلي مستوى الصغار وذكر لها ، ما قاله المحرر الفني لتطور المودة الأستاذ سمير شلبي والناقد الكبير ، الأستاذ وجيه البارودي وأيضا ملك المودة الأستاذ إبراهيم منتصر والسيدة / سهير حمزة والسيدة / نجاة لطفي ، وغيرهم وغيرهن كلهم تحدثوا عن الأناقة في حشمة وفي بساطة وفي الذوق ، وأن تتمشى مع صاحبها ، أو صاحبتها ، فلا تكون صارخة الألوان ولا تكون باهتة الألوان وإنما نسق جميل ، وبتكاليف معقولة ، لا ترهق جيب الزوج ، وذكر لها ما قاله ، سمير لقمان في مجلده الضخم  أن علي المرأة ألا تراعي الأخيرات فكل منهن لها ظروفها ولها أحوالها وليس عيبا أن تكون الملابس رخيصة ن ولكن العيب أن تكون  غير ملائمة ، وأن سبب المشاكل في الأسر القائمة ، والمقبلة علي التكوين ، هو المحاكاة والتقليد ، مع الآخرين أو مع الأخريات فلم يخلق الله الناس لكي يقلدوا ما يفعله الآخرون ، وإنما لكي يعيشوا وينتخبوا ويتحابوا في مناحي الخير ، أكثر مما يتصارعوا ويتنافسوا ويتقاتلوا علي أشياء ثانوية في حياتهم ..... بكل هذا يا سيدتي هكذا قال لها عرفان ، تكونين قد حققت ما يكسبك ود زوج ويبعدك عن الغيرة القاتلة ، أو الحمقاء ، وبذا تظللين علي عشك وتحافظين علي ما قسمه الله لك.
ودخل شاب عليه وهو في حالة نفسية سيئة وقد بدأ يتكلم ، وهو في شرود ، كانت الحالة واضحة إنهيار تام وكلام متناقص ، وأهله يقولون لعرفان ( شوفه يا أستاذ عرفان باين عليه معموله عمل علي قحف قرموط ) بينما يرى عرفان أنها أعراض إنهيار كامل وقد تكون حالة من حالات انفصام الشخصية ويسألهم كيف حدث فيردون قائلين كان أمنيته أن يشتغل في الصحافة طوال عمره ، وهو يخرج مجلات الحائط ، والمجلات المطبوعة ، والمكتوبة بخط اليد ، أو الآلة الكاتبة ابتدائي إعدادي ، ثانوي ، جامعة وعمل بعده صحفة بعد ذلك لكنهم لم يقيدوه في النقابة وطردوه ومن يومها علي هذه الحالة ... ونقول له في داهية الصحافة فيقول صحافة يا بني اهتدي دى غابة كبيرة فيقول اصلكم ما تعرفوش الحكاية ، أصل الحكاية إن الموضوع ، الفرخة ولا البيضة ، مين بيجي الأول ، عشان تشتغل في الصحافة لازم تكون عضو في النقابة وعشان تكون عضو في النقابة لازم تشتغل في الصحافة !! وعملت قرد وما انفعش وعملت حاوي وانفعش أروح أقدم في الصحافة يقولوا تقيد في النقابة ، أروح أتقيد في النقابة روح اشتغل أول في الصحافة !! طيب ما أنا اشتغلت ومعاي شهادات تثبيت كده ، يقولوا لأ ، إحنا عاوزين تجيب شهادة موجهة من المؤسةس اللي كنت بتشتغل فيها وبعدين بعد مدة التمرين نقيدك .. طيب ما هي الشهادات دي ، تغطي مدة التدريب وتزيد بكثير يقولوا لأ لازم تتمرن من أول  وجديد ، أروح اشتغل في جرنان ، يقولوا خبرتك كبيرة ، واحنا عندنا عدد كافي ولو شغلانك هيكون بمرتب مبتدىء يقولهم موافق ، يقولوله ، لأ يا حدق ن وترجع تكشينا في النقابة وتضم مدة خدمتك ، يقولهم وإيه يعني بافتراحض ده حصل يضايقكم في حاجة ، هي أموالكم ولا أموال الدولة ؟! يردوا في نفس واحد ، احنا بنحافظ علي أموال الدولة ، يضحك في هستريا ، بتحافظوا عليها ، علشان ، بدلات السفر والرحلات والشقق ، والذي منه يقوموا يبوزوا في وشه ، ويقولوا والله مالكش مكان عندنا ن ويلاقى كثير اتعينوا من الباب الخلفي ، قريب فلان ، وقريب علان ، ومن شلة فلان ومن شلة علان وهكذا جرى ، يروح يحاول جاد ، إرادته قوية يحاول يشتغل في مجلة ولا جرنان ، من بتوع الأقاليم ، ويروح يسجل في النقابة يقولوا له ، لأ يا حبيبي إحنا عاوزين جرنان كبير جرنان خمس نجوم !!
مش إقليمي ويفاجىء أنهم أدوا الجرنان الإقليمي ، اللي مش عاعجبهم التسجيل عن طريقه جائزة أحسن جرنان إقليمي ، قام الواد تعقد ، وجت له الحالة دي ، ليقوم يصرخ البيضة ولا الفرخة ، ويمسك طباشيرة ويرسم الصفحات علي الحيطان وعلي الأرض وعلي الأرصفة ونقوله يا بني بلاش صحافة  ، يقولنا بلاش سخافة ، أمال كنت بتعلم ليه ، وكنت بشتغل ليه ، وهو من يومها وهو يقول ، الكوسة طرحت بوسة والبوسة طرحت ورقت ، والورقة بيلعب بيها بيه والبيه ، حو ليه بهوات وطريقة ، مليان أشواك ، والشوكة طلعت كوسة والكوسة عاوزة بوسة والبوسة أجيبها منين ، دورت كثير وكثير قل يومن أو ألفين مالقيت خدي مدارس ، يقوم ينباس ينباس ،، والكوسة أصلها قرعة ، والقرعة عاوزه شعرة ، والشعرة عند الكوافير ، والكوافير عاوز قرشين ، والقرشين طاروا يدوب في يومين ، خدهم أبو جيبين ورماهم جنب الحيطة والحيطة مايله ، وآيلة وآيلة .
وهكذا يا أستاذ عرفان فشلنا معه في كل الطرق وبكل الطرق ولا ندري ماذا نفعل معه فابتسم عرفان وقال لهم دعوه لي ، واتركونا وأخذ يحادثه في حداد طويل معه وقال له ولا يهمك صحافة سيكون لك ذلك بإذن الله سأحدث لك الأستاذ برهان عبد التواب لعلك قرأت له فأجابه ، في شرود أتذكر أنني قرأت له ، إذن اتفقنا وإذا لم يلب طلبك ، سأرسلك للعمل بإحدي الصحف اللبنانية ، فلدى صديق قديم ، استقر بلبنان ، وسوف يساعدك بإذن الله ، وكل ما اطلبه منك أن تذهب وأن تكون مطمئنا ولكن شرطي الوحيد  أن تعـود إلي حالتك الطبيعية ، ثم أخذه حيث أقاربه بالخارج نتحدث معهم وطلب منهم أن يداوم علي الدواء الذي وصفه له أحد الأطباء الكبار وذلك من واقع الروشتات ، التي اطلع عليها عرفان وهي برفقة أقاربه ، وشد علي يديه وقال له ، المهم تنفيذ الشرط.  فأجابه بابتسامه شاحبة ، وبهزة رأس وهو خارج من عند عرفان ، بما يفيد الموافقة ولكنه قبل أن يغادر المكان كلية سمع عرفان صوته ، وهو ينزل الخطوة الأولى ، من السلم البيضة ولا الفرخة صحافة ولا شخافة ن صداقة ولا عداوة حقيقية ولا طراوة !! فابتسم عرفان وقال ، والله عنده حق تعقيبات لا داعي لها يكفي أن يقيد فيشتغل بالصحافة ، أو أن يشتغل بالصحافة ، ما دم قد تم قيده ، وإذا لم يتم قيده فيتم قيده ليفي بالشرط ، وإذا كان لديه الخبرة ، فليقيد ، مادامت خبرة حقيقية ، وتم التأكد منها. كان عرفان يحدث نفسه ، فقال له مظلوم ، بتقول إيه يا سعادة البيه ، صحافة ولا نقابة ، نقابة ولا صحافة ، ناقص يا بيه تقول الفرخة والبيضة ، فنهره عرفان في غير غضب وقال له ألي هناك ضيوف آخرين فقال له ، لم يبق غير السيدة فريدة وابنتها شوقية ، فرد عرفان ، ومانا أفعل لهما علي كل حال احضرهما ، وأعدلي فنجان من القوة ، ودخلت السيدة فريدة وابنتها شوقية ، وشوقية شاحبة العينين كاملة النمو ، تعدت العشرين قبيحة الشكل ، سمينة القوام وهي تقول ، بحبه يا ناس ، خلي بي صرفت عليه كثير ، لحد ما شنكلته ، وفي لحظة فص ملح وداب ، طار مع البلبلة أيوه يا بلبلة ، حلاوة وجمال ، وثقافة ، ومال طب أعمل إيه كنت مواعده ، وقفلت كل الأبواب ، لكنه فص ملح وداب ، لم يرد عرفان علي شوقية فالموضوع قديم وهذه ليست أول جلسة مرات ومرات من قبل أحضر لها الكثير من العرسان دون جدوى مازالت مصممة علي هذا الذي ذاب ومن اين يحضرها له ، هل يكشف لها عن مكانه عن طريق الأرواح أم عن طريق الجن أم عن طريق ماذا ؟! فما كان منه ، إلا أن طمئنها بأنه سوف يحضره لها وأنه سوف يستخدم كل خدام الآيات لإحضاره ولكن عليكم أن تعودي إلي دراستك وأن تلتفتي إلي الصلاة هذا شرط الخدام ، فأومأت رأسها موافقة ، وخرجت من حجرة العمل وأمها تخاطبه ، كيف ستحضره ولم يحبها أبدا وقد مات منذ زمن طويل فيقول لها ماذا أفعل لها يا حاجة ، البنت مشغوفة بعشق قديم ومن الصعب محوه ، إلا بحل واحد ، قالت السيدة فريدة علي به قال لها أين الأستاذ عبد الحليم عبد الطيف ، أمازال علي حبه لها ، فقالت الأم والله شاب ونعم الشباب ومتعلم ومثقف وقد فعل كل جهده وماله من أجلها ولكنها مازالت تعيش في ماضي منصور ، الله يرحمه كان ونعم الشباب ولكنه لم يحبها قط ثم أنه ذهب ولن يعود فهل نستطيع أن نعيده ، صعب ومستحل علي فرد عرفان ، إذن هو الحل ، الحل هو أن نقربها ، من عبد الحليم ، وخطوه خطوة ستتعلق به ، وضعي هذا الحجاب لها ، وهو يقرب المودة ، ويصفي القلوب ويربطها ، وعليها بالصلاة فهي تنسيها وتعود بها إلي طبيعتها والدواء الذي أعطاها إياه الطبيب ، فلتداوم عليه ، وسوف يكون خيرا إنشاء الله.   فشكرته فريدة تلك المرأة الطيبة التي فعلت المستحيل من أجل ابنتها سهرت عليها طوال السنتين الماضيتين بعد أن حدث ما حدث ، ودارت بها علي الأطباء والحكماء ، والشيوخ من أمثال عرفان وهي سيدة قوية ، لم تتألم رغم ما مرت به من ظروف كثيرة ، بعد وفاة زوجها وصبرت علي تربية أولادها فأحسنت تربيتهم ، حتى تخرج منهم ، من تحرج من الجامعة أو الدبلوم ، وهذه الفتاة هي التي حصلت السيدة الصابرة ، تصرح من الألم لم تكن في حاجة إلي مال لتكملة طريق الحياة فقد ترك لها زوجها الكثير ولكنها كانت في حاجة إلي كبرى بناتها فما قاربت علي التخرج من كلية الطب حتى حدث لها ما حدث ، ومنصور هذا الذي جاء كالشهاب ، ضوءا وانتهى مثله وانتهى مثله ، انطفاءا كان بعيدا عنها كل البعد ، ولكنها تعلقت به ، كان زميلا لأخيها الأكبر ولكنه لم يلتفت إليها أبدا ، وقد كان ما كان حين أصابه ذلك المرض الخبيث ، ولم يهمله علاجا ولكن المرض لم يمهله إلا قيلا ، وهكذا أصيبت الفتاة ولم يكن لها ولم تكن له ، ولكنه ماذا نفعل أمام القدر ، وأما سخرياته ، كان قلبه مع أخرى وكان قلبها معه ، ولكن عائلتها لم تكن معها  وعائلته لم تكن معه ، وأنقذه الموت من كل هذا ، فأراح واستراح إلا هذه الفتاة ، وفعلت الأم كل مافي طاقتها ، حتى وصلت أخيرا إلي عرفان وكان عرفان لطيفا في القول وفي التشريع ، وفي المساعدة فكان أخف علي الفتاة ، من أي معالج آخر ولكن الحالة لم تتحسن حتى آخر جلسة هذه التي كانت وكان الحجاب وكان اللعب بورقة عبد الحليم عبد اللطيف لعلها الورقة الأخيرة وأخذت السيدة الحجاب ، وخرجت تصحب ابنتها وهي تلوح بيديها مودعة عرفان والأخيرة تلوح له بيديها ، ورأسها وهي تقول له خطفته بلبلة ، وطار ، كأنه فص ملح وداب ، ويرد السلام عليها ، عرفان ويقول لها سيعود بإذن الله المهم العودة إلي الدروس.

*انتهى عرفان من عمل اليوم ، واستراح علي الكرسى الهزاز القديم العتيق ، الذي يحوي رائحة الماضي ، والأجواء والآباء ومظلوم يحمل له القهوة العاشرة التي يحتسبها في هذا اليوم وقد كان العمل قد أخذ كل وقته لم يقطعه إلا غذاء عمل سريع ، مجموعة من سندوتشات الجبن الرومي والزيتون والبسطرمة بالبيض ، ومجموعة من فناجين القهوة آخرها هذا الفنجان وجلس علي هذا الحال ، ساعة من الزمان أو أكثر ثم دخل إلي الحمام فأخذ " دشا " ساخنا ، وانطلق إي حجرة نومه ، مذكرا مظلوم ألا يوقظه حتى الساعة الثامنة ، ومذكرا جريمة ، بنفس التذكرة وملفتا أولاده ن إلي أن يذاكر في هدوء وألا يلعبوا فقد قاربت السنة الدراسة علي الانتهاء ن ومن جد وجد ، وإن تضافرت عوامل الشر كلها ضده.

*قام عرفان من النوم ، وهو في حالة صمت ووجوم ظاهرة علي وجه فسأله مظلوم ماذا بك يا سيدي فرد عليه عرفان وهو في حالة متعبة ن وهو يدلك وجهه بيديه قد يبعد عنه النوم ن لا شىء لا شىء ولكن مظلوم يرد عليه سيدي " إن أثار الإجهاد تظهر علي وجهك " أنت مجهد يا سيدي ماذا الم بك أظن يا سيدي ، أنه حلم أو كابوس مزعج ، فيرد عرفان بعد أن استيقظ تمام هو كذلك يا مظلوم ، إنه حلم مزعج ، أتستطيع أن تفسره لي ؟! فيقول مظلوم ن أنا أفسره وأنت شيخ المفسرين وعلي كل إرويه ، يا سيدي فلدي من آثار الماضي وروايات جدي وجدتي ، ما قد أجد لك فيه تفسيرا ، فقال عرفان شاهدت والله أعلم حلما عجيبا ، شاهدت كأنني في نهر النيل ، وكأنني في نصف ملابسي ، بملابسي الكاملة لا أدرى وأنني في مواجهة شلال من الماء ماء يتدفق بغزارة لا يستطيع مواجهته أقوى الآلات أو القوى ، فما حال بشر وليس كل البشر بل فرد واحد ن ووجدت في هذا السيل المتدفق ، أحد الأصدقاء ، وقد كان رئيسا للشركة العامة ، للتأمين ، وهو جالس علي كرسي فخم ، ولكن الكرسي ينحدر مع التيار الضخم وحاولت بكل قوتي ، أن أوقف إنحدار الرجل مع تيار الماء المنهمر ، ولكن دون جدوى وما لبثت برهة وأنا أبتعد عن مجرى التيار العنيف ، حتى وجدتني اقوم من النوم ، لعي هزل لي وقد انقطع الحلم تماما ، فماذا أنت قائل في هذا يا مظلوم ؟ والله يا سيدي علي حد علمي وخبرتي أن صديقك هذا في ضائعة ولن يخرج منها بسلام ، وهي ضائعة شديدة لن يستطيع أن ينجو منها ، ولن يستطيع أن يدافع عنه إنسان ، حتى أصدقائه ، وهو إما سيزول منه مركز ، مثل رئاسة شركته ، أو أنه سيفارق الدنيا ولن يستطيع أحدا مساعدته ، في هذه أو تلك.  فرد عرفان ، لا يملك الإنسان أما القدر وقضاء الله ، إلا التسليم بما يأتي به رغم أنه كان قريبا إلي قلبي وإلي عقلي ، ومازال رغم أنني لم أقابله منذ أمد بعيد ويفعل الله ما يفعله ، مسلمين بكل ما يأتي منه ، وهو العالم الخالق الرحمن الرحيم.

     والآن علينا بالعمل يا مظلوم ، وانترك صاحبنا ، لما قدر له ، ولعله خيرا له في كل الأحوال ،  ماذا عندك من ضيوف يا سيدي قا ملظوم ، وقج جاء منذ نومك عدة حالات وأرجأتها إلي ما بعد استيقاظك أولهما حالة عاجلة ذلك عن إمرأة مصابة بصداع شديد ، وقد لجأت إلي كل الأطباء ، فعالجها بعضهم خطأ ، ذلك أنه شخص الحالة علي أنها تحتاج إلي مخدر قوى وكتب " روشته " علي أساس أحد الأنـواع ، ولكنه كان نوعا شديد التأثير ، وقد استخدمته بكثرة مما جعلها في حالة يرثى لها ، وقد أصبحت في حالة غيبوبة مستمرة ، نتيجة هذا المخدر وقد تم نقلها إلي أستاذ متخصص وقام بالتحليلات اللازمة فوجد جسدها قد تحمل بكميات رهيبة ، من هذا النوع وهو علاج خاطىء فأعطاها مجموعة من الترياقات حتى استردت الوعي مرة أخرى ولكن الصداع مازال مستمرا ولم تجد له علاجا شافيا فعرضوها علي أساتذة آخرين دون جدوى وفي أثناء احدي الزيارات لأحد الأطباء ، شاهدتها احدي المترددات علي الطبيب وقالت لأهلها ، أن هذه الحالة ليست طبيبة وإنما هي حالة نتيجة (عمل) قد عمل لها ، وأنه قد حدث ذلك لابنتها ، بعد الزواج مباشرة ، وقد شفيت علي يد الأستاذ عرفان ووضعت لهم عنوانك ، وقد أتـوا إليك لعلهم يجدون عندك مرادهم ، والله خير حافظ للجميع ، وهي والله يا سيدي ، من حالتها ، تضيف إلي القلب المزيد من الألم ، خاصة وأنه لم يمر علي فرحها أسبوعا ، فقال له عرفان والثاني ؟! رسول أتيى من  عند الأستاذ / مدحت موسى يعرض عليك رسالة بشأن أرض أبو حمص بالبحيرة ، وقـد جاء منذ ذهبتم إلي بعض الراحة يا سيدي قال ذلك مظلوم ، وهو ينتظر رد سيده ، فقال له ، وهل أكرمت وفادته ، نعم يا سيدي فقال عرفان والآن علي بالحالة الأولى فقام مظلوم ذلك الذي يفهم الدنيا ، بكل ما فيها ولكنه يأخذها مرة ، بالفهم ويأخذها مرة بالسذاجة ، وهو مرة تحسبه ن مثقفا في ثوب فلاح وتراة تراه ساذجا في ثوب فلاح وما هو بفلاح في هذه أو في تلك ، وإنما موظف سابق ، بشركة القطاوي للقطن ، التي أممت من قبل وقد عاشر فيها الأجنبي والشامي والمصري ، في معاملاتهم مع صاحب الشركة القطاوي باشا سابقا ، وهو في كل هذه الحالات يريد أن يعيش حسبما يرى أماهه ، فهو المثقف إذا أراد محدثه ذلك ، وهو الساذج ، إذا أراد محدثه ذلك ، وكثير من الناس يحبون أن يكونوا ، في وضع وفي مظهر أكثر من الآخرين ، وكثير من الآخرين ، يحبون أن يكونوا ، في وضع وفي مظهر أقل من الناس ، ذلك يرجع إلي تكوين كل منهم ، من تلك الفئة أو هذه ، فئة تحب التظاهر الخادع ، وفئة تحب التواضع الخادع ، وفئة ظاهرها كباطنها ، وفئة باطنها كظاهرها ، وفئة لا تخدع ، وإنما ترى أن الحياة لا تستحق كل هذه الأقنعة ، ومن ثم فهي تريد أن تعيش وليس المهم إن كانت في الصف الأول من المظاهر والكبرياء ، والوجاهة ، وهي أهل لذلك ، أو إن كانت من الصف الثاني في كل هذا فكله سيان ، ومادام ذلك أو هذا يرضى بعض الناس ، فلم لا دعهم لما يرضيهم ، فلن يقلل منك ، أو منهم ولن يزيد منهم أو منك فهم لا يعلمون أن هذه أشياء ذائعة ، أو أنهم يعلمون ولكنهم يستمرأون حب هذا ، ويرضيهم ، ولو مجرد الشعوب به ذلك هو مظلوم في حديثه مع برهان ، وفي حديثه مع عرفان ، وفي حديثة مع الآخرين وفي حياته من قبل عرفان ، عند القطاوي وسيظل كما هو وهاو وإن لخص الحالات لصحابه ولأستاذه ، ولولى نعمته وسيده عرفان ، حتى خرج وقد أحضر الحالة الأولى فتاة في مقتبل العمر ، موصوبة الرأس ومستودة علي أمها ، من ناحية وعلي زوجها من ناحية أخرى ومجموعة من الرجال ومن النساء في معيتها ، فأمرهم عرفان بالانتظار بالخارج فيما عدا أمها وزوجها وأقفل الباب عليهم وبدأ في الحديث معها وأخذ بما يسمى (بقطر منها) وأخذ يشمه كثيرا ثم جلس في لحظه صمت ثم قام من علي مكتبه ، وأخذ كتابا لونه علامة (أزرق) وأخذ يفتش فيه قليلا ، حتى وصل إليه بغيته و أخذ يقرأ في صمت ، والجميع في صمت إلا أنات ألم ، تخرج من الفتاة وسحابات دخان معبقة برائحة البخور ، متصاعدة في أركان الغرفة مما تعطي وأعطت من قبل ، جوا صوفيات خالصا بعيدا عن ضوضاء الحياة وضجيجها ، ودخانها املوث الذي تشمه في شوارعها وفي مصافها ، وفي متاجرها وفي منازلها وفي أزقتها ، ذلك أن المقارنة بين هذا الجو وذاك الجو الآخر غير عادلة لأن الفرق كبير جدا ، كان هذا المنظر الصامت ، يثقل من خدر الأعصاب ويخفف من عبء الجسد وتتسامى في الأفكار ، وقد بدأ صوت عرفان يقطع الصمت قائلا اسمك يا سيدتي (عفاف) وأنت العفاف وأمك اسمها فتحية تبارك الله فميا سمى وخير ما يعطيه الإنسان أن يحسن تسمية أولاده ، أما أنت يا هذا فأنت الزوج الطيب المسكين الذي تتألم لزوجتك ، ولا تستطيع أن تفعل لها شيئا ولقد ساعدت علي الخطا ، مع الطبيب المعالج حينما أعطيتها من الدواء المخدر ، أليس كذلك يا أستاذ محسن.
لقد حاولت أن تنقذ زوجتك وما كنت بالمنقذ ، أليس هذا يا سيدي ؟! فرد الزوج قائلا لا تحملني أكثر من طاقتي يا سيدي ، وما كنت بالمضر وكن منصفا معي ، ولست بناصف نفسي ، وإنما هي تعليمات الطبيب ، كنت أنفذها وما أنا بطبيب ، فرد عرفان أعلم أعلم ووجه حديثه ، إلي أمها ، فتحية وأنت يا سيدتي قد حركت الأمومة ، ففعلتي ، الوصفات البلدية وما كان ذلك صحيحا فقالت السيد ، وماذا أفعل ، يا أستاذ عرفان ، وقد لحت حليلتنا وكانت بلا حراك ، حتى اعتقدنا أنه الواداع الأبدى فقال عرفان كل نفس مقدر لها عمرها كما قدر لها حياتها ومن قبل ميلادها وما تقابله من حلو ومن مر ، المهم أن الأمر أن هناك ( عملا ) هناك حيث المنزل الكبير وعلي بعد متر ، من بداية سلم الحديقة وضع هذا العمل مجموعة من المسامير ، قد سكت علي ورقة من الجهتين ولفت علي بعضها البعض ثم لف قطعة من ثوب فرحها الساتان الأحمر ، ثم لفت عليها خصلات من شعرها وعقدت تعقيدا ، ثم كما حضر لها ردم عليها وتحضرونها ، ويفك كل هذا في حجرها ، وسوف يكون الخير كله بإذن الله فوقف الجميع مبشرين ، مهليين فرحين ، وكانوا في الانصراف ، وسلموا وسلمت عفاف ، ورسم بسمة أو مشروع بسمة ولكنها بسمة باهتة تعكس الأمل ولكنه الأمر الذي لم يتحقق بعد ، ولكن بوارد قد لاحت من خلال نظرات الثقة ، في عيني عرفان ، والثقة في كلماته ، وقد كان قد يراني كل هذا ولا ننسى حياته الطويلة ، بكل ما فيها وقد عرف كيف يتعامل مع الناس جميعا ، كأنه ممثل عظيم ، ضر طريقه عن خشبة المسرح  وضل طريقه عن شاشة التليفزيون وضل طريقه عن شاشة السينما وعرف طريقه علي خشبة مسرح الحياة ، وعلي شاشة تليفزيون الحياة وعلي شاشة سينما الحياة وكم تكون الحياة أكثر العروض عمقا وفرحا وألما وصراعا ، لأنها الأصل والباقي تمثيل !!
قام رسول الاستاذين مدحت موسى بناء علي طلب الأستاذ عرفان متعدد للدخول بينما التفت مظلوم علي تقاضي الأتعاب من الزبونة السابقة كما هي عادته دائما وما  كان يأخذ لنفسه شيئا فوق الأتعاب وما كانت الأتعاب محددة مقدما أو مؤخراً وما كانت كبيرة وما كانت صغيرة وإنما كل بما يستطيع هكذا كان عرفان قنوعا ، وما كان بالمتسول أو بالدجال فإن علمه كان مدعما بشهادات كثيرة فهي مجال الفلك والعلوم الروحية حصل عليها من معاهد عالمية ومعاهد محلية ، وهو جالس في منزله ذلك بطريق المراسلة ، وقد زينت جدران منزله وسلمت نسخا منها لجهات الترخيص الحكومية والمسئولة عن هذا وعرفان دائما لا تفوته مثل هذه الاجراءات ولكن من يعرفه من اهله وصحبته ، كان يعقتدون أنه يمارس ولا شهادات ولا يحزنون وإنما هي قراءة وممارسة وشىء من الفهلوة وهي رجل العلاقات الأول.
ولذا فلم يكن يأخذ شيئا مقابل دجلا وإنما مقابل علم وممارسة وبطريقة رسمية ولكنه من ناحية أخرى كان لا يفرض أتعابا وإنما يتركها لظروف كل عميل ويتركها بالمرة لمظلوم ثم أن الذي يأتي يأكل منه الجميع أهل المنزل والضيوف المرضي ، وضيوف عرفات الخاصة فالجميع له نصيب وافر في كل هذا إلا عرفان ذاته ، الذي كان يهمه الآخرون دون نفسه في مثل نواحي الغذاء وكرم الضيافة وأمثال هذا وأكثر من أمثالها.

دخل الرسول علي عرفان محييا عرفان فقام من مجلسه مسلما عليه ، مرحبا به وناداه علي مرتبه قد أسندت إلي حائط فوق سجادة الحجرة وقد غطت بملاية منقوشة بالزهور والورود شغل الأيدي الناعمة وقد وضع بجانب الحائط ( مسندين ) من القطن المغطي ببياضات مشغولة أيضا فجلس عرفان وبجانبه رسول صديقه ، وحياة تحية عظيمة ، وأمر مظلوم بالقهوة المضبوطة له والزيادة لضيفه ، فسأله عن احوال الأستاذ /مدحت موسى والأستاذ صبري الشرقاوي والأستاذ صالح عاصم والدكتو محمود حافظ ، والأستاذ جاد الورداني والآخرون أصدقاء ، عرفان تعرف عليهم عن طريق الأستاذ مدحت موسى في سهرة من سهرات القاهرة ، الغنية ذات يوم من الأيام الملكية وظلت الصحابة بينهم حتى يومنا هذا ولكن الأيام والمشاغل قد مزقتهم ، وكان كل منهم يمثل طورا شامخا وصديقا وفيات وكانوا أهل عمل وإدراك للمسئولية ، وأهل فق وطرب وموسيقى ومسرح وصحافة وغير ذلك من نفوق الحياة وكانوا أيضا ، أهل ثقافة وأهل أدب ، ولم يتقصروا علي هؤلاء عدا واسما ، وإنما كانوا أكثر من هذا وتناقصوا يوما بعد يوم بحكم البعد وبحكم السفر ، وبحكم الموت وقد أزعجهم موت أستاذ كبير كان عزيزا عليهم جميعا ، وهو الأستاذ عبد الرحمن طلعت محمود ولكنهم سرعان ما عادوا إلي ندواتهم الدائمة ، كلما تجمعوا ، أولاحت الأيام بفرصة وهاهم تفرقوا قلبا وقالبا ، في المكان وفي الزمان وتباعدت القلوب ايضا ، وقد نفر منها ما نفر ولم يبق من الجمع الحاشد علي رابطة الود والمحبة ، إلا هذه المجموعة الصغيرة ، حتى وهي علي بعد من بعضها البعض ، مسافات ، ومسافات فدائما ما يكون السؤال برسول أو برسالة ، أو يسفر ، أحدهم أو كلهم علي موعد بلقاء أو ماشابه ذلك وها هو عرفان يسأل رسول صديقه عن أحوال الأستاذ مدحت موسى والمجموعة ، فيطمأنه الرسول عليهم ويقول يبلغونك السلام وقد جئت إليك من الأستاذ مدحت ذلك أنه يمتلك مساحة تعدت الخمسين فدانا ، بناحية أبو حمص بحيرة ، ويرد أن يؤجرها لك ، حيث أنه مشغول دائما بالقاهرة وبسفره إلي الخارج ، وقد أحضر لها أقارب من كفر الشيخ ولكنهم فشلوا في إدارتها ، علاوة علي أن الخلاف مع أخواته ، منعه من تركها معهم ، فما رأيك في ذلك ؟ وقد أوصاني أن أبلغك ألا تخيب رجاءه وقال ذكره بالذي مضى ذكره بأنه زاده الأرض وشاهدها وكم كان مغرما بها ، أثناء زيارتهم لها ، مع الأصدقاء موعده عرفان خيرا ، وأستاذن في الإنصراف فقال له المساء قد قارب علي الانتصاف ، فقال له معي عربتي وسوف أذهب إلي القاهرة وسأتوقف قليلا بقليوب لقضاء بعض المصالح للأستاذ مدحت موسى ، ولابد أن أكون في القاهرة ، قبل ظهر الغد فرد عرفان متمسكا بالمبيت ولكن الوقت متأخرا لوصولك لقضاء مصالح في قليوب ، فقال الرجل وكان اسمه صابر عبد الرحيم ، سوف أنزل علي ابن خالتي ، فاروق جمال وهو له منزل كبير هناك وسوف أقوم مع الصباح الباكر ، أقضى المصالح ثم أعود إلي القاهرة بإذن الله لأقابل الأستاذ /مدحت عند الاستاذ /مجدي فلقس المحامي المعروف ، فقال عرفان براحتك البيت بيتك وسوف أتدبر الأمر وأرد علي الأستاذ مدحت خلال أسبوع واعتبر الأمر منتهي ولكن سوف أرى ما يمكن عمله من حيث إرسال مجموعة من الفلاحين وناظر لذلك الأمر ويمنك أن تبلغه ، أنني موافق علي المبدأ والمسألة مسألة تنفيذ وبلغه سلامي وسلامي إلي الأسرة الكريمة والي الأصدقاء الكرام فرد الرجل قائلا ( يوصل إنشاء الله ) وانطق معه مظلوم حتى الشارع وحتى دارت العربة قاطعة الطريق المؤدي للنهر متجهة إلي الطريق الرئيسي بينما مظلوم ينظر إليها من أمام المنزل تماما ، حتى اختفت في تعرجات الطريق ....

*المساء يزداد  غموضا أو أن الدنيا قد توشحت بثوب الظلام الأسود ، وخارج المنزل لا يبدو ضوء القمر ، إلا في بداياته ، وهو القبس الوحيد ، في هذا الظلام ، وبعض المصابيح الكهربائية الخافتة ، الضوء في الشارع الممتد أمام المنزل وبالداخل ، تكدست النساء في حجرة عفارم ، وكانت هناك صيغة عزيزة عليهن ، وقريبة لهم أيضا كانت السيدة / نعمت المسلمي ، وابنتها آمال القباني ، و كانت زيارتها ، لهذه الأسرة عادة كلما  نزلت إلي عزبتها ، بعزب البلدة حيث تقطن استراحة قصيرة وتشرف علي زراعات زوجها من الموالح والفواكة المختلفة وعطف عطور ، لما تصنعه ، من الورود والزهور المزروعة ، وكان زوجها صاحب مزارع كبيرة تخصصت في إنتاج الفراخ اليومي ، الديوكة الرومي ، والأرانب الشانسيلا الممتازة ، وكانت مزارعة منتشرة في أماكن مختلفة في الفيوم وفي بني سويف وفي المنيا ، وفي سوهاج وفي أسيوط وفي قنا وفي إسوان علي ذلك فكانت حياته ، كلها تنقلا بين هذه المزارع وأما شرارة لزوجته هذه العزبة فذلك أنها من هذه المنطقة وكان لها فيها ميراثا ، فاشتراها ، من أخوات زوجته ، وسجلها باسمها ، وحاولت معه كثيرا ، أن يحاول نشاطه إلي هذه المنطقة فقال لها القسمة قسمة عادلة ، أنا مع آبائي ، وأجدادي وأنت مع آبائك وأجدادك ، وكان الرجل له علاقات ممتازة ، في القاهرة وفي الإسكندرية ، وكان يصدر بضائعه من منتجاته الحيوانية ، عبر بورسعيد إلي الدول العربية ، وبلدان آسيا وعبر الإسكندرية إلي شمال أفريقيا وأوربا ، وعبر ميناء السويس إلي جنوب القارة الأفريقية والحجاز واليمن وغيره من بلاد الجنوب ، ولم يكن وارثا لهذه المزارع بقدر ما كان استيلاء من الأجانب الذين تركوا مصر ، بعد الثورة مقابل أسعار رمزية وبيع صورة وقد قام بتنميتها وكان وراءه من يحميه من رجال العهد الجديد ، فلم يتعرض لأي تأميم أو مصادرة أو غيره ذلك من الأمور فالرجل كان وراءه من وراءه في هذا الحين.
والسيدة نعمات وابنتها آمال الطالبة بكلية الآداب قسم صحافة كانتا علي جانب كبير من الكياسة واللباقة مما جعل الجميع يقابلون الأم والابنة بكل ترحاب وحفاوة وكانت زيارة بيت عرفان زيارة محملة بكل ما طاب من إنتاج الأب ومن إنتاج الأم وهذه الزيارة الأخير مثل كل الزيارات السابقة أحاديث مختلفة ، وتطرقت إلي خطبة آمال مقالت السيدة نعمات أن الخطاب يتنافسون ولكنني أرجأت كل شىء إلي ما بعد التخرج فقالت لها روح الحياة ولكن البنت تعلمت أو لم تتعلم مصيرها البيت ، وأيدت كلامها عفارم ، وقالت نعمات أن كلامها حقيقي ولكن البنت لم تتخرج بعد ثم أن كل المتقدمين ما بين طامع في ثروتها أو متلصص علي الإلتصاق بصلات والدها ، وسوف يحسم الأمر حين يتم التخرج وقالت آمال معلقة وكان لها رأيها ثم أنني التي سوف تختار ، ولم أجد بعد ما يناسبني ، ويلائم طباعي فضحك الجميع وانتقلوا إلي أحادث أخرى متفرقة ثم انصرف الضويف ، في صحبة فتوح البهلول ، حتى ركبا العربة ( الكارتة ) يشدها حصانين قويين متوجيهن إلي عزبتهما و السائق نعمان يرفع صوته بالغناء ، ويده بالكرباج مطرقعا في الهواء ، فلما اطمأن عليهما فتوح عاد أدراجه.
بينما كان هذا في الداخل ، كانت صحبة عرفان قد اجتمعت كما هو حال كل الأيام ، وبنفس الجمع وبنفس الجلسة تدور النارجيلة ، أو الجوزة أو الشيشة ، وأكواب الشاي وكؤوس الخمرة ، وقد خلطت بالكوكا والمزة من المخلات وبينما الجميع في أحاديث شتى ، التقط الخيط عز الرجال  وقد كبر علي مهام شياخه البلد ، وقال أما سمعت يا عرفان ؟ فرد عرفان خير إنشاء الله ؟ قال صاحبك حجرة ، لقد أوقعنا في مطب كبير فضح عرفان ، لابد أنها قشرة ، جاءت واسعة هو ما تقول أجاب عز الرجال ،الحكاية يا سيدي أن السيد رئيس النيابة ، وجدان بك كان في معاينة ، وأراد جمرة ، أن يظهر كرمه وضيافته ، فقال له يا سعادة البك هذه الأرض أرضي وقطيع الأغنام هذا الذي يملأ البر بعبارة ملكي وأمنيتي أن تتكرم بالزيارة وأن ينعم بضيافتكم وكان سعادة رئيس النيابة يعرف عنه فشره فأراد ان يحرجه فقال وةمعه صحبة ، تتعدي (العشرون، شخصاً) وأنا قبلت عز وقتك ، فارتج الأمر علي جمرة وما أنقذه إلا الأستاذ الدهان واشترى من صاحب الغنم خروفا كبيرا وكانت العزومة في منزل صهرك الشيخ محمد ولم يرتدع جمرة ، وإنما كان يعزم علي الضيف كأنه فعلا صاحب الوليمة ، وبعد أن انتهى كل شىء أخبره السيد رئيس النيابة بأنه علي علم بكل ما تم ، فضحك جمرة ، وقال له يا سعادة البك ، لا تحرجنا ، سوف أدفع للدهان بك تكاليف كل شىء وما أرادت إلا مؤانسة سعادتكم فضحك الجميع ، وذهب كل منهم إلي حال سبيله ، بابتسم عرفان أحقا حدث هذا يا جمرة فرد من آخر الحجرة وهو شبه تائه أنه مقلب عمل في يا أستاذ عرفان وعلق عجوة يا جمرة قبل أن تفشر ، تعالى وأنا أعطيك درسا في الفشر حتى لا تقع في مثل ما وقعت فيه ، فاقل له جمرة وقد بدأ يضيق من كلمات غريمة وهلي أنت تستطيع أن تصاحب هؤلاء يكفيك أن تسمع فقط فضحك عجوة لافرا جمرة ، كل القطيع بتاعي يا سعادة البك فاشتد الشجار في دعابة والجميع يستفزونهما لكي يخرجا كل ما عندهما فلما يشتد النزاع يخفف الىخرون من غلوائه وكان عرفان يتدخل أيضا حين يجد الجد وقال له عبد الحميد كنت في التفتيش وسأل عليك الكثيرون وألح في السؤال حلمي وزوجته شربات وقد يزورنك مع أولادهم فضحك عرفان ومال إلي الوراء ، ( وسرح ) في الماضي والذكريات ، وقال له وكيف حال الجميع يا عبد الحميد فقال عبده الجميع في خير وحلمي أصيل إلي المعاش ،وفتح دكانا يبيع ويشترى وقد قال " أين أيام عرفان بك لقد كنت أسميه ، سبع الليالي ، وقد كان سبعا حقا وكنت أداعبه وهو سكران فأقول له يا سبع يا سبع يا سبع الليالي ، فيرد علي مداعبا أمك اسمها حلمية فأضحك وأقول له ، أنوار ، أنوار كلك أنوار فيقول سبع الليالي يا بن حلمية ، لا تسرق منى السكر ، وتردني إلي اللمز ، بالأسامي مرة ثانية ولا تنقل مني الحكايات وتفشر وتقول ، تأليفي أليس هذا عيبا يابن الحلمية وأضحك ، وأرد عليه قائلا وهو أنا الوحيد الذي يسرق منك كل ليالي الأنس والفرفشة  ، يسرقونها منك ويقولونها في لياليهم من تأليفنا ومن أفكارنا ، وكل يضيف عليها من عنده حتى يحلو السهر ، وقد نقطعها علي لحقات في كل سهرة حتى نشد السامعين ، والمشاهدين لسهراتنا الليلية ، وسالت حلمي ألا تزور سيدك ، أنت والبنت شربات فيوقول إنشاء الله قريبا ، ثم أنني مكسوف لأنني لم أزره منذ العودة إلي الريف ، فابتسم عرفان مرة أخرة ربنا يفتح عليه هو وشربات !!
ثم تناول النار جيلة ، وأخذ يشد الأنفاس فارغة من كل صنف ، واستأذن الجميع في الانصراف وجاء الدور علي الشيخ عبد العليم في الانصراف فأبقاه عرفان قائلا له ، انتظر يا عمي عبد العليم فإنني أحتاجك في أمر هام ، فجلس الرجل بجانب عرفان ، وعرض عليه عرفان ، موضوع أرض البحيرة فوافق الرجل ، بعد مناقشات كبيرة وقال له لي شرط واحد فقال له كل شروطك مجابة فقال أن أكون المسئول الوحيد هناك وأن أحضر مجموعة من الرجال القادرين علي ذلك ، فوافقه عرفان علي كل شروطه ونهض مستأذنا فأذن له ، وكان عرفان قد جلس بمفرده ، بعد أن انصرف الجميع وهو في حالة اجهاد تام من تعب اليوم ، ولقاءاته ، وأخذ يتذكر يوم من روح الحياة أم عفارم ، فلم تسعفه ذاكرته من التعب والارهاق ، فنام في نفس حجرة الصحبة وعلا شخيره ، وجاءتا المحروستان فأطفأ "الأنوار" وعادتا باسمتين كل إلي حجرتها وقالا في نفس واحد " الله يديه العافين ، شغل ليل ونهار ونهار وليل !!"

كانت أيام ، عرفان القادمة فقسمه ما بين عمله ، وما بين حصبه المساء وأضاف إليها قراءة ، الصحف خاصة صحيفة العهد الجديد ، حتى يتابع نشر موضوعه ، وكان يتخلل برنامج العمل اليومي هذا ، الزيارات المختلفة ، إلي البلدان المحيطة أو البعيدة ، وإن كانت هذه الزيارات ليست لها صفة  الدوام ، وإنما كانت تأتي من عفو الخاطر ، لهو لا يعد لها مقدما ولا يستعجلها ، وإنما هي تأتي كلما كان هناك فراغا أو مللا ، من العمل اليومي المتصل ، أو لأداء واجب عزاء ، أو واجب فرح وكم هي كثيرة ، في حياة الإنسان ، كانت متابعته للصحف بحثا عن مشكلته ، التي وعده برهان عبد التواب بنشرها ، إلا أنه لاحظ في صحف اليوم من هذه الأيام أنباء مثيرة وعجيبه ، عن القبض علي الكاتب الكبير مصطفى أمين بتهمة التخابر مع أمريكا وكانت التفاصيل كثيرة وكانت الأنباء غريبة وكان يعرف عن هذا الرجل أنه وقف مع الثورة منذ بدايتها وأنه دافع عن رجالاتها ، منذ قامت وكانت مقالته الشهرية ، ( سر التسعة) وإن كانت هناك من يقول أنهم ثلاثة عشر فيها تركيز الأضواء علي أقوى هذه الشخصيات وهو ناصر فما الذي غير الأوضاع ، وقلب اللعبة ضده لقد فعل الكثير لهذه الثورة وأممت صحفه ، ومازال يؤيدها ، بل إن صحيفته الأخبار اليومية صدرت في عام 1952 أي عام الثورة ولم يقف عرفان عند حد القراءة بل قام وأجرى عدة اتصالات مع بعض المسئولين من الصحبة ، وبعض العالمين ببواطن الأمور فتبين له أن القضية ملفقة ، ذلك أن الطرف الأقوى فرض وجدك ، وكان لابد من إزاحة مصطفى أمين في حينه ، وأن القيادة قد تعطي الضوء الأخضر لبعض الصحفيين ، لإجراء نوع من الحوار ببعض الدول ثم تتبرأ منها ، ويكون الضحية هم هؤلاء الصحفيون ، قد يكون لهذا الكاتب الكبير آرائه واتجاهاته ، كما يكون ذلك لكافة الكتاب ولكن لا يعني ذلك الخيانة أو مناداة الوطن ، والجميع مهما اختلفت اتجاهاتهم ، ومهما ( شط بعضهم ) فكلهم أبناء الوطن ولا يمكن أن طعن فرد في وطنيته ، ولكن عرفان عرف أنها أمور السياسة ومقالبها ، وكان الجناح الآخر والتوأم علي أمين قد غادر البلاد متنقلا بين بيروت ولندن ، قبل أن يلقى نفس المصير ، وإن كانت الرسائل بينهما لم تنقطع أبدا بطريقة أو أخرى ، وتذكر عرفان أحداث 54 مع التيارات المختلفة ، داخل البلاد ولم ينته الأمر عن هذا الحد ليكون هذا العام هو أيضا تكرار لعام 54 ، وأدرك عرفان بماسته الغريبة ، أن القطة قد أكلت معظم أبناءها ولم يعد إلا القليل ، حتى تجهز علي بقية الأولاد قد أعارضك في الرأي ولكن لا يعني ذلك أن أكرهك ، أو أقيد رأيك بل أن الاختلاف في الرأي هو هبة سماوية تؤدي إلي الحقيقة وتدعهما وتضع التوازن بين الأشياء ، مما يحفظها من السقوط ولن تستطيع أن تجبر إنسانا ، علي أن يكون معك أو ضدك ، بل أن الذي يحفظك ، أن تسمع لهذا وتسمع لذاك ، وأن تقفل آذانك ، أمام الهامسين ، والسامعين لهيمسوا لك ن إن هذا شر بلاء الحياة والمثل الصيني يقول " تستطيع أن تقود الجواد إلي الماء وكلنك لا تستطيع أن تجبره علي الشرب " ، والحقيقة قد تغيب قليلا ، وقد يحولها البعض إلي الضد تماما ، وقد يؤدها البعض ولكنهم يخشون الأقوى ولكن الأيام كفيلة دائما بأن تظهرها ، واضحة جلية يخشون الأقوى ولكن الأيام كفيلة دائما بأن تظهرها ، واضحة جليلة كالشمس ، مهما طمست ، ومهما أخفيت ، وكم من الأشياء ، وقصص وحكايات ، يعرفها عرفان ، ونت وغيرت وبدلت ، فصارت قصصا ، وحكايات  ومرت الأيام وظهرت أصولها ومعاونها ، نقية من كل شوائب وتصبح العملية علي مر الزمن ، تصفية حسابات وتستمر اللعبة ، بين الفريق الأقوى فلما يضعف ويقوى الفريق الضعيف ، تنقلب الآية وليس بهذا تنهض الأمم ، وترقى بالمصالح والصراعات ، تبدأ بالدفاع عن المنفعة العامة وتنتهي بالمنعة الخاصة ، وقد يكون هناك خاطىء ، أو يخطىء في نظر بعض الناس ، وتظهر الأيام أنه كان الرأي الصحيح ونعيد من جديد الحسابات ، كل هذا يأخذ عمرا ووقتا ، وعندما تريد أن تصحح أو تغير الحسابات مختلفة ، ويكون الوقت ، كالسيف يقطع ، مادمت لم تقطعه غيرها يترتب علي ذلك من تشويه رجال عملوا علي بناء البلد ، فكانجزائهم جزاء سنمار ، ومازال عرفان يتذكر ، حكاية أحد الكتاب الصحفيين ، الذي غادر البلاد أملا أن يجد انطلاقات بعيدا لم يخن ولم يترشى ولم يشرب ولم يأكل غير حب الوطن ولم يكتب في لقبة وكان قادرا علي ذلك وكان الطريق مفتوحا ولم يكن ذي ألاعيب أو خبث أو مداهبة ولم يكن تابعا لهذا أو ذاك.  فإذا به بين فكي الكماشة وإذا ب محاصرا من الجميع ، وإذابة قد تحول إلي فسخ آدمي ، لا حقته العيون والأيادي ، والأرجل وركلته من كل جانب فلم يهنأ له عيش في غربته ، ولم يهنأ لهم عيش إلا بعد أن تحول من عاقل إلي مجنون ن أو هم ارادوا له ذلك ، أو أوجوا له بذلك ، وأوجوا لمن حوله بذلك فصار ذلك الرجل الصالح يصبح طالما وأصبح ذلك الكاتب مشعوذا ، وأصبح ذلك الصحفي واهما ، وأثقلوا عليه كل هذا فعاد تائه النظرات مشرد الوجدان والحياة يمشى كأنه آلة ، ولكنها آلة صماء ، لا تعي ولا تفهم كل هذا لماذا لأنه لم يكن تابعا لهذا ولم يكن تابعا لذلك ، فلما أفاق من كل هذا وجد الصدود من الجميع ، ووجدا الماضي الذي خلقوه ، يطل بمخالبه القوية ، وبظلاله الثقيلة ، ذلك كان الكاتب نافع المصري ذلك كان نتيجة ن  عدم تقوقعه ، في داخل شرنقات ، عناكب سامة وحشرات قاتلة ، وتذكر عرفان ان تشويه سمعة إنسان صعب أن يمحوها الزمن رغم وضوح الحقيقة ، لدى من قلبوها ، وقلما يعترفون بأنهم فعلوا هذا ولكما يردون الحق إلي صاحبه ، وإنما هي لعبة الحياة ، بكل ما فيها وما فيها يكفي لأن يحرك القلوب ن إلي حياة نابضة بكل الخير أو يحولها إلي أتون مشتعل ، بكل الشر أما المعقول ، فهي في كل هذه الأحوال فقد فقدت قياداتها ،  وصارت تتحرك في آلية ، كأنها ملجمة ، في أيادي كما نرى لاعب العرائس الماهر وقد أمسك بخيوط دمى لا روح فيها أو حياة فيراها  الناس راقصة ، لاعبة كأنها كل الحياة ويصدقون ما يظهر أمامهم ، فرحين مهللين ، أو دامعي الأعين باكيين وكل ما كان لأنه أرادوا أن يفرجوا عن أنفسهم بلحظات مرح ، أو حتى حزن ، فالناس لا تشعر بآلام الآخرين ، ولا تشعر أيضا بأفراح الآخرين ، ولكنها تشعر بما يتعلق بها فقط ، وكان عرفان يعرف الكثير من المآسي والآلام ، ويعرف الكثير من الأكتفاف التي انحنت لتحمل غيرها ، والتي لم تنحن فكان مصيرها ، الإحناء ، ويعرف من لم يكتفوا بالإنحناء ، وإنما بالركوع علي أربع لكي يصعد فوقهم من يملكون القوة لذلك ، ويعرف أيضا من كان يمرح كحصان أو كحمار سعيدا بمن قد ركبه ، ولم يقفز به ، من فوق سرجه ، إلا حينما تحولت الأيام وتبدلت فوق عنق راكبه ، وداسه بأقدامه وصعد ليركب هو ظهر حمار آخر أو حصان ، ويعرف أيضا ، من رفض كل هذا واكتفى بالمشاهدة علي استعراض الخيول والفرسان ، ومن اكتفى من كل هذا فآثر الإنزواء في بيته ، حتي يقضي الله أمره أو امر هذا الزمان ، ولكن عرفان كان يعرف أكثر  أن كل هذا طريقه ، طريق الشوك وأن الورود ، التي زرعت ذبل أكثرها ، وأن الشوك قد ذرع عمدا أو ظهر شيطانا بين الورود وأن الحديقة التي رعاها الجميع قد عبث بها أطفال أشقياء ، وان العاشقين لها ، قد تسربوا من ملاذها واحدا بعد الآخر ، ولم يروع عرفان لكل هذا ، فهو قد عرف الحياة وذاق من ويلاتها الكثير وان الجانب الطيب فيه هو الذي تحدث بكل هذا ، ولم يلبث في دوامة الأفكار هذه اكثيرا فسرعان ما أمسك بالصحف ، وأشعل فيها عودا من الثقاب ، وحملها إلي آنية كبيرة ، تستخدم في عمله كآنية بالبخور ، حتى تلاشت الأسطر وتلاشت الحروف وتلاشت الأخبار جميعها ولم يعبق فيها ، إلا ورق متضخم ، رمي فوقه قليلا من البخور ، ونادى بأعلى صورته ( يا أيها الوطن العزيز كم من جرائم ترتكب باسمك ، وكم من ضحايا ذهبوا ضحية من يزعمون حبك وهم منك براء ) ثم حمل آنية النار بيديه ،  عاليا وأخذ يدور في الحجرة راقصا رافعا " ساق " ، ومنزلا آخر ، رافعا صوته بالغناء ، قائلا " كل ده كان ليه .. يا حبيبي ... " وظل علي هذا الحال ، يفرغ وعائه الإنساني ، مما علق به ، والقطط قد التفت حواليه ، وهي تنظر إليه بأعين ناعسة ، وتموء معها " نو – نو – نو " وكنها شكلت جوقه له ، ولم ينته إلا بمظلوم يدخل عليه ويقول له ، يا سيدي فيرد لعيه فلتشاركني الرقص يا مظلوم ، فيتعجب مظلوم من ذلك ولكنه لا يملك إلا أن يشاركه الرقص ، ويضحك عرفان قائلا له ، ارقصي يا مظلوم ، ارقص يا مظلوم ، فاليوم يوم الظلومين ، ألست واحداَ ، منهم وهذه القطط ألا تشاركني الرقص أو المغنى ، أو المعنى واستمرا هكذا حتى تصبب العرق منهما ، وسكتت القطط عن النونوة ، وكانت النونوة ، دائما تضيق صدر نساء البيت ، ولكن اليوم كان يومها أيضا ، فالباب مغلق ، فلتغني ما شاء لها ، أن تغني ولتمرح ما شاء لها ، وصاحبها معها شاركها وشاركته ، وتابعة مظلوم ، حتى سقطا علي الأرض في إعياء وقال عرفان لمظلوم وهو يلهث من هذا المجهود لقد فعلنا شيئا عظيما ، إذا أرحنا نفوسنا ، مما يحتم علي صدورها ، وفرحنا عن أنفسنا هما ثقيلا ، والآن ماذا وراءك ، قالها وهو يجفف عرقه ، وينثر بعض العطور ، في وجهه وفي صدره ، وفي وجهه ، وفي أيدي مظلوم ، فقال له مظلوم ، لا شىء أكثر من بعض المرضى قد جاءوا ليقابلوك فرد عرفان احضرهم بعد قليل ، وقام مظلوم ليدعي كل حاله علي حدة وقام عرفان ، فهندم من ملبسه ، ومشط شعره ، وجلس في جلسة العمل.

     فتح الباب ودخل من دخل فإذا هم عائلة الأستاذ محسن ، زوجته عفان ، وأمها فتحية والأستاذ محسن ذاته ، فقال عرفان مسلما مرحبا ، سائلا عن الأحوال ، فرد الجميع الحمد لله ، وجدناه كان كما قلت ، أمام السلم في الحديقة وحضرنا في حرص فوجدناه ، وقمنا بفكه في حجرها ، وكأنك فتحت القفص ، للعصفور ، فطار في الحال ، كذلك الصداع ، طار في الهواء ، وعادت عفاف نقية من كل سوء ، وفرحنا جميعا كل العائلة للشفاء وأقمنا حفلة ، حضرها الأقارب والأصدقاء ، وجئنا نشكرك علي كل هذا ، فشكرهم ، عرفان ، وقال نحن لا نفعل شيئا نستحق عليه الشكر ، ولكن الأستاذ محسن قال ولكني أريد  أن أعرف من هو الذي قام بهذا وأردفت السيدة فتحية ، أي والله يا أستاذ عرفان من هو هذا الإنسان ، الذي يفرق الناس ويبغضهم إلي هذا الحد ، فقال عرفان لا داعي يا جماعة ، مادام الشفاء قد حل وذهب كل شىء ، إلا أن العائلة ، شددت وأقسمت علي أن يبلغهم بمن فعل ومن عمل ، فرضخ عرفان لقولهم ، وتأمل قليلا في لحظات صمت وإطلع علي كتبه وزاد من كمية البخور ثم قال ، قريب جدا ابن العم أو ابن الخال كان يسعى طالبا لها ولم يوفق فكان ما كان ..
فشكره ، بعد أن ذهبوا في حيرة الأفكار ، وهم يمتعون وهم راحلين ، " معقول ، معقول يعملها يوسف ، ولا محمد ولا رفعت ولا مين " لأ مش معقول أكيد واحد تاني يمكن اسماعيل ، ولا سيد ولا مختار ولا عبـده" .
وهكذا كان لا يريد عرفان ، أن يصرح بأكثر مما يحل المشكلة ، ولكنه مضطر ولا مضطر يركب الصعب ، المهم أنهم غادروا عرفان ، وبعده قابلوا مظلوم وانتهت مشكلتهم ، ولكن حيرتهم لم تنته ، وإن قالوا في نفس واحد ، منة الله ، من فعل ومن عمل .. ودخل علي عرفان ، شاب الصحافة أو صبى الصحافة ، وقال له الآن جئت أشكرك يا سيدي ، لقد عدت إلي نفسي ، ولكن بعد جهد شديد ، وقد التحقت بصحيفة ، الوعد وهي صحيفة جديدة ، ولكن رجالها ، من صاحب ومن رئيس ومن محررين ومحررات ، في غاية الانسجام ، فقال له إذن قد حققت أحلامك ، بإذن الله ، فقال له والآن يا أستاذ سميح ، وقد تحققت أمنيتك ، أمازلت تبحث عن البيضة الأول أم الفرخة ؟! فقال له سمير من فضلك اسمي الفني سميح الوادي ، هذا أولا ، أما حكاية البيضة أم الفرخة ، فقد قطعت الخطوة الأولى ، ولعلهم يوافقون علي القيد ، هذه المرة إلا أن ما يبسطني في صحيفة الـوعـد أن فيها أفكار شابة جيدة ، ورغم أن رئيس تحريرها رجل في منتصف العمـر ، إلا أنه شباب في أفكاره ، ولقد وجد في نشاطا هالا ، فنزلت إلي الساحة من أول يوم ، ذهبت مع الأستاذ حسين السيناوي ، إلي مرسى مطروح ، وعملنا تحقيق صحفي  عن مقابر العملين ، وحقول الألغام ، وقابلنا مصمرين ، من أيام  الحرب ، وانتقلنا من هناك إلي الوادي الجديد ، وقمنا بتغطية كاملة عن هذه المحافظة الجديدة ، عادات وتقاليد المجتمع ، ورجاله ونساءه ، ومصادر دخـلـه ، وكل شىء عن هذه المحافظة ، وقد نشرت هذه الموضوعات تباعا ، ألا تقرأها يا أستاذ عرفان ؟ فرد عرفان والله ، أنا لا أتابع جميع الصحف ، وسوف أبحث عنها وأقرأها ، واستطرد سميح وذهبت مع الأستاذ إسماعيل العثمانلي وعمرو زايد ، وتامر عيسى وياسر خليفة ، وقمنا بتغطية شاملة ، لمنطقة سيناء ومعادنها وبترولها ، ومناطقها السياسية والدينية ، والتاريخية كنا مجموعة ، برئاسة الأستاذ اسماعيل العثمانلي ، وباقي المجموعة زملاء جدد مثلي تماما ، وقمنا بزيارة أخرى ، مع الأستاذ عمر العريشي للاسماعيلية ، وقمنا بتغطية ممتازة ، لشركة القناة وفروعها ، بدأنا بالإسماعيلية ، ثم السويس ثم رجعنا مرة أخرى إلي الإسماعيلية ثم بورسعيد ، وقمت مع الأستاذ رضا المطروحي ، بعدة أحاديث صحفية ، مع بعض المسئولين في الدولة ومع الأستاذة زهيرة عابد وسناء رياض ونادية الملاخ ، ونفيسة البيلي وكلهم صحفيات كبار ، قمنا بتغطية لآثار مصر فذهبنا إلي الهرم ، وإلي الأقصر وزرنا المتحف المصري ، وكان الجزء الأول من تغطية آثار مصر وقمنا مع الأستاذ عبد العظيم قابيل ، زيارة للمتاحف التاريخية ، والمساجد الآثرية والإسلامية ومسجـد الحسين والسيدة نفيسة ، وغصنا في المخطوطات الصفراء به ، وفرحنا بموضوع جيد ، وقد أجرينا أحاديث أخرى مع بعض الدبلوماسيين العرب كالأستاذ جابر الفهد وزايد عيسى وياسر خليفة وعرضنا للعلاقات المصرية العربية ، وأثر حرب اليمن علي العلاقات العربية وكـان هناك المعارض علي أساس أنها جرت الجيش المصري إلي معركة بعيدة عن استراتيجية وأنها محاولة خبيثة لتفتيت جهوده ، وانها دقت الإسفين بين العرب  ، بينما العدو الرئيسي بكامل قوته .. وقمت بعدة احاديث فنية ، مع بعض الفنانين والفنانات ، وكان معي الزميلة ماجدة فراج ، ومنال الحكيم وعما آدم وزين الدين أبو السعود .... 

وأيضا قمت مع زملاء كبار ، بتغطية عدة موضوعات رياضية ، أذكر منهم اسماعيل نجيب ، وناصف عبد المجيد ، وحجازي محمود وعبد الله إمام وحمادة لطيف .  المهم يا أستاذ عرفان أنني استغلت مع هؤلاء جميعا وتمرنت بكل الأقسام ولم أترك قسما لم أعمل به وكان يشجعني رئيس التحرير الأستاذ عصام عبد العال وصاحب الجريدة الأستاذ فهمي عبد السلام ، فابتسم عرفان وقال له وكيف فلت من التأميم ؟ فرد سميح والله لا أعلم ولكن هي جريدة مرخص لها وجميعه مقيدون بالنقابة فيما عدا الجدد ، جاري قيدهم ، فقال له عرفان المهم أن تكون أحسن حالات وأفضل من ذي قبل وأعلم أن كل شىء يأتي بأوانه ، وأن المرحلة التي مررت بها لم تكن إلا كبوة ولكل جواد كبوة ، وأنت جواد أصيل فلا تجعل مثل هذه تلفت نظرك وتأمل عمالقه الصحافة وكيف أثروا الفكر ودافع عن الحق مهما كان أمامك من مغريات ولا تكن إمعة تمشى مع الزفة ، وتدق الدفوف والطبول ، لكل من حب وكل من دب ، ولا تطعن في زميل لك ، ولا تجرحه بغير ما فيه من أجل مركز تهواه ، أو مجاملة ترضاها أو سعيا إلي كسب ود كبير أو صغير فأنت صاحب قلم وعليك أن تتحرى الحقيقة كاملة وأن تعرف كل الملابسات ولا تعتقد أن المعروفين والمشهورين علي حق دائما ، فقد يكونوا مخطئين أيضا كما أن المضمورين والضعفاء ، قد يكون الحق معهم فلا تقف مع قول أي إنسان دون أن تتأكد وتفحص ولا تنتمي إلي جماعة أو شلة ولا تتجسس علي زملائك وليكن قلمك من أجل رد الحقوق لأصحابها وكشف المظالم ، ورفعها عن كاهل المظلومين ، ولا تبرر للمخطىء أو للظالم فعلقه ، وحاول حل المشاكل فإذا تعنت الظالم فإكشفه بكل الطرق ، ولا تخدعنك ، أقنعه ، الناس فتخفي عنك الحقيقة أو تلون أو تقلب فيصبح الظالم هو المظلوم والمظلوم هو الظالم ، ويصبح القوى هو الصادق والضعيف هو الكاذب ، تحرى الصدق في كل كلمة ودعم عملك بالمستندات والآراء المثبتة لما يثار ولا تأخذ آراء من تشتم في آرائهم شبهة الزيف أو الممالأة أو النفاق ، لمن يثار ضده هذه القضايا فقد يكون رئيسه ويخشى منه وقد يكون صديقه ويخاف علي صداقته أكثر من الحق ، وقد يكون قريبه ، ولا يريد أن يمس بسوء ، فتحرى الحقيقة ، ولا تنشر أخبار كاذبة وثق أن كل هذه الأضواء زائلة يوما ، ولا يبقى إلي ثوابت الأفعال كان ذا يوم في عداد المشهورين ، ومن رجالات الدولة ، ثم كبر الرجل وأحيل إلي المعاش فصار الحال غير الحال ، يمشى في الشارع فلا يقابل بمثل ما كان يقابل ، بل ان الناس لم تعد تعرفه ، أو أنها عرفته ونسته وكان الرجل يمتلأ حسرة علي نفسه بعد كل الجاه والسلطان ولم يعرف الوفاء معه إلا نفر قليل ظلوا معه علي العهد حتى مات وأصبح في خبر كان فيجب أن تعرف هذا وأن تسير عليه في حسن أدب وعفه قلم وأجعل هذا القلم سيفا مسلطا علي المنحرفين وعلي المفسدين ، والفاسدين واجعله عودا من الريحان ، أو غصنا من الزيتون علي الشرفاء والبسطاء والمساكين فرد سميح قائلا سأكون عند حسن ظنك وما مشكلتي الأولى التي سببت لي هلوثات الفرخة والبيضة إلا بسبب ما توصيني به الآن وإني لقمين علي كل هذا وأهل له بإذن الله وأستأذنكم لسفري إلي أسوان غدا برفقة وفد اجنبي زائر فأذن له عرفان وعاد إلي مجلسه فدخل عليه مظلوم وقال له ، الست فريدة وابنتها شوفية ، فقام عرفان وفتح الباب قليلا ،وقال لهما تفضلا بالدخول يا خبر تفضلا تفضلا فدخلا عليه ومعه رجل في متوسط العقد الثالث ، توسم فيه عرفان ، عبد الحليم عبد اللطيف ، وقال عرفان في سيره مالي اليوم أراه يبدأ بالحزن علي ما حدث بالصحف والكاتب ، وما أراه من خير مني عملي ، حيث معظم الحالات ، في طريقها السليم نحو العلام ، والعودة إلي وضعها الطبيعي ، وتذكر في الحال تول الشيخ الزائر " لا تفرح لخير ، ولا تحزن لألم " وقال لهم تفضلوا بالجلوس فرد عليه عبد الحليم قائلا ، نشكرك علي ما صنعته ، لشوقية وهو جميل لن نساه أبدا وقالت شوقية لقد كانت سحابه صيف وانقشعت ، ولكنها كانت فترة مليئة بالشكوك والحيرة والعذاب كانت المشاكل تتراكم ككرة الثلج تتضخم وتتدحرج ، فتضخم أكثر وأضافت السيدة فريدة والآن انزاحت الغمة يا شوقية ، وانصهرت كرة الثلج ماءا فأخضرت ، السعادة في حياتنا وحل السعد والهناء مكان الألم والحزن والكآبة وقد جئنا إليك يا أستاذ عرفان شاكرين طالبين منك أن تحضر هذا الفرح فوعدهم عرفان إن لم يكن وراءه سفر أو مشاغل فسيكون أول الحاضرين وتمنى لهعم السعادة في حضوره أو في غيابه ، وانصروفا من عنده ولسان حالهم يوقل كم تفرس السعادة ، وملاءات الحب ، وكم ترفرف بجناحيها ، مظللة علي الأحبة ، وكم يقوى الفرح من عزائم الناس فكأن ما كان لم يكن ، وكأن بحر الآلام ، قد تحول إلي بحر الشفاء ، يزيد من يشرب منه صحة وحيوية ويزيل من النفوس الشاربة مرارة الأيام وعلقم الماضي الأليم ويصحو من غفوته من شرب منه فإذا هو قد عاد إنسانا آخر كل الأبواب أمامه ، مترعة بالأماني بالعذاب ، فاتحة ذراعيها في كرم وفي أمان نحو بستان الراحة المرجوة.

*بعد أن خـرج الجميع ، قام عـرفان ، بطلب الأستاذ مدحت موسى بالقاهرة ، فرد عليه سكرتيره ، الأستاذ شريف عادل وأبلغه عرفان أن عرض الأستاذ مدحت قد صادفه القبول ، وأنه سيلتقي به ، في أبى حمص يوم الاثنين القادم وأوصاه أن تكون الأوراق قد أدعت لعقد الإيجار المرتقب فأفاده الأستاذ شريف ، أن كل شىء معه وأن الأستاذ مدحت سيكون موجودا هناك ، وانتهى بالاتصال التليفوني ، ليطلب من عرفان أن يبلغ الشيخ عبد العليم بما تم الاتفاق عليه وأن يتفق مع الأسطى حاتم أن يوصلهم إلي أبي حمص علي أن يكون السفر ، فجر الاثنين وذهب مظلوم إلي ما كلف به وعاد عرفان إلي الداخل ن حيث عرج علي غرفة أولاده وقد انكب كل من جدير وغدير ، علي كتبهما ، وهم في مرحلة شهادة وهي شهادة الإعـدادية ، وأما ميرفت وثاني فبالصف الثاني والأول الإعـدادي أولاد روح الحياة.  وكانت نجوى ونسيم بالصف الثاني الإعـدادي ، أما ندى ونرجس ونعيمة فكان بالقبول الابتدائي والصف الخامس الابتدائي والصف الرابع الابتدائي ، وهؤلاء من عفارم.  وقد أخذ يناقش كل منهم في مواده الدراسية ثم هم بمغادرة الغرفة فسألته نرجس ، ولكن الأسماء كثيرة في كتاب التاريخ يا بابا فقل لها لأنه تاريخ يا ابنتي وتذكر مع مرور الزمن ، ما حدث مع أولاده من قبل وكله بسبب التاريخ ولكنه أضاف قائلا ، واشوفي يا بنتي ، كل شىء في الحياة له اسمه ، الإنسان له اسم والحيوان له اسم ، والأماكن لها أسماء والأزمنة لها أسماء والشجر له أسماء ، والطير لها أسماء والحشرات لها أسماء والنبات له أسماء والنجوم لها أسماء والبضائع لها أسماء والخضروات لها أسماء ، واصناعات لها أسماء والأنهار والبحار والمحيطات لها أسماء عندك مثلا نهر النيل والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ، وهكذا كل شىء في هذه الحياة له أسماء علشان نعرفه نميزها ونعرف نفرق بينها وبين غيرها وانتي وأخواتك ، كل واحد له اسم والذكر له اسم ، و الأنثى لها اسم علشان نفرق بين الولد و  البنت ، في شهادات الميلادو في المدرسة وفي الحياة وعلشان كده الأسما مهمة والأسماء يا بنتي معناها الحياة لأننا بنعيش ونتكلم مع بعض وبنحكي مع بعض لو حكينا ، بدون أسماء يعني معنى كده نحكي بالإشارات وأحنا مش في مجتمع صم وبكم ، إحنا بنكلم بعض مفهوم يا نرجس فردت قائلة ، مفهوم يا بابا ، و خرج من الحجرة ، وهو يتمنى لهم التفوق وانطلق إلي حجرة النساء ، فسلم عليهن ، وقال لهم كيف الأحوال فرددن روح الحياة وعفارم و فريال وسميرة و عال والحمد لله ، ثم ابتسم وهو يهمس ، لنفسه سبحان الله الشامي علي المغربي في حجرة واحدة !!
وذهب إلي حجرة الضيوف ، بينما النسوة من السيدات والخدم يسمعون صدى حركاته ، فيضحكون ضحكة مكتومة ، يبدوا أنه مازال يقظا حتى الآن وقالت عفارم ، فاكرة يا بت فريال يوم البطارخ ، فابتسمت روح الحياة قائلة والله دا كان يوم واستفسرت سميرة عن الحكاية ، فردت عفارم قائلة ابدا في يوم من الأيام أحضر كيلو من البطارخ الدمياطي ، الممتازة وقام بتغطية ، إلي قطـع صغيرة ، وأحضر أحد أبناء أخت روح الحياة وقال له قم بعد القطع وسلمها عهده لعفارم ، وخد بالك منها خوفا أن تسرقها منك وقام الولد المسكين بعد معي ، وأنـا أخفى القطعة تحت القطعة وأقول واحد وهي اثنين وهكذا وبعد أن تم العد والإحصاء قمت بسحب القطع السفلى وبقى العد مضبوطا ، والولد المسكين أكل اللعبة أو خجل منى ولم يتكلم وجاء سبع الليالي في المساء ، وهو سكران طينة وأخذ معه باسم وقال له كم العدد ، فذكره فقال له ضحكوا عليك ضحكت عليك عفارم " بنت الهرمة " دا كيلو ، وأنا عارف تقطيعه يطلع كام ، ضحكوا عليك وعملي حسيب ولم ننته من هذه الواقعة ، إلا بفناجنين من القهوة المرة ، شربهما ثم ارتمى بلبسه الداخلي علي السجادة ثم تصاعد شخيره ، وفي الصباح كأن شيئا لم يكن ومن يومها ، وباسم لا يقبل أن يشرف علي العدو والإحصاء والحسابات ، فضحكت سميرة وقالت ، ولماذا تفصلين هذا ، ما دام قد أحضره لكم جميعا ، فردت عفارم ، وقالت أنا بضحكك ، حتفطميني ، أهو ده اللي حصل ، ويعيش وياخذ غيرها وانطلقت النسوة تثرثرت في مواضيع مختلفة ، ثم قمنا بتشغيل التليفزيون ، ناجح أطفال الغد الذي تقدمه السيدة / منى شاهين بينما جلست روح الحياة ، وفريال تقصى أظافرها ، وتقول لها قوللي يا ستي ، لماذا نتزاور ، مع عمتك ، وسفلتك ، فقالت والله ، مشاغل وهم كل يوم هنا ، والناس مشغولة لكن لزما تزوريهم يا ستي ، فردت عليها كل شىء بأدوانه ، فقالت عفارم كفاية بقى دوشة ، خلينا نتفرج علي الرسوم المتحركة ، فردت روح الحياة طيب وطي الصوت شوية لحسن العيال تسيب المذاكرة وتيجي تتفرج فقالت عفارم حاضر وبينما هم علي هذا الحال كما كل يوم في الصباح ، الراديو مفتوحا علي برامج الأسرة والتمثيليات ، في فترة ما بعد الظهر ، والتليفزيون في المساء ، وكان التليفزيون جديدا ، أحضره عرفان منذ مدة قليلة ومن يومها واجميع يجري نحوه ويجلسون أمامه كما التماثيل ، حتى ينتهي البرنامج اليومي ، وأما الجرنال ، فلم يكن له مكانه مع النساء ، سوى فريال أو سميرة ، يقرآن القليل منهما لروح الحياة ، وأما عفارم ، رغم أنها تقرأ إلا أنها منذ جاءت إلي الريف لم تتابع الصحف ولكن الأولاد كانوا يقرأون الصحف ، والصغار منهم يستهجون الحروف والكلمات بمساعدة الكبار ، وكان الجميع في هذا المساء مشددين ، أمام فلم الرسوم المتحركة الكاريكاتوري ، حتى نادى مظلوم علي فريال وقال لهما قومي حضري شاي وقهوة ، للضيوف ، كان مظلوم قد عاد من مشواره ، وعاد إلي سيدة ، توجده جالسا ، في حجرة الضيوف ، وقد أخذ الجمع ، يدخلون وحدا بعد الآخر حتى اكتمل جمعهم تماما وأعدت جلسة كل يوم. والجميع يتساؤلون عن أرض البحيرة ، فأخبرهم عرفان بكل شىء ، وقالوا إذن ستنتهي الليالي الحلوة ، كما انتهت من قبل ، أيام التفتيش ، فقال له عرفان باسما  لا هذه غير تلك ، فالأخيرة ، سيذهب إليها الشيخ عبد العليم ومن أختارهم وسوف أتابعه بالزيارة كل مرة أما الذهاب لمدة طويلة ، فقد يأتي ولكن ليس من تلك الأرض وإنما من أرض أخرى ارض القاهرة فقال أحدهم إذن نقول أن ليالي القاهرة ستعود كما كانت زاهرة فقال يفعل المرأ منا ما يتمناه ولكن ليس كل التمني يأتي ، ولا كل فعـل يؤدي إلي تحقيق التمني ، وإنما هي مجرد افتراضات قد تتحقق أو لا تتحقق ، واستمرت الجلسة علي هذه الحالة حتى دخل إلي الحجرة ، رجل ملامحه ليست غريبة ، وقد أخفاها علي الجالسين ، للمفأجأة والتمتع بصدمة اللقاء ، فما خلع الشال الذي يلف به وجهه حتى هتف عرفان من ؟! حلمي !! وأخذه بالأحضان ، وسلامات وسؤال عن الزملاء القدامى ، وأني حسني بك الآن ، فذكر له أنه أحيل إلي المعاش ، وعين رئيسا لمؤسسة اللحوم والثروة الداجنة ، وأنت تعرف قرابته ايضا ، لأحد رجال العهد الجديد ، فقال عرفان ، ولكن لا تنكر أنه كفاءة فقال حلمي ، ولا أحـد ينكر ذلك وقد أقمنا حفلة كبيرة لتوديعه ، وأحلت بعده للمعاش ، وفتحت دكانا للبيع والشراء ، كـان الحديث قد أخذها ، وهم واقفين والجميع في دهشة ، فيما عدا القليل الذي يعرف حلمي ، ثم جلسا وقام عرفان بالتعريف ، كان زميلا  لي ، ولم يقصد أن يقلل من قيمته ، أنه كان فراشا للمكتب ، رغم أن العمل شرف لا يدانيه شرف ، أيا كان ولكن فعلا حلمي ، كان نديمه في العمل وفي غير العمل ، أثناء فترة التفتيش ثم أنه زوجه شربات فسأله عنها فقال له إنها بالداخل ، عند الست روح الحياة ، فأستـأذن عرفان في أن يسلم عليها ، وقال لحلمي بين أصدقائك وخلانك ورتب بيده علي كتفه في موده وحب قائلا ، البيت بيتك يا حلمي ، وولف إلي الداخل  صائما أين أنت يا بنت يا شربات فقامت من علي الأرض ، وهي تبتسم في خجل ، فقال رغم السنين مازلت شربات ، فردت في حياء خلاص راحت علينا يا سعادة البيه ، فقال لا و الله مازلت لحوة رغم السنين والشهور والأيام فضحكت النسوة من حديثه وضحكت هي أيضا والشهور والأيام فضحكت النسوة من حديثه ، وضحكت هي أيضا وقالت الله يكرمك يا بيه زي ما عطفت علي بالكلمتين الحلوين دول ، فقال لها ، وإزي أولادك فردت بيبوسو إيدك وإزي حلمي معاك ، عال يا سعادة البيه ، بس هو كل يوم يقعد يشرب الجوزة ، ويقول فين أيام عرفان بيه ويعد بعيدا الذكريات ، ويا خدني جنب الخبيثة ونلف هو إليها وأوقات نخشى ويقو للي فاكرة القاعـدة دي مع ستك ، روح الحياة ، وكل يوم علي كـده ، فرد عـرفان ، ربنا يوفقكم خدي راحتك يا شربان ، البيت بيتك خللي باللي منها يا روح الحياة و أنتي يا عفارم ، وأنت يا بت يا فريال ، وأنت يا سميرة ، ويستأذن عرفان و يعود إلي الصحبة وهو يرحب بحلمي وحملت قد أخذ علي المجموعة وأخذ يحكي لهم كيف أصبح عرفان سبع الليالي وكيف كان يضحك معه ويقول له أمك اسمها حلمية أو يا بن الحلمية ويحكي حلمي كيف كان يسمع الحكاية من عرفان ويقول في جلسته ، أنها حكايته فيرد الناس عليه.  هي ليالي عرفان ولا ليالي حلمي ، ولا ليالي أمك حلمية ، ويضحك الحميع ويزيد حلمي قائلا لهم ، لكنني لم أكن السارق الوحيد ، لحكايات عرفان التي لا تنتهي ، فأذكر أنه كان يجلس معي ، عوض الساندي ، وكان يريد أن يتعلم الحكى وفي الحكى ، فكان ينقل منى بالحرف ، ثم يحور في الموضوع ، ويقول لصحابته من تأليفي والحكاية أصلا منقولة عني ، منقولة عن عرفان  ، وكان عوض الساندي ، يفتخر بأنه صار راويا للحكايات ، وكانت تعطيه الجلسة المريحة بين الناس ويستمعون إليه و هـو يحكي كأنهم يستمعون إلي تمثيلية في الراديو ، أو أنهم يشاهدونها في التليفزيون الذي أحضره عبد القادر عبد الجليل ، في القهوة ولما وجد أدم مظهر ، أن عوض الساندي لديه حكايات جميلة تخللي الناس تفرح أو تخليهم يبكوا ، أو الاثنني مع بعض وكان آدم بيشتغل في فرقة مسرحية في المحافظة ضحك علي عوض الساندي ونقل الحكايات كلها وأداه قرشين ، وقال لونيه جديدهات ، واقبض ولما خلص عوض الساندي جالي ، وقبضت منه وكل واحد يشيل حته ويحط حته ويمط في حته ، وتوصل لآدم مظهر ، يبيعها للفرقة ويمثلها كمان ويقبض وسمعت أنه أيضا يعرف واحد في المجال ده كبير اسمه ملكية ، أحيانا بياخد منه ، والحكايات أصلها يا جماعة حكايات مين حكايات مين ، فيرد الحاضرون بين النوم وبين الحصيان من كثرة الشرب تبقى حكايات سبع الليالي فيرد حلمي ضاحكا ، لأ حكايات عرفان فيقول عرفان ومازل الجراب ممتلأ بكل جديد ومفيد ومبكي ومفرح ومسلى فيقول حلمي علي به فيقول عرفان ليس أوانه ، وكان جالسا حجرة وعجوة ، وقد سمعا كل هذا ، فقالا في نفس واحد طيب يا أخويا ، ما احنا عندنا حكايات كبيرة قوى ، فيتعجب حلمي فيقولان له ، إسأل عرفان بيه ، فيقول عرفان أيوه يا حلمي لديهما حكايات لم ترد علي خيال أحـد ، ويهمس له في أذنه ( فشاران ) فيضحك حلمي ويقول لهما ، لم أر في حياتي ، حكايات أكثر مما قرأته ، في كتاب ( مغامرات محجوب ) ، فيسألان حكايات مبين ؟! فيرد حلمي حكايات محجوب فيها من الخيال الكثير فيسألان وأين نجده فيرد حلمي والله هذا الكتاب ينقل باليد فليس له وجود غير طبعة قديمة مكتوبة بخط اليد ، كان قد أحضرها لي ، ابن أختى ونسي من مكتبة المعارف القديمة ، ونسختها فسألاه ؟ وأين تلك النسخة ؟! فيرد حلمي ، وقد لعب بهما ما لعب سوف أبحث عنها لعلها هنا أو هناك أو يمكن ونيس خدها تاني علي كل يمكن ألاقيها وأجيبها لكم فرد عليه في نفس واحد باين عليك فشار ، فضحك حلمي وضحك عرفان وضحك الجميع ولم يكن حلمي يكذب أو يفشر وإنما قرأ هذه الحكايات مغامرات محجوب ولكنه أعطاه لونيس بعد نسخها وونيس ردها لمكتبة المعارف القديمة ، وقد كان علي علاقة بصاحبها ومن يومها لم يطلع عليها ، والنسخة التي لديه ، فقد فقدت ضمن ما فقد ، والحقيقة أن شربات كانت تولع وابور الجاز ، ورقة منها أو ورقة جرنا حتى خلصت النسخة وكان عرفان يتابع الحوار بين الفشارين وبين حلمي وهو يقول لهما عن حلمي لا تقللان من قيمته ، لقد كان حلمي في شبابه لاعب كرة وهو يحلم حتى الآن في منامه ، أنه يلعب ولا يستيقظ إلا إذا كسر في المباراة !! ثم أنه لعب دور محجور دور البطولة في مسرحية شجرة الدر مع فرقة التفتيش ، ثم أنه أيضا مثل أمام دراكولا مصاص الدماء ، بتاع السينما ، مع نفس الفرقة فمنظر الجميع إلي حلمي ، ونظر الفشاران إليه أن حلمي أكلا منهما الجو ، فقال جمرة وإيه يعني أنا كنت مرة في مصر ومثلت دور البطولة ، أمام صباح فضحك الجميع وقالوا له وأخذ كام ، فرد جمرة ولا مليم ، أصل أنا مثلت الدور بعد أن قام يوسف وهبى بالتحايل علي من أجل هذا الدور ، فيرد الجميع يا سلام !! وتحفز عجوة وإيه يعني ما أنا برضك مثلت في فيلم عربي قدام شادية ، وعلشان اطر الأستاذ فريد الأطرش وفيه فيلم أجنبي أيضا مع أنتوني كوين ، ولولا خاطر المنتج والدت ديزني ، ماكنتش رضيت أمثل ، ويرد الجميع يا سلاميين !! وقال الشيخ عبد العليم ، إلي أين ذهبتما يا جمرة وأن يا عجوة ، إنكما لم تغادرا هذه البلدة ، منذ ولدتما ، ولم نسمع أي فشر ، غير فشر كما عن هذه البلدة ، فكيف ذهبتما إذن إلي هذه الأفلام ؟  ورد الجميع أي والله كيف ذهبتما ؟! فرد جمرة وعجوة ؟! جرى إيه يا يشيخ عبد العليم ؟! ما أنت عارف اللي حطنا في الأفلام دية ، فشر حلمي !! قلناها يكشفنا فألفنا الحكاية ، زي ما هو بيألف ، يبقى في بيتنا وياكل منا العقدة يصح يا جماعة ؟! فترد الجماعة في نفس واحد عداكم العيي يا فشارة ، نقصد يا رجالة  وضحك عرفان وقال لهم جميعا وهو يحلـو السهر بدونكم جميعا جمرة وعجوة بخفة دمهما  وارتفاع مستوى قرعهما ، وحلمي ضيف عزيز وأنتم رفقة قديمة ، تزاملنا وجلسنا في هذه الحجرة أو في مضيفة الشيخ محمد ، أكثر من أي مكان آخر ، فجمعتنا الألفة والمحبة والضحكة و البسمة ، وكل علي راحته ، وليخلع كل منكم ثوب الألم ، ويلبس ثوب الفرح حينما نجلس جلستنا فابتسم الجميع راضين مستقري النفوس وقد كانت مثل هذه الجلسات تترك كل إنسان علي سجيته ، حتى يريح جسده ونفسه وكيانه مما علق بهم طول اليوم ، لذا فأي معارضة ، لم يقوله كل واحد تؤدي إلي الشحناء وإلي البغضاء ، و يقول من يقف له الغد ، وقفة شديدة ماذا جرى أيها الأخ ستقف لي علي كل واحدة ، خذها كما تعجبك ، أو إرميها خلف ظهرك ، وهكذا جرت ليالي الأنس والمؤانسة ، في ود بالغ ولم تخلو من جد ، حينما يجد الجد ، أو قد تعن مشكلة ، فيتلقفها الجميع كل برأيه لما فيه ما صواب ، حتى يوجد الحل الناجح فينصحون به صاحب المشكلة وتنتهي ليعودوا مرة أخرى إلي مزاحهم ونكاتهم وشربهم وطعامهم كما كان هذا اليوم ، فلما غابت العقول وقطع الليل ، مسافة طويلة قام كل منهم منصرفا مودعا عرفان ، ومودعا حلمي ، حتى اقتصر المكان علي عرفان وحلمي ، فترك له الحجرة وأعد له مظلوم مكانا للنوم وحلفته شربات ، بعد أن شدت عليها روح الحياة أن تنام في حجرتها إلا أن عرفان قال مع زوجها ، فالمكان واسع وليس هنا ضيوفا اليوم فأطاع الجميع ، ونادى عرفان علي عفارم ودخلا إلي حجرته ، وقفل الباب ، ومازلت روح الحياة وفريال وسميرة يجلسن بالحجرة ، وسيدتهما تحكي لهما عن " عطايا " والدها الكبير ، الشيخ محمد إبان حياته وأن عرفان قد كلت قدماه من الذهاب و الإياب حتى وافق الشيخ محمد علي طلبه بالزواج وفهمت الفتاتان أنها تبرر لهما ، لماذا أخـذ عفارم ، وتركها في هذه الليلة وأضافت روح الحياة في حياتها هذه السيدة ، لم تكن من ثوبة ، ولكنه وجدها ذات مرة ، وأتى بها إلي المنزل وقد كان أصبحت زوجته ، كانت هذه دائما رواية روح الحياة لفريال و لسميرة كلما كانت الليلة ليلة عفارم سمعا ألف مرة ، ولكنهما يوافقاتها ، في كل كلمة حتى تخلد إلي النوم وكانت سميرة تتجرأ وتقول لها ، ولكن الجدول ، الليلة لها فترد روح الحياة وهي تضربها ، ضربا لينا قومى يا بت ، ها تلى ما يه أشرب ، هو يعني كان دائما ممشى الجدول بالضبط !! فتضحك فريال وتجري سميرة ، من أجل المياه ، وقد كتمت ضحكتها ، واستمر الحال حتى أتى النوم وعلا شخير الجميع ، ونامت القطط بعض الوقت ، ولعبت طول الوقت إلا بعضه ، حتى الصباح.

*جاء يوم الاثنين ، فانطلق الجميع في فجر هذا اليوم متجهين إلي أبى حمص ، بحيرة ، كان الجو جميلا ، ومبشرأ ، بيوم صحو وكان الطريق هادئا ، إلا من عربات قليلة ، انطلقت ، إلي أغراضها ، وهكذا مع صباح كل يوم ، تعودت أن تسير علي بركة الله ، وكان النسيم عليلا لافحا بزداذ من ماء وجوه القائمين إلي أعمالهم ، كان عرفان و الشيخ ، عبد العليم بجانب السائق واستقل العاملون صندوق العربة ، وقد غطوا أنفسهم بمشمع العربة ، أتقاءا لبرد الصباح ، وكانت معداتهم كاملة من أدوات فلاحة مختلفة ، وكانوا يقطعون الوقت ، بحكاياتهم التي لا تنتهي أو بالحديث ، عن هذه الأرض ، الجديدة ، لم تكن هذه أول مرة يسافرون فيها ، كانت آخر رحلة ، ولكنها لم تكن الأخيرة ، ولم تكن أيضا الأولى وقد عرفوا مرارة الغربة ، في رحلاتهم السابقة ، ولكنه أكل العيش وكم هو قاسي علي أمثالهم وأترابهم ، وكان كل منهم قد تزود بزاده وزواده ، والعربة تنطلق إلي الطريق الرئيسي ، ومنها إلي المنصورة ، فالمحلة فطنطا ، فإيتاي البارود ، فطريق فرعي يوصل إلي أبي حمص ، كان عرفان في هذه الأثناء ، في حديث مع السائق والشيخ عبد العليم يتابع حديثهما ، ويشترك أحيانا فيه ، ويقول يا عرفان ، يا أخي لا أعرف لماذا لا يستقيم كل شىء ، فتحدث عن شىء فيهمه الناس بالعكس ، وتمدح صديق فيعتقد أنك تذمه ، أهو عيب في الناس أم عيس في فيقول حاتم وهو رجل كبير في السن ، ولكن الزمن والسفريات المتعددة جعلته واعيا لكل شىء ، وصاحب تجربة وخبرة ، وكان علي عكس الكثير السائقين ، لا يشرب أي مكيفات كان همه الوحيد ، هو العمل يقوم مع الصباح فيشغل عربته ، ويقرأ بعض آيات القرآن الكريم ، ثم يفحص الزيت ، والمياه والبنزين ويطمأن عليهم فلما يجد كل شىء في وضعه الطبيعي ، ويتأكد أيضا من الفرامل ، ومن نفـخ الكاوتش علي الميزان يتوكل علي الله في رحلته ، ويبدأ في السير ، وهو يدير شريط تسجيل من الجديد الشيخ من شيوخ المقرئين ، ولما ينتهي يستعرض شرائطه ، من الأغاني الخفيفة ، وكان يعوض عدم الشرب بقطعة من الشيوكلاته ، او الكرامل أو النعناع وقد يدخل في حوار بين آن وآخر مع مرافقه أو مع تباعه الخاص ومن كل هذا فهو جوهر نادر ، يفهم في عمله ويفهم في غيره من أشياء قد يثيرها حديث ما ، وكان حديث عرفان ، فاتحه له لأن يقول يا سيدي أنت لن تستطيع أن تفعل ما يُرضى الآخرين دائما  ، والعبرة إذن بأنك قلت ما تقوله وأما أن يفهمه الآخـرون ، بشىء مختلف ، فهذا إشكالهم ، وليس إشكالك وابتسم الشيخ عبد العليم ، معلقا علي هذا بقوله ، أتريد يا أستاذ عرفان أن ترضى الجميع ، محال وأي محال ، ولكن رغم كل هذا سيأتي يوم ويفهم الناس ما تقول ، أما القلة من الناس التي لا تريد أن تفهم فماذا تفعل لها ، إنا لن تفهم أبدا ، أو أنها تفهم وتدعى أنها لا تفهم ، وأقول لك ، شيئا شبيها من هذا ، كان هناك رجلا ، وكان الناس يخشونه ، ويطعون له الكثير من الأوصاف المخيفة ، وكان خيال الناس يزيد فيها وجاء وقت خافة الناسه وكرهه الناس ودسوا له في كل موقع وأشاعوا عليه في كل مكان ولكن جاء وقت آخر ، واكتشف الناس أن كل ما قيل عنه لم يكن حقيقيا ، وإنما حب الناس له وحبه للناس ، جعل الدساسون يشيعون عنه الجبروت والخوف والقسوة ، وغير ذلك من الأمور فجعل الناس تهرب منه ، ونجوا في ذلك وقد قام كل من هؤلاء بتفسير ما يحلو له ، ويؤكد صدق تفسيره ، حتى أتى وقت آخر ، ووضحت الحقيقة ، وهناك كثير من  الأشياء قد تحدث ، الظاهر منها المدح ، والباطن فيها الذم ولكن في هذخ الحالة عن دسيسه ووقيعة ، وكان صاحبنا في كل هذا الحان الشاكر ولكنه لم يستطيع أن يواجه كل هذا ، وإنما تركها للأيام ، تحلها وكانت الأيام عند حسن ظنه ، كل ما نستطيع ان نقوله عنه ، أنه كان يتمسك بحقه ، ويدافع عنه حتى الموت ، وأعتقد أن هذه ميزة ، وليست عيبا ، ولكنه لم يكن يمد يديه ، إلي ما ليس له حق فيه ولو بلغ الملايين ، وبذلك كان الحانقون عليه ، يدسون  عليه ، كأنهم يضعون السم في العسل ، وكان العسل ظاهرا ، وكان السم باطنا ، فلا تأخذ بالك بما ترى ، وأفعل ما تراه الصواب ، فقال عرفان معكما حق ، ولكن أحيانا الإنسان يقول لمصطفى مثلا ، أنه يحبه ويقدره ويقول لسين من الناس ، أنه لا يرتاح إليه ، وإذا بآخر يقول للأول ، لا ، أنه يقصدك ويقول للثاني أنه يكرمك ، فتختلط الأشياء ، وأنت ما قصدت إلا ما قصدت ومن ثم يصير الإنسان ، كمن رقص علي السلم ، فلا هو طال أعاليه ، ولا هو ظل أسفله ويفرح العلى كما يفرح السفلى فماذا أنت فاعل يا سائقنا الكريم وماذا انت فاعل يا سيخنا الجليل ؟ فقالا أننصحك يا أستاذ ، وأنت خيرا لناص صحين ، فأبتسم عرفان وقال رأيكما وانطلق يداعبهما بخفيف الكلام ، وبراءة الأطفال في عينيه ، كان كطفل صغير وأعظم شىء أن يظل الإنسان يحمل قلب طفل مهما كبر و مهما تقدم في السن إنها نعمة من الله أن يعيش الإنسان بنقاء الطفولة ، وأن يتعامل في عمله ، بفعل الرجال ، وكانت العربة تقترب من البلدة ، والمداعبات والنكات المتبادلة ، تسهل الطريق وكان الطريق الفرعي متبربا ويقفز العربة قفزا من المطبات ، وكان العاملون بأعلى العربة ، داخل الصندوق ، يقفزون من مجالسهم ، وهو بالسوق ويضحكون ويطرقون علي خشب الكابينة ، ما تهدي شويه يا ريس ، فيضحك ما تم يقول خلاص قربنا نوصل ، واستمر الحديث في كابينة العربة ، وفوق ظهر العربة ، حتى وصلت وقال الجميع حمد لله علي السلام وضغط السائق علي الفرامل ، في مهارة واقتدار ، وتوقفت العربة تماما ، فنزل عرفان والشيخ عبد العليم ، ونـزل السائق و أراد أن يفتح الباب الخلفي ، ويضع سقالة النزول ، إلا أن الجميع كانوا قد قفزوا من العربة ، وقد ساعدوا بعضهم البعض ، وحملوا معداتهم ، ووقفوا ينتظرون عرفان والشيخ عبد العليم ، وما هي إلا دقائق سدد فيها عرفان أجرة العربة ، لصاحبها ، وقال له توكل علي الله أتت وسلم عليه ، وانطلق إلي حال سبيله ، وعاد بعدها إلي العاملين يرافقه الشيخ عبد العليم ، وماهي إلا دقائق سدد فيها عرفان أجرة العربة ، لصاحبها وقال له توكل علي الله أتت وسلم عليه ، وانطلق إلي حال سبيله ، وعاد بعدها إلي العاملين يرافقه الشيخ عبد العليم فوجد الاستراحة الخاصة بالأستاذ مدحت ، وكانت استراحة كبيرة يحط بها صديقه من كل جوانبها ، وعلي البعد منها بقليل ، توجد مجموعة من البيوت المتراصة ، المصنوعة من قمائن الطوب ، وكانت تشكل في مجموعها ، حجرات متلاصقة ، ودورة مياه بلدى ، مشتركة للجميع وعلي مسافة منها مجموعة كبيرة ، من حظائر المواشي "وغية حمام كبيرة" واسطبل للخيل ، ويلتصق بكل هذا ، أراضي عزبة الأستاذ مدحت ، كانت عزبة كبيرة ولكن استقطع منها الكثير بالتأميم وبالتوزيع حسب الميراث ، ولم يبق إلا مساحة الخمسين فدانا ، وكانت تروى بماكينات الري الضخمة ، واستمرت هكذا تنتج الكثير من المحصولات المختلفة ، ومن الموالح والفواكهة ، المختلفة الأصناف ، والتي كانت تمثل عشرة فدادين من جملة المساحة ، وكانت أشجار النخيل تحيط بالمساحة كلها ، إحاطة السوار بالمعصم ، وكان حال العزبة في إزدهار ، حتى ما حدث من خلافات مع الأخوة وكان مدحت دائما مسافرا إلي الخارج ، أو يصرف أعماله في القاهرة ، فأهملت الأرض وأهمل الزرع ، وأهملت الحديقة علي أساس أن يمل منها ، ويبيعها برخص التراب ، ولكن مدحت كان عنيدا ، وأرسل في طلب عرفان صديقه القديم ، وكان يعرف عنه خبرته ، في الزراعة ، أثناء فترة عمله بالتفتيش ، وقد كان الحضور بعد رسول وبعد تحديد ميعاد يوم الاثنين .. ، وقال عرفان وهو يعطي توجيهاته للشيخ عبد العليم ، أمامك عمل شاق ، لكي تعود كما كانت ، وقد رايتها وهبة حبـة خضراء ، فقال الشيخ ، ولو كانت أرضا بورا فسوف تكون بعد الله وجهد الرجال كما كانت وأحسن ، وبـدأ عبد العليم ومعه أحـد حراس العزبة ، يوجه كل فرد إلي مكان استراحته ، وعرفان يستعرض من مكانه ، المساحة كلها ، ويسير حتى الحظائر والاسطبل ثم ارتد راجعا ، علي نداء من حارس الاستراحة ، لقد وصل الأستاذ مدحت وينتظر داخل الاستراحة ، فنادى عرفان علي الشيخ عبد  العليم ، بعـد أن قام بترتيب أماكن العمال واستقر حالهم و اصطحبه إلي داخل الاستراحة ، حيث وجد علي مدخلها ، سيارة الأستاذ مدحت ، وسيارة أخرى صغيرة ، سأل الحارس عنها ، فقال أنها سيارة سوزان هانم ، ابنة الأستاذ مدحت فضحك عرفان ، أظنها اليوم قد صارت شابه كبيرة ناضجة ، فلم أرها منذ مدة طويلة ، ودخل عرفان ، فإذا بالأستاذ مدحت يقوم من جلسته علي الأريكة الأثرية ، و يقول يا يوم الحب كله يا يوم السعادة كلها بالأحضان يا حبيبي ، وكان لقب حبيبي لازمة ، يقولها دائما مدحت لكل صديق عزيز له حتى أصبحت تقال مع الزمن لكل فرد حتى الخدم ، وأخذ السلام وقتا كبيرا وكان الشوق عارما ، ومدحت يقول لعرفان ، أين أنت يا أبو الوفاء ، والعرفان معناه الوفاء ، ومعناه الامتناق ، فيرد عرفان أنت تعرف الحياة ومشاكلها ، فيقول مدحت عرفت عنك كل شىء ويرد عرفان ويقول وتابعت أخبارك كلما قابلت واحدا من صحبة الأمس ، ثم قدم مدحت لعرفان ابنته سوزان وقال له أنسانا اللقاء ، أن تراها اليوم ، وقد كبرت ونادى عليها ، مدحت تعالى يا سوزي ، سلمي علي ( أونكل ) فجاءت فتاة هادئة الجمال ، واثقة من نفسها وقال لها عمك عرفان فقال عرفان ، ما شاء الله أصبحت عروسة كبيرة فضحك وقالت سريعا ما يمر الزمان ، ويكبر الصغير وسألها عرفان ، أين أنتي الآن ، فقالت في الثانوية العامة ( شهادة يعني ) وحاورها قائلا وإزي حالك كويسة ، جدعة ماشية تمام ، فردت أنا طول عمري الأولى ، بس فيه كده برضه ، بعض المواد ما يحبها شىء ، علشان الأستاذة ، أقصد المدرسة لها طريقة تفكير ، ( باردون أونكل ) ، مش صحيحة فيرد عرفان ، زي مادة إية ؟! مادة لغـة ، إنجليزي ، فرنساوي ، إيطالي ، الماني ، لا تيني ، فتـرد قائلة (لا لا يا أنوكل ) ، أنا في المواد الأجنبية كويسة ، أنا طول عمري في مدارس أجنبية ، بس دى مادة ثانية ، مادة التاريخ ، وأصعب حاجة فيها " أسماء الأعـلام " ويرجع تعقيدي ، للمدرسة دائما تعقدنا ، وتسقطنا في أعمال السنة ، فيرد عرفان ولماذا ، يا سوزي ، تفعل هذا ، فترد سوي ، أصلها ماشية في عرض الأعلام من اليسار إلي اليمين ، ومن الشرق إلي الغرب ، واحنا بتعرضنا تبع الترتيب بتاعها ، فقال عرفان ، وإيه الفرق بين طريقتها وطريقتكم ؟ أبدا أصلها ماشية علي كتاب قديم ، وإحنا ماشيين علي أحـدث كتاب وبعدين حاجة تانية !! فيتدخل مدحت ويقول كفاية يا سوزي يا حبيبي ، خللي عمو يرتاح ، فيضحك عرفان ، ويقول دعها يا مدحت بيه ، لأن هذه المادة أسقطت ولدى بسبب المدرسة أيضا وتشرح سوزي عيوب المدرسة جميعها ولم تكن حاجة واحدة وإنما حاجات كثيرة أهملها أنها تدعي طريقة التدريس الحديثة ، وتقبل الحوار والمناقشة ، من التلاميذ ، ولكن إذا سألها تلميذ سؤالا أهملت سؤاله ، وكأنه غير موجود ، وانتقلت إلي موضوع آخـر ، ليس هذا فقط ، بل أنها تكره أي تلميذ ، يكتب وراءها الدرس التي تشرحه ، ويكون وحيد هذا أو هذه أو تلك أو ذلك ، هو الخسف بأعمال السنة ، ورصد ورقة امتحانه ، واسقاطه ، بل والأدهـى من ذلك ، تأليب المدرسين عليه ، بل وناظر المـدرسة ، وتضيف سوزي أن التلاميذ والمدرسين ، والناظر قال لها يوما ، إحـنـا في مدرسة ثانوية ، مش بنحضر دكتوراه !! ومازالت يا أنكل مستمرة ، فقال لهـا عرفان ، وما اسم هذه المدرسة فقالت له ، عريفة علام ، فضحك عرفان وقال في يسره ، حلمك يا سى علام !! فقال له مدحت ما الذي تخفيه في نفسك ، فقال  ، أصل حصلت الحكاية مع الأولاد وفي نفس المادة ، حينما كانوا في المرحلة الابتدائية ، وكانت المدرسة اسمها عطيفة علام !! فابتسم مدحت وقال يبدوا أنهما من عائلة واحدة !! وقد يكونوا أقارب !! وقد يكونوا أخوات !! وأردف قائلا ، وماذا فعلت معها قال له شكوت ونقلت إلي القاهرة !! وماذا فعلت أنت ؟! والله يا عرفان مازلت رابضة ، علي قلوب هؤلاء التلاميذ المساكين وقد فعلت الكثير ، دون جدون معها ويبدو أن لها قريب في منصب تعليمي عال ، والمهم ان الأولاد فرجوا من تحت رحمتها الآن ، ولكن الإشكال والإشكالية ، والواجب البحث عنه ، والبحث العلمي الدقيق ، وبمنهجية دقيقة ، هو التلاميذ في المراحل الأخرى من ينجدهم من فلسفتها وطريقتها في التدريس !! استمر الحـديث عن هذه المشكلة ، وعن مشكلة التعليم وكيفية تطويره ، واتفقا علي أن الحـل السليم ، هو أن يشمل التطوير ، جميع مراحل التعليـم ، من الابتدائي حتى الجامعة وأن يشمل التطوير أيضا الكوادر التعليمية ، من الابتدائي حتى الجامعة وأن تعالج السلوكيات ، في العلاقة بين المدرسين أو الأستاذ ، والتلميذ أو الطالب واتفقا أن هناك حالات من الشواذ في سلوكيات التعليم ، بين المدرسين والأستاذة من ناحية وبين التلاميذ والطلاب من ناحية أخرى وأن هذه السلوكيات الخاطئة تؤثر علي مسيرة التعليم ولكنهم اتفقا أيضا علي أن الغالبية العظمى ، من المدرسين والأستاذ ، علي مستوى المسئولية في جهد التعليم وفي سلوكيات التعامل وأن السلوكيات الخاطئة قليلة ولكنها موجودة ويجب حلها بحيث يعطي لكل ذي حقه حقه ، اتفقا عرفان ومدحت علي هذا ، وشغلهما الحديث ، الذي فجرته سوزي ، عن حضورهما من أجل غرض واحـد ، هو الاتفاق علي فلاحة هذه الأرض ، ولكنه حديث الصحابة كلما اجتمعوا يتناولن ما يعن لهما من موضوعات ،ولهما من المعرفة والثقافة والعلم و الأرضية المناسبة ، لمثل هذا الحديث أو ذاك ، ولقد نسيا في حوارهما ، الشيخ عبد العليم الذي وقف يراقب النقاش ، وله من الأولاد في التعليم مثل ما لهما ولكنه لم يعلق لأنه لم يطلب منه الرأي والمشورة ، فلما كان في حالهما ، كان هو في في نقاش ، مع سكرتير مدحت في طبيعة الأرض وانتاجيتها السابقة ، وهل تم تسميدها ، في الفترات السابقة ، أم لا وأسباب تدهورها وطرق النقل والمواصلات ، وكيفية تسويق المحصولات وأجهزة وآلات الزراعة الميكانيكية ، وأقرب جمعية زراعية ، للأرض وغير ذلك من شئون الزراعة والري ، واستمر الجميع في نقاش عرفان ومدحت ، و عبد العليم والسكرتير ، حتى انتهى نقاش الأولين ، فانتهى بالضرورة نقاش الآخرين ، و نادى عرفان الشيخ عبد العليم وقام بعملية التعارف بينه وبين مدحت وقال له من أكفأ الفلاحين ، وأعظمهم خبرة وممارسة ولقد رشحته للعمل معي ، ليس فقط ، بل ستولى كل شىء هنا.

     استمر الاجتماع مدة طويلة ووقعت العقود ، وتبادلوا الأنخاب ، أكواب من الشاي وانصرف الشيخ عبد العليم ليطمئن علي مساعديه ، وانصرفت سوزي إلي دروسها وجلسا عرفان ومدحت حتى غلبهما النوم ، فقال كل منهما إلي حجرته ، وقام سكرتير مدحت هو الآخر ، إلي حجرته ونام الشيخ عبد العليم مع مساعديه ، وفي الصباح الباكر ، قام الجميع يصلحون ما حولهم ، ونهض عرفان ، مبكرا ، يتابع ما يقومون به ، وأخذه الشيخ عبد العليم والسعدني ، ومرا علي الاسطبل كل حصان ، وسجلات كل فرسة ، وقال له هذه الخيول نتائج سلالات أبا عند جد ، وإن كانت قد بدأت منذ سنوات عديدة ، تعدت قرنا أو قرنين من الزمان كان منها الأصول الشركسية ، والأصول التركية ، والأصول الشامية ، والأصول الحجازية والأصول الأوربية ، والأصول المغربية ، والأصول النوبية ، والأصول الأسيوية ، والأصول الإفريقية ، وتدريجيا  ، وعـن طريق التزاوج ، والتكاثر أصبحت أصول عربية ، مطعمة بأمهات مصرية ، أو مطعمة بذكور مصرية ، وأصبح النتاج كله ، خيول مصرية عربية ، وقد حافظ علي هذه السجلات ، كل من ملك هذه الأرض ، منذ أصحابها الأوائل ، حتى أجـداد الأصحاب الحاليين ، ونحن نستخدم البعض منها ،والبعض منها في السباق والبعض منها في تحسين السلالات ، والباقي تباع لعشاق الخيول ، ويأتي إلينا من كل أنحاء العالم من يريدون هذه السلالات العربية المصرية إضطلع عرفان و هو مندهش ، ومبهور ، بكل ما رأى وأخذ يتحسس الخيل ، معجبا ومغرما ، ثم ركب حصانا ، رأي فيه الألفة والوداعة ، وأخذ يسري به قليلا ، إلا أنه سرعان ما قفز به من فوق ظهره ، فآلمه ذلك وقال له السعدني أنه لم يأخذ عليك بعد ، وسرعان من أخذه عرفان ، مرة أخرى ، وأخذ يداعبه ، ويقدم له حبات من الفول السوداني ، ويهمس له في أذنه ، وكأنه إنسان ، ويقول له ، كن صديقا لي ولي من الأصدقاء ، الوفاء ، ولهم مني الوفاء ، فصهل الحصان ، وهز زيله ، وأخذ قدميه ، الأماميتين ، فركبه عرفان وقد صار طوع بنانه فمر به علي الأرض كلها وقد رأى فيها إمكانيات كبيرة ، وموارد عظيمة ، إذا ما تم العناية بها ولم يهمل استطلاع جنينة الموالح والفواكه ، فوجدها عظيمة الإنتاج ولكن بعض الأمراض التي تصيب أشجار الموالح والفواكه ، قد أعطيت الثمار وكان معه في هذه الجولة ، السعدني ، والشيخ عبد العليم فقال لهما عرفان ، قليلا من العناية ، وكثير من الإرادة ، نستطيع أن نفعل الكثير ثم وجه حديثه ، للشيخ عبد العليم وقال له همتك يا بطل ، وسوف تحقق النجاح المرجو ، وأول خطوة تبدأها هو تطهير القنوات والمسا قي ، فهي مملوءة بالأعشاب ، وكذلك نظافة المنطقة كلها ، حتى لا تنقل الأمراض ، وقال لها الشيخ عبد العليم ، إنشاء الله ، سيكون خيرا ، وسوف يقوم العمال بنقل أكوام السباخ خلف حظيرة المواشي ، إلي الأرض ، وهي كميات كبيرة ، وسوف ننقل أيضا ، السباخ الموجود أسفل البهائم ، وسوف تردم مكانها طميا جديدا ، وسوف نشترى مجموعة من المواشي ، لتدعيم المواشي اللازمة للحرث والتلويط بالإضافة إلي أن هناك بعـض من الأجهزة والآلات من وابور حرث ومن محراث ميكانيكي ، ومن ماكينات ري ، وقد قسمت العمال علي الأرض وعلي الحظائر ، وبهذا ستكون البداية سليمة ، ولعلك تعلم كيف اصلحت أرض صلاح الدين وأصبحت من أفضل الأراضي انتاجا ، وسنزرع زراعات خفيفة في أول الأمر ، حتى تسترد الأرض صحتها ، وتعود كما كانت فقال عرفان الآن ، استطيع أن أسافر وأنا مرتاح ، ولقد قمت بتسوية كل   النواحي المالية ، مع الأستاذ مدحـت وأصبحت كل المواشي ، ملكنا أما الخيول فهي خـارج الصفقة ، وستظل كما هي تابعة له ، وإن كـنا سنأخذ هذا الحصان ، وتلك الفرسة البيضاء وكما تعرف فالأرض قد دفعت فيها ، مبلغا كبيرا ، مقابل استغـلالها ، فعليك أن تحافظ عليها ، وتزور من إنتاجها ، ووافقه الشيخ عبد العليم ، وقال له سوف ترى إنشاء الله ، خيرا كثيرا وانصرف عرفان ، وعاد إلي الاستراحة ، وكان قد استيقظ مدحت فتبادل معه الحديث قليلا واستأذنه في السفر ، فقال له مدحت ، هلم معني نسافر معا حتى طنطا ، ثم تعود إلي البلدة ، وأكمل السفر إلي القاهرة ، وسوف تلحقنا سوزي في سيارتها ، وأضاف مبتسما ، وأهي فرصة يا سيدي نتحدث مع بعضنا البعض ، ووافق عرفان ، وانتظر حتى أعـد مدحت حاجاته ، ونادي علي ابنته ، لكي تعد نفسها وما هي إلا نصف ساعة ، وكان الجميع قد انطلقوا في سيارتيهما ، الأولى وبها عرفان ومدحت وسكرتيرة والثانية وبها سوزي وقبل ان يبرحا المكان قال عرفان موجها حديثه إلي الشيخ عبد العليم ، لا أوصيك ، فقال الرج ، إنها أمانة علقتها في عنقي يا سيدي ، فلم علي الموجودين وانطلقت السيارتين ، في طريقهما حتى الطريق الرئيسي في اتجاه طنطا وقد أخذهما الحديث في موضوعات متعددة والسكرتير ، يعلق إذا طلب منه أو يذكر تاريخا أو رقما أو حادثة أو حكاية غابت عن ذهن الأستاذ مدحت أو لقاءا يتذكره ، فيتذكرونه ، حتى وصلا طنطا فدخل موقف السيارات المتجهة إلي المنصورة ، وتوقفا بالسيارة ونزل السكرتير ، فإتباع كمية كبيرة من حمص طنطا وكمية من الحلويات ، لزوم عرفان ، ولزوم أسرة مدحت فقالات الجميع هلت روايحك ، يا شيخ العرب ، يا سيدي أحمد يا بدوي ، وعرجت سوزي ، علي بعض صديقاتها ، في طنطا وكن يقضين أجازة عند أقارب لهن بطنطا وعارن معها إلي القاهرة ، كن ثلاث هالة وجيهات وراجية ، وقد ركبت واحدة بجوارها ، واثنتان بالخلف ، في نفس الوقت الذي انطلق مدحت وسكرتيره إلي القاهرة ، استقل عرفان عربة أجرة إلي المنصورة ، ومعه حملة من حلويات وحمص طنطا ، وكانت لها شهرة لا تقل عن الحلويات الدمياطية ، خاصة الحمص ، وإن كان نوعا من البقول ، وليس حلوى بالمرة ، وانطلقت السيارة الأجرة وعرفان شبه نائم أو في نصف نوم ، وبعض الراكبين قد أخذوا يتحدثون لقطع الوقت ، وطفل صغير علي يد أمه ، لا يكف عن البكاء ، وكل ما أخذ عرفان النوم ، أيقظه بكاء الطفل ، فأخذ يسال أمه لماذا يبكى الغلام ، أهـو جوعـان ؟ فقالت الأم ، لام الله ، لسه مأقلاه أكله بسيط ، فرد عرفان ، ولماذا يبكى إذن ؟ فردت الأم ، أصله بسينن ، يا عمي وكنت واخداه يزور السيد البدور فقال عرفان إنشاء الله خير وأخذ يداعب الطفل ويقرأ بعض الآيات القرآنية حتى هدأ الطفل تماما ونام علي كتف أمه وهي تهزه هذا خفيفا ، وتسأل عرفان ؟! وأنت بتتشغل إيه فيرد عرفان ، أنا ، فترد قائله إيوة إنت يا بيه ، فيقول عرفان بعد تردد ، رجل أعمــال !1 ولم يكذب عرفان فأحد صنوف عمله ، هو العمل !! فقال السيدة ، يا عني إيه يا بيه ، رجل أعمال ؟ ! يعني بتعمل أعمال ؟! فيقول عرفان ، وهو يكذب عليها ، وقد صدق حدسها التلقائي ، وعفويتها ، يعني يا ستي ، بتاجر  تجارة يعني فتقول آه ، أنا فكرت يعني أصل إيدك فيها البركة ، الواد نام علي طول ، فيقول عرفان يا ستي ، ولا بركة ولا حاجة ، الطفل عاوز مدادية ، وبسمة حلوة ، تلاقيه نام علي طول ، واهدي وبقى تمام ، كان الحديث عاين عرفان ، والمرأة متصلا ، والآخرين ، قد علقا علي خبر في صحيفة ، لم يتبين عرفان اسمها ، وسمع عرفان صاحبها يقول " والله شىء عجيب يا أستاذ ، الأسعار بقت نار ، نـار خالص ، فيقول زميله ، اسكت يا يوسف ، الحيطان لها ودان ، فيتمادى يوسف ويقول ، والأعجب من كده يا خويا ، الصحفيون ، نقلوهم ، مؤسسة اللحوم والثروة الداجنة ، طيب ها يعملوا فيها إيه ، يسلخوا بهائم ، ولا هيربوا بقر ، ولا يردوا العلف ، ولا يرموا البواقي ، في المغارم ، فيكره زميله ، يا راجل كفاية ، ها تودينا في داهية ، بسبب لسانك الطويل ده ، فيرد قائلا ، وأنا مالي يا خويا ، لساني الطويل ، ولا لسانهم ، ما تشوف يا خويا ، أنا عجيب حاجة من  عندي فاهم اللي كاتبين الأخبار ، وأنا بعلق بس !ّ! شوف بقى يا سمعنا ، الخبر الجاي ده ، والضباط ، حطوهم في الجرايد ، وفي المؤسسات تباديل وتوافيق ، رياضة يعني ، فيهمس له زميله ، يا راجل كفاية بقة ، شايف الأفندي اللي راكب ورا ، ودناه معاك فيرد عليه بهمس سيبك منه ، دا راجل أعمال ، فيقول زميله وايش عرفنا ، مش يمكن منهم فيرد عليهما عرفان ، وقد سمع كل ما دار ، لا اطمئن يا حبيبي ، لا أنا منهم ، ولا أنا ضدهم ، أنا مواطن زي زيك ،فيرد سمعان ، معلهش اعذرنا يا أستاذ ، البوق مليان ، ومافيش فضفضة ، إلا مرة ولا مرتين ، ها نعمل إيه بقه ، ويبتسم عرفان ويقول لهما ، يا جماعة ، المشكلة ، هي إنت معاي ، ولا ضدي يعني الثقة ، أم الكفاءة دي آخر حاجة ، في تفضيل زيد علي عبيد ، دي الخلاصة ، كانت العربة تسير  ، والسائق متضايق من هذا الحديث ، فيقول يا جماعة بلاش سياسة ، خلينا ناكل عيش ، ولا وقف العربية ، وأنزلكم كلكم ، فترد السيدة ، وأنا مالي يا خويا ، هو أنا كنت تكلمت والواد العيان ، أو ديه فين ، ولم يجد السائق مفرا ، من أن يحول دفة الحديث ، فقال لهم ، أما سمعتم بالمعجز ؟ فرد الجميع أي معجزة فرد قائلا ، وقد شد  انتباههم ، كان هناك رجل طيب ، وتاجر عظيم ، جاء يوما ، إلي بلد لا أتذكر اسمها الآن ، اسمها ، اسمها ، اسمها ماذا ، يا خليل ؟  أيوه اسمها ( بشان ) وكان الرجل غنيا ، وقد حط الليل ، فنزل في ضيافة رجل اسمه ( جائر ) فرحب به أيما ترحيب ، وأفرش له المنزل الطيب ، واقام له الولائم الكاملة ، وأقام له كل الواجب ، فما كان من الضيف ، إلا أن منحة العطايات الكثير ، إلا أن جائر ، تملكه الشيطان ولعب بعقله ، وطمع في أموال الرجل ، توضع له المخدر في الشراب ، فلما شرب ، قام بقتله ، وحمله في زكيبه ، ودفنه خلف المنزل ، إلا أنه بعد أن عاد أدراجه ، حدث شىء عجيب ، وجد الرجل ، نفسه ، وقد غاص رجليه في الارض ولم يستطع الفكاك من هذا الفخ ، وصرخ الرجل ، ولم ينجد أحدا ولكما مر الوقت والرجل يغوص حتى وصل إلي نصفه تقريبا ، ولم يستطع أن يخرج من هذا الفخ ، حتى طلع النهار ، والناس تتفرج عليه وهو يصرخ ويقول احفروا حولي ، انقذوني ، دون جدوى وتعجب الناس وقالوا ، ماذا فعل بك هذا فقال وجدت نفسي هكذا يا رجل قل الحقيقة وهو يقول ماذا أقول ؟! الناس تعرفه أنه طماع ومن أصحاب الليل وهو  مستمر في إنكاره ، حتى جاء شيخ كبير ، وقد مر علي الرجل ، أسبوع وكان الناس ، يشربونه ، ويطمعونه ، وهو في مكانه ن وقال له الشيخ ماذا فعلت يا رجل ؟! فيرد لا شىء ، فيقول له الشيخ ن هل ظلمت أحدا ؟! هل أكلت حق يتيم ؟ هل تجبرت وتسلطت علي الناس ، هل سرقت ؟! والرجل رغم وضعه الخرج لا يرد غير لا لم أفعل ؟! حتى قال له الشيخ بعد أن  أبعد الناس وهمس في أذنه ليس لك من حل سوى أن تعترف ، وترد لكل ذي حق حقه والناس بعيدون ولن يسمعوا هذا الحل الوحيد ، فقال له ماذا أقول ، لقد طمعت في ضيفي ، فقتلته واستوليت علي أمواله وبضاعته ، وما قال هذا حتى انفتحت الحفرة وتسطحت ، وخرج الرجل يجر رجليه ، وقبض عليه ولاقى جزاء عمله ، وسكت السائق ، وظل الجميع مذهولين ؟! وقال للسائق أحقا حدث هذا ؟! فقال له لقد رايته بعيني ، وقال الجميع مش معقول ، شىء لا يصدقه عقـل وسأله عرفان مرة أخرى أتستطيع أن تصف الشيخ لي ، فوصفه فقال عرفان ، لا يحل هذه المشاكل ، إلا شيخي الكبير ، شيخ الصحراء ، أنه صاحب الخبرة والشفافية ، فرد الجميع ومن هو الشيخ الجليل ؟ فقال شيخ الصحراء وحده ، الشيخ حضر العنذى  هو الذي يفعلها ويقدر عليها وقالوا لم نسمع عنه من قبل ، فرد عرفان إن حياته دائما في الصحراء ولا يلبى نداء الوادي الأخضر ، إلا إذا كان مثل هذا وقد زارني في من قبل فتشرفت بزيارته وكان له الأيادي الفاضلة علي ، وقال السائق ما رأيكم يا سادة هذه الحكاية أم السياسة وبلاويها ؟! وقالوا جميعا ، خلينا في غرائب الحياة ، أحسن ، كانت العربة قد اقتربت من الدخول إلي المنصورة ، وقال السائق ، أروى لكم حكاية أخرى أم اكتفى ، فقال الثلاثة ، احكي وقالت السيدة احكي ، وكانت الآذان ، كبوق قد اتسع ، ليستقبل كل الكلام والأفواه مشدودة ، وعرفان معهم ، يسمع ولا يدهش ، فقد تعود علي الكثير ، وعرف الكثير فقال السائق " يقال والله أعلم ، أن هناك طبيبا ن قعالج الناس ويكتب روشتات ، بمساعدة من تحت الأرض ، اللهم ما احفظنا فتساءل الجميع كيف ؟! فابتسم السائق ، وقد سيطر علي الجلسة ، وكانت السيجارة لا تفارق شفتيه ، من جيبه ، ومن جيب الركاب ، وقال ، قبل والعهدة علي الراوي ، أن هذا كان طالب طب ، وترد الدراسة ، واختطفه الجن ، تحت الأرض لمدة خمس سنوات ، وعلموه الطب كاملا ، و زوجوه من جنيه ويوما بعد ان أتكمل تعليمه ، ردوه إلي سطح الأرض ، وأخذ يعالج كما الأطباء ، وأمع تتعجب كيف تعلم كل هذا ، وهو لم يكمل تعليمه ، وإن كانت قد فرحـت بعودته ، بعدما كف بصرها وإرتد بعودته كما ورد قميص يوسف ، بصر سيدنا يعقوب ، بما شمه من ريحه ، وأقبل الناس عليه من كل حدب وصوب ، وأصبحت الزيارة بمواعيد وجاء إليه من البلاد العربية من الخليج ، ومن الجنوب ومن الشمال وبعض الحالات من أمريكا ومن أوربا ، ومن روسيا ، ومـن كل البلاد بعدما عجزوا مع الطب الحديث ، وشوفوا بقه التقدم بتاعهم في التكنولوجيا والحاجات الإلكترونية ، المهم يا صحابي العزاز ، أن الأطباء جاءوا إليه وناقشوه وفحصوا روشتاته ، وتشخيصه للحالات ووصفه للعلاج ، والأدوية أنه مثلهم تماما ولم يجدوا شيئا يؤخذ عليه وإنما قالوا إنما العلم من عند الله ، فقالت السيدة ، وفين أراضيه يا بني ؟! والله يا ست مش فاكر ، أصل الأسماء ، بتحيرني دائما ، بلخبط فيها ، بس بيتيها لي ، حتى كدة جنب بلقاس ، فردت إنشاء الله أزوده ، يمكن الواد ما عدش يعيط !! ولم تنته حكاية السائق ، حتى ظهرت مداخل المنصورة ، وقال السائق ، حمد لله علي السلامة ، رضا وجينا بألف سلامة ، ولا سياسة ولا برلمان ، ولا زيطة من كل ده ، حكايات حيتنا أحلى وأفضل ، ولا إيه يا أستاذ ؟! فرد عرفان معك حق ، وسدد أجرته ، وسلم علي الراكبين وعلي السيدة ، ولمس نجفان أبوة ، خد الصغير ، وقد استيقظ من نومه ، ولكنه كان وديعا ، ومبتسما لعرفان ، ناظرا إليه وهو يبتعد ، قام عرفن بعبور كوبري المنصورة ، متجها إلي البر الثاني ، حيث ركب الأتوبيس المتجه إلي دمياط ، ومـا أن قطع التذكرة ، حتى نام نوما عميقا ، لم يشعر بهزات الطريق ، ولم يشعر بالزحام داخل الأتوبيس ، ولا بتوقفه في المحطات أثناء الطريق ، حتى سمع الكمبساري ؟! يا أستاذ ، ألست ذاهبا إلي الســرو ؟! فأجاب بإيماء من رأسه ، وهو نصف يقظ ، فقال له المحطة الجاية ؟! فانتفض عرفان ، لينشط نفسه ، مثل قطة تلين عضلاتها ، فلما جاءت المحطة نهض واقفا ، وقفز في حركة نشيطة ، رغم سنة المتقدم نوعا ما ، و ركب الحنطور ، وشد السائق ، اللجام ، وانطلق الحصان ، يشد عربته وهو يتنافس مع السائق ، في مواضيع مختلفة ، كان الوقت عصرا ن وكان هناك نوع من الضباب ، المشبع بزذاذ بارد ، والحديث لا ينتهي مع سائق الحنطور حتى وصل إلي المنزل ، فنزل ونفحة أجرة وانطلق الحناطري ، وعرفتان يثب السلم وثبا ، حتى وصل إلي شقته فطرق الباب ، وفتح له الباب مظلوم وقال له وحضتنا يا أستاذ ؟! فقال له ، يوم بليلة ؟ ! وأوحشك يا مظلوم ؟! فما بالك لو سافرت ؟! فرد مظلوم ، تظلم الدنيا في نفسي ، وقد عادت عشرة طويلة ولم أجد ملجأ إلي أنت يا أستاذ ، فقال له عرفان وبيتي وقلبي لك يا مظلوم ، وأنت الوفي الأمين ، وكيف حال الأولاد ؟ فقال له بخير بعون الله ، يرتاحون ثم يقومون للمذاكرة ، فالامتحانات علي الأبواب ، والسيدات في حجرتهن ، وسوف أبلغهم أنك قد جئت ، فقال له عرفان ، أعد لي الحمام ، وطعام خفيف حتى أرتاح من عناء السفر ، وقال له مظلوم ، حاضر يا سيدي وتردد في الإنصراف ، فقال له مبتسما في حياء ، أريد أن أريد شيئا ، يا أستاذ فقال له ماذا وراءك يا مظلوم ؟! فقال كل خير ، وأدخل جيبه ، في فرح ظاهر علي وجهه ، ولكن بارتباك في مثل هذه الأشياء ، وأخرج صحيفة ، وقد تم تطبيقها ، حتى صارت في حجم جيب ( السريري ) وقال له ألا ترى صورتي وقام بفتح الصفحة ، التي بها صورته ، وقد كتبت الصحيفة سلوان إسماعيل بإيحاء من برهان عبد التواب نبذة عن حياة الرجل وأنه كان يعمل بشركة القطاوي ولم يأخذ معاشات ولا تأمينا ويطلب معاشات ثابتا أو عملا يلائم سنه ولم تكتف الصحيفة بذلك بل ذهبت قبل نشر الموضوع فقابلت المسئولين وصدرت التوجيهات بتعيينه ، بالمجلس البلدي ، وقد ذكرت الصحيفة ، كل هذا و أثبتت جديتها في بحث مشاكل المواطنين ، ومتابعتها متابعة دقيقة ، وقال عرفان ، مبروك يا مظلوم فقال له مظلوم بتلقائية عقبالك يا أستاذ ، فضحك عرفان وشكره وقال له احتفظ بالصحيفة واذهب بها لرئيس المجلس البلدي ، غدا والآن اذهب لتحضير الحمام ، وكذلك الغذاء وذهب مظلوم واتجه عرفان إلي مكتبه وجلس علي الكرسي الهزاز ، وأخذ يتأرجح ، حتى يحين الحمام ، وحتي يحين الغذاء ، وهو مرهـق أشـد الإرهاق ، وجاءت العائلة ، وسلمت عليه وفرجت وهو في نفس مكانه ، حتى قال له مظلوم ، معد يا أستاذ ، فقام ودخل ليأخذ حمامه وكان فاترا ، وهو يدندن ، ببعض الأغنيات ، والماء يملأ فمه أحيانه ، فيتحفت صوت العناء والصابون يدخل عينيه ، فيتوقف الغناء ، أو يغمغم وهو يدلك عينيه ، حتى انتهى الحمام فجفف جسده ولبس ملابسه المنزلية ، ومشط شعره وطرق الباب ثـم فتحه ودخل إلي حجرته وذهب في نوم عميق بعد دقائق مرفى ذاكرته ، كل أحداث المشوار منذ الذهاب وحتى دخل السرير ثم شد اللحاف حتى دق المنبه دقاته المزعجة ، وكانت الساعة العاشرة مساء ، كما قد ضبطه علي هذا الميعاد ، حيث الجلسة المسائية للصحبة والأحبة والخلان ، قام عرفان من السرير ، وأخذ في أداء بعض التمرينات الرياضية الخفيفة ، كعادته ثم ذهب إلي مقر الحجرة ، حيث تمتد جلسة المساء حتى الفجر و أقل قليلا ، أو أزيد قليلا ، وقد جلس في مقعده ، وجاءه مظلوم وقال له أحضر لك العشاء ؟! فقال له ألم تحضر لي الغذاء الخفيف ، فقال له أحضرته ولكنك ذهبت إلي النـوم ، عقب الحمام ووجدتك في سابع نومه فلم أستطع أن أوقظك ن وقلت لعله متعب من كل هذا السفر فقال له عرفان احضر لي بعض السندوتشات وبعد ذلك حضر النارجيلة ، ونفجانا من القهوة يكون مضبوطا ، وذهب مظلوم ، لإعـداد ما طلبه عرفان ، وأخذ عرفان ، مجلة مصورة بجانبه ، وأخذ يستعرض صور رجال الدولة ، والفنانين والفنانات ، وسيدات المجتمع ، ووجد في صفحة ، علوم المستقبل والتكنولوجيا ، اختراعات حديثة وجديدة ، وشدة بعض الآلات الصناعية الصغيرة الحجم ، وذات الإنتاج الكبير والتدريب عليها بسيط وثمنها معقول كانت في مجال الطباعة وأخرى في مجال صناعة التشكيلات الحديدية في أشكال جميلة وقوية وأخرى في مجال صناعة الدواء وثالثة في تصنيع المنتجات الغذائية ورابعة في مجال صناعة المنسوجات وغيرها في مجال البتروكيماويات ولكنها عدة مجموعات كاملة ، من الآلات والأجهزة تكمل بعضها البعض وغيرها في مجال الصناعات الصغيرة كان كتالوجا كاملا ، داخل المجلة واستعرض صور أخرى ، لبعض الآلات والأجهزة الحربية المتقدمة ، وشدة مدفع آلي ، مضاد للطائرات المعادية يستخدم بحاسب آلي مبرمج ، ويتم تشغيله كاملا وتزويده   بالذخيرة ، وإصابته الهدف ، بناء علي هذا الحاسب ، الذي يحسب المسافة ، وطبيعة الهدف ، ونوعه وحجمه وفيه حماية كاملة ، ويمكن الاستعانة بتشغيله بجندي واحـد ، استعرض عـرفان هذه المستحدثات ، وعرف أن المستقبل لهذه التكنولوجيا المعقدة ، وأن الإنسان يجب أن يتطور لكي يستطيع أن يستوعب كل هذه التنقيات ، رغم أن البعض منها كان في طوره الأول من الحداثة ومازال في طور التجريب والتعديل ولكنـه عرف أن  المستقبل في السنين الباقية ، حتى القرن الحادي والعشرين ، لهذه المستحدثات وأن الذي يستوعب فنون العصر الحديث ، سوف يحقق آماله وآحلامه ، وأن الذي سيتقاعس ، سينتهي وتمنى لبلده أن يحقق هذه الطفرة ولكنه تمنى أيضا أن نأخذ بما يلائمنا ويلائم بيئتنا ، حتى نوازن بين الإنسان والآلة ، وبين عادات وتقاليد مجتمعنا ، وبين العصرية ، وبينما هو في هذه الأحـلام ن وفي هذه التمنيات ، التي فجرتها ، مجرد رؤية كتالوج مصور لهذه المستحدثات حتى صدم ، بدخول سميرة وهي تقول دستور يا أستاذ !! بإذنك أجيب العشا عندك ولا على السفرة فقال لها عرفان ، ادخلي يا سميرة ، هاتي العشا هنا فأحضرت صينية عليها مجموعة من الساندوتشات ، وقالت له ، مظلوم يحضر القهوة ، فقال لها قبل أن تنصرف أتعرفين ماذا كنت أقرأ ؟! فقالت لا ، وماذا يهمني يا سيدي ؟ فقال لها ضاحكا ومداعبا لقد اخترعوا آلة تعمل كوسيط روحاني ، بيني وبين الجن ، وبالتالي سأستغني عنك !! فقالت إزاي بقة يا سعادة البيه ، مكنة تكلم الجن وتشوفهم ؟! دا بقى حاجة عجيبة !! والله عنشا و شفنا ، فقل لها ، وماذا ستفعلين ؟! فقالت  لو ده حصل هاشتغل ممرضة ، ولولا العيش والملح ، ماكنش اشتغل معاك ، وبعدين ، ما أنـا بشتغل كل أعمال البيت ، وأعمال التطريز ، مع الست ، يعني شغلتي معاك ، مش واخدة كل وقتي ولوا أنني بنت شفافة ، كنت خدتني وسيطة ما قدامك ، فريال ماخدتهاش ليه ، ولا شربات ولا أهل المنزل اسمح لي الست روح الحياة ، ولا الست عفارم ، فقال لها تأدبي يا بنت ، ولكنه تعود علي أن يسمع منها مالا يجرأ عليه الآخـرون ، وابتسم وقال لها ، أنت صدقني ، ما هي إلا خيالات ، وأردت أن أدعابك ليس إلا فقالت له ، قول كده يا سيدي ، وخرجت في دلال واضح وهي تقول باسمه وهل يستطعيون صنع حيوية ورشاقة وجمال الستات ، يا سيدي ؟! فقال لها ، إلا هذه يا بنت الأبالسة ، وضحك من كل قلبه ، وهو يقول غلبتني بمنطقها ، تلك البنت الربع ، متعلمة ، وهل يستطيعون أن يضعوا البسمة والغمر و الشعور والحس البشرى من الرجل إلي المرأة أو من المرأة إلي الرجل معها حق تلك البنت تلك الوسيطة التي عرفت كيف ترد علي وعرفت كيف تقنعني أن الآلة ، لا يمكن أن تلغى الإنسان أبدا ، وان الحياة تسير بجناحين ، التقدم والإنسانية ودخل مظلوم وفي يده القهوة وفي اليد الأخرى النارجيلة ، وأخذ عرفان يشرب القهوة ويشد الأنفاس ويقول لمظلوم ، وهو يوصب النار فوق المعسل الخالي من أي صنف ، سوف تذهب إلي عملك في الصباح وتأتي إلي هنا بعد الظهر ، لن يتغير شىء ، حتى أعرف ماذا سيتم في موضوعي ، وستظل ،معي ، وإذا ذهبت إلي القاهرة ، ستأتي معني وأنقل إلي هناك إذا فضلت المكوث هنا ، فقال له مظلوم أفضالك لا أستطيع ردها وإن كنت أفضل البقاء هنا ، إلا أنني لا أقدر علي فراقك ، فقال له عرفان لندع الأيام ، و الأقدار توصلنا إلي الرأي السلم فلا نستعجل الأشياء.

*انعقد المجلس كما ينعقد كل يوم ، وكانت الجلسة ساخنة ، وانقسموا إلي مجموعات تؤيد جمرة ، ومجموعة تؤدي عجوة ومجموعة أخرى تضحك وعرفان لا يعرف سبب هذا الإنقسام ويقول يا جماعة دعونا من هذا الاختلاف ، لقد أتينا من أجل المؤانسة ، والانبهاج ، والابتهاج ، ونحن علي هذا ، منذ سنوات فلم الآن الاختلاف ، جمرة علي عيني وعلي رأسي ، وأيضا عجوة ونحن نتمتع بقفشات هذا وضحكات ذاك ثم أن المنافسة بينهما تؤدي إلي فريد من الضحك ، ويجعل كل منهما يخرج كل ما عنده ، ونرى الدرد الثمان ، ونعيش سعداء ، ألست سعيدا يا سنباري ، فيرد سعيد ، وأنت يا ضياء ، ألست سعيدا ، فيرد سعيد ، وأنا يا أمير يا ابن الأمرا ، ألست سعيا ، فيقول أبو السعود سعيد وحياة ربنا ، فيضيف عرفان ، إذن لماذا الهم ولماذا النكـد ، وأنتم أنصاري ، في هذه الليالي العتيقة ، منذ سنوات ، ونحـن نستعرض هذه الجلسات ، فنرى فيها الجديد والقديم ، أيام زمان والحان زمان وأيـام الحاضر وقد نستعرض المستقبل ، وكل منكم له دوره ومكانته ، محفوظة رغم أن الأيام فرقت بيننا ، وجمعت بيننا ، ويذهب واحـد ، ليجىء آخر جديد ، وتكتمل الصحبة ونتعرف علي كل جديد ، ونغوص في كل قديم ، ونشرب معا ، ونشرب معا ، ونأكل معا ونأكل معا ، وقد ينام بعضنا فلا مانع فهو في بيته ، وقـد يحاور زميله ، بعيدا عن الجلسة ولا مانع ، ولكننا جميعا نفرح لكل نكتة جديدة ن ونصحو لكل فشرة جديدة ، ونصفق لمن يأكل الجو ، ثم أنني لا أحب سياسة المحـاور ، فجمرة يتفق مع بعض زملائه ، لكي يشجعوه وقد يعترض واحد من شلته ثم يعـود لتشجيعه ، يعني ( موضب ) ، فرفقه ، وعجوة يفعل نفس الشىء ونحن جميعا نفهم ذلك ، ونبلعها ، ما ومنا نضحك ، وبعدين كلنا حبايب والحاضر يبلغ الغايب ، والغايب يجي يعتذر ، رغم أن هذه جلسة " فرفشة " وضحك وليست جلسة باكية أليمة ، وقد يحدث هذا أحيانا وقديما ، كنا نقرأ لكاتب ما ، فنقول لماذا هو خرين ، كل كتاباته مآسي وأحزان ، ولما قرأنا له الضحكة والبسمة قلنا لماذا هو فرحان باسم سعيد أليس في الحياة ومشاكلها ما يكفيه ، ليعرض لها ، ويضعها أمام القراء لكي يعبر عن حياتهم بملامحها الحقيقية ، ولما جمع في كتاباته بين هذا وذاك ، قلنا أن هذا الرجل يضحك علينا ويرسم كتاباته حسب رغبتنا فيضحك من يشا الضحك ، ويبكى من يشاء البكاء ، ولم يجد الكاتب مفرا من أن ينتحر ، فقد كان يحاول أن يعكس اهتمامات الناس ، ووجد أن هذا صعب ومستحيل فما كان منه إلا ان قرر أن يتلخص من حياته ، وفجأة وجدنا أن كتاباته ، بكل أنواعها تستحق التذوق ثم ذقناها قليلا ، ثم شربنا منها شربا فضحكنا ، وبكينا وانتشينا ، فرقنا من الطرب ، وتوقعنا من شدة الحـزن ، وجمعنا بين كل هذا وقلنا هكذا الحياة ، والله يرحم كابتنا ، ثم رفعنا أيدينا بالدعوة له بالغفران ، ولم نكمل الدعوى حتي أضحكنا أحد الجالسين فقلنا له الله يكسفك ، لكل مقام مقال وهكذا يا صاحبي حياتنا ، نضحك في جلستنا ونعاني في صبحنا ، وفي مساءنا ، من أجل المعيشة ، ونأتي في المساء لفنرج تعب وكـد وألم المعاناة ، ونضحك في قلوبنا ، وهي مطوية علي ألم دفين ، فلنتصافى ، وليتعانق ، جمـرة وعجوة ، وصفق الحاضرون ، لعرفان ، وتقدم الغريمان ، فلنتصافحا باليد ، ثم بالأعناق ، وقلبوها ضحكا ثم قال جمرة هل تستطيع أن ترفعني من الأرض يا عجوة ، فقال عجوة بسيطة قوى ، يا حبيبي هي ( جت في جمل ) لقد رفعت عشرات بل آلات بيد واحدة في الأولى ، وباليدين في الثاني ، أنني أرفعك وأرفع عائلتك جميعا ، وقام عجوة بمحاولة رفع حجرة ، ولكن الأخير تعصب ، فصار كتلة من الأعصاب ، رغم أنه ليس ثقيلا ، وقام عجوة ، بمحـاولة وثانية وثالثة ، دون جدوى فجلس "ينهج" وقال له ، أصل ولا مؤاخذة ، لم أكل منذ الصبح ، فأمر عرفان مظلوم وكان سعيدا أيضا بإحضار الدسم من الطعام وأخذ عجوة ، يأكل وهو بدين بطبعة ، وبجسمه ، حتى احتشى تماما ، وشرب بعد ذلك ، ما بين عصير وما بين كوكا ، وما بين شاي ، ثم الحق ذلك كله بتفاحة ، وبرتقالة ، ثم قام مرة أخرى ، فقال له الجميع ، انتظر قليلا فقال لا ، الآن يمكن رفعه ، وقام جمرة وفعل نفس ما فعل " كتلة أعصاب " وحاول عجوة ، دون جدوى ، مرة ثانية وثالثة ، كان العرق يتصبب منه ، وكانت العينان ، قد احمرتا ، من كثرة الإنفعال والغضب ، وكانت عظامه يسمع لها صوتا بل خرج الصوت من كل مكان خافتا ، وعاليا !! دون جدوى فإرتمي علي الأرض يلهث ، دون جدوى !! ، وعلق الكثيرون لا لا راحت عليك يا أبو التمر !! فقال أبدا وحياتي عندكم ... ( أنه لازم وأكل بطاطا !! ) فرد فؤاد إبراهيم ، وهو يدخـل إلي الجلسة ، يا أخـي صوتكم " جايب لتحت " فردوا له ، الحكاية فقال وهل تعتقد يا عجوة ، أن البطاطا ، فيها سحر عجيب ؟! فرد عجوة ، وهو ما زال يلهث " أمال ، أنا شيلت العشرات ، إزاي ، كنت وأكل بطاطا !! فقال فؤاد ، ذي فشرة ولا حقيقة ، يا عجـوة ؟! فرد وكان قد استرد وعيـه تماما ، مفعولها أكيد ، وإسأل سعـد الهواري ، أكلت منه كوزين بطاطا ، ورفعت قدامه ، عشرة بإيـد واحدة ، ولولا خلص البطاطا ، كنت رفعت بالإيديـن مع بعض ن عشرين ويمكن أكثر فضحك الجميع ، وعلق الحاضرون ، والله دي جديدة وكويسة !! وفهم  الجميع ن أنها فشرة جديدة ، تضاف إلي قاموس عجوة وقالوا والآن الدور عليه يا جمرة تقد تشيله ، ترفعه لفوق ، فرد قائلا ، أنا صحيح أرفع منه ، لكني كتلة أعصاب ، وهو صحيح بدين قوى ، لكن مليان علي الفاضي زي البالون شكة واحـدة تصفية ، فرد الجميع والله " أدي الجمل وأدي الجمال " وشجع كل فريق بطله وقام جمرة وحاول أن يلف يديه ، حول عجوة ولكنه لم يستطع بسبب بدانته ، وحاول أن يمسكه من السائقين ثم يرفعه مرة واحدة وشد أعصابه ، وبدأ يركز قوته ، ولكنه لم يستطيع رفعه ، ولكنه حركه ، قليلا ، وقـال أصل هو واكل "ظفرة " ، يعني وأمر عرفان مظلوم ، أن يحضر له ، فتة كوارع بالتوم والخل ، وجزءا من لحمة الرأس ، وكانت هذه الأكلة ، تقوى وتشد العصب ، وأتى حميرة علي كل ما فيها ، وقام وهو في شدة قوته من الأكلة وحاول أن يرفع عجوة ، من على الأرض ، إلا أنه لم يستطع وقال بعد مرة وثانية وثالثة ، لابد أن أحدا يثبته في الأرض !! فأبعدوا كل الحاضرين ، وأبعدت الكراسي ، والأشياء التي يمكن تثبيته بها ، وأصبحت الفرقة ساحة للصراع والتنافس ، والجميع ملتفون ، مثل حالة عجوة عرق شديد وأصوات عظام وأصوات أخرى !!
وارتمي علي الأرض يلهث ، وهو متقطع الأنفاس تماما ، حتى استعاد الهـدوء ، والسكينة وقال لهما عرفان لم يستطع أن يرفع أحـد منكما الآخر ، إذن أنتما متعا لين ، فردا معا ، يبدوا يا أستاذ ، أنك غرقت علينا فلم نستطع شيئا ، أو أن الأرض بتاعتك ، بتلعب معاك أنت أو أنها مخاوية ، أو أن الأكل فيها حاجة ، فقال لهما ، لا هذا ولا ذاك ، والأكل في الفشر فقط ، ورد الإثنان ، ويسعدنا ذلك ، فمعه نصعد إلي الفضاء ، وننزل في باطن الأرض ، أو في أعمال البحار ، ومعه نحلق في الخيال ، وفوق المحال ، ونحقق قوة لكي يغلب أحدنا الآخر ، وضحكا ضحكة واسعة ، وقال في نفس واحدة ، سوف نتمرن ونأكل أكلنـا ، ونلتقي علي أرض محايدة ، فضحك الجميع ، ودار الشراب المدفون عبر المراجل البخارية ، في شكل (نارجيله ، شيشة ، جوزة ، كاس ، وقال فؤاد إبراهيم ، كيف حال الأرض الجديدة ، فقال عرفان عال العال ، وبالمناسبة ، أرجوك أن تبلغ رسالة عبد العليم ابنه الكبير ، عبد الحليم ، والألفي ، نسيبه ، إنه في خير ، وفي صحة ، ونادى علي مظلوم ، وقال له ، اذهب وبلغ جميع العائلات ، بسلامة رجالهم ، وأنهم في صحة جيدة ، ونجـد إنشاء الله ، فقام مظلوم ، وكان في جلسته بالقرب من الباب ، ولكنه في نفس الجلسة ، وانطلق إلي كل بيت يبلغهم هذه الأنباء السعيدة ، وأعـاد السؤال ، فؤاد مرة أخرى ولكن هل هي أرض طيبة بكر  يعني خصبة ، فقال عرفان الأرض مازلت بكرا ، وفيها من الخيرات الكثير ، ولكنها أهملت وجاري إصلاح كل شىء فيها " بالرجالة " الذين أوصلتهم ، وعـدت من عندهم منذ ساعات ، فقال فؤاد ، الله يجعلها خير عليك ، وقد أزورهم قريبا ، فإنني مسافر إلي الإسكندرية ، حيث هناك بضاعة ، سوف تصل ، و لي فيها جزءا كبيرا علي الباخرة ( ماري ) واردة من اليونان ، فرد عـرفان بضاعة إيـه ، ؟! " زيتون ، وتمباك وخلافه " ولم أحصل علي إذن الاستيراد ، إلا بعـد طلوع الروح ، فقال عرفان ، كنا نستورد من هذه البلاد ، مختلف العلوم ، ونتعلم منهم الحكمة ، والآن نستورد منهم ، الزيتـون والأمزجة ، فقال فؤاد ، ولكننا نصدر لهم ، الجبن ، والموبيليا والأحذية ، ولكن عبد المنعم سعيد ، قال ولكن لا تنسى يا أستاذ أننا صدرنا لهم ، المعرفة مرة أخرى بكل صنوفها ، لقد فتحوا لنا الطريق ثم عدنا فصدرنا لهم علوم الحضارة الأوربية كلها الآن ، فقال عرفان ، لم نختلف ، وأضاف جمرة يا يهمنا هو المعدة وقال عجوة ، ولا ننسى أيضا معدة العقل !! فقال جمرة وكيف أنساها ، ونحن نفشر من خلالها !! ولكن انا وأنت ، نبدأ بالمعدة السفلية ، فلما نشبع ونرتوي تشبع وترتوي ، معدة العقل !! فنصنع من أنفسنا سلاطين ، ونتسلطن ، ولكي لا تغضب ، فأنت سلطان وأنا امبراطور ، فقال عجوة تلك قسمة ظالمة ، أنا امبراطور ، وأنت سلطان ، فقال أحـد الحاضرين ، الن تنعموا علينا بألقاء ، أو تمنحونا منحا سلطانية ، أو امبراطورية ، أو تخلعون علينا إمارة من الإمـارات ؟! فقال عـرفان ، أي والله ولكن المراسم الآن وقام وأحضر تاجين أحدهما سلطانية شوربة كبيرة ن لونها ابيض نقطة بنقطة برتقالية والأخرى برتقالية ، منقطة بنقط بيضاء ، وقام بعض الحاضرين ، بإحضار كرسيين فوتيه ونصب كل واحد منهما كرسي في مواجهة الآخر بعرض العرفة ، وأحضر عرفان ، ملاية سرير بيضاء وملاية سرير خضراء ، وأحضر ريشين من ريش الأوز ، كما أحضر حرامين أحدهما أبيض والآخر أخضر ، وأحضر نعليه من البلغ المفتوحه ، وقام فؤاد ، بإلبا جمرة اللون الأبيض ، من ملاية تشكل جلبابا ، ولف حوله الحرام الأبيض ووض فوق رأسه السلطانية الأولى ولف حولها بقية الحرام ، وغمـز الريشة الأولى في ثنايا جدار السلطانية ، وجـزء الحرام ، وفعل عزت نفس الشىء مع عجوة ، في ملابس الملاية الخضراء ، والحرام الأخضر ، والسلطانية الثانية والريشة الثانية.   وقد غطت الملابس المصنوعة من الملايات كل ملابسهما ، ولم يظهر منهما إلا الشكل الجديد وقام أبو السعـود ، بعمل مكياج للوحة ، ورسم لكل منهما شنبا ، من سناج موقد الفحم ، مكان مظلوم قد حضر من الخارج ، فأمره عرفان ، أن ينادى فريال وسميرة ، وأمـره أن يلبسا نفس اللون ، لكل من جمرة وعجوة ، وأن يكونا من أفخر ثيابهن  وذهب مظلوم ، فتعجبت النسوة ، من كل هذا ولكنهما قامتا ففعلن ما أمرت به ، وأرادت شربات وكنت لم تغادر بعد المنزل أن تحل مكان سميرة ، ولكن روح الحياة أخبرتها ، لا تفعلي ، فحملي ، سافر إلي راس الخليج ، لقضاء مصلحة وسيعود ، وقد تكدرك ، فسكتت ولكنها تغلى ، وتريد أن تستمتع بكل وقالت للسيدات أليس هناك مكان ، نتفرج منه دون أن يلحظا أحـد ، فقالت عفارم ، تعالى من حجرة عرفان ، وشدت معهن روح الحياة ، كما يشد الوابور ، عرباته ، فوق القضبان ، وانتهت الفتاتان من زينتهما ومظلوم واقف عليهما ويسألانه ، ما رأيك ، فيقول وحياة الشيخ المكاوي قمرين ، في ليلة 14 فيقرصانه في جانبي كتفيه كل واحدة قرصة ولكنها قرشة بريئة يا مضروب  يا راجل يا عجوز ، فيقول مازلت شابا ، " يا مفاعيعي " !! ثم يأمرهما بالسير علي جانبيه ، وقد غير هو الآخر جلبابه ولبس الجلباب البلدي الممتاز ذي القطان ، وفوقه البالطو الصوف الذي يفتخر به دائما ويعده للمناسبات ، وسار الموكب وكأنه والد العروستين ، وكانت الفتاتان ، في فساتين تشع بالأضواء ، كانت محفوظة هي الأخرى لزوم المناسبات ، وطرق الباب وكان هناك بعض الآلات الموسيقية ، وكان هناك القادرون ، علي لمس أوتارها أو لمس شافهها بالنفخ ، أو اللعب علي أسلاكها ، أو النقر علي جلدها وفتح الباب ، وعزفت الموسيقى ، في حدود امكانياتها البسيطة وقام عرفان بالغناء ، ولأول مرة يحي حفلا خـارج الحمام !! وهو يقول حواريك يا مولاي ، وينظر مرة إلي السلطان ، ومرة إلي الامبراطور ، وقام السلطان جمرة من على كرسي العرش ، فانحنت أمامه فريال ، إنحاء خفيفة ، فقال يلثم يدها وأمر مظلوم بإحضار كرسي آخر وقام الامبراطور عجوة بنفس الطريقة ، وانحت سميرة بنفس الانحناء ، وأمر بكرسي وأحضر الكرسيين وكانا من نفس الصنف ن ومن نفس اللون المذهب ، وجلس السطان وجاريته ، وجلس الامبراطور وجاريته ، في وقت واحـد وفي حركة واحدة وكانت الموسيقى تهز الأعماق ، وتهز الأجسـاد وكان عرفان ، قد تحرك في غنائه إلي المستوى الثاني ثم انتقل إلي المستوى الثالث ، وهو يعني أن صوته قد وصل إلي ( الفورمة ) وجاء مظلوم فأخذ مقشة من ريش النعام وأخذ يروح بها عن السلطان وعن الامبراطور.

*ولما دخل حلمي ، وهو لا يدري ماذا يجري ، إلا أنه وجد الجميع في حالة من حالات السعادة فلم يكلمه أحد ولم يكلم أجد ، وأخذ مقشة أخري من ريش النعام ، وقام بواجبه نحو الامبراطور ، واكتفى مظلوم علي السلطان ثم ساد الهدوء الصاخب ، وعادت الموسيقى الخفيفة ، وتوقف عرفان عن الغناء ، وقال سيدي السلطان خوفو ، سيدي الامبراطور ، خفرع ، فانبسطا أيما انبساط ، وارتخى كل منهما في كرسيه ، علامة هذا الانبساط ، ثم قالا تفضل يا عرفان ، يا صاحب السلاطين ، والامبراطوريين ، فقدم عرفان الحاضرين ، وطالب بالمنح السلطانية والمنح الامبراطورية ، وقام كل واحد من الرعية ، بتقديم نفسه ، وتقديم  خدماته للسلطانية وللامبراطورية ، وعرض كشف أعماله ، ومكان مظلوم يمس في أذنه السلطان وكان حلمي يهمس في أذن الامبراطور ، وفي نفس الوقت كانت الجارية فريال تهمس في الأذن الأخرى ، للسلطان والجارية سميرة ، تهمس في الأذن الأخرى للامبراطور وفي النهاية قام السلطان جمرة ، وأنعم علي بعض الرعايا بملابس سلطانية ، وقام الامبراطور بنفس الإنعام ، ثم جاء توزيع الامارات ، فأحضر عرفان خريطة عليها مواقع نفوذ السلطان ونفوذ الامبراطور ، وأخذ كل منهما يمنح علي الخريطة ما يشاء ، حتى انتهت الخريطة ، وبقى نفرأ أو أكثر فتشاجرا ، السلطان مع الامبراطور ، هذا يقول لقد تعدين علي منطقتى ، والآخـر يقول له لقد تعديت أنت ولم يستطع أحد ان يرد أيا منهما ، وقام كل منهما وقد تشابكا بالأيدي ثم بالسلطانية ، فتكسرت سلطانية جمرة ، وكذلك سلطانية عجوة ، وكانت من النوع الأثري وحزمن عليهما عرفان كثيرا ولكن الضحك كان أكبر من الحزن ، ولم ينته الشجار ، إذ هجم جمرة علي عجوة وكانت فريال معه في هجمته وقد ركبت فوق كتفيه ، وساعدته في ضرب عجوة وفعلت سميرة نفس الشىء وقد ركبت فوق كتفى عجوة ، وساعدته في ضرب جمرة ، وحاول مظلوم وحاول حلمي فك الاشتباك ، دون جدوى ثم وقع الجميع علي الأرض الرجلان أسفل وفوقهما المرأتان ، وفوقهما مظلوم وحلمي ن والجميع وعلي رأسهم عرفان يتفرجان ويضحكون ، مرة ويعزفون الموسيقى مرة واستمر هذا العراك حتى سمعا أصواتا مكتومة كان حجرة يصرخ إلحقوني أنا لست سلطانا ، وكان  عجوة يصرخ إلحقوني ، أنا لست امبراطورا فقامت فريال ، بدفع مظلوم ثم استقامت من علي الأرض تنظف وتهندس ملابسها وجرت مسرعة نحو الداخل ، وفعلت سميرة مثلها ، مثلما فعلت فريال ، إلي داخل المنزل حيث النساء يضحكن ، من فعل الرجال وقد أشعلت الفتانات ضحك النساء وكان صوتهن عاليا فدخلن حجرتهن ، وأخذ الفتاتان ، تستعيدان ما حدث ، والنسوة يضحكن ، ولسان حالهن يقول ، أما جمرة وعجوة " دولة ، مصيبة ، يقط وابن الضحك "
فتقول ، كله من مقالب سيدي عرفان تضحك وترد سميرة ضاحكمة ، بس صوت سيدي عرفان ولا أم كلثوم ، ولا الكلام تقولي أحمد رامي ، ولا الموسيقى تقولي السنباطي ولا عبد الوهاب فترد ورح الحياة ، وهي تهتز هزا شديدا ، كالزلازل وهل يعرف يغني فتقول سميرة ، والله حرام ، كان يطلع مطرب أحسن ، بدل شمهورش ، وتضيف عفارم ، بجد بيعرف يغني فترد سميرة ، بقلك عظمة علي عظمة ، فترد المرأتان ، في نفس واحد ، وهما تنظرات لبعضهما البعض أصله من زمان مغناش معانا !! وتضحكان فتضحك كل فتاة وتشاركهما القول ما هو غنوة عن غنوة تختلف ، بس نشهـد بالعشرة  أنه بيغني حلو في حضور الضيوف ، ولما يكون في الحمام ... وبينما النسوة هكذا في إنشراح ، وترويح عن النفس ، من هم الآلام ، والسأم والضجر وهموم الدنيا كانت الجلسة مازلت منتصبة ، داخل غرفة الجلوس ، وكان الجميع في حالة نفسية ممتازة ، بعد هذا العرض وتبارى الجميع في إعطاء الدرجات وكان الحاضرون ، أمنا في التقويم ، بعكس بعض الذين يعتقدون أنهم يمنحون ويمنعون ، طبقا لفكرهم هم ، وطبقا لمزاجهم هم ، أما هؤلاء البسطاء فقد قوموا العرض تقويما سليمان وقال حلمي ، لقد مرحتم كأطفال ، فقال عرفان ، وماذا نريد غير هذا ، فلتكن عقولنا عقول الرجال ، ولتكن قلوبنا ، قلوب الأطفال نقاءا ، ثم أن الموازين اختلفت عن ذي قبل ، فتعالوا نضع فئات للسن ، حددوا سن الطفولة ، في جلستنا ، فقال مظلوم فنجعلها حتى العشرين ، ورد السنباري ، ولماذا لا تكون حتى الأربعين ؟! وقال جمرة فلنجعلها حتى الخمسين ؟! وقال عجوة ولماذا لا تكون الستين ؟! وقال عبد المنعم والشباب من الستين حتى السبعين ، فقال عبد المنعم والشباب ، من الستين حتى السبعين فقال عبد المنعم وملاذا جعلت الشباب ، فترة قصيرة ، فلنقم بتعديل لنجعل الطفولة حتى الخمسين ، والشباب من الخمسين حتى السبعين !! و الرجولة من السبعين حتى  المائة ! والشيخوخة من المائة حتى الأربعين فوق المائة !! فدهش الجميع وقالوا أنت متفائل يا سي منعم ، واقل فؤاد ليس عجيبا أن يتم هذا ، في جلستنا ثم أن هناك شيئا أخر ، ألستم رجال الأزمان القديمة ، لقد عاشوا مئات السنين فرد عرفان يا جماعة الأعمار بيد الله ، ولندعو الله لنا بطول العمر والصحة والعافية ، ولنأخذ بتقيوم منعم وما دمنا في مرحلة الطفولة ولكن ليس طول الوقت فترة فقط من جلستنا حتى لا نتمادى فيها في حياتنا العملية واقترح أن يلعب جمرة ويلعب عجوة ، لعبة الطفولة ، (شوفت العصفورة ) / وليكن جمرة مرة هو الطفل ، وعجوة يلاعبه ، ومرة جمرة هو اللاعب ، وعجوة هو الطفل ، وبدأ جمرة يقول لعجوة شوفت العصفورة ، ولكن  عجوة لم يرفع رأسه إلي أعلى ، وإنما أض رأسه وانكمشت رقبته ، أسفلها بحيث لا يستطيع أن يلكزه جمرة في تفاحة أدام ، البارزة في مقدمة رقبته ، وعبثا حاول جمرة أن يفعل ذلك ، ولم ينجح سوى مرة واحدة ، عندما قام أحد الحاضرين بمحاولة ناجحة ، لتشتيت تفكير عجوة وكان مجموع الشوط خمس مرات وبدا الدور علي عجوة عليه أن يلمس تفاحة آدم لدى جمرة ، وقال له شوفت العصفورة ، ولم ينظر إلي أعلى أبدا ، إلا أنه في المرة الخامسة ، قال له شوفت العصفورة ، كانت هناك فعلا عصفورة من عصافير الجنة ، جاءت علي ضوء الغرفة فلكرة عجوة في تفاحته ، وهنا قال الجميع تعادل النتيجة تعادل ، أيضا إنكما ، فعلا من الصعب أن يغلب واحد منكما الآخر ، فإن حرصكما الشديد ، يمنع هزيمة واحد منكما ، ويبقى بند الفشر ، ولأنه يرجع إلي شهادة الحاضرين فمن الصعب أن تتعادلا فيه دائما ، وقد يعوز واحد منكما في دور ، ويفوز الآخر في الدور الثاني.
كانت الليلة من أعظم الليالي سعادة وهناءا وفلسفة ، وحكما وشربا وأكلا ن علي الجميع وحينما نظر الجميع إلي ساعاتهم قال الجميع يا خبر لقد سرقنا الوقت فلنسرع قبل أن نلقى ما لا نرضاه ، من زوجاتنا وقام كل منهم ، يبحث عن حذائه أو خفه ، وكأن كل هذا الضحك قد فر منهم ، وتعجب عرفان منهم وقال ، يا سلام يا جماعة ، إلي هـذا الحد ؟! إنهن يعرفن ، أن هذه جلستكم يوميا ، إما عندي أو في مضيفة الشيخ محمد ، فقالوا الخوف صعب يا أستـاذ ، وليس الخوف من الضرب ، فنحن لا نضرب ، فضحك عرفان وقال لهم ولا مرة في حياتكم ، فقالوا لا تفضحنا ، يا أستاذ ! أمرة واحدة يعد ضربا ، ثم أن هناك الأمـر من الضرب ، وأنت سيد العارفين ، وما لنا بعدا عنهن ولو كان دونه ، بعض التقريع حتى لو وصل الأمر إلي التهذيئ ، أليس ذلك يا جماعة ، فأشاروا ، فيما يشبه الموافقة ، وسلموا وخرجوا مسرعين وعرفان يعجب منهم ، وعليهم وعاد إلي جلسته ، وقام حلمي وقال سأدخل أنام الآن ، فقد حان الرحيل صباحا ، فالح عليه عرفان أن يجلس أياما أخرى ، فقال له والمصالح من يرعاها يا سيدي ، فقال له ما دام العمل فليس لي أن أمنعك وقام عرفن وانصرف هو الآخر ، وذهب إلي حجرته وقفل علي نفسه الباب ، ولم يدع أحـدا من زوجتيه ، بينما شربا ، قد عرفت ميعاد الرحيل ، وتمت السيدات وذهبت إلي حجرة زوجها ونام مظلوم ، في حجرة الجلوس والسيدات في حجرتهن ، والأطفال والكبار من الأولاد في حجرتهن ، والقطط فوق المقاعد ، وعلي الارض وهي ما بين نائمة ، وراكضة ولاعبة طوال الليل الأخير ، وحتى تباشير الصباح.

*الساعة العاشرة صباحا ، وقد قام عرفان من نومه ، وأدى تمارينه وتناول إفطاره ، وبدأ في قراءة صحف اليوم ، وإذا به يفاجىء بصورة ليست غريبة عليه كانت صورة الشاب الكاتب المخترع ن أسامة مجدي الهاني ، وبجواره عدة صور لمخترعاته ، تصميم لاختراع ، انقاذ الطائرة عن طريق تحويلها إلي بالون تحمله مظله كبيرة ، تفتح آليا أو يدويا ، بحجم الطائرة كلها تصميم لنفق ذري ، للوقاية من الحروب الذرية ، عن طريق مواد عازلة ، لتغطية السطح الخارجي والمحيط بالنفق ، ويرتبط بهذا إنتاج مادة كيماوية ، لها خاصة تحييد نتاج التفجير الذري وأخطره ، أشعه جاما فتحيـد تأثيرها السىء ، ويمكن استخدامها وبجانب كل هذا ، حديث صحفي ، شاغل معه قام به الصحفي عباس جاهين وعرف منه أنه يشتغل الآن ، بالمركز القومي للبحوث ، وفرح له عرفان ، إنه يفرح لأي إنسان يتقدم ، خاصة ولديه ، مثل هذه الإرادة القوية ، التي لا تلين ، والتي تقاوم الصعاب ، ولم ينظر أبدا في هذه الدنيا ، أن المنافسة سوف تأخذ حق فرد من الناس ، في أي ميدان في هذه الدنيا ، أن المنافسة سوف تأخذ حق فرد من الناس ، في أي ميدان من الميادين ، ورأى حتى في مناقشته ، مع السيدة / نوال الحفني ، الكاتبة المعرفة ، أن بعض العاملين في مجالات الحياة المختلفة من صحافة وثقافة وتجارة وصناعة وطب وزراعة وعسكرية وسياحة ، وإعـلام وغير ذلك ينظرون نظرة غريبه ، الآخرين ذلك أنهم ينظرون إليهم من منظر المنفعة الشخصية البحتة ، ومدة العائد عليهم ومن ثم يقيمون كل فرد من هذا المنظار ومن تلك الرؤية ، وبالتالي يفتحون النار علي الوافد الجديد ، إلي أي مجال من هذه المجالات ، دون النظر إلي أن هذا الجديد عليهم لا ينظر إليهم بنفس المنظار وبنفس الرؤية ، بل أن لديه أفق رحب أن المجال متسع للجميع ولم يضع نفسه ، في وضع مقارنة مع أحـد سواء ، أكان أكبر منه  أو أصفر منه ، ليس عن ترفع أو غرور وإنما عن يقين أن الدنيا ما حلفت لواحد ، وإنما للجميع وخلق التنافس ، ليبنى المجتمعات وخلق الصراع ليدمر المجتمعات وخلق التعاون البناء ، للبناء المستمر ، ولكن هؤلاء البعض نظرتهم ضيقة ، وتحدهم يتكتلون تكتلا رهيبا ، دون راع وقد يكون هذا الجديد أقدم منهم ويعرفون ذلك تماما ، ولكنهم ينكرون ويدعون غير ذلك ، وفى مجالسهم الخاصة يعترفون به وفي مجالسهم العامة ، يقتلونه قتلا ويبدو أن الجميع قد فرح بهذا ، واستمر أهذا ، وإذا قاموا بهجومهم ، علي فرد من هؤلاء الداخلون ، في شعبة من هذه الشعب ، كان هجوما لا يرحم ، ولا يبقى من شىء ، إلا وجعلوه رمادا ، وقد يكون الشخص هذا ، هو الذي يدافع عنهم ، سر وعلانية حين يعز الكلام ، ويخشون هم حتى أنفسهم ولذا فعرفان ، يرى أن المنافسة مطلوبة ولكن الصراع ليس مطلوبا ، ويرى أن المجال يتسع للكفاءات كلها ، وليس خكرا علي أحـد ، ولا يدعى أحـدا البطولة والوطنية ، علي حساب تخوين لبعض الآخر ، لآن هؤلاء الأدعياء نعرفهم ونعرف تاريخهم ، ولهم مواقف سابقة ، كانوا فيها فئران ، والآن يعملون علي الشرفاء ، قططا ، لقد حكي له برهان ، كم من الكفاءات حطمت ، وكم من الباحثين في كل مجال قد وئدوا ، كما البنات في العصر الجاهلي ، وقال له ، أن هؤلاء الهجامون ، لمجرد السماع أو التوجيه أو غير ذلك من التعليمات ، كانوا هم ول من صرخوا من الألم وصرخوا من الذين دفعوهم للوأد للآخرين ، والعجيب في أمر هؤلاء أن يتلقفوا مزدحما ، صدر الأمر من أسيادهم أو منهم ، أو من شلتهم بقتله معنويا ، وبالتالي حياتنا فلا ينفكون ، حتى يعتقدوا أنهم قد حققوا ما ارادوا ، وقد ينجون ، ولكن هناك البعض الصامد ، الذي لا يلين وإن لان الحديد ويقول لهم وهو يخرج لسانه يا هذا ويا ذاك ، ويا من تتدعى ، لقد حملت سيفا ، لست صاحبه ، ولا تعرف كيف تقاتل به ، وقد يجرحك ، وقد يدميك ، وقد تقتل به نفسك وقد يشتد في القول ، يوقول لهؤلاء يا أولاد الأفاعي كما قالها عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، مالكم وهذا لا أخـذ منك نعما ولا مكسبا ، ولا طلب منكم هبة وإحسانا ، ولا كان يملك سيفا مثلكم ، يقاتل به ، ولا حمل رمحا يطعنكم به ، وتفعلون كل هذا  فماذا لو كان له ، مثل مالكم ، كيف تقفون ، وكيف تدافعون وكيف تقاتلون ، ولكنه حينما يحين الجد ويحين الدفاع عن الحق ، يكون أول المدافعين ، وقد يكون عنكم ، وأنتم ضحايا ، جهلكم أو ضحايا من أعطوكم كل هذا ، يقول عرفان ، ويقول برهان ، ويقول كل فاهم ، وكل واع ، وكل مطلع علي الحقيقة ، يقولون هذا وأكثر من هذا ، يقولون ، أن الكفاءات ، قد تجد لها ، طريقا وقد تفجر طريقها وقد تجرف كل الحشائش الضارة ، وتقتلعها من جذورها ، وقد قالها ، برهان حينما نشر لهذا الشاب ، ذلك المخترع وذلك الأديب وأخرج هذا الشاب لسانه لمن عاندوه ثم خنقوه ، ثم طردوه ، ورموه ، في بحور النسيان ، وبحور التشويهات ، أخرجه لهم جميعا فعضوا علي النواجد ، وكادت ألسنتهم تقطع وكادت أسنانهم تقع ، لقد قالها لهم وقالها للمغرضين ، وقالها لعيال من عيال اعتقدوا أنه مازال نمرا ، ونسوا أنه قد بلغ في مرحلة العمر ، والخبرة ، والممارسة ، ما يستطيع أن يقول لهم ، أنه عمهم إن لم يكن جدهم ، في هذا الميدان كانت هذه الخواطر ، هي ما وردت علي ذهن عرفان ، وعلي لسانه حينما وجد كفاءة تأخذ جزءا من حقها ولو بالفشر ، واستمر يقلب في الصحف ، لم يجد جديدا وأخذ يقلب في صحيفة العهد الجديد ، فلم يجد إلا الموضوع المشار إليه ، فأخذ يتسلى بالكلمات المتقاطعة وهو يحاول أن يحلها ، معنى كلمة يمين ، معنى كلمة يسار ، معنى كلمة وسط ، ووجد أن كل ذلك ، لم يعد له معنى ، لقد تعدت الحياة هذه التسميات وهذه التقسيمات ، وآن الأوان لأن نضع مفاهيم جديدة ، من واقع الممارسة. لقد حزنا ملكيين أكثر من الملكيين ، وجمهوريين أكثر من الجمهوريين ، وانتقل مرة أخرى ، إلي كلمة مصرى فوجد أن التعريف لها ، هو كل من يحمل جنسية هذا البلد ، سواء ولد به ، أو حصل عليها أو عاش عي أرضه ، وقبل هذا وبعد هذا كله ، أن يكون مواطنا مصريا ، في الفعل وفي السلوك ، ولا يعني هذا ، الفعل والسلوك ، بتأييد مطلق لكل نظام ، أو سلطة قائمة ، وإنما يعني من منطلق الوطن ذاته ، وليس أشخاصه ، ويكون تقويمهم ، من منطلق الوطن ذاته ، ويترتب علي هذا ، أن يخوض كل صعلوك ، في خصوصية ، كل مواطن وهو مصريته ، فيطعن فيها ، ويغمز فيها ، ويلزم فيها ن وقد يطعن في مصريته أصلا وهذا الصعلوك أو ذاك ، ما هو إلا لعبة أو ديمة ، تحرك بزميلك حسبما يحركها كائنا من كان دون أن يعرف الفرق بين البطيخ والشمام ولا يعرف عن من يطعن فيه ، إلا معرفته ، أن البغل يلد دائما وأن الديك يبيض ، وأن الشمس تشرق من الغرب ، وأن أباه قد يكون أباه ، وأن أمـه قد تكون أمه ، أو غير ذلك ، من الجهل الذي يخفيه ، تحت رأسه القلقاسية ، كانت تعريفات عرفان لاذعة في تفسير للكلمات المتقاطعة ، ووجد أنها تفتح المجال لمعرفة المعاني الشاملة والكبيرة ، وليست المعاني الضيفة ، وأنها تستمع له ، بأن يؤلف كلمات متقاطعة ، للعجزة والكسالى والمعوقين وعرف عرفان أن هؤلاء العجزة والكسالى والمعوقين ، ليسو هـم أصحاب الإعـاقة الربانية والخلقية والناتجة من واقع الحياة ، وإنما هم من نوع آخر وهذا النوع هو أصعب أنـواع الإعـاقة ، أنه إعاقة في العقول ، تجعل الشخص منهم ، كاملا بدنيا وذهنيا ، من الناحية التشريحية ، والنفسية الظاهرة ، ولكنه في أشد حالات الإعاقة ، ذلك أنهم رغم كل هذا عاجزون ، عن الفهم ، وعن التفسير ، وعن الرؤية الصحيحة ، والمعيبة أنهم يعتبرون أنفسهم أسوياء !! وهؤلاء للأسف ليس لهم عـلاج ، والعكس من هؤلاء ، ما قلنا عنهم من وجهة نظر الأصحاب معوقين ، نجدهم قد انطلقوا في الحياة ، فأبدعوا وخلدوا أنفسهم ، فوق الأصحاء ، وتذكر عرفان في حلة للكلمات المتقاطعة ، وفي تفسيره لها وفي توارد الأفكـار ، تذكر هيلين كيلر ، وتذكر طه حسين حينما نادوه يسخط الوزير الأعمى فقال قولته الشهيرة الحمد لله الذي جعلني أعمى حتى لا أرى وجوهكم المتربة ، وتذكر أستاذ الأدب الشعبي عبد الحميد يونس ، وتذكر عباقرة منهم ، في كافة مجالات الحياة.  استمر عرفان ، يحل ويفسر الكلمات المتقاطعة ويعلق عليها ، وبينما هو علي هذه الحالة ، كان مظلوم يطرق عليه خلوته ، ويقدم له التليفون ، قائلا مكالمة خارجية يا استاذ ، وأمسك عرفان بسماعة التليفون ، وإذابة يسمع صوت الشيخ عبد العليم ، يا أستاذ ، يا أستاذ عرفان ، سامعني ، فيرد عرفان أيوه سامعك ، عـاوزينك يا أستاذ ... ليه .. فيه مشاكل مع أخوات الأستاذ مدحت ... طيب أنا جاي .. جاي بكرة إنشاء الله ... شوف يا عبد العليم ... هديهم وقلهم الأستاذ جاي بكرة ... طيب .. سلام .. سلام.

وضع عرفان سماعة التليفون ، وتعجب كيف يفعل أخـوات الأستاذ مدحت كل هذا وأين السعدني ، اليس هو المسئول عن الاتصال ، بصفته ناظر الاستاذ مدحت ، وقال عرفان ، يبدو أن الأعمال الجيدة ، إذا ما بدأت تولد الحقـد ، من الفاشلين ، ولماذا يفعلون ذلك ، لقد كانت معهم ، فأهملوها ، وسرقوها ، من أخيهم سرقوا محصولها لي قلته ، بسبب إهمالهن وقال أأسافر اليوم  أم غـداَ ؟!
إن الأمر لا ينتظر ولابد من السفر وقال هو يتنهد ، مكتوب عليك الترحال الدائم ، والسفر المستمر لقد زرت مصر كلها ، منذ بدأت حياتك العملية من التفتيش ، إلي المناطق المجاورة إلي بلدان الوجه البحري كلها ، إلي الصعيد ، إلي البدو ، إلي الحضر ، إلي الحضر إلي الحدود كلها ، إلي القاهرة في عهديها إلي الإسكندرية ، عروس البحار ، وكأنك السندباد العماني ن فقال مظلوم وقد سمع سيده يقول ( السنباد العماني ) من هو يا سيدي الذي تتشبه به فرد عرفان أسمعت كلماتي يا مظلوم ؟! ، ولكن قل لي بالله عليك كيف جئت مبكرا من عملك ؟! وأنت في بداية التعيين فقال له السيد الرئيس قالي روح النهاردة ، بعد ما كملت إجراءات التعيين  قال عرفان ، يعني خ ارج من الشغل رسمي ، أيوه و الله رسمي ، علي ما يحدد المكان اللي ها شتغل فيه ، يمكن يديني البوسطة ، أوديها مكتب البريد ، وأجيب بوسته البلدية من المكتب ، يبقى عال يا سيد مظلوم ، وتبقى برضك ، بتمشى وبتشرف زي السندباد ما عمل ، السنباد العماني ، اللي بتسأل عليه ، مشى وتحرك زيك كـده ، بس لف بلاد وشاف ناس وعاش حياة كلها مغامرات ، ومفاجآت وشاف الخير وشاف الشر ، وبقة أسطورة تحكي وتروي في قصص للكبار وللصغار ، ويطلق عليه العماني لأنه من سلطنة عمان تعرفها ؟! فقال مظلوم أعرفها فين بس يا أستاذ ، فقال له عرفان ، هذه بلد كبير ، يقع علي بواب الخليج العربي ، فقال مظلوم يعني بلد عربي ، فرد عرفان ومسلمة كمان ، وعضو في الجامعة العربية ، فقال مظلوم ، طيب ما أنت يا أستاذ ، زي السندباد ، وكلامك يبقى اسم على مسمى ، فقال له عرفان ، وهـو يبتسم ، طيب أذهب وحضر الحمام ، وحقيبة السفر حيث أنني مسافر إلي أبى حمص ، فقال مظلوم حاضر يا سيدي ، ولم يكن مظلوم في حاجة لمعرفة السبب ، فقد سمع الحوار التليفزيوني ، كاملا وذهب وهو يطلب من السيدات ، إعـداد حقيبة السفر وإلي فريال ، يطلب منها إعـداد الحمام.

دخل عرفان حجرة الأولاد وكان جدير وغدير ، قد حضرا ، وقام بجولة في الحجرة حتى يتم إعـداد الحمام وانتقل إلي المكتبة فوجد مجموعة من الكتب ، كلها من مؤلفات الكاتب الجديد والصحفي ، عبد المجيـد العدل ، ووجد لمجموعة ، تشمل القصة والرواية والشعـر والبحث والأغنية والمسرحية واستعرض أسماء الكتب وفرها نظرات أحباب ، الدليل الأول والثاني ، بحر الأحـزان ، لا تلموني ، وأخذ يستعرض ما فيها فوجد منها الجيد ومنها غير الجيد ، ولكنها كما قال الكاتب تجارب ثم استعرض خاتمة الكتب ، فوجد الكثير مخطوطا ، وما زال لم يطبع ، ووجدها ، تشمل تطور فنون الصحافة ، مخطوط كبير الحجم ، الحديث الصحفي في الصحافة الفنية ، فعالجة الصحافة لقضايا المخدرات ، الاتصال الوسيط التليفون ، اليونسكو ، الرأي العام ، الأفكار المستحدثة وتأمل عرفان في هذه الكتب ، وتذكر أن مؤلفها يعمل مع برهان عبد التواب وأن تاريخ صدور هذه الكتب قديم ، وبالتالي فهو ليس جديد ن وإن كان غير معروف ووجد أنها تشمل موضوعات عديدة ، جديدة بالقراءة ، ولكنه كان مشغولا والتفت إلي المكتبة فوجدها تشمل مؤلفات الكتاب الكبار ، والصحفيين الكبار وكان قد قرأ كل  هذه الكتب ولكنه فوجىء بهذه المجموعة لهذا الكاتب ، ويبدو أن أولاده ، قد اشتروها من مصروفهم ووجد  كتبا كثيرة لكتاب وكاتبات حديثي العهد في مجالات القصة وفي مجالات الشعر ، وفي مجال الرواية ، وفي المسرح مثل حكمت منصور ، نبيل مأمون، رتيبة نظمي ، إقبال السعدواي وسكينة فوزي ، وناهد العجيمي ، وغير ذلك من الأسماء ، ولم يكن عرفان قد قرأ لهم من قبل ، ولكنهم في نظرة حديثي العهد وقد يكون منهم أسماء قديمة ، ولها عمل طويل ، وقد تكون أزمة النشر هي السبب ، والتي بحثها ذات مرة حينما كان سكرتيرا للجوهري باشا في لقاء مع مجموعة من الصحفيين ، ووجد كتابا مهما في الإذاعة والتليفزيون ، لسامية عمر ، ووجد كتابا في القانون المبسط لسيادة القاضي ، وتعجب كيف توجد مثل هذه الكتب ، في هذه المرحلة لدى هؤلاء الأولاد في هذه المرحلة من العمر فوجد في ذلك ، اهتماما منهم بتنويع قراءاتهم وقد يكون أحدهم أحد الممثلين لمدرسة زغلول الإعـدادية ، في أوائل الطلبة علي مستوى المدارس الإعـدادية وكان الثاني خطيبا في المدرسة الإعـدادية ، أي في الإذاعة المدرسية ، وكذلك بعض البنات كمن مهتمين بذلك ، ولكن عرفان تناقش مع ولديه ، وقالا لهما أرجو ألا تعطلكما هذه الكتب ، عن الكتب المدرسية ، فقالا جدير أنك تعرف يا والدي ، أننا ننظم أوقاتنا ، وفي هذه الأيام نحن لا نفتح ‘إلا كتب المدرسة حيث الامتحانات بعض أيام ، فقال عرفان وإن تقتي فيكم ، كبيرا وصغيرا لا حدود لها وأنتم أدرى بمصلحتكم ، وأدرى بالظروف التي أعيش فيها ، وتعيشون فيها معي ، وقالا له ، ونحن أهل لثقتك يا بابا ، فأستأذن منهم ، وقال لهما إنني مسافر إلي أبي حمص ، بعد قليل ، وأعتمد عليكما في غيابي ، دون أن يؤثر هذا علي مذكراتكم فقالا ، ترجع بالسلامة يا بابا.

*أخذ عرفان حمامة ، وارتدى بدلته ، السوداء ، المقلمة ، بالأسطر البيضاء الطويلة واطمأن علي حقيبة السفر ونادى مظلوم فحمل الحقيبة ، وسلم علي جميع الأهل وقال لمظلوم ، عليك أن تأخذ بالك من البيت ، وكنت أتمنى أن يظل حلمي وشربات هنا ، حيث أنك تذهب العمل صباحا ، ولكن يفعل الله ما يريد ، فلم تستطيع ، أن تحقق ما تريد دائما ، المهم أن تقوم أنت بالرعاية ، ولن أغيب كثيرا فقال له سافر وأنت مطمئن ، وإرجع لنا بألف سلامة ، كان مظلوم ، رغم وضعه هذا ماهرا ، في كثير من الأمـور ، ولكنه كان متواضعا ، لكل إنسان ، وكان دائما ، عبد من عباد الله ، رغـم أنه يعيش في مثل هذه الأمـاكن ، التي يرتفع فيها الإيمان ، مـرة واحـدة ، وينخفض مرة واحـدة ، وكان يعجبه دائما الشيخ  عبد الله الشعراوي ، في قراءاته وفي تفسيراته للقرآن الكريم ، ولم يكن الشيخ أيامه في شهرة المشايخ الآخرين ولكنه كان يرى فيه غير ما يرى الناس ، وكان لكل هذا أمينا ، ويحمـل الأمانة ، كما حملها إياه ، عرفان في هذا اليوم ، وكان عرفان من ناحية أخرى لا يطمأن إلا إليه ، مذ جاء واستقر معه يعيش علي الحلوة ، وعلي المرة ولا يخـرج أسرار المنزل ، وكم في البيوت من الأسرار ، حتى المشاكل البسيطة بين الأسرة ، تعتبر أسرار مبكر غير من لا يحفظون ، هذا ولا أقل من هذا.
وكان مظلوم مع عرفان حتى ركب الحنطور ، وسلم عليه ، وقال عرفان ، توكل علي الله يا اسطى شكرى وانتقل الحنطور بحمله خطوة خطوة قد تكون بطئية وقد تكون سريعة وكان الحصان يشد العربة والسائق يلهبه بسوطه ، ويترنم بكلمات غنائية ، ولكن في صوت خافت ، وعرفان لا يتحدث معه لأول مرة وقد كان في تفكير آخر حيث مشكلة أبي حمص ، ووصل إلي الطريق الرئيس منفحة أجـرة ، دون أن ينظر إليه وركب عربة إلي المنصورة ثم القطار إلي طنطا ، عربة إلي أبي حمص ، وكان عـرفان في كل هذه التحركات ، من حنطور ، إلي عربة إلي قطار إلي عربة ، بعيدا كل البعج ، عن الحركة الصاخبة ، حركة الناس ، راكبين ونازلين جماهير غفيرة ، تتحرك في كل اتجـاه ، في أعـداد فردية أو في أعـداد جماعية أو في شكل أسرة كل منهم سريع في حركته ، يمشى دون أن يتعمق ، في السائرين وإنما نظرة سريعة غير قبالية ، وقد يتوقف عند حاوي يعرض ألعابه أو عن حادثة أو عند تجمع من الناس من الناس ، ويبدو أنه حب الاستطلاع لدى البشر إلا أنه سرعان ما يترك كل هذا ، ويعود إلي حال سبيله ، إلا أن كل منهما ، لا يدري عن الآخر شيئا ، وإنما هم يتحركون ، كأن هناك شيئا خفيا ، يدفعهم إلي التحرك أو قل أنها الآلية ، في التحرك  وقد يتوقفون وينظرون إلي بعضهم البعض إذا كانوا قد ذهبوا إلي هدف يجمعهم كانتظار وسيلة المواصلات ، التي تقل كل منهم إلي مقر إقامته ، وقد يتحدثون هنا ، لقطع الوقت ، أو أعناء الركوب ، وقد يتحدثون في مواضيع عامة ، تبدأ و تنتهي ، ثم تبدأ مرة أخرى ، وقد يجر الحديث حديثا ، حتي ينتهي هدف السفر ، أو هدف الشراء ، أو هدف البيع ، أو هدف المعاملات اليومية ، في حياة الإنسان ، كل هذا يتم دون أن يتعارفوا ، وقد يتعارفوا ، إذا كان الموضوع ، قد مسى وترا حاسا لدى المتحديين ، فيسأله عن اسمه ، ويسأله الآخر عن اسمه ثم يسأله عن بلده وكذلك الآخر وقد يولد هذا سلسلة من الذكريات ، أتعرف فلان ، نعم أعرفه قد يكون تشابه في الأسماء ، لا أعرفه ولكن أعرف قريبة ... وهكذا ..
وكان عرفان فرد من هؤلاء لم يشغله ما تعود عليه دائما في سفرياته ، من محاولة التعرف وفتح الحديث ، لقطع الوقت والتعرف علي الناس ، إن التعرف علي الناس يساعد ، في عمله الحالي كما ساعد في عمله السابق ويعطيه مزيدا من الخبرة والممارسة ، في دراسة  السلوك البشري ، مما ينعكس في معاملاته ، مع الناس ومع كل مشكلة وفي هذه المرحلة لم يتلفت إلي كل هذا ، فقد كان عقله مشغولا بمشكلة أبي حمص ، ومشغولا أيضا بمشكلة عدم النشر لمشكلته الأزلية ، فلم يكن عمله الحالي سوى وقفه حتى يعود إلي ما كان وجاء برهانووعده بالنشر مما سيساعد علي حل المشكلة ولم يكن أبدا عرفان في حالة سكون ، نحو حل المشكلة ، كان يراسل الكثيرين من أجل حل المشكلة ودون جدوى تحدث مع الأستاذ / ثروت غزالة ، وتحدث مع الأستاذ عاطف ظلام ، وهو ليس بظالم ولكن اسمه هكذا ، وتحدث مع الأستاذ متولي غالب ، وتحدث مع الأستاذ ربيع الدمرداش ، وتحدث مع الأستاذ حسن الخواجة ، وتحدث مع الأستاذ وجدي سنبل ، وتحدث مع الأستاذة ، أميمة الجبيلي ، والأستاذة راشامون الجرايحي ، ومع الكثيرين ، كان يراسلهم جميعا ، وكان حديثه كتابة ، ووعدته السيدة صفية الجوهري ، ذات مرة وقد أرسل برقية تعزية في وفاة أحد أقاربها وعدته خيرها في ردها علي رسالة التعزية بأنها قد تعرفت علي بعض سيدان ممن يعرفن ، بعض المسئولني من أجل حل مشكلته ولكنه كان مجرد وعد من السيدة التي تعرف إليها ، إبان عمله مع الجوهري باشا ذات يوم من الأيام العلولة ولمجده ، وكان كل هذا يتم وهو لا يتوقف عن عمله ولكنها كانت مراسلات ، ليس إلا وحديث علي الورق ، ليس إلا ومنهم من  كان يرد ومنهم من كان يدور ويلف لقد تحدث لك ، مع اللواء الشهاوي عبد العزيز ، أو تحدثت لك مع الأستاذ طلال المسعودي ، أو أنني في سبيل الاتصال ، مع الأستاذة ، ماجي إمام سكرتير المسئول الكبير ، الأستاذ حازم الشاذلي ، وعود كثيرة تلقاها ولم تحرك فتيلا ، ورغم ما كان لهؤلاء ، من دلال قديم ، أو دلال جديد ، أو دلال متصل حتى الأستاذ فتحي لطفي لم يفعل له شيئا وكان يعتمد عليه أن يكون له دور كبير في حل هذه المشكلة ، لذا فلم يكن ينتظر إلا الأمل الوحيد ، و هو أن ينشر برهان وقد وعده خيرا ولكن القلق والانتظار ، يجعل اليوم بسنه ولولا ما يرد من الزبائن ، مـا عرف كيف يسيس هذه الأسرة والأولاد تكبر ، والمصاريف في إزدياد ، كان عرفان في مشاكل عديدة واعتقد أن الأرض الجديدة سوف تغطي تكاليفه ، فإذا المشاكل تبدأ مع أول ضرب فأسى فكيف يكون لعرفان ، الوقت وقد تراكمت المشاكل عليه ، من مشكلة أساسية العودة إلي العمل كتعويض ، عن تأميم شركته وكذلك مشكلة الأرض الجديدة ، كيف يكون له الوقت ليتأمل الناس والحقيقة ، أن هذه المشاكل كانت قديمة ، ولكنها أحيانا ، تظهر كالعروض مرة واحدة ، وتعقد شبكة المواصلات ، داخل عقل عرفان ، وتعطله عن هوايته ، في قطع وقت سفرياته بمعرفة الناس وكانت هذه اللحظة في هذه الرحلة بالذات تعقدت شبكة اتصالاته العقلية فلم يرد إلا مشاكله طوال الرحلة ، ولم ينظر إلي خارج نفسه ، كما كان يفعل بل كان داخل نفسه ، طوال هذه الرحلة ، المرحلة الوحيدة التي نظر خارج نفسه خلال هذه الرحلة ، ولكنه لم يعلق ، كان في القطار من المنصورة إلي طنطا وقد وجد طفلا صغيرا برفقة أمه كانت أمه تسميه ( صعلوك ) ومرة أخرى نسميه ( صيوح ) وكان يحمل في يديه ، ساندوتش في نصف شقه ، حشر اصبع من الكفتة ، وإصبع أخر من السجق ، وفي نصف الشقة ، الثانية ( حشر بيضتان ) والولد ليس صغيرا ولكنه أيضا من أصابع ، الكفتة والسجق والبيض ، فتقول أمه ، إبلع الأول " دول " وبعدين خد غيرهم ، فيصر علي أن يأخذ سندوتش العجة من أخيه أيضا ، وعبثا حاولت الأم  أن تثنيه عن أخذ ما في يد غيره إلا أنه مغرم بالبيض والسجق وأيضا الكفتة والبيض في شكل عجة ، وضحك عرفان من شقاوة الطفل ، وضحك أكثر عندما ابتلع كل هذه الأصابع ، وكل هذا البيض ومازال يطلب المزيد.
*كانت هذه المرة الوحيدة ، التي أخرجت عرفان من داخل نفسه ، إلي خارجها خلال هذه السفرية الأخيرة ولكنه ما لبث أن عاد إلي نفسه ، حتى ترك القطار وركب العربة ، ووصل أمام السرايا ، بأبي حمص ، ونزل من السيارة فوجد الشيخ عبد العليم ومساعديه ، بالسين في انتظاره ، وبعد الأحضان ، وتبادل السلامات ، صرف عرفان ، سائق العربة ، ونفحة أجرته تم التفت إلي عبد العليم ، قائلا لها ماذا عندك من مشاكل فقال عبد العليم لقد تركتنا ونحن في حالة نشاط كامل ، أحضرنا بعض العمال ، من بلدة مجاورة ، فقام النجـارون ، بإصلاح الشبابيك والأبواب ، الخاصة بالاستراحة وقام البناءون ، ببناء بعض الحوائط  والسواتر لزوم الأعلاف ، والمخزون والمحصول وقام السباكون بإصلاح دورات المياه وشبكه المياه ، وقام النقاشون والدهانون ، بإعادة طلاء المباني والشبابيك ، وغير ذلك من أعمال الصيانة ، كلف بها المختصون وقمنا نحن بأعمال النظافة وقسمنا أنفسنا ، ما بين نظافة الاستراحة والفناء والجرن ، وبين تطهير الخوارج والقنوات ، وبين قص حشائش الحديقة المنزلية وحديقة الموالح ، وجسور الأرض كلها ، وقام جرار الحرث بتجهيز الأرض وقام البعض بالعزق والبعض بإصلاح الجسور بينما الكهربائيون قد جهزوا وأصلحوا الإنارة في المنزل والحديقة المنزلية وحظيرة المواشي ، وحظيرة الخيول ( الاسطبل ) والميكانيكيون ، قد أصلحوا كل آلات الري ، والمحاريث وغير ذلك من الأجهزة والأدوات الميكانيكية ، والجناينية ، يعالجون الموالح ، بالتبخير وغير ذلك من شئونهم ، وبدأنا برمي البذور ، من أصناف تلائم تلك الأرض التي أهملت لفترة طويلة كان كل ذلك يتم في وقت واحد ، وكان للسعدني ، يشرف علي الإسط بل الخاص بالأستاذ مدحت ، وكنا نشرف علي فرسي الرهان (الحصان والفرسة) فاحتنا بينما كل هذا يتم في وقت واحد وعبر الأيام التالية ، وبينما الكلافون ، يغذون المواشي والخيول ، خانا وخاصتهم والحالبون يحلبون " الالبان " وتسلم للمتعهدين ، ويأخذون ماركات المحاسبة الشهرية ، وكانت الرعاية الصحية ، متوفرة للعمال ، وقد أحضرنا معنا ، ممرضا كما تعلم وهو ( مندور مدكور ) ، ومن ثم فلا سبيل إلي التعطل ، ولا سبيل إلي التقاعس ومن ثم أيضا فالنجاح آب بإذن الله ، إلا أن المضايقات ، بدأت قليلة ، ثم اشتدت من أخوات الأستاذ مدحت ، وهـم المجاورون لنا في الأرض ، فيما تحت أيديهم من أراضيهم ، أفعال صبيانية ، من قطع المياه عنا ، بعدم التعامل معنا ، بل أن السماء الذي طلبناه ، لم نجده في مخازن الجمعية ، واشتريناه نفس الأصناف ، ونفس الأنـواع ، عن طريق الوسطاء ، وهم أداة الوصل ، بين من يملك الإذن بالعطاء ، وبين من يملك المال للشراء ، والأدهـى من هذا يا سيدي ، أن البنك لا يتعامل معنا ، وقال لنا الحسيني الحمزاوي ، لن تأخذوا تسهيلات البنك من بذور وتقاوي وسلفيات ، إلا إذا شاركتم الاستاذ عبد الرحمن الدكر ، في نتاج الأرض فذهب إليه عن طريق وسيط ، وقلت له ماذا تريد يا أستاذ فتلاعب في القول ، ولف في الكلام ودار ، وقال لا أريد إلا الخير ، كل الخير لي ولكم ، وإسألوا فلان وفلان ، وهل تعرفون فلان وفلان كلهم يشاركونني ونفتح لهم كل الأبواب فقلت له أتعرض أرض من ؟ ومن يفلحها الآن ؟! فقال أعرف وكلهم أسيادنا ، ولكـن هذا هو العـرف الجاري بيننا ، وهذا هو سلو منطقتنا ، فقلت له ونحن لن نتعامل معه فقال علي كيفكم فقلت له وسأبلغ الأستاذ عرفان و الذي سيبلغ بدوره الأستاذ مدحت ؟ فقال علي راحتـك ، ونحن تحت أمرك ، وابتسم قائلا وهو يودعني ولكن أحب قبل أن تأخذ قرار خطيرا ، أن تفكر في ذلك وانصرفت علي أمل أن يخاف أو يرتد ، ولكن كان أكثر عنقا ، ومنع التعامل معنا بل رفع الآخرين من التعاون معنا وقال لي الحاج أبو الخير نجيب ، لن تقدر عليه ، الكل يتعامل معه هكذا وكأن البنك ملكه أبا عن جـد فردت عليه سأبلغ الأستاذين فقال الحاج ابو الخير يا رجل ألت فلاحا قديما ، فقلت له أبا عن جد ، فقال ألا تعرف هذه الألاعيب ، إنه مسنود الظهر والوجه و الأعلى والأسفل ، وسوف تجد من يهب للدفاع عنه ، في الظاهر أو في السر ، وسوف يقفلون كل الأبواب أمامكم ، ثم أنه يا عزيزي ، ولوعة النمساوي بيه ، وحجاج باشا ، " نوابنا في البرلمان " فهو مفتاح من مفاتيح الانتخابات بالدائرة فلن يتخلا عنه ، من أجل عرفان باشا أو مدحت باشا حتى ولو يحملونها باعن عاشر جدا !! أفهمت يا سيدي ، ما اختفى عليك أمره ، فذهبت وقلت ولو وكان لدينا من المخزون ، ما يكفينا ، فاستعنا بالله ، وقمنا بالعمل إلا أن المضايقات لا تنتهي يرسلون من يشتغل معنا ، ولكنه ما يلبث أن يشير إلي آراء خاطئة ، فلا نأخذ بها ، فيثير أي مشاجرة ، ويستفز العمال ، فنطرده ونعطيه أجره ، فيشكونا بدون وجه حق ثم طوال الليل نسمع طلقات النار ن عبر الاستراحة والسرايا وأصبر وأطلب من خفراء الحراسة الخاصيين ، بعدم الـرد أنهم دائما يريدون الاستفزاز ، وكثيرا ما يقطعون النور ، فنشغل آلات الإنارة الخاصة ، فنجد بها الكثير من الإتلاف ، إنها عصابة يا أستاذ عرفان جماعات المصالح والمنافع يشاركونها ، أخوات الأستاذ مدحت ، وفي الايام القليلة ، التي بدأنا فيها هنا ، لم يمر يوم دون مضايقة أو استفزاز ، وآخرها تسميم بعض المواشي ، وحرق بعض أشجار الموالح ، وقطع ثمان النخيل و الاستيلاء و مازالت غير ناضجة ، وأما حمام الغية الكبيرة ، فقد سرقوه ، ليلا ، ورآهم الحراس ، وأطلقوا بعض الأعيرة النارية ، ولكن لم نستطع القبض عليهم ، يا أستاذ عرفان ، أعتقد أننا لن نستطيع أن نفعل شيئا ، فقال عرفان اصبوا وسوف يكون خيرا ، إما أن نعمل في أمان وإما فليتسلم الأستاذ مدحت أرضه فلن نعمل أبدا في وسط معادي لنا تماما وليتحمل كل إنسان نتيجة عمله وعاد الأستاذ عرفان إلي الاستراحة ومعه الشيخ عبد العليم أو السعدني ناظرا الخاصة المدحتية ، ودخلوا إلي حجرة الصالون ، وطلب عرفان ( السنترال ) الموجود في البلدة وطلب نمرة الأستاذ مدحت في القاهرة وأبلغه بكل ما حدث ، فقال له سأحضر لك بمسافة الطريق ، وفي المساء كان مدحت وسكرتيره ، في المزرعة ، وتبادلا السلامات ، واطمأن كل منهما علي أسرته ، وعرض عليه الشيخ عبد العليم كل ما حدث فذهب ، مدحت وبرفقته عرفان وناظرة وسكرتير الأول ، متوجهين إلي منزل اخواته وجلس معهم جلسة طويلة ، دون أن يحدث تقدما وقالوا له نحن أولى ، من هذا البحراوي ، بالرعاية وحاول أن يقنعهم بسلامة موقفة ، بعدما سرقوه تماما وقد ترك لهم مساحة كبيرة مقابل كل هذا دون جدوى وتطور النقاش ، فأخرج مدحـت مسدسه ، وأطلقت الأعيرة ، في الهواء ، ثم خرجت طلقة طائشة ، فأصابت إصابة سطحية ، يد مدحت ، وبعد محاولة قضيته استطاع عرفان أن يستخلص من الطرفين ، مسدساتهم ، وأن يأخذهم في حديث طويل عن الأخـوة ، وصلة الرحم ، وغير ذلك من التطيب ، الذي يخفف هذا الغضب وكل هذه الانفعال ، حتى هـدات الأعصاب ، وكان قد تم تضميد جراح مدحت ، وقالت السيدة فضيلة ، حرم  الأستاذ قابيل ، ما كان يجب أن يتم هذا يا قابيل ؟ ومهما كان فهول أخوك ، وأخوك الكبير الذي وقف معك وم كل أخواتك ، أنسيت يوم وقف مع ابنتك ناريمان ، يوم حاولت أن تدخل الجامعة ورفض طلبها علي درجتين ، وذهب وقابل سعادة عوض مجلس قيادة الثورة ووزير التربية (المعارف) ، ووافق علي دخولها أم نسيت يوم كانت ، أختك سلمى ، أختك من الأم ، و احتاجت أن تسافر إلي أمريكا ، للعلاج ، وقام بمساعدتك ، وحصل لها علي موافقة المجلس الطبي العام ، وقابلت سعادة عوض مجلس قيادة الثورة ووزير الصحة ، وسافرت بعـون الله ، وجـاءت صحيحة معافية ، ثم ابنك حامد ، يوم حاول الإلتحاق باحدي الجامعات في مصر ولم يستطع ألم يساعدك في سفره إلي فرنسا ، وترك لنا كل شىء ، وأخذنا " بصراحة " ، فلم تنكر عليه اليوم ، أن يستعيد حقه ، وأن يستثمر حقه بنفسه ، أو عن طريقه أو ليس لديك الآن ما يكفيك ، إذن اترك له نصيبه ، يزرعه بنفسه هو  حر يا رجل ، وكانت هذه الكلمات ، كأنها البلسم الشافي ، علي قابيل ، أكبر الأخوات ، بعد مدحت ، وكانوا مجموعة من الأثرياء ، تعلم منهم مدحت وتعلم منهم قابيل ، وتعلم منهم هابيل ، والباقي لم يتعلموا ، واشتغلوا بمعرفة الأرض ، وبعض الصناعات الخفيفة ، التي تقوم عليها ، وبعد الوضع الجديد أتى قابيل ، وجلس مع أخوته ، في استراحتهم الكبيرة ، ولم استلم مدحت أرضه ، كانت مساحة محددة ، ولها استراحتها الخاصة أيضا ، كان هذا هو حالهم وحدث بينهم ما حدث وكن قصة قابيل وهابيل تعود من جديد ، والأرض كانت معهم فماذا حدث أهملوها ، وجاء مدحت بمن يصلحها ويزرعها ، فكان ما كان إنهم ينظرون دائما إلي مدحت نظرة غريبة كأنه ليس منهم لأنه اختار القاهرة ، وتزوج منها ، بنت أحد الباشوات القدامى ، ولكنها لم تعد تحمل إلا لقب مواطنة مصرية ، أخذ والدها الغير يوما ما ، بأعماله الصالحات وأعماله السيئات ، وتخلى عنه الدهـر ، كما تخلى عن غيره ، وقد يكون قد قسى عليه الدهر لأنه مش علي غيره ، وقد يكون امتحانا ، له لا ندري أسباب كل هذا ، ولا يجب أن نأخذ بأي حال من الأحوال ، منطق تكفير كل عصر ، فهناك في كل عصر ، ما كان صالحا وهناك أيضا منن كان سيئا ، وهناك من خلط هذا بذاك ، أو ذاك بهذا وكان لمدحت  ابنة واحدة من هذا الزواج هي ( سوزي ) ثم توفى الباشا القديم ، وانتقلت زوجة مدحت من منزل والدها (وباغته ) إلي منزل مدحت بالقاهرة ، وهي فيلا كبيرة ، في مصر الجديدة ، وكانت منطقة جديدة أنشأها البارون إمبان ، واستغلتها شركة بلجيكية ، علي ما يتذكره بعض الرواة  ثم أصبحت ملك لدولة بعد الثورة ومازال قصر البارون ، في مكانه أثريا ، ولكنه كم مهمل لا تجد فيه إلا نباح الكلام ، وأصوات طيور الليل ، ونور يخرج من مكان إقامة حارسه الدائم حوله ، منذ بيع لأكثر من فرد وهو كذلك ، وقد يثير الرعب لمن يدخله ، أو يقيم فيه ، لعي حد قول أحد العالمين ، به وبتاريخه ولكنه مدحت لم يكن علي وفاق أبدا مع أخوه فقد استغلوا كل شىء ولما أحنى الدهر عليه ، براحته القاسية ، والتفت إلي الأرض أنكروها عليه ثم سلموا علي غير رغبة منهم ، ثم كان ما كان ، وقال لهم عرفان إذا كان الأمر يتعلق بي فأنا منسحب ، وإذا كان الأمر يتعلق بشىء بينكم فحلوا مشاكلكم ، فأنتم أخوات ولن يفرق بينكم كائنا ما كان ثم أنتى وراءي مشاغلي ، ولوا إلحاح الأخر مدحت ، ما كان عناء السفر وعناء الطريق وعناء البعد ، لي ولهؤلاء الناس ، الذين تركوا كل شىء من أجل هذه الارض وإذا كان هؤلاء قد نجحوا في أيام قليلة ، في إظهار نتائج مبدئية ، قد تؤدي وتبشر إلي ما نصبوا إليهم ، فلا تعتقدوا أنهم يكشفون عدم اهتمامكم ، أو عنايتكم بالأرض ، بل اجعلوها شيئا آخر ، اجعلوها هذه النتائج حافزا لكم للمنافسة ، والاهتمام بأرضكم أنتم ، إن الأرض لا تجور لكل من هب ودب وإنما تجود لمن يحفوا عليها ، ويهم بها إنها مثل المرأة تماما تعطيها الحب والود والحنان فتعطيك الأمان ، والولد وتحفظك من كل سوء ، فأحبوها تحبكم ، ولما هدأت الأمور ، وصمم عرفان علي الإنسحاب فقال مدحت إذا كان الأمر كذلك ، فسوف أقيم أنا بأرضي ، وسأوفر لها كل العناية والرعاية ولكن كل ما أرجوه ، أن يظل معي الشيخ عبد العليم ورجاله فقال له عرفان ، والله هذا موضوع يخصه يا أستاذ مدحت فسأله مدحت ما رأيك يا شيخ عبد العليم فقال له تعلمون أنتي قد تركت أرضي ومصالحي ، من أجل الأستاذ عرفان ، وما منا لن نستطيع معه ، فأرضي أولى بي ، ولكن مدحت قال له ، إذا أردت الزيادة فزدناك ، أنت وأخواتك ، فقال له يا سيدي لا تقوم كل شىء بالمال ، ما أتينا إلا حبا في عرفان ، ولم نقسها أبدا بالمال ، رغم أنه لازم لمعيشنا ، ومعيشة هؤلاء ، وهنا تدخل عرفان وقال إذن يا شيخنا الكريم ، فلتظل مدة نقول أنها ستة أشهر أو سنة ، مع الأستاذ مدحت حتى تقف الأرض علي قدميها ، وبعد ذلك لك الحق ، في الاستمرار ، أو العودة إلي بلدك أو إلي أرضك ، ثم أن أولادك قائمون عليها خير قيام ، وفي خلال هذه المدة ، يحق له ولرجالك ، بالدور ، أجازة لمدة أسبوع كل شهر نصفها مدفوع الأجر ، وسف يزيدكم أيضا الأستاذ مدحت ، ليس من أجل أن يغريكم ، وهذا ليس عيبا ولكن علي الأقل وراءكم تركتم المنزل والأهل والأولاد ، والزرع والحرث ، فقال الشيخ عبد العليم بعد صمت لا أرد لك طلبا يا أستاذ ، وهكذا غادر مدحت المنزل بعد أن أرضته السيدة فضيلة ، وصالحته ، علي أخيه قابيل وعلي بقية أخوته ، وأقامت لهم ، ابريقا ضخما من الشاي ، وقدمت معه ( 1 لبتي فور) وانطلق الأربعة الزائرون إلي مقرهم ، وأعدت عقود اتفاق ، لإلغاء الاتفاق السابق ، مع عرفان ، وعلمت عقود نظارة وعمل لكل من الشيخ عبد العليم ومساعديه ، عقودا بأجور مرتفعة عما كانت مع عرفان وبمزايا علاجية وتأمينية واجتماعية ، من مسكن ومأكل وغير ذلك من الرعاية.
عـاد عرفان إلي البلدة ، وانطلق مدحت إلي القاهرة لترتيب أعمال مكتبه بالقاهرة عاد عرفان بنفس الطريقة وبنفس الطريقة ، وبنفس الوسيلة ، وقد تأخذه الأحـاديث ، في مواصلاته ، مع رفقاء السفر ، وقد يغط في نوم عميق ، وقد يشرد ذهنه في مشكلة ، مدحت وأخواته ، وقد سمع ذات يوم ، من طفلته الصغيرة ، وهي تحكي له حكاية مترجمة " عن عائلة كانت تتكون من أم ومجموعة من البنات ، وكانت هذه العائلة مثل كل العائلات ، لهن ثلاث عيون وأكثر من هذا إلا واحدة كانت تملك عينين واثنتين ، وكانت طيبة ، ولكنها كانت مكروهة ، من باقي العائلة وكان لها حيوان ، صغير أليف ، قامت بالعناية به ، والحنـو عليه ، والسهر عليه صباحا وظهرا ومساءا ، وكره أخواتها كل هذا الحب ، لهذا الحيوان ن وكونها تختلف عنهن ، في عيونهن ، وتحولت سهام الحب ، إلي أشواك من الكراهية عليها وعلي حيوانها ، وإزدادت الكراهية من جانبهن ، وإزداد الحب ، من جانبها وفتح الله علي قلبها ، بمزيد من الحب ، وبمزيد من العطف وبمزيد من الخوف ، إزاء كل هذا الحـق ، وتحولت الأيادي الناعمات ، إلي أيادي قاتلات ، فخنقهن الحيوان الأليف ومات ، ولم يكتفين فمز فنار كل جسده ، ورمين كل جزء في مكان سحيق وبقى القلب وأخذته الفتاة ذات العينين ودافعت عنه دفاع الأقوياء ، وقاتلت دونه الجميع ، وحملته ذات فجر جميل وفي قطعة من فستانها الجميل ، خرجت به أمام المنزل ودموعها ، لا تتوقف وحفرت له حفرة في باطن الأرض ودفنته ثم أقامت صلاة له ولهجت بالدعاء له ، والثناء عليه ودعت له بالغفران هكذا صور لها عقلها الصغير ، أن له ذنوب لكي تغفر وهو حيوان ، لا يعني ولا يفهم كما الإنسان وكانت العيون العديدة ، تراقبها وتسخر منها ، من حيوانها ومن شكلها غير العادي ، ذات عينين والجميع أصحاب عيون كثيرة فهي إذن في نظرهم ، مخلوقة غريبة ولم تأبه لسخريتهن ، ولم تأبه لإيذائهن ، وعادت إلي عرفتها ، وعاشت في ذكرياتها ، مع حيوانها وكيف كان يلعب معها ويخرج معها ، وكان علي عكس كل هذا مع الأخريات وتمر الأيام ويظهر نبت جميل ، في نفس مكان الأرض ، الذي أودعت قلبه فيه ن ويكبر النبت ويصير شجرة عظيمة ، وترتفع الشجرة عالية جذورها في الأرض ، وفرعها ثابت في السماء ، جميلة ذات زهور بديعة ، ثم تخرج من الثماء ثمارا تشبه التفاح فتخلف أشكاله وألوانه ، ومكله من الآلىء  ومن الجواهر ، ومن الياقوت ومن المرجان ومن الماس ، ومن الذهب أشكال وألوان مختلفة ، من الجواهر الثمينة وفرحت الفتاة بالشجرة وبثمارها ، وبدت يدها ، تقطف ثمرة من ثمارها ، فأحنت الشجرة جذعها ، وأجنى الفرع نفسه ، وقطفت ثمرة واحـدة ورأت العائلة ما حدث لها وحاولن أن يقطعن مثلها وقلن لها إنها شجرتنا ، وليس لك فيها شيئا كيف يكون لك كل هذا ونحن أكثر منك عيونا ، وضربنها ، ضربا مبرحها وآذنيها ، إيذاءا شديدا ، وحملت إحداهن ، حساما قديما وطعنتها طعنة نجلاء ، ولكنها زاغت منها فجاءت في ذراعها ، وسالت  الدماء ، فتركتهن ، وتكومت في جانب بعيد من حديقة المنزل ، حيث كانت هذه الشجرة وحاولت البنات أن يحصلن علي الثمار ، دون جدوى ، كانت الشجرة تزداد استقامة ، والفروع تزداد ابتعادا ، وقفزن ما قفزن ، دون جدوى ، وحملنا سلما ، وصعدت عليه ، واحدة دون جدوى وأخرى دون جدوى فحملنا البنت المسكينة ، بالقوة فوق أيديهن ، وطلبن منها ثمار الشجرة ، فكانت الشجرة تعطيها وكانت العائلة تأخذ الثمار منها بالقوة ، ولم يتركن لها ، ثمرة واحدة حتى الثمرة الأولى وبعن الثمار الثمينة ، وأنشأن القصور والسرايات والحدائق الغناء ، وارتدين الملابس الغالية الثمينة ، وتقدم لهن ، العرسان ، من كل صوب ومن كل اتجاه طمعا في كل هذا وأخذن يرفضن هذا ويرفض ذاك ، والفتاة المسكينة كأنها الخادمة ، أو أقل سبيلا وفي يوم من الأيام سمع أمير المقاطعة بكل هذا وتقدم نحو هذه المنطقة راكبا حصانة ، يحيطه الحراس ، والخدام ، من كل اتجاه ، ومن كل صوب ، حتى وصل إلي قصر هذه العائلة ، وكان ومازال عازبا ، وعازفا عن الزواج فتدمت منه الفتيات وكل واحدة تقول أنت المختار وأنت الكمال وسألهن عن صاحبة الشجرة فقلن أنها ملكهن ، ولكن البنت المسكينة الجميلة قالت وهي في ملابس ممزقة ، أنها ملكها وتمسك كل طرف بموقفه ، فقال حكيم يرافقه ، فلتأمر يا مولاي بأن يطقعن منها ، بعض الثمار فأمرهن ، أن يحضرن بعض من ثمارها وحاولت مل فتاة ، من الفرقة الأولى أن يقطعن ولكن الشجرة ، وفروعها ، أبت أن تجود عليهن بثمرة واحدة فطلب الأمير من الفتاة ، المسكينة ، ذات الحسن والملاحة ، أن تقطف له ثمرة ففرحت وقامت من مكانها المنزوي ، دائما ، واتجهت نحـو الشجرة فأنجنى لها الجذع وانحنت لها الفروع فجمعت ما شاء لها أن تجمع وقدمتها إلي الأمير ، فقال لها الآن استطيع أن أقول أنت صاحبتها ، وأنت الأمينة ، الصادقة وانت إن قلبتي أن تكوني زوجتي ، ورفيقة دربي فلم تستطع ان تتحمل كل هذا ففرت الدموع من عينيها ، ولكنها دموع الفرح ، وحملها خلف ظهره ، فوق جواده الأشهب ، وانطلق مع حراسة ، والعائلة المذكورة ، في حـزن عميق ، إلا الأم فقد عادت إلي عادتها ، إلي أمومتها ،  وطفرت الدموع من عينيها ، ودعت لها بالتوفيق وبالنجـاح ، إلا أن الشجرة ، ما لبثت هي الأخرى أن اختفت بمجرد ذهاب الفتاة ، وعادت العائلة ، إلي فقرها ، بعدما نضب كل المعين ، ولم يعد هناك شجرة ولم يعد هناك ثمار وبعد أن تلاشت المدخرات من أيام العـز الذي انتهى وعـدن ، إلي منزلهن الصغير ، ثم كان الوفاء ، من هذه الفتاة فلم تمنع عنهن الخير أبدأ ، رغم كل ما قبلت منهن ، من حن ، ومن عقاب ، ومـن كره ، ومن حقـد ، وفـي تذكر عرفان لهذه الحكاية ، تذكر ما فعله أخوات مدحت به ، وتذكر برها عبد التواب ، في بدايته ، وتذكر الشاب المخترع ، وتذكر كل إنسان أصابه ما أصابه ، حينما يعطي الحـب ، ويقابل بالنكران ، حينما يعطي الحب ، ويأخذ العذاب ، ورغم أن عرفان مجموعة متناقضات ، إلا أنه كان يرحن ، ويلحظ كل هذا الصراع في الحياة ويقيسه بمفهومه وبمفهوم الإنسانية ، وبمفهوم الفعل ورد الفعل ، وكان يقول لكل صاحب ألم ، كن البادىء بالتسامح وسامح ولكن دون أن تفقد ، القدرة علي أنك سامحت عن ضعف وكن كريما ولكن دون أن تفقد القدرة علي أن توصف بالسذاجة أو العبط كـن الرجل في قوته وكن الأم في رحمته وكن الأب في رعايته ، وكن الشجرة تقاوم  الريح ولكنها لا تنكسر أمامها بل تتمايل ، حتـى يمـر ولكنه ليس ميل الهـوى والنفاق ، ولا ميل الوجـوه ، خلف الأقنعة ولكنه الميل المحسوب الذي يعطي لك ولا يأخذ منك والذي يحسب لك ولا يحسب عليك ولم شرود عرفان في سفره ، إن لم يجد من بحيرته ، حتى ينتهى السفر هـروبا ، بقدر ما كان وجودا ووجوبا فهو يترك نفسه علي سجيتها تستدعي مخزونها مـن الأحـداث وكم هو كثير وعميق وأكثر من كل هذا أنه يجده ماثلا ، في شخوص ، وفي أمكنة ، وفي أزمنـة أخـرى ، وها هو يعود من رحلته الأخيرة ، ويعود ايضا من رحلته الذهنية ، ويلتقى عرفان الإنسان بشحمه ولحمه ودمه ، وتكوينه ، وعرفان المتذكر للماضي البعيد والماضي القريب والحاضر أو المستشرف للمستقبل ، يتوحـد الشيئان في شىء واحـد ويندمجان ويتحولان إلي شخص واحـد ، وما كان أبداَ في الواقع كل هؤلاء و إنم كان الأصل يخرج منه آلات الصوف وتنسخ منها صورا أخـرى ، ثم يأتي التنبيه ، حينما ينتهي الموقف أو المواقف ، ويعود كل شىء إلي أصله كأنه مجموعة من العلب ، هي أصلا علبة واحـدة ولكن بداخلها ، آلاف العلب ، الأصغر حجما ، وحينما يخرجها أو تخـرج ، علبة وراء الأخـرى ، تتحول كل علبة إلي حجم أكبر من حجم الحبس داخل العلبة الأكبر حجما ن وهي في تحولها تصل إلي حجمها الطبيعي ولما يحين لها العودة تصغر وتصغر ، حتى تستطيع أن تعود إلي مكانها داخل علبتها كأنها ملك الجان المحبوس داخل قمقم ، فلما يفتح ، يظهر علي حقيقته ، ولكن هذه الصور ، تعـود إلي مكنها مرة أخرى ن ولكن ملك الجـان إذا ما خـرج من قمقمة ، لا يعود أبـداَ ، قد يسخره مالك الخاتم ، حتى يستطيع أن يفلت من قيد الخاتم وسحره وطلاسمه ولكنه أبدا لن يعود إلي قمقمة ، لأنه شيئا آخـر غير محبسه (قمقمة) وشيئا أخر عن صاحبه مالك الخاتم ولكن الصور التي تخرج من عرفان كإنسان هي صورة منه وإن تعددت الأشكال والألوان ، وإن تعددت شخصياتها ، كما كان خروجها خروج إلي مكانها الطبيعي ، وكل شىء له زمانه ، وله وقته  وها هو عرفان يعود إلي بلدته ، ويركب الحنطـور ، ويقف به أمام المنزل ، فينزل منه ، ويقابله مظلوم ، ويدخل المنزل ويصعد السلالم ، ويطرق الباب وتقابله النسوة ويقابله الأولاد ، ويدخل الحمـام ، ويأخذ دشا ساخنا ، ويأخذ آخـر باردا قيل له أو قرأن عنه أو شاهـده في فيلم أنه ينشط الجسم ، وقد كان الاستحمام وكان الخروج وكان الغذاء ، أو قل العشاء ، فقد دخل النهار في ثوب الليل وكان الثوب أسودا يحمل بعض الألوان البيضاء ، وسرعان ما طلى الثوب بالأسود الكامل ، كالظلام وكان الثوب مظلما ، ولكن سرعان ما أضاءت ظلمته المصابيح في الداخل ، والقمر والنجـوم في خـارج المنزل وكانت الراحة ، ثم اليقظة ثم حجرة الأولاد ، وهم داخلها منكبين علي دروسهم ، وقد بدأت الامتحانات والسؤال عن المواد ومواعيدها ، والاطمئنان علي كل شىء ثم المكتبة وقد ترك الأولاد جالسون وعيونهم في الكتب و الظهور مقدسة عليها والانتباه قد بعد قليلا عن الكتاب إن افترضتنا أنه كان موجودا قبل أن يدخل تلك الحجرة وبينما هو علي ارفف المكتبة ، يتابع الجديد ، من مقتنيات الأولاد وهذا كتاب (ذكريات) واستعرض الكتاب ، فإذا هو لنفس المؤلف ، الذي يحبه أولاده " عبد المجيد العدل " وهذا عن ماذا ، ذكريات الارض والحرب و يقلب الصفحات ، ذكريات حرامي ، ويقلب الصفحات ، الحصان الرجل المرأة ، ويقلب الصفحات ، اللاعب ويقلب صاحبة القصر العالي ويقلب طيبون ويلب حديقة الحيوان ، ويقلب الخـزانة ، ويقلب متجاوز يا سيدي ، صندوق ذهب ويطوي الكتاب ، ويقفل سجله عنوانه ، يحوي مجموعة قصصية ، وما هذا الكتاب الآخـر يا عرفان ، مسرحيات ولنفس الكاتب ( عقد عمل ، ذات الفصل الواحد والأخرى آدم وحواء والشيطان ، وهذه أوبريت النعيم العائم ، ولنفس الكاتب ، ولكن من يا ترى صاحبها الثاني أو قل الأول لمقامه ومكانته ، ويتعجب عرفان الأستاذ توفيق الحكيم ، ويتعجب عرفان ، عبد المجيد يشارك الحكيم ، يا إلهـي ، وتنهـد عرفان ، واستعرض خاتمة الكتاب ، مفتش حسابات ، لم تطبع بعد ، ما زالت في مرحلة النمـو ، وماذا أيضا يا عبد المجيد ، أفكار جديدة ، وبحوث جديدة ، وهنا ترك عرفان المكتبة ، وقد اختلط علية كل شىء مالي ومال هؤلاء الكتاب ، لقد خلطوا كل شىء خلطوا الزمن المستقبل ، في الزمان الماضي وخلطوا الحاضر بالمضي ، وبالمستقبل أيضا ، وأربكوا الكلمات والأزمنة والأمكنة وأربكوا القراء ، وأربكوا عرفان وهو القارىء المثقف ، و تلاشت مساحات الأشخاص ، ومساحات القراء ، ومساحات الكتاب ولكن رغم كل هذا فما زال لكل احترامه وتقديره ، وها هو عبد المجيد يشبك خيطه ، في ذيل نسيج كاتب فحل ، الحكيم العظيم ، ولكنه تواصل الأجيال ، لحمية واحدة ، إذا آمـن الجميع وحد فاصل كالسكين ، أو كالسيف ، أو أشـد نصلا ، في أي سلاح يمتاز بهذا ، هي الأولى أو الثانية ، ولا يحـددها إلا طرفي العلاقة ، وكم تحتاج إلي صبـر الطرفين وحب الطرفين ، وترك عـرفان الحجرة وسيناريو كامل ، في شاشة عقله الداخلية ، وقد تنعكس أمامه خيالا يتراقص ، وقد يضحك ، من تذكـر ذلك الشاب ، الذي كان يكتب ويؤلف ، وكان له البعض ، قد تعرفوا عليه ، ناشدين الصداقة ،ثم صارت صداقة ، وكان يعرض عليهم ، مؤلفاته ، وكان يتركها لديهم للقراء ، وكان بعضهم ينسخ منها ، ثم يردها إليه ولا يدري بنسخها ، و إذا جامله الناسخ ، قال ( كويسه) وإذا لم يجامله ، قال وهو يزوم ، معقولة بس عاوزة شوية نار علشان تستوي ، وكان الطباخ لا يعرفه رغم أنها مستوية كان الطباخ ، كاتب سيناريو ، وقد قام بالتفصيل التلفزيوني ، أو السينمائي ، أو الفيديوي ، كان الشاب كاتب للرواية وللقصة ، وكاتبا للشعر ، وكان كاتب السيناريو ، لا يعرفه وجها لوجه ، ولكن آلاف الأيدي ، أوصلت إليه ، كل هذا وفعل هو التلوين والتغيير ، والتوليف ، وتبجح وقال تأليف كامل ، والأفضل ان يقول توليف كامل ومازال السيناريو ، أمام عرفان ومازال الضحك يرتفع تدريجيا ، وقد ينتهي بتراجيديا عنيفة ، ومازال الطريق يكشف له عن هذا الشاب ومازال يقول ، وهذا  الشاب مثل عبد المجيـد ، ومثل برهان ، ومثل شاب الاختراعات ، ومثل غيرهم لا شىء غير الخـواء ، وغير السراب ولا نتيجة إلا أن يبلغ كل منهم أفكاره وأن يصمت إذا أشار لمضمون عرض يشاهده ، أنه من بنات أفكاره وقد رأى التوافق ، التام وبعد التحليل العلمي السليم ، الذي يثبت هذا ولكن يثبت هذا لمن ؟ لنفسه فقط ، فالجميع قد أقم أذنيه ، وأغلق عينيه ، وخاط فمه أمام ترهات وخيالات ، مثل هذا الكاتب الشاب ولسان حالهم يقول ومالك وكل هذا ؟ ثم يسخرون ، ثم يضحكون ، ومعهم حق فهم لا يصدقون إلا ما يشاهدون ، وما تثبته الأسماء الطنانة ، تحـت الأضـواء وقد تكون مرسومة ، بل وأكثرها مرسوم من عرق ، مثل هذا الشاب ، فلا يملك إلا أن يصمت ويقول بسخرية ، حقا لقد أبـدع المؤلف ، وينسى أن يضع الهمزة فوق الواو فيذكره ، أحدهم ، أنه المؤلف ، فيتغابي ويقول لهم نعـم معـك حق ، ومعـكم حق ، لقد نسيت الهمزة ، فلا تـدق ولا تدقق لقد جاءت في همزة يا سيدي وقد يكون كثير مـن الحـروف مقلوبة ، وكثير من الكلمات ملوثة وكثير من الكلمات صوت الفحيح ، و لن نشعر بها أبـداً ، فهل جاءت في الهمـزة ويضيف قائلا ، ولا تحزن يا سيدي ، ولا يتكدر خاطرك ، وهذه هي الهمـزة ويعضها فوق الواو فتصير المؤلف ، ويرتاح هو من السخرية ويرتاح المؤلف ، بـدون همزة ، أنه أصبح في نظر الناس ، بالهمزة ، ومن ثم صار عسيرا ، أن يدعي عليه مدعى ، أو ينقص عليه ، صاحب العمل الأصلي وكيف تعلو العين علي الحاجب ، وأين هي العين التي تستطيع أن تضىء للناس طريق الحقيقة ، لم تخلف بعد ، فالعين ترى انعكاس الأشياء ولكنها لا تقوم بالرؤية فعلا ، وأين هي العين ، التي تستطيع أن تضىء للناس طريق الحقيقة ، لم تخلق بعد ، فالعين ترى انعكاس الأشياء ولكنها لا تقوم بالرؤية فعلا ، وأني هذا الدعى ، من ذاك الابى ، والكل علي هذا الحا ، وإن أنصفنا وراعينا القـول ، فالأكثيرة هكذا ولم يجد عرفان ، لهذا السيناريو ، الذي ظهر فجأة أمامه ، إلا أن قال ، وأنا مـالى " كان الرجل نائما ، أو كان نصف نائما أو كان يقظا ، ولكن طول السهر ، وكدا الأيام والليالي ، وقلة اليد التي تحمي من غلواء الآخرين ، وقلة العطف الذي يقوى الرجال و قلة الصاحب ، الذي يثقل الميزان بالإرادة ، قد جعـل الرجل تائها ، وكانت الجيوب ممتلئة ، من كل هذا الجهـد والتعب ، فمد أحدهم يده في جيبه وأخـذ ووضع ما أخذ في جيبه ، ثم مد آخر وثالث و رابع ، ولم يفعل صاحبنا شيئا ، وقد يكتفي آخر بأن يأخذ من جيب سلسلة الفشالين في سلسلة جديدة ، وإذا قام الرجل وقد نظر في جيبه ، أو في جيوبه ، فلا يجد شيئا فيسأل هذا وينكـر ويسأل ذاك وينكـر ، وينكر الجميع ويدعون عليه أنه يريد أن يأخذ منهم وقد يحاول أحـد هذه السلاسل ، أن يرد شيئا ولكنه ليس إحسانا ، بقدر ما هو ( سلف ودين ) وبأقصى الفوائد ، وكأنه لم يكن أصـلا داخل جيوب هذا الرجل ، فكيف يفعل الرجل لكي يعيش فيترك هؤلاء ويبدأ من جديد ، جـد واجتهاد وعمل دائب وتمتلأ الجيوب ويمتلأ العقل أيضا ، ثم يجد أن كل هذا قد تسرب ، في يجيوب الآخرين ، وفي عقول الآخرين ، وكأنه ينفـخ في قربة مقطوعة ، لذا فعرفان يقول وأنا مالي  ويقولها بالفم المليان ، وأحيانا في سره ، أو في همسه ، فلن يفيد من كل هذا ، إلا أن يقول كل هؤلاء وماذا أنت يا أخينا ، لا تقرعنا وقف فـي الطـابور ، ولك من الحب ألف جانب ، وهكذا يقول عرفان وأنا مالي ، وهذا الشاب ( التكية ) وكأنه تكية من عهد المماليك أو العثمانيين ، أو كل رجال الزمـن القديم ، ويعود عرفان ويقول وهل هو أسعد حظا من كفيف ، كان يشحذ وكان فقيرا ، وكا يسحبه ، وله تربى علي هامش الحياة ، وكان الولد بمديده لمن يتكـرم بأن يعطيه حسنة ، لهذا الرجل وكان الولد يأخذ ما يجود به الكرام ، ويضع في جيب الرجل أو في يده فئة دون ما أخـذه بكثير ، وفي مرة من ذات الأمـرار وقد كشف الرجل الكفيف الملعوب ان أخذ يشد علي هذا الولـد ، فما كان من هذا الولد العـاق إلا أن اشتغل الرجل ذات مرة ، وأخـذ من الرجل كل ما جاد به الناس عليه ، ودفعه إلي الخارج الكبير ، وكان مملوءا بالمياه  ولم ينقذه إلا سباح ما هي وهو في الأصل ، صياد فرمى شبكته ونزل وراءه ، حتى أنقذه وماله .. إذن عرفان ومال هذا الشاب فمثله الكثير من الضحايا ، ومثل الظالمين الناعمين الكثير ومال هذا الشباب فمثله الكثير من الضحايا ، ومثل الظالمين الناعمين الكثير ألم يقرأ منذ مدة بإحـدى الصحف عن باحثة في مركز علمي له مكانته كانت قد سرقت ابحاث مساعديها وإدعت أنها لها ولولا الخوف علي هذا المركز العلمي العريق ، لأعلنت الأسماء كاملة ، وما جاء بمركز علمي آخـر للترجمة بإحـدى الجامعات ، في إحـدى الدول الإفريقية ، حيث تقوم المشرفة علي ترجمات بعض المتدربين بتقسيم الكتاب عليهم في فرع من فروع الحياة ، فيقوم كل فرد منهم بترجمة جـزء ثم تقوم المشرفة بتجميع كل هذا وإعطائه نوعا من الحياكة ونوعا من الشياكة ، لصير في ثوبه العلمي وتدعى أنه من ترجمتها ، مال عرفان إذن ، وكل هؤلاء ، أهي الحياة ملائكية في علياء السماء المقدمة أم أنها الحياة في أرضنا ، تلك الأرض التي تقاتل بعضها البعض منذ نشأت وحتى اليوم تلك الارض التي تشرب حربا وتبلع أرض وتمتص دما ولا تشبع ولا يرتوي ظمأنا وإنما دائما هل من فريد ، تلك الأرض التي دخلت حروبا عدة ، وضاع فيها الملايين ولم ترتدع ولم تلملم جراحـها وتخيطها وتمد الأيـدى للتتعاون لا تمد الأيـادي علي أكفان المظلومين ، لا تمد الايـادي لكي ينسى الظالمون في دفئها ، ما اقترفهم أياديهم ، تمد الأيـادي ، مـن موقف متعادل ومتساوى ، لا تمد الايادي لتطعن أيادي أخرى أصحابها في الظلام ، أو التدفع بها في المهالك ن وفي البحور العميقة ، ذات الدوامات والشلالات ، التي لا تنتهي هي الارض المحروقة ، في ملايين الجثث ، وهم البشـر ، عبر كل زمان نفس الوجوده ، ونفس الأحـداث كل ما تغير هو الزمان  فما أنت يا عرفان ، وهل أنت إلا واحـد منهم ليس فيك نقاء برهان ، ولا فيك توثب وطموح عبد المجيد وكل ما فيك جزء من أجـزاءك الصالحة ، وما أنت إلا واحـد من هـؤلاء ، لعبتها كما أنت تريد أن تلعب ، إن اجتاحت القدم ، فأهلا وسهلا ، وإن اجتاحت اليد فالت أهـلا ، وإن احتاجت الرأس ، فهي المحكومة التوصيب ، ,إن اجتاحت الماء فأنت السباح المـاهر ، وإن اجتاحت الغوص ، فأنت الباحث عن المحار المخصب بغالي الثمن ، وإن احتاجت ضربها إلي الأمام أو إلي الخلف أو إلي الجوانب ، باليد أو اليدين ، فأنت المحنـك ، وإذا اجتاحت ضربها إلي الأعـالي ، حيث تتسلق الحوائط و الجـدران والشبابيك ، وحيث تذهب وتجىء في مقاومة الصعود والتجول في الأعـالى فأنت الطائر المغـرد ، أنت لها في كل الأحـوال يا عرفان ، فلا أنت قادر عليها ، إلا بشروطها  هي ، وما أنت كنت وما أنت فيه ، وما أنت قادر  عليها ، إلا أنت كما تريد ، ولكنها في برهان ، تعرف معدن الرجال ، وشرفها وقد عاشرته وعرفته ، ومع عبد المجيد ، فأظنك تشك أن يكون مثل هؤلاء ، اللاعبون جميعا ، وأنشك أنه قد تظن ، انه مثلك ولا أنت مثل شاب الاختراعات ، لم تكن أبـداً ، غير ما قلته لحلمى ، ذات يوم من أيام التفتيش ، وهو يأخذ عليك كل هذه التناقضات ، بأنك خلقت هكذا وستظل هكذا وستموت هكذا فأنت يا عرفان لم تكن " الضحكات الساخرات " من تصفحك الكتب لهذا الكاتب أو تداعي الصور عندك ، ممن ينحتون في الصخر ، ولا يجدون وميض الأمل ولما يتقربون من جنى ثمار النصر ، ويطرقون الطرقة الأخيرة ، في تشكيلهم الفنى أو في الوصول إلي الكنز أو في الوصول إلي المعدن أو الخام أو الأثر يأتي النحاتون في اليرقة ، والمجتهدون في اللمسة الفلاشية أو الضوئية أو الناحتون في أكل العارقين ، ويأخذون المغنـم ، بل كل شىء وينظر هؤلاء الذين أفنوا العمر ، والعقل والعين والعرق فلا يجدون إلا ما يسمح لهم به ، وهو أقل القليل الذي لا يغني ولا يشبع ، هذا هو واقع الحال ، ولا تقل لي نظرة اتجاهية مالت إلي اليمين و مالت إلي اليسار أو لها رائحة غريبة علينا ن أو رائحة لا ينكرها إلا الذين لا يعرفون وكم هي رائحة عطبة ، لا تقل كل هذا ، يا أنت أو هو فلا شىء أمام الحقيقة ، ولا تصنفها فكرا بائدا ، أو فكرا حديثا ، وإنما صنفها واقع وصنفها من قبل ومن بعد ، مجرد صور حاكت ذهن عـرفان ن ولا تفصلها لعي صاحبنا عرفان لأنها من صورة ، وإنما مشتها أيها القارىء علي أنه ظلم ، وهل يرضى الإنسان بالظلم ؟! وهل يرضى مجتمع رأسمالي بالظلم وهي يرضى مجتمع اشتراكي بالظلم ؟ وهل يرضى مجتمع شرقى له أديانه وتعاليمها الشديدة ، التي تمنع الظلم وتحاسب عليه ؟ فلما نجد البعض من العابثين ، يصورون ، كل شىء علي حسب رغباتهم ، وعلي حسب أغراضهم ، ولما لا يميلون كل الميل إلي الحق وكفى أيضحكون علي الناس ، أم يضحكون علي أنفسهم ، فالقول إذن أن هذه الصورة جاءت لصاحبنا ، كما جاءت الأفكار والحكايات ، طوال حياته ، ولكن ما هي الصور ؟ أليست هي مخزون السنين والأيام ؟ وأليست هي كانت ذات يوم واقع ، في مكان ما وفي زمان ما ، وكانت حياة وحركة لأصحابها ، وكانت أحداثا تنبع بالخير أو بالشر ، أو بالصراع بينهما ، والآن وقد أختزنت في عقل عرفان ، تعود مع الذكرى ، مع الأيام مع المماثلات والمشابهات ، التي تقابله ، فيتذكر ويعود إليها ويربط بينها وبين حاضرة ، أو يعود بحاضره إليها ، أو يبحث عن خيوط الشفافية ، التي قد تظهر له معالم المستقبل ، أو شيئا منها ، أو قبسا من نور أو راحة نفسية يشعر بعدها بأنه قد خفف نفسه ، من كل الأثقال التي يحملها في داخله وفي خارجه ، وفي يديه وعلي كتفيه وقد يضنيه السير بها ، بقل قد توقفه عن السير بل قد تقعده تماما عن السير فلما لا يخفف من أحمالها ، كما يفعل في حياته اليومية ، في أوقات فراغه ، أو في أوقات عمله ، فالصور تأتي حيثما تريد ، و في المكان الذي تريد وضحك عرفان لكل هذه التداعيات ، ولكل هذه المعاني لكل هذه التداعيات ، ولكل هذه المعاني ، ولكل هذه الأحـداث ، وقال لنفسه إذا لم يكن كل هذا ليس لي به مال ، وليس لي فيه مأرب أو مغنم فإن الذي فيه مالي ولي فيه مأرب وفيه مغنم ، أن أنعم قليلا بالنوم ، حتى الصباح فقد كان اليوم شاقا ، وليلة السابقة ، أشق مابين السفر إلي أبي حمص وطريق السفر ذاته ، والعود إلي هذا المنزل ووسط الأهـل ، من زوج واقارب وأصحاب ، ونادي مظلوم وقال له ، لا سهر اليوم هنا ، وقل لمن يأتي ذلك بلغهم بتعبي وإرهاقي .. من الرحلة وبلغ الأهل كذلك ، فقال مظلوم إنشاء الله سينفذ ما تقول وانطلق عرفان إلي غرفته ، ونام علي السرير وهو يتأمل في سقف الحجرة ، ولم يخلع خفيفه ، بعد وقال قبل أن يذهب في نوم  عميق ، طرف بينطق ظاهرا ، لدى الناطقين بالإنجليزية من أهل العربية وأخذ يفكر ويفكر ، ثم قال حرف السين ، لأهل العربية ، الناطقين طول حياتهم ، باللغة الإنجليزية ، ثم قال أيضا بعد هذا ، وما هو الحرف الذي ينطبق ظاهرا ، لدى الناطقين من أهل العربية ، طول حياتهم باللغة الفرنسية ، ثم رد قائلا بعد تفكير ، آه ، إنه حرف الراء ، ومن ثم يكتمل معنى الكلمة ، في مسابقة الكلمات المتقاطعة ، وملأ الفراغ ، في مربعي الجـدول ، وابتسم وقال إذن هذا هو ما يشغلني ، لإكمال حل المسابقة ، وإزدادت ابتسامته ، حتى تلاشت تماما ، وقد صار يأكل أرزا مع الملائكة ، فقد نام تماما ، وكأنه قد خلع كل ما يحويه عقله ، من أفكار وصور ونام في هـدوء وراحة بال.

الشمس قد نشرت أشعتها ، فأضاءت الكون وأضاءت ضمن ما أضاءت ، هذه البلدة ، كالقمر ، هو السراج بين ظلام الليل ، حينما يأتي صغيرا ، ثم يكبر تدريجيا ، حتى يصل إلي منتهاه ، ثم يبدأ في الخفوت ، حتى ينتهي ، وما ينتهي وإنما هي دورات فلكية ، ولكن النجوم تظل مصابيح السماء ، وهي علي البعـد ، ويأتي النهار ، وتأتي معه الحياة ، وتوقظ تباشيره ، في الصباح ، ملايين الخلق ، في هذا الكون وتتمثل في أشعة الشمس ، التي تحرك كل شىء نحو الحياة ، وكأنه الضوء له صلة بالحركة ، أكثر من صلة الظلام بها وكأن السكون له صلة بالظلام ، أكثر من صلة الشمس به ، وها هو عرفان يبدأ يومه كما بدأه آلاف المرات ، وهو يفكر ماذا لو تم تخرج الشمس نهارا ، وماذا لو لم يخرج القمر ليلا ، لو لم يخرج أبدا كيف تكون الحياة ، ويرد علي نفسخ ، لا حياة بالقطع ، لقد خلق كل لعلمه ، ولصفته ، ويقول لنفسه ، قد يحدث أن يخلع الرجل عمامته ، فهل يا ترى  ، تنتهي الإمامة ؟ هل هناك ربط بين التقليد والتقاليد ، أم أن هنـاك انفصام ، وإنتهاء علاقة ومرة أخرى ، يتساءل ماذا لو كان هناك غربان من الطيـر ، كيف تعيش الحمامة الوديعة ، ويقول لنفسه ، قد تعيش الحمامة ، ولكنها لا تأمن الغربان ، ومن ثم فقـد تدافع عن نفسها ، فكل قد خلق لما هو ميسر له وقد خلق له الجانبان ، الوداعة والدفاع عن هذه الوداعة ، وتختلف أساليب الوداعة ، وتختلف أساليب الدفاع ، فقد تبدو بسيطه ، وقد تبدو معقدة ، فمتى الورود ، تقفل وتفتح أوراقها حسب منفعتها ، والحشرات تتلون لتحاكي الطبيعة ، فلا يكشفها الأعـداء ، والحرباء تتلون لتحمي نفسها ، وقد ظلموا الحرباء حينما وصفوا بها الإنسان في تلقباته وأقنعته فهي تفعل ما تفعل لضعفها ، فهي لا تخدع وإنما تحمي نفسها ، ولكن ماذا عن الإنسان ؟!! وقد يكون العكس صحيحا ! وكل شىء خلق لما هو ميسر له ، في الأكل وفي الشرب ، وفي الدفاع وفي الهجوم وفي الحب وفي العواصف ، وفي الجنس وفي كل الحياة ، كان عرفان يجلس علي كرسيه الهزاز ، وقد فتح النوافذ ، ليستقبل أشعة الشمس ، لتفيد جسده ، من الرطوبة ، ولتكسب جهازه البشري ، الطاقة اللازمة لتشغيله ولتقيه كثيرا من الأمـراض وكان الوقت قبل الظهيرة بساعة أو ساعتين ، وهو وقت ملائم لمثل هذا الإكتساب ، وهو وقت التأمل السريع والعقل ما زال في بداية نشاطه أو قل أن هذه التساؤلات ، كان يطرحها لتنشيط الذهن ، كما نشط بالتمارين الرياضية ، جسمه ، ومن ثم يصبح الجسم نشطا والعقل نشطا وبالتالي تكتمل دورته كإنسان ، ليبدأ يومه الجديد ، وهو لا يتوقف عن التساؤلات ، وقد تكون أفكارا جديدة ، تطرأ علي ذهنه وقد تكون اختراعا جديدا ولكنه لا يسجلها ، وإنما يطرحها وهو ليس بعالم يبحث في دقائق هذه الأفكار وتفصيلاتها وإنما هو يطرحها في ثوبها  البكر ، وفي وضعها الأولى وقد ينقلها إلي صديق أو يتحدث فيها مع آخـرين ، وقد يسجلها علي الورق ولكنه ابدا لم يذهب لتسجيلها رسميا ليحفظ حقه ، إن ثبت صحة ما يقوله ، وها هو يقول ، ماذا لو أنشأنا قناة جديدة ، مماثلة لقناة السويس وماذا لو كانت بين ميناء دمياط القديم ، وميناء السويس ، وهل توازي القناة وهل تضر القناة الأصلية وهل تزيد التكاليف وهل تقلل التكاليف في النقل البحري وهل تستوعب حركة التجارة ، وحركة الأساطيل وحركة العالم ما بين شمال العالم وجنوبه ، قناتان !! وهل تكلف مصر مالا كثيرا في إنشاءها ، وهل يمكن تدبير هذه الأموال ، وهل العائد يغطي التكاليف ، وهل هذا لليوم الحاضر أم للمستقبل الممتد ، كل هذه تفاصيل لم يدخلها فيها وإنما الفكرة ، هل يمكن إنشاء مثل هذه القناة ، وقد تمتد الفكرة أيضا وهل يمكن إنشاء قناة بين خليج العقبة ، وبين قناة السويس وهكذا تأخذه مثل هذه الاختراعات أو الأفكار ، إن عقله تعود أن يناقش ويحلل وتعود أن يعكس الأشياء ليرى ضدها ثم يردها إلي أصلها ، فيستطيع أن يحكم عليها ، وقد يأخذه أخبار الصعود إلي الفضاء ، و يقول ماذا لو خرج إلي الفضاء بالطرق العلمية المتاحة والمقبولة والمأمونة ، وكون له برجا لصالحه ، قبل أن تستطيع أي دولة من دول الفضاء ، مثل أمريكا أو روسيا ، إقامة مستعمراتها ، في الفضاء التي يخططان لها ، منذ زمن ، هل يستطيع أن يعيش معهما ، بمستوى التماثل وأن تكون له نفس الحقوق ، مثلهما تماما أم أن نفس حقوق الأرض وطباعها ، القوى يأكل الصغير ، ما دام صغيرا ، والصغير يخضع للكبير ما دام لم يكبر وإن الكبار يتقاسمون ، إذا خاف كل منهما الآخر ، أما إذا اطمأن واحـد ، إلي ضعف الآخر ، صار الآخر صغيرا ، وركبة الأقوى أما إذا اعتقد أنه اطمأن ولم يكن في الحقيقة مطمئنا ، وهـاجم القوى ، قويا آخر فدمرا بعضهما البعض ، هل سيكون هناك نقس موازين الأرض ، بين هذه المستعمرات المزعمة ، أم أن هناك موازين أخـرى ، وهل ترتبط أمراض الأرض بالأرض أم ستنقل مع الصاعدين إلي الفضاء وهل ستسطيع هذه الأمراض أن تعيش في الفضاء أم ستموت لتغير الجـو ، ولإنعدام الجاذبية ، ولتغير المشرب والمأكل ، وهل ستوجد أمراض جديدة أم لا ؟ ويتساءل عرفان وإذا كان هذا هو الحال فهل يمكن إرسال المرضى ، إلي الفضاء ، فينتهي المرض ، ويعودون إلي الأرض وهل يمكن إرسال البذور وزراعتها في الفضاء ، لإنتاج الغذاء البشري ، ثم يعود إلي الأرض المحصول بكميات وفيرة ونجعل الفضاء مزرعة كبيرة ، لكل البشر أم أن الإنتاج يقل في الفضاء وتمس علي ذلك الصناعة ، وغير ذلك من أمـور الحياة ، إن أهـم شىء في الأرض هو الجاذبية ، وعلاقتها بهواء الأرض وإنعدام الجاذبية في الفضاء ، هل يلغى كل العوامل التي تحمي الإنسان علي الارض والتي قد تسبب له الضرر ، كالأمراض إذن ملاذا لا نجرب ، حل الأسباب المضرة من أمراض وخلافه ، في الفضاء ونبقى كما نحن مع الأسباب الحسنة ، و يرد عرفان علي نفسه ، وإلا كيف نعيش في هذا الكون ، وقد تلوث تقريبا والأكسجين يقل في الهواء عن ذي قبل وهو مصدر إعاشتنا ، إنسان وحيوان ، وبرمائيات ومائيات ، وانتشار النوويات ، يتوسع ويتمدد ، عبر السنين الحالية والقادمة  فهل يا ترى ستكون القيامة من أنفسنا ، هل يا ترى نحن الذين سنقود أنفسنا إلي يوم القيامة ن وذلك أننا مسيريين في الإطـار العام ، ومخيرين في حركة الحياة ، ويتخيل عرفان ، أن هذا اليوم قد يأتي من أنفسنا ، فيما خيرنا فيه تنتشر في كل مكان غاية من النوويات ، حتى لا يبق مكان لا توجـد فيه قلعة من هذه القلاع ، ثم يتشاجر واحـد مع آخـر ، فيلعبان بهذه الألعاب.
وحيث أن العالم غابة كثيفة من هذه القلاع ، وأن اللعب في مكان يشمه المكان الأقرب فالأبعد فالأبعد ، بسرعة غريبة ، فيتكفل بالوصول ، إلي القلعة الثانية و الثالثة والرابعة ، في وقت واحد وفي زمن واحد ، ويتخيل عرفان ، كيف يحدث هذا ويقول لنفسه ، لنفرض أن شخصين قد انفعلا ، فيما بينهما بالكلام واكتفيا بهذا فلا ضرر غير الكلام ثم ماذا لو كان بني كل منهما عصا أو مدية أو مسدس أو بنقدية ، فقد يتطور الإنفعال ، لاستخدامه ما في أيديهما وماذا لو كان مدفع أو أكثر ، فقد يتطور الأمر أيضا ، لاستخدام هذا وهذا لا يضرهما فقط ، بل يصيب أكثر من شخصيهما وماذا لو توسعت الأسلحة أكثر ، وانفعلا لصارت حربا وكون كل فرد منهما ، فريقا يؤيده ويحارب معه ، هذا هو تسلسل الأحـداث وهذا ما يحدث أيضا في النوويات اثنان ينفعلان ، ويملكان النوويات والانفعال عامل نفسي وعامل عصبي ومن يملك الأزرار للنوويات بشر ، يحمل العامل النفسي ، والعامل العصبي فماذا لو أنه انفعل والانفعال وارد ، ذلك أن شعور بخطورة ما تحت يديه من زرائر يجعله أكثر انفعالا وأكثر عصبية من مثيله الذي يتشاجر في مشاجرة  عادية جدا ، وذلك زميله ويقول عرفان وقد نفترض أن الاثنين قد يتحكمان في أعصابهما ، ويحلان مشاكلهما بالتفاهم ، ولكن ماذا بعد انتشار هذه الغابة حاليا أو مستقبلا وقد بدأ السلام النووي يتسرب تدريجيا ، من اثنين إلي خمس إلي عشر حتي ينتشر في العالم أجمع ، صحيح أن الخيار أمام كل فريق ، صفر ، لأن القوة إذ زادت عن حدها ، صارت قيدا علي صاحبها ، فالخيار الموت للجميع ومن ثم لا يمكن استخدامه ، وبالتالي يصبح قيمة السلام صفر ، فيجنب في المساومات ، وفي حل النزاعات ، ولكن هذا في حالة إمكانية السيطرة عليه فريق يواجه فريق ، ولكن الفرق ملأت العالم أو في سبيل تغطية العالم ، من يضمن أعصاب هؤلاء جميعا ومن يضمن عدم الانفعال وعدم العصبية ولو انفجرت هذه الغابة ، فسوف تفجر كل من فيها ، ولن يكون هناك نجاة لأنها تغطي العالم تقريبا أليس هذا كما يتخيل عرفان ، يكون يوم القيامة وألي هذا أمر الله ، فيما سيرنا وأمرنا فيما خيرنا ، ويتخيل عرفان ذلك ويقول يكون يومها علي الدنيا الفناء ، ولكن هل يلحق عرفان هذا اليوم ، أم أجيال لم تولد بعد ، ومتى سيأتى هذا اليوم ؟ كله ما زال في علم الغيب ، ويرد عرفان في حواره ، إذن مصير أرض غير معروف بسبب بشرها ، ومصير فضاء غير معروض أخيرا أريد ، أم شرا أريد بالأرض بسبب بشرها إذا ما هو الخلاص ؟ فيقول لنفسه الخلاص كيف نطرح هذا السؤال ؟ الخلاص هو الحياة كما هي ، بعض يدفع بفضاء البعض نحو الشر والبعض نحو الخير ، فيرد الخير الشر ، أو يرده الشر ، حتى يحين أمر الله ، و يقول قولته الشهيرة " هكذا خلقت وهكذا عشت " وهكذا أعيش وهكذا أموت وتلك سنة الحياة (ميلاد حياة ، موت ) وهكذا الفرد وهكذا الجماعة وهكذا الكون ولكل شىء وقته وميعاد.
خرج عرفان من تأملاته الخيالية الواقعية ، أو الواقعية الخيالية ، علي صوت مظلوم الجرائد يا أستاذ فيوقل له واين كانت منذ الصباح ، يا مظلوم ؟! فيقول له ، وجدتك شارد سهاما ، فتركتك في حالك ، وقلت لنفسي أنها عادته ، في كل صباح وعرفت من تعاملي معك ، أن أتركك حتى تخرج من تأملك ، وكنت أتعجب حينما أراك في جلستك هذه ، كما كنت أتعجب حينما أراك بعد تمارينك الرياضية ، تقف علي رأسك لمدة دقائق ، أو تجلس في صمت لمدة دقائق ، أو أكثر حتى أخبرتني ، أنها اليوجا الهندية  التي تنظم التنفس وتقوى الأجهزة البدنية والذهنية والروحية ، حتى يعود التوازن إلي الإنسان ثم تنصرف إلي جلستك هذه المتأملة غير الصامتة تماما ، وإنما فيها حوارك الذي أشعر به مع نفسك ، أنت في الأولى التي تعجبت منها ، كنت الصامت تماما ، وفي الثانية التي ذكرتها  كنت الصامت المحيطين معنا ولكنك كنت المتحدث معك مع نفسك أنت ثم تعود إلينا ، وتعود إلي المكان وتعود إلي الزمان فأشعر أنك الآن أستاذنا ، عرفان فضحك عرفان أتشعر يا مظلوم ولماذا إذن كل هذا النوم ، فأنت موقد لهب يغلي ولكن وجهك سطح طبق من حليب هادى فضحك مظلوم وقال ، لا تحملني أكثر من طاقتي ولا تخجلني بتفريط نفسي ، وإهالة المديح علي ، ما أنا إلا بشر ، مارست الحياة ، وحركتها وعاركتني ، وعملت بجانبك فأستفدت علي قلة السنين ، منك الكثير والكثير فقال له عرفان يا أنت يا ابن هذه الأرض المباركة ، أنت إنسان ، عز وجوده ، والآن كل لي بصراحة ، وكيف تركت عملك ، وجئت اليوم أيضا ، فقال مظلوم ، أحضرت لك الصحف ، وذهبت إلي عملي ، فصرفت البريد الصادر والبريد الوارد  ولما انتهت من عملي استأذنت فليس لي عمل إلا البريد ، من العمل إلي المكتب ومن المكتب إلي العمل ، وجئت فوجدتك لم تمس الصحف بعـد.
فقال له صدقت فيما قلت ، لأنني أصدقك ، والآن يا مظلوم ، فلنقلب الصحف وآه . آه يا مظلوم لو كان الخبر عني أو الحديث كاملا ، يكون لك ما تطلبه ، فقال له مظلوم ، ولو لم ينشر فماذا يهمنا ، أو يخيفنا " ألسنا نعيش ، إننا نعيش ونخرج ونحزن ونعمل ونألف الحياة ، ومن ثم الصداقة ، رغم كل شىء " فكيف أتخيل أنا ، أن أكـون منفردا هنا ، شى فظيع فرد عليه عرفان ، وعيناه تأكلان موضوعات الصحف ، لقد قلت لك من قبل أنت معي في أي مكان ، أما إذا قررت أنت مكانك فليس لي عليك أمر أو عتاب ، فرد مظلوم ولكني ما زلت هنا وسأظل هنا صعب غير ذلك من الصعب جدا .  سكت مظلوم ليسمع همهمات عرفان في القراءة والصوت عاليا أحيانا ، وصوت مسموع حينا آخـر ، وقال عرفان بصوت مسموع الصحف تعكس الخلافات العربية والتوترات في حرب اليمن ، الحرب الكلامية علي أشدها ، تم ماذا هذا الخبر .. أستاذة جامعية في جامعة ريدلاند ، بجزيرة ريدلاند تقتل طالبا بسبب المنافسة العلمية ؟! لا . لا فقال مظلوم ، وأين جزيرة ريدلاند يا أستاذ ؟! فقال له وهو يستمر في القراءة أعتقد أنها في المحيط الأطلنطي ، لا . لا أنها في المحيط الهندي ، ولكن العجيب أن يكون بسبب التنافس ، فهي أستاذة ، وهو طالب المفروض أن العكس هو الصحيح فقال مظلوم المفروض شيئا والواقع شيئا يا أستاذ.  ألم تقل لنا ذلك من قبل ، فرد عرفان نعم ، نعم ولكن المشكلة ، أن الولد اجتهد أكثر من المطلوب ، ففاق حـد أن يكون طالبا وفاق حد أن يكون أستاذا ، وشعرت هي بهذا فحاولت أن تخفت صوته ، أو أن تطويه تحت جناحها ، هكذا تقول القصة المنشورة ، فرفض كل هذه المحاولات ، وحاول أن يبعد عنها ولكنها خافدة أن يكشف كل أوراقها ، فانفضت مع عصابة من الأشقياء ، قاموا بدس السم له في الطعام ، أثناء رحلة بحرية فلما مات ، حاولت أن تغطي علي جريمتها ، بأنها قضاء وقدرا ، ولكن شقيا من الأشقياء ، جاءته لذته ، مما فعل فأخذ يهذي في الحرم الجامعي لقد قتل ، لقد قتل فقام مدير جامعة ريدلاند ، بتحقيق الأمر ، توجد شبهة في هذا فأبلغ البوليس ، واكتشف الجريمة ، فقبض عليها واعترف بذلك ، وقالت لقد حطم أعصابي ، بتفوقه ، ولم أجـد سبيلا له ، ومول لي الشيطان ذلك ، لقد كاد يحطم جهدي الذي كونته في سنوات عديدة ، وكان علي أن أفعل أي شىء يوقفه ، ولكن لم أكن أتخيل أن يصل الحـد ، إلي القتل ، ولكنه الشيطان ، وأقفل عرفان الصحيفة ، وقال لمظلوم لقد سألها المحقق ، أليس عجيبا ، أن يحقد الأستاذ علي التلميذ ، بدلا من أن يدفع به إلي الأمـام ، ويقويه ، ويقف بجانبه ، فردت أنه حالة شاذة ، بين الطلبة أنه يكسر كل القواعد المعروفة ، وهذا يحتاج إلي سنوات ، أنه يحطمنا جميعا أنه شىء نفرح به أولا ثم نكرهه ، نكرهه جميعا أنه شىء فوق طاقتنا ، ولقد خدعني الشيطان ، وكنت أريد تخويفه فقط ، ولكن العصابة ، زادت الجريمة ، جرعات فكان ما كان ، لقد كنت أعتقد أنني ارتحت واسترحت ، وكذلك كل زملائي ، فرحوا وإن كانوا بعيدين ، عن الجرم فرحوا لموته وفرحوا أكثر لأنه بعيدين عن الإتهـام ، وها أنذا فرحت أولا ، ثم وجـدت أن المـوت لم يحل المشكلة ، فهأنذا أعاني الإتهـام ، وأعاني أكثر من هذا تأنيب الضمير ، تأنيب الضمير ، أنـه عـذاب أكثر من عذاب حبل المشنقة أنه عذاب ، أن أراه في نومي وفي يقظتي ، وفي بيتي وفي عملي ، وفي إنفعالي ، وفي هدوئي أنني لا أستطيع أن أتحمل وأجهشت بالبكاء ، علها تخفف آلامها ، هكذا قال كاتب الخبر ، وسألها المحقق وتعتقدين أن القفل هو الحل ، لقد أسكرتك ، خمر الأستاذية ، وجعلتك تعتقدين أنك أستاذة ، تعلمين وتفهمين ، وأن الطالب يتلقى فقط ، ولا يسمح له بالاجتهاد أو التفوق ، إنها مؤامرة منك ، ليست في جزئية القتل ، لنفس بريئة ، وإنما في كلية ، لتعليم ذاته ، لقد أصبت المجتمع الجامعي في ريدلاند ، بهزة عنيفة ، وأصبت هيبة الأساتذة جميعا ، ماذا يكون موقفك ؟ أمام زملائك فقالت أنهم فرحون بما فعلت ؟! فرد عليها المحقق ، فرحون ما دامت التهمة ، بعيدة عنهم وتحملتي أنت كل شىء وهم يضحكون لسببين الأول من مات والثاني أنت لقد تخلصوا منك أيضا فعلى حد رأيهم ، في التحقيق أنك كنت متسلطة وعدوانية حتى مع زملائك ، ولم ينكروا أن الولد كان مجتهدا وكان متفوقا ولكنهم لم يفكروا في التخلص منه ، مثل تفكيرك ، بل شجعوك علي ذلك وقالوا لك أنت زعيمتنا فتقدمي ، وأثبتي بطولتك ووقعت في الفخ ، وخرجوا هم بعيدا عنه فردت قائلة ، أهم قالوا هذا فرد المحقق قائلا ن وأكثر من هذا أتحبي أن أقرأ لك ، ما قالوه عنك ، فقالت لا . لا ، أعرف ، أعرف ، ولكنني لم اقتله أنا طلبت من الأشقياء فقط تخويفه ، فرد المحقق قائلا ، وهل يعرف الشقي المقادير ، التي تخفيف من المقادير التي تميت ، أنصحك يا سيدي أن تبحثي عن محام كبير ن خاصة وأن الدعوى المرفوعة عليك لن تكون من أهل العلم المفقود ، أو من أهل الضحية ، وإنما من كافة أولياء أمور الطلبة ، بل ومن المجتمع ، العلم يا سيدتي مملوءة ثلاث ، احترام من الطالب للأستاذ وتشجيع من الأستاذ لطلالب ورعاية وحماية له ومنهج علمي واضح ومحدد ، يفيد المجتمع ويسعى إلي تقدمه.  ولقد خالفتي كل هذه المحاور ، وأخذت السيدة كما يقول الصحفي ، ترتجف وترتعش وهم يأخذونها إلي السجن وهي تصرخ وتقول لم أكن اقصد ، الزملاء ، لقد شجعوني الأشقياء لقد ضحكوا علي ، ويقول عرفان بعد أن حكى بأني القصة لمظلوم ، قصة عجيبة حقا ، ولكن يبدوان أن ريدلاند ، هذه يا مظلوم ، جزيرة معزولة ، ما زال الجهل يسيطر عليها ، لا يمكن أن يحدث هذا في بلاد متقدمة ، والأغرب من هذا ، أن الصحفي يقول ، أنها أنكرت التهمة في أول الأمر ، وقالت للصحافة ، ولزملائها ، وأيدها بعض الزملاء ، أنه ولد فاسد وقليل الأدب ، ولا يحترم أستاذه ، وأنه مات لأنه كان يحتسى الخمـر ، ويبتلع المحبوب المخدرة وأنه مات في الرحلة البحرية ، بسبب هذه الحبوب فلما اشتدت الحلقات حولها ، وشهد شاهـد من أهلها ، أن كل كلامها عنه كاذب ، من أساسه ، واعترف الأشقياء عليها ، تراجعت عن كلامها ، واعترفت ، فقال مظلوم ، وماذا تعتقد يا أستاذ عرفان ، ماذا سيفعلون معها ، فقال عرفان ، أعتقد أن القانون واضح ، سيعدمونها ، فضحك مظلوم قائلا جزيرة ريدلاند ، لا تعدم يا أستاذ عرفان فقال له عرفان ، وكيف حكمت علي ذلك وأنت لم تعرف اسمها إلا اليوم ؟! فقال مظلوم ، من يفعل مثل هذا ، وبهذه الوحشية يكون لديه نفس الأسباب ، التي تخرجه من هذه الورطة الدكومية ستنكر كلامها مثلا ويخشى رجال الجامعة في ريدلاند علي سمعتهم وهيبتهم فيكتمون الأمر ويشهدون لصالحها ، فقال له عرفان ، معك حق يا مظلوم ، الحمد لله أنها بعيدة عن بلادنا !! وفي بلاد بعيدة وليست هنا ، إن أقسى ما يكون عندما ، وهي حالات ، ونادرة الوقوع ، أن يقول المدرس للتلميذ " شوفلك مدرسة غير دي ، أحلق شنبى لو نجحت طول ما أنا موجود بالمدرسة !! " آه مجرد هذا يا مظلوم ، لكن أن تصل إلي القتل .. لا .لا يا مظلوم ، أننا مجتمع متحضر بالمقارنة ، مع ريدلاند جزيرة المحيط ، والآن يا مظلوم يا حبيبي ، لنترك الهم والنكد ، ونرى ماذا في جريدة العهد الجديد من أخبار .. الصفحة الأولى نفس الأخبار في الصحف جميعا ، وأيضا هذه الأخبـار ، قرآناها  من قبل ، والآن .الآن . صفحة مشاكل الناس ، آه .. يا إلهي ، ال ترى ، ما أرى انظر يا مظلوم صورتي في منتصف الصفحة تماما ، ألا ترى انظر وتأمل وتأكـد ، وآه العناوين ( إلتماس رجل خدم بلاده عمرا ، ولا يجـد عملا أو معاشا للحياة ).
وبدأ عرفان يقرأ ويقرأ ، يلتهم الكلمات ، يلتهم كل شىء ، تحولت عيناه إلي كايدا ، بل إلي عـدة كايدات ، كأنها تصور مشهدا ، أو لقطة ، وبأسرع من الضوء ، وانتهى من قراءة الموضوع ، مرة وثانية وثالثة ، لقد صدق برهان في وعـده ، وأعطى الموضوع اهتمامه ، ودفع به إلي الصحفى  المختص ، واختار عناوينه ، ودبدة خير تدبيج ، وأنهـاه بفقرة من رسالة عرفان قوية ومؤثرة وانطلق عرفان يرقص ويقفز إلي أعـلى ، وينام علي ظهره ويتدحرج علي الأرض ، ويقوم ليلعب في الهـواء ، برجليه ويديه ، تحاول أن تلمس الأرض لمسا ، ويحمل مظلوم ، ويحضنه من خديه ، ثم يضعه علي الأرض مـرة أخـرى ، ويفتح الباب ، ويهجم علي زوجتيه ، يقبلهما في آن واحـد ، ويقبل فريال ، و يقبل سميرة ، في غفلة من زوجتيه ، ولكن أمام أعينهما ، فالفرحة تنسيهما الغيرة ، وتنسيه الخوف متهما ويأتي الأولاد من المدارس ، وهم فـرحون ، لقد سمعوا من مدرسيهم ، ما جاء بالصحيفة ، فذهبوا واشتروا منها نسخا ، وجاءوا فأخذهم بالأحضان ، وقال للجميع ، ما دام قد تم النشر فإنشاء الله خيرا ، ترقبوا خيرا ، وقال لمظلوم ، اليوم توزع شربات للجميع ( على الحلاوة ، كما وعدتك ) ، وزع لكل من يأتي وكل من يجاورنا ، وضحية المجلس في جلسة المساء ، وزع ، وزع وأنتن تحركت ، واذبحن أحدا منكن !! أقصد ، اذبحن ، ديك أو وزة لا داعي للبط أنه يسبب الإسهال لي .. اذحبوا .. أي حاجة .. فراخ .. هاتوا لحمة .. ولا أقولكم .. هاتوا خروف .. لنا خرفان كثيرة مخروجة ، عند المعلم درويش ، هاتوا واحد منهم ..
أذهب يا مظلوم ، واحضروا واحدا ، وليكن معه الكثير من الحمام ، ومن الأوز ، ومن الفراخ ، ومن الديوك الرومية ، ومن البط أيضا ، فهناك الآخـرون يحبون الرمرمة ، فأحضرواه لهم ، وكل شىء يتم علي أحسن ما يكون ، عزومة ، غير عزومة يوم القبول ، سوف يكون لها شنة ورنة ، .. قـال عرفان ذلك وهو غير متمالك لأعصابه ... لقد نسى كل ما قرأه في الصحيفة ، حتى أغرب الموضوعات مثل موضوع الأستاذة ، نسبة أيضا ونسى كل شىء إلا هذا النشر ، ولم يتمالك أعصابه ، أصابه الإسهال وكان يستخدم دائما الملينات ، على أساس ألا يحدث امساكا أبدا ، فذهب مسرعا إلي الحمام ، ثم لم يلبث أن خـرج و أعطى بعض التوجيهات ثم عاد إلي الحمام ، ومرة أخرى إلي خارج الحمام ، ثم إلي داخل الحمام ثم عاد إلي الحمام ، وقال وهو يتغوط يا له من يوم لولا هذا الإسهال اللعين ولكن الإسهال لا يأتي إلا في كل مناسبة مهمة ، صحيح أنني أخذ ملينا لعدم الإمساك ولكن الملين ، يسهلها أكثر من المطلوب ، فاضطر عدد أخذ مثبتا للإسهال ، فيعود الإمساك ، ولكني أستطيع أن امتنع عن حبوب الإسهال وحبوب الإمساك ، ولكني أخشى أن لا أستطيع ، وبينما هو كذلك وقد أرتاح قليلا قال آه . وآه من هذه الآه .. أين لياليك يا تفتيش وحبوب سويسرا التي لا يعلى عليها في التثبيت وآه نفس الموقف ، يوم استعديت لمقابلة الجوهري باشا ولولا الحبوب ما أمسكت معدتي ابدا وما ذهبت إلي المقابلة ، سأرسل للصيدلية ، لأحضر علبة من هذا الدواء ، لقد سمعت أنه موجودا الآن أو علي الأقل مثيل له وقد جربته ، ويؤدي إلي نفس النتيجة ، ولكن ليس الآن وبينما في هذا الوضع داخل الحمام ، كانت النسوة يتغامزون عليه ويلوون شفاههن ، في ابتسامة وفي سخرية ، وهـن يقلن ماذا أصاب الرجل ؟! باين عليه عقله تلحس ، حتة خبر صغير ، يعمل فيه كـده ، فقال مظلوم ، وهو يعد الشربات ، ويشرب كوبا ويعد غيره فتشربه ، واحدة منهن ، أو واحد من الأولاد ، إنها فرحة كبيرة وليس خبرا ، إنها نصف صفحة تقريبا فكانت الصحيفة في أيديهن ، وفريال تقرأ لهن منها ، وتخطفها سميرة لتكمل القراءة ويعلن مظلوم ، أنها العـود إلي القاهرة ن مرة أخـرى فترد روح الحياة ( قطعت وقطعت أيا بها ، فيه أحسن من الريف ، ويا الأهل والمعارف ) وتقول عفارم ( لا يا ستي ، فقدنا مستحملين ، لكن لما السعد بيجي نرفسه برجلينا قطع الريف و أياه )ويقول مظلوم لهن جميع سيدات وخادمات ، الموضوع مش المدينة ولا الريف ، الموضوع المصلحة فين والمصلحة مش هنا ، في " شمهورش ، وعندك إيا يا بني " المصلحة أن الأستاذ طلع من الشركات والاتفاقيات ، بـدون ولا مليم ، وبدون أي وظيفة ، فلما يرجع تاني يبقى وجزء من حقه ، كـده ولا إيه ، فيرددن ، دون ارتياح تماما ، وهو غير مصـدق ، ويأخذ حبة للتثبيت كانت باقية في درج المكتب ، ثم يجلس في حجرة الضيوف ، ويشرب في نارجيلته ، وقد أعـدها له مظلوم ، ولم يشرب شرباتا ، حيث أنه خشى  من الإسهـال ، علي حـد اعتقاده ، أن يصيبه أي مشروب مصنوعا باليد ، أي ميكروبات إسهالية ، وظل في حجرته ، والأولاد يسألونه وهل سنعود إلي القاهرة ، فيطمأنهم ، ويحكي لهم ، كيف تغيرت ، وكيف قطورت وكيف خرج منها الإنجليز ، وكيف تقدمت في الصناعات ، وكيف بنت السد ، وكيف خرج لتحارب في اليمن ، وكيف ستحرر فلسطين ، وكيف تسير السياسة ، ولكنه لم يحك لهم ، عن القبض ، علي المتدينين ، وعلي المفكرين وعلي رجال الصحافة والإعـلام ، وعلي المثقفين وعلي الذين لم يعرفوا لماذا قبض عليهم ، وإنما سهوا ، أو خلطا في الإسـم ، ولم يحك لهم ، عما قاسوه ، ولم يحك لهم عن الآلام الرهيبة ، ولم يحك لهم عن انتهاك الآدمية الإنسانية ، ولم يحك لهم عن إعـدام الأبرياء ، ولم يحك لهم عن أشياء كثير كان الموقف رهيبا ، وكان أحد أبطال هذه الثورة أو الرجل الذي تولى زعامتها ، بعد زعيمها الأول قد أصبح منفردا ، ويطل علي الجميع ، بمظهر الرجل القوى ، وفي الوقت الذي يسعى فيه ليعمل ، ويلتمس فيه ذلك كان يرد  حقا من حقوقه ، ولكنه في الوقت ذاته لم يكن راضيا ، عن كل ما حدث وكان يلتمس له العذر ، أو يحاول أن يبرر له ، لعله لا يعرف لعل كل شىء يتم من وراء ظهره ن لعل الحاشية قد تشابكت وتحالفت ، وعزلت الناس عنه وأصبح طريق الاتصال ، في كلا الاتجاهيين به نقط اختناق كثيرة بل لعل الرسالة التي تصل ، تصل خاطئة إليه ورود النصل بثاء علي ذلك تكون خاطئة ، أي أن الاتصال بين قاعدة الهرم وقمته ، قج صار مشوشا ، ملونا خاطئا فلابد أن تكون القرارات في واد ، والرغبات في واد آخر.  لعله ، لعله ، لعله ، واكثر عرفان من هذا وإنما حكي لهم ، ما تم ويراه صالحا ، ولم يحك لأجيال ، تشبعت ، بحب كل هذا ، ونشأت علي ذا الجانب السىء ، أنه يخشى عليهم من الصدقة ، وعندما يكبرون وعندما ينضجون ، سيفهمون وسيعرفون ، حكى لهم كل هذا حتى أتى موعد الغذاء ، فتغذى عشاء خفيفا ، فالجميع منهمك في توضيب الطعام واكتفوا بما هو موجود بحظيرة المنزل ، فوق السطوح ، وقلق لا داعي للخروف ، والديك الرومي يكفي ، أنفعل ما يقوله دائما وضحكت النسوة وهن يطبخون ، ناقص يقولوا إدبحوا ( دبه ) نقوم تروح جنينه الحيوان ، ونجيب (دبه) علشان مبسطة ، وضحكن مرة أخرى ، وهن يسلخن ، وهن ينظفن ، وهن يتبلون ، وهن يشعلن المواقد ، وهن يصنعن الطعام ، وصاحبنا قد قام بعد الغذاء ، وقد أرسل مظلوم ، إلي صحبة المجلس في جلسة المساء يدعوهم للحضور ، حيث الوليمة ، العطاء ، ولم يكن في حاجة إلي إرسال مظلوم ، إنهم " آتون ، آتون " ألم يقرأوا مثلما قرأ وعرفوا مثلما عرف أم ان الصحف حكرا عليه ، والقراءة حكر عليه، والفهم خكر عليهم ، إنهم يملكون مثل ما يملك ، والجلسة دائما لم تنته ولكن مناقها اليوم ، سوف يكون مذاق المسلمون ، والمقلى والمشوى ،  والمحشو بالصنوبر والجوز واللوز وكافة المكسرات ، وعين الجمل ، مبشورا فوق كل صنف ونوع ولون ، والبندق بحباته البنية ، وقد ذاقت بخار النار ، فصار شيئا آخر خاصة في تعامله ، مع أصناف الطعام ، ثم ما بعد المذاق ، الشرب والكلام ، والمداعبة والسلام والعودة في وئات ، أليس هذا إضافة إلي ما كان ولم يكن هذا تكرار ولا كان وصف الطعام خارجا ، عن حياة هؤلاء ، بل هو جزء من حياتهم ، سواء في التحدث عنه أو في أكله أو في تكريم ضيف لديهم ، أو تكريمهم لدى مضيف ، فالطعام إذن ، جزء من نشاط الحياة ومن النشاط الإنساني ، مثل العمل ، ومثل المشرب ، ومثل الراحة  ومثل الرياضة ومثل المتعة ومثل التسلية ومثل الجدية ، ومثل النوم ومثل اليقظة.  وهو ليس فقط مظهرا من مظاهر النشاط الإنساني ، وإنما هو أساس من أساس الحياة ، حيث أن الجسم البشري في حاجة إلي الطعام ، كغذاء له ، وغذاء أساسي ، ولم كين ابداً ترفيها ، بل هو وقود الجسم البشري ، الذي يزوده بالطاقة اللازمة ، لكل نشاطاته في الحياة ، وقد يقول الناس ، هذا الرجل يحب الأكل ويقول آخرون وهذا رجل أكله قليل ، و يقول البعض ، هذا الرجل معتدل في آكله ، والجميع علي حق ، ولكن أحـد منهم لم يلغ الطعام من حياته ، وقد يصبر الإنسان علي الطعام ولكن ليس لفترة طويلة ، وقد يكون الصيام في الأديان لإراحة الجسم ، والمعدة ولتخفيف المعدل ، من الحشو الزائد ، ومن أجل صيانة الآلة البشرية ولكن لم يصم أحدا ، أبد الدهر ، ويؤخذ الطعام أيضا كمجال للتذوق ، والمتعة بالإحساس بهذا وكمجال للمقامرة ، وللمعايرة وللفشر وللكرم أيضا وغير ذلك من فوائده وقد ترى رجلا ، يقول لك أثرى هذا الرجل ، أنه شره في الأكل ، وترى رجلا آخر ، يشير إلي الرجل الأول ، و يقول لك أترى هذا الرجل ، أنه رجل شره في أكله ، أجارك الله منه ، ومن فمه ومن بدنه ، ومن معدته وترى رجل ثالثا يشير إلي الأخير بنفس الشىء ، وكذلك النسوة فيما بينهن ، وكذلك الجميع فميا بينهم ، ولو ترك كل إنسان ، الآخر علي طبيعته ، لم حدث كل هذا الإيلام لكافة الناس ،والغيبة والنميمة  في بعضهم البعض ، ثم إذا كان هناك إنسان يأكل ، فهناك إنسان لا يأكل ، والعكس صحيح ، وهذه طبيعة الحياة ، لهذا فعرفان كان لا يأكل خارج منزله إلا قليلا وقليلا جدا ، يأكل في منزله ، كثر أكله أم قل ، كان من جودة مرتفعة أو منخفضة ، كان مرتفع الثمن أم منخفض الثمن ، فهو بذلك لم يثقل علي أحـد ، بكثرة أكله ، ولم يخفف عنه بقلة أكله ، ثم أنه يرى في ذلك حكمة فالناس ، في ضيافاتهم لدى الغير ، يفعلون غير ما يفعلونه في منازلهم ، إذا يظهرون بغير مظهرهم ، فالأكول ، يظهر أنه يأكل الهواء ، لا الطعام ، ويظهر أن فمه مثل النيق ، وهو يسع فيلا وكل شىء إذن ، تأديا مصطنعا ، من أجل المظاهر أو الخوف من النقد أو الخوف من الألسنة ، ولكنه في بيته ، حر مع نفسه ، في كثرة طمعها أو في كثرة نجلها ، فلم يضره أحـدا  ، أو في جلسة المساء ، مثل هذه الليلة فهي مباحة لكل شىء ولا حـدود ولا شروط علي السعادة.

*اكتملت جلسة المساء ، عن آخرها وأخذ كل منهم ، يكيل مديحة ، لعرفان وقال كل منهم كلمة تعبر عن ذلك وقال له جمرة ، والله يا أستاذ صورتك منورة ، الجريدة تقولش " هتلر" فضحك منه عجوة ، قال الله ولا قالك ، يا جمرة الواحد منكم ما يصدق ، يعرف ألماني !! يقول هتلر ، طب قول ، صورته ، شكل فرانكو ، فرد جمرة ، والله يا جماعة ، أنا مش عارف الناس تسمع عن أسبانيا ، وتفتكر أن العرب لسه موجودين فيها يقوم يجيب ، فرانكو يعني ما لقتش ، إلا هو ، وقال زائر جديد ، ولكنه كان هاويا في الفشر ، والله يا جماعة جمرة أخطأ في حق عجوة ، وعجوة أخطا في حق جمرة ، والاثنان ، أخطأ في حق عرفان ، لقد شبهاه ، بكل من هو ديكتاتوري ، متحكم متسلط ، متعصب لبنى جنسه ، فالأول شبهه بزعيم النازية الذي حاول أن يسيطر علي العالم ، والثاني تحكم في بلده ، بالكرباج والبندقية ، قرابة خمسين عاما ، وأنا رأيي يا جماعة ، أن صورته تشبه موسوليني ، الإيطالي ، فقال عرفان ، مبتسما مداعبا ، أكثر من أن يكون غاضبا ، لقد أكملت الصحبة ، فهو من نفس النوع يا سيدي عبد الفتاح فرد عبد الفتاح ، ماذا تعني فرد عرفان قائلا ، إذا حسبنا ما قيل عنهم ، فيعني أنه لا يقل عنهما شيئا ، ولقد كان الحليف لهتلر في الحرب ، وقال سالم عطا ، وكان متعلما ، اتركونا من هذه الأسماء ، فقد تؤول ، ونحن في غنى عنها دعونا من أوربا ، وقديما قالت "فلاحة أمية ، تدعى أميمة الحق علي الطليان ، هم سبب البلاء ، سبب الحـرب ، فردت عليها سيدتها ، قائلة ، وأنت مالك يا بنت ، إدخلي اغلسلي المواعين ، ما الذي أدخلك في كلام السياسة ، خشى شوفي الحق علي عدم نظافة الغسيل ، يرجع إلي المسحوق ، أم إلي المياه ، أم إلي الليفة ، أم إلي الصابون ، فقالت وحياة مقام أبي مشعل وابي الحمايل ، وكل المشايخ بكرة تشوفي يا ستي ، إذا ما كان بتوع السياسة يقولوا كلامي ده ن لما يكلموا عن الحرب اللي فاتت ، فرد سيدتها ، طيب خشى شوفي حالك وبعدين تعدي إكلمي في السياسة ، فردت أميمة لقد استشرت الجان وقالوا نفس الكلام ، وقالوا السبب في عدم نظافة الغسيل ، ترجع إلي الميه ، وقالوا السبب في قلة الخير ، يرجع إلي الـرى ، وسألتهم والحل إيه ، قالوا لي استخدموا "ري الجـان " قلتلهم هو الجان ليه ري كمان ، قالوا أمال ، بس تؤمريه ، يفجر في الاراضي المياه وبيعها يتم الري ، ري الجان ، وفي البيت ، أو في الجنينة يطلع مياه معدنية !! وأضاف سالم قائلا ، فلا تقلدوا هذه الأميمة ، وتصورون من تريدون تكريمه ، بمشاهير الحرب والسياسة ولكنهم مشاهير في تخصص الإبـادة ، فأنتـم تريدون ، أن ترفعوا من قدره ، ولكنكم تخفضون ، من قـدرة وأنتم لا تدرون.
*وقال فيصل ، وكان متعلما أيضا وشاعرا أيضا ، ومراسلا الصحف أيضا المشكلة يا سادة ، أن جمرة يحب الالمان ومن يدري فقد نصبح بين يوم وآخـر ، فنجد من يقول عنه أن جمرة من أصل ألماني ، وقد يحدث نفس الشىء لعجوة فيقال أنه من أصل أسباني ، وقد يقول قائل أن أميمة الفلاحة العجوز المسكينة من أصل إيطالي ، فضحك الجميع ، وقال "البروفيسور" شراء وما مكان يحمل الأستاذية ولكنه ذهب إلي أولاده في هولندا ، ليزودهم ، ولف البلاد الأوربية جميعها علي حسابهم ، رغم أنه فلاح قديم ، ولكن جلوسه لمدة كبيرة جعله ن يعلم ويتعلم عن هذه البلاد وقال لا تخشوا شيئا فإن لدى قاموس بشجرة الأنساب ، لكل فرد من هذه البلدة ، حتى مائة جـد وقد أكشف لمن يدعي علي غيره أنه من أصل كذا ، وفصل كذا ، حتى ولو من باب السخرية ، أن المدعي نفسه ، علي هؤلاء هو من أصل أجنبي ، فما رأيكم ، لنقفل هذا الموضوع ، قد نتعلم من هذه البلاد المتقدمة ، وقد زرتها جميعا وأذكر منها فلندا ، السويد ، النرويج ن الأرجنتين ، الدنمارك ، البلاد الشرقية ، تشيكوسلوفاكيا ، يوغسلافيا ، المجر ، بولندا رومانيا ، البرتغال ، والبلاد التي تعرفونها ، ألمانيا ، النمسا ، إيطاليا ، اسبانيا ، سويسرا ، وغير ذلك من البلاد وقمت برحلة إلي أندونيسيا ، والفلبين وكوريا وكبوديا وفيتنام ، وأيضا أمريكا اللاتنية ، فقط لم أزر أمريكا وروسيا ، وانجلترا ، وفرنسا فقال عبد الفتاح ، هامسا لسالم يبدوا أن صاحبنا فشار من أمثالنا ، واستورد منها مجموعة من ابقـار الفريزيان ، تدر كمية كبيرة من اللبن ، علاوة علي أنها ذات لحم ثقيل ، وقد جلس مع أولاده حوالي سنة تقريبا وأقاموا له رحلة حول العالم ، تبع احدي الشركات فتفرج علي معظم العالم فقال عبد الفتاح ، أنا كنت ناوي أقول هذه البلاد ن لي بها بعض الاقارب ، فشرة يعني لكنني وجدته ، عارفا وأنت تؤكد ، معرفته ، فلنقل بلاد أخرى لم يزرها ، مثل استراليا ، أو جزء من المحيط الهادي ، المتعددة ، فرد عليه سالم ، إذا أردت أن تذهلهم ، فقل لهم عن اليابان فرد عبد الفتاح وأين تقع اليابان فقال له سالم بخبث  ( جنب أمريكا ) فشعر عبد الفتاح بالسخرية ، وقال له ، أنت تضحك علي فأصدقه سالم القول وقال له ، تقع في آسيا ، ولكنها تنافس الدول الكبرى في الاقتصاد وفي الصناعة ، فقال عبد الفتاح آه ، كده يبقى عال ثم قال لهم وهو يعتدل في بشرته ، لقد كان لي قريبا في اليابان وأراسله وقد دعاني لزيارتها ولكني مازلت أفكر ؟ فتعجب الجميع من عبد الفتاح ، ونظر جمرة إلي عجوة ، ونظر عجوة إلي جمرة ، وكأنهما يقولان لقد تطور أخونا أنه يريد أن يسرق الأضواء منا ، فقالا في نفس واحد ، لو قلت تريكا نقول معقول فأجدادنا أخذهم السلطان سليم الأول ليعمروا ويصنعوا ويفننوا عاصمة الخلافة في هذا الزمان ، ولو قلت لك أقارب في الشام أو في الحجاز ، أو في السودان أو في المناطق المحيطة لصدقناك ، فأجدادنا ، جابوا هذه المناطق المحيطة بمصر منذ التاريخ القديم ن والتاريخ الحديث ولم يكن هناك وسيلة مواصلات حديثة كالآن ، ولذلك كانت رحلاتهم ، تمكث لمدد كبيرة ، حتى تصل إلي هذه البلاد وحتى تستقر فيها للتجارة أو للسياحة أو للقتال ، وفي هذه المدد الطويلة ، يحدث مصاهرات ونسب |، وغير ذلك من الامور وقد يستقر بعضهم لتكوينه أسر في هذه المناطق ، فيمكن إذن أن يكون لك أقارب هناك ، ويحدث العكس ، وقـد جاءوا إلي مصر منذ مئات السنين ، ومنذ آلاف السنين ، واستقروا وتزاوجوا وبالتالي فقد يكون لك أقارب هناك ، ويكون لهم أقارب هنا ، قل هذا ، يكون في هذه المنطقة ، في عهد توحدها ، تحت راية واحـدة ، قل هذا في عهد التنقل بين ولاياتها ، بدون هذه الحـواجز ، أما أن تقول ، لك في اليابان !!
تبقى عجيبة فرد عبد الفتاح قائلا ، وماذا يعني أن يكون لي اليابان !! إنها فشرة وفي الفشر يكون لنا في كل مكان ، فتضايق منه جمرة ، وقد نجح في جذب الاهتمام ، وقال يا جماعة ، تصدقوا بالله ، فرد الجميع ونعم بالله ، ومن ينكر فينا نعمة الله التي نعيش عليها في هذه الأرض ، فأعتدل جمرة ن وقال تعتقدون أننا فشارون !! حتى رأيت فشارا قال لي أما تدري قلت له ماذا قال ، لقد جاء سائح أجنبي ، وقال هذه الآثار ، من أهـرامات وأبي الهول والأقصر وطريق الكباس وأبي سمبل ورمسيس وكل هذه الآثار ليست مصرية فتعجبت وقلت له هذه الآثار إلي عمرها خمسة ألاف سنة أو ستة آلاف ، أو أكثر أو أقل ليست مصرية فرد السائح قائلا نعم يا حبيبي ، لقد سمعت أنها من أصل أجنبي ، فقلت له ، وهل تأخذ علي السماع يا حبيبي ، قال نعم ، لقد هاجرت من أمريكا واستقرت في مصر منذ هذا التاريخ ، قلت له ولكن أمريكا عمرها لا يتعدى الأربعمائة سنة أو أكثر قليلا ونستطيع أن نثبت ذلك كما تعرفون وكما قال د. أحمد ذكي ، في مجلته فقال ومن هو أحمد ذكي ؟! قلت له عالم مصري كبير ، قال وماذا يا خبيبي ، قلت له ، قال أن " مادة الكربون 14" نستطيع عن طريقها ، أن نقيس عمر الآثار ، حيث أن الإشعاع يفقد قوته ، علي مرور السنين ، ويكفي قطعة قصيرة لنحدد عمر أي اثر ، ويتم قياس نسبة الفقد ، لنحدد عمرها ، فقال (موسى معقول خبيبي ) لقد قال لي رجل يطمئن إليه قلت له من ؟! قال ( أبو لهة ) !! قلت لعلك تقصد ( أبو لمعة ) قلت له ولكن أبا لمعة هذا صناعة مصرية ، أبا عن جد الجد ، قال اسمه ( أبو لهمة ) كيف يكون مصريا قلت ليس المهم ، وماذا قال لك أيضا هل كان مثلا يا خبيبي ، في حجرة نوم ، أبو خوفو ، وأم خوفوا ، أثناء وضع بذرته ، أم ماذا ؟! قال لا يا خبيبي ، لقد قال ، لقد ساعدهم ، علي ركوب المركب ، عندما هاجروا من أمريكا إلي مصر !! وصدقت يا خواجة ، فقال لقد قال لي ذلك ، فقلت له كلامك صح يا خواجة ن ولم أتركه معلقا ، وقلت له ، أنت ويا بلدك ، هي التقدم ، كيف تصدق كلام رجل عمره أقل من المائة عام ، فقلت له ، كلامك صح يا خواجة ، ولم أتركه معلقا ، وقلت أنت ويا بلدك ، هي التقدم ، كيف تصدق كلام رجل عمره أقل من المائة عام ، يقول لك ، أنه ساعد عائلة خوفو وشركاه ، في الهجرة إلي مصر ، منذ آلاف السنين ، فقال الخواجة ، والله شىء مشى معول !! بس هو قال كده فقلت له ، لعله باع لك الترام يا خواجة !! فقال يبيع الترام ؟! ماذا تقصد قلت له ، لا أقصد شيئا !! وتركته ومضيت ، فمن هو الأفشر فينا ، فرد عرفان إن الفشر نوع من المبالغة المقصود بها ، الإضحاك عن طريق ذكر غرائب الأفعال ، والأرقام ولكن هناك نوع من قلب الحقائق المغرض ترى من يقوم بهذا ن لا يهدف إلا أن ينفث سمومه ، داخل المجتمع لكي يفتت صلب هذا المجتمع ، بحيث يشكك الناس جميعا في أصولها ، وذلك لكي يخرجهم من مصريتهم ن فيستطيع أن يقلب الناس عليهم وعلي حقوقهم كمصريين ، وهناك من يلجأ إلي تشكيك الناس في أصول فرد ، بفرض أن يحط من قدره ، أمام الناس ، و يشتت من جهد هذا الإنسان ، في القيام بحقه وبواجبه ، تجاه وطنه وكل ما يقومون به ، قائم علي السماع ، وقديما كانت هناك مسرحية ليسوف وهبي تحكي مثل هذا ، علي ما أتذكر " بيومي أفندي " وملخصها أن شابا يرفض زواج أخته من شاب ناجح ، علي أساس أنه يعتقد أنه ( ابن غير شرعي ) وأخذ يرفض بعنف وبشدة ، حتى أثار أصعاب أبيه في المسرحية (يوسف وهبى ) فقال له ، أتغيب هذا الشاب الممتاز ، وأنت مثل ما تدعي عليه ، وإسأل أمك !! قالها يوسف وهبي في لحظة انفعال ، وبهت الشاب ، ولم يعد يفعل ما يقوله ، في حق هذا الشاب الممتاز ، وعلي هذا فكل من يتهم إنسانا ، في مصريته ، أو في عرضه ، عليه أن يفكر فقد يكون ما يقوله ، علي غير محرر وسماع لا أساس له من الصحة ، وقد يكون هذا الفعل أو ذاك ينطبق عليه هو ذاته وقد يصبح مؤلما ، إذا صدر هذا من كاتب ، أو ناقد أو معلم أو موجه ، أو مسئول ذلك يعني أنه لا يعرف أن يحترم موقعه أيا كان في الكتابة أو الصحافة ، أو المركز الاجتماعي أو المركز الحكومي.
فقال السنباري ، لقد بدأنا الجلسة عن صورة عرفان وأراد البعض أن يكرمه فرفعه إلي مشاهير العالم ولكن اعترض البعض علي أساس أن العالم ينظر إليهم علي أنه ضربوا بلادهم ، وخربوا العالم فقال مظلوم ، وهو يوزع عليهم أكواب الشاي ، للمرة السادسة منذ ان دخلوا ورائحة الدخان المتصاعدة تملأ المكان ، ولا يشعر بها إلا من يدخل من الباب ، ولكن يا عم السنباري يا عمدة البلد ، وتصدق الكلام أن هؤلاء كانوا مجرمين حرب قال نحن تصدق ، ما تقوله الصحف وما تقوله الحكومة ، وما تقوله الكتب ، وما يقوله السياسون ، فضحك مظلوم وقال ، وماذا تسمى الحروب ، التي يموت فيها العرب والمسلمون بالآلاف بسلاح فقال واحد أو قنبلة ثقيلة من طائرة ، أتسميه إنسانية ؟! أتعرف من قال هذا الكلام ؟! قال السنباري من قلتهم ، ومن حددتهم ، فقال مظلوم ، لا ليس هؤلاء يا سيدي هؤلاء سمعوا وأشاعوا عن إيمان وعن حقيقة ، إن من قال هذا هم المنتصرون ، في الحرب العالمية الثانية ، وفرضوا شروطهم ، وقسموا العالم ، وخاصة ألمانيا ، بما تملكه من عظمه ونبوغ شعبها ، وقسموا أيضا علمائها ، مجموعة لأمريكا ، ومجموعة لروسيا ، ومجموعة تفرقت هنا وهناك ، ولكن إذا كان كلامهم حقيقي فلماذا يقتلون الشعوب المغلوبة علي أمرها ، بما يملكون من أسلحة جبارة ، لا يقدر عليها ، إلا الكبار ، ولماذا يملأون العالم حروبا ، هم صانعوا ومثيرها ، وإن كانوا من خلف القفاز ، يا سيدي أليسوا يقلدون ، هؤلاء القدامى ، المنبوذون ، من التاريخ نعم معك ، إنهم يحترمون الإنسان في بلادهم ، ويعطونه الحرية الكاملة ، في الغرب وفي الشرق أحيانا ، ولكنهم لا يحترمون آلاف الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ، حينما تدكهم القنابل الثقيلة ، وهم بدون سلاح أو بسلاح خفيف لا يغني ولا يشبع من جوع ماذا تسمى هذا يا سيدي ، إن الحقائق دائما مقلوبة ، نعم السلام جميل ، ولكن الأجمل يا سيدي أن يكون من منطق التكافؤ ، وليس من منطق لي الذراع ، والأجمل من كل هذا أن أحضر لك فنجانا من القهوة المضبوطة ، فتعالت الأصوات ، وقالت ونحن مزيدا من القهوة ، يا حكيم الزمان ، يا مظلوم ، ولا تنس نار الدخان.

*خرج مظلوم ، وقال سالم الكل مثقف ، ويرتدون عباءة السذاجة ، فرد الجميع لقد خرج من كم عرفان ، كما خرجنا ، فابتسم عرفان وقال أخجلتم تواضعنا ، وقال له عبد الفتاح ولكن لي ملاحظة وأرجو ألا تغضب مني ، فقال له ، هات ما عندك ، لقد طلقنا الغضب منذ زمان ، فقال عبد الفتاح عند عندما تتحدث كأنك أحـد الأئمة الأربعة ، ذلك في الدين ، ومثل هذا في فروع الحياة الأخرى ، ومنها الحب والمرأة ، وغير ذلك من الفعال ، وقد تضحك وتشرب ، وكل هذه متناقضات ، فقال عرفان ، هذا ليس بسؤال جديد ، لقد سألت حلمي من قبل ، وردى بسيط ، أن الإنسان مجموعة من الصراعات ، التي تحاول أن توازن بينها ثم أنني ليست رجل دين ، حتى تحاسبني ، علي أفعال كرجال دين ، لقد خلق له رجالاته ، وهذه نقطة مهمة ، وإذا تكلمت في أي ناحية من هذه أو تلك ، فهو مجرد رأي لواحد ، يعتقد أنه يملك من الثقافة والمعرفة أن يقول رأيه ولكن يا سيدي ، لا تحجر لي ، وأن تضفني كرجل دين ، وهو شرف لا أدعيه ،  وتحاسبني علي هذا الأساس ، وإذا تكلمنا ، في أي مفهوم عن العدالة يقول آخر هذا الرجل شيوعي ، وتلصق علي خطابي ، دفعة الشيوعية ، رغم أن العدالة مثلا مطلوبة في كل الاتجاهات الفكرية ، ويحث عليها الدين أيضا ، وإذا تكلمت عن التقدم الغربي يقولون هذا الرجل يخلع ثوب أجـداده ، ويلبث ثوب التحرر وإذا تحدثت عن جانب من جوانب الأمن في المجتمع ، وكم هو كثير قيل أن هذا الرجل ، جاسوس لهذا الجهاز ، أو ذاك رغم تحفظي الشديد والواضح علي أمن الفكر ، فالفكر ليس أمن بل كل الحرية له ، وهي الكفيلة بعمل التوازن ، وهذا رأي ومعروف علنا وهمسا وكتابة وإذا دافعت عن بلد عربي ، في موقف قالوا هذا الرجل ، محسوب عليهم ، ويقبض منهم ، وله رصيد في الخارج ، وهكذا ولو أنصف الناس لاستراح القاضي فكل هذا لا نستطيع أن ترد عليه ، رغم أن الإنسان الذي يتعرض لهذا قد يكون هو أول ضحية ، لهذه الأجهـزة وقد يكون ضحية لهذه البلدة أو تلك ، وعليكم أن تصدقوا أنني أعرف إنسانا ، شخص في بلد غني ، بمعنى أنه عاش علي حد الكفاف ، ولم يشحذ بالمفهوم المعروف وكان يمكن أن يملك الكثير ، وألصقوا به نفس ما ألصق بي ، فقال سالم ، ولماذا أنت بالذات أو هذا الإنسان بذاته ، إن هذا يعني واستمع لي ليس هناك نار بلا دخان ، فقال عرفان نعم ليس هناك نار بلا دخان ، أو العكس ولكن لماذا يؤخذ المثل ، علي المدعي عليه ، لماذا لا يكون المدعي هو الذي فعل النار ، وهو الذي أوجد الدخان ، ولكنه أغمى عيون الناس ، وحول الاتهام إلي ناحيـة أخـرى ، لتصيب إنسانا بريئا ، وقد يكون الدخان المخفي ، حقـد أو محاولة استقطاب ، من هذا أو ذاك ، فلما يرفض صاحبنا يصبح هو كل هذا السوء ، ولما يرفض أن ينطوي في الداخل أو الخارج ، يصبح مشوها ، فالتقارير تصدق ، من دولة إلي أخـرى ، ومن عيون إلي أخـرى ، وتصبح حقيقة مؤكدة ، لدة من تصله حتى يأتي يوم تظهر فيه الحقيقة ، أنني لا أتحدث عن نفسي وإنما أتحدث عن مثل هؤلاء الأبرياء ، ولما ينكشف حالهم ،  يحاولون تبرأه صاحبنا ، فيدعون أنه كان بطلا ، وأنه كاد أن ينغمس في الخيانة ، لولا يقظتهم وفطنتهم ، أنهم يرجعون الأمور كلها إليهم ، فهم الذين يحكمون علي الناس بالخيانة ، وهم الذين يحكمون علي الناس بالخيانة  وهم الذين علي الناس بالبراءة ، وهم الذين ينقذون الناس من الخيانة ، وتصدق يا سيدي ، أنه قد تكون حالات نادرة ، ينطبق عليها وصف الخيانة ، إلا أن الحالات الأكثر لم تكن العملية أكثر من فرقعة في الهواء ، لمجرد إرجاع كل الأمـور إليهم ، وقد يكون سبب تخوينك سببا سيئا ، هو أنك رفضت أن تكون مطية لكل من هب ودب ، ليرتفع علي أكتافك ، ثم قل بالله عليك ، كيف يحاسب البعض السىء ، وليس الكل ، كيف يحاسبون الشرفاء ، والذين يعلمون أنهم شرفاء ، إنها مشكلة عويصة يا سيدي ، رغم أن هذه الدنيا لم تدم لأحـد ، وقديما قيل (لو دامت لغيرك ، ما اتصلت إليك ) ولكن أحـدا لا يفهم ، أو لا يريد أن يفهم أو قد يفهم ولكن مصلحته أن لا يفهم !! وهل تعتقد يا سيدي أن هذا الشاب أو ذاك من الضحايا يستطيع أن يستمد مكانته إنهم يحاربونه في كل مكان وقد صوروا لرؤسائهم أنه شر مستطير ، وهم الأشرار حقا ، إذا كانوا بهذه العقلية ، ولو تغير الرؤساء ، في أماكنهم المختلفة ، يقول هذا الشاب أو ذاك لعل خيرا ولكن يسمع نفس الحكايات المشوهة ، ولم يحاول واحـدا أبدا ، أن يصل إلي الحقيقة ، وقد يكون عالما بالحقيقة ، إلا الجميع في لغة غير مكتوبة ، قد فرحوا بأن يكون هناك شيئا ، حتى ولو دهميا ، ليظل هذا الشاب أو ذاك ، في نفس موضوعه ( محلك سر) ، وبدون أي مبرر ، أو أي داع وكأن رجلا ترك آخر نائما وقفل عليه الباب ، ونساه ، حتى تذكر أو ذكره احـدا ، ووجد أن نوم الرجل ، راحة له ، فتناسى ذلك الرجل ، ولما اشتد الجوع واشتد العطش ، واشتدت الوحدة واشتد الحرمان بمثل هذا الرجل ، جمع قوته ، بعد صبر طويل ، وحطم باب السجن ، أقصد الغرفة ، وذهب إلي الرجـل ، فهرب من أمامه ، في خوف والناس من وراءه تشجعه ، بعدما عرفوا الحكاية ولو لم يهرب لقفز به إلي اليم لقد قيل في حديث شريف ، مـا معناه " وأن إمرأة دخلت النار في قطة ، قيل وكيف كان ذلك يا رسول الله ، قال فلا هي أطعمتها ، ولا هي فتحت لها الباب لتأكل من حشائش الأرض ".
والآن تأكد لك يا صديقي ، عبد الفتاح أنني أتحدث عن هذا أو ذاك ، برأي ما اعتقده ولكن ليس بحال أن أكون مصنفا هنا أو هناك ، أو تابعا لهذا أو ذاك ، وأن الناس ستتحدث ، في كل الأحـوال ، سواء عن صواب ، أو عن خطأ ، فقال مظلوم ، وقد دخل حاملا القهوة المضبوطة ، يا أستاذ ، فلنتحدث ، في خفيف الكلام و أبسطه وأمتعه وأمنه لماذا كل هذا ، فضحك عرفان وقال أتخاف يا مظلوم ؟ ولماذا تخاف وأنت مظلوم أصلا ، فهل ستصبح إن لم تخف ، أن تنخفض إلي مظلوم تحت الصفر !! تضحك الجميع فقال مظلوم ، الخوف ليس بطبعي ، فليس لي شيئا أخـاف عليه ، والابنة مفقودة ، منذ شغلي مع القطاوي ، ولم أخف في أي لحظة ، وفي أي وقت ولكن الجلسة طالت علي ثقل الكلام ، ونريد الآن خفيفة ، وحلوة ، كما كان يوم مباراة جمرة وعجوة ، فضحك من كان حاضرا ، هذا اليوم وضحك من لم يكن حاضرا ، بعدما سمع الحكاية ، وقال أما كانت ليلة ، لقد ضحكنا حتى انقلنا علي ظهورنا ، وضحكنا وبعد أن ذهبنا ، إلي بيوتنا وضحكنا ونحن نائمون ، ثم ضحكنا في الأيام التالية ، وكلما تذكرنا ، ضحكنا أكثر .
وقال مظلوم وهو يغير الحديث سوف تنتهي الجلسة بعد السفر عن تم يا أستاذ فقال عن جلسة الشيخ محمد ، وجلسة السنهوري ، وجلسة السنباري ، موجودين ، كل الذي تفتقدونه ، جلسة عرفان ، فقال الجميع وهل يُعقل ؟! أبـو العـرف ، إن جلستك تاج علي رؤوس الجلسات ، كلها فنحن هنا في حرية كاملة ، والحمد لله لا نأخذ منك أبيضا أو أسودا ، مقابل حضور جلستك ن بينما آخرون يدفعون ، ويكلفون حتى نذهب إلي جلساتهم ، وكنا نتمنى أن بعين لهذه الجلسة ، كابتن يقودها ومساعدون له ، فقال عرفان لا ، نحن في جلسة اجتماعية ، ولسنا في اجتماعي رسمي ، إنما نحن مجموعة من الصحبة ، نتحدث في الجـد وفي اللهو ، ونقضى وسويعات من السعادة ، لم نحلم بها من قبل ، وأردف عرفان قائلا ، يا جماعة لقد أنستنا الجلسة ، المائدة المعـدة ، فقال سالم أو ننسى الرئيسة ، في مثل هذه الجلسات ؟!! ألا وهي وجبة الطعام ، وحاتمي أنت يا أستاذ دائما ، فقال عرفان ، العفو ، وإن كنت أريدها أكثر من هذا فقال جمرة " بصلة المحب خروف " ، فقال عجوة ، لا تذكرني بالخروف ، فلم نذقه منذ العيد الماضي قام الجميع ، وقد شمورا الأكمام ، لجلباب بلدي ، أو قميص أفرنجي ، ومنهم من خلع البالطو ، ومنهم من خلع الجاكت ، وماهي إلا نصف ساعة أو أكثر ، وقد أتوا علي كل شىء فوق المائدة ، ثم غسلوا أياديهم وعادوا إلي القاعة ، وقد أرتمي كل منهم ، في جانب وأخذ ( يتكرع ) أو يسلك أسنانه ، من بقايا الطعام و من سلخات اللحم ، التي انحشرت بعود من الكبريت ، وعاد مظلوم بأكواب الشاي ، فلما انتهوا كانت المراجل البخارية في فم كل حاضر بالدور ، وكان الدخان ، يخرج من أنوفهم ، كثيفا ، أو من أفواههم ، وقالوا لعرفان ، (سفرة دائمة) ، يا بوا العرف ، فيكشرهم عرفان جميعا ولا يستطيع أن يرد علي كل فرد ، في شكره كما ألم يستطيع ، من قبل أن يرد في مناسبات ، مثل هذه الجلسة علي كل فرد يجادل لمجرد الجدل ، وهو يعلم انه مغرض في جـدله ، وكان يقين عرفان ، أنه لو أنه لو قال علي حقيقة علمية معروفة واكيدة واتفق عليها العلماء والباحثون ، فسيقول له أنها خطأ أو سيقول له آخر لا أنها مسروقة أو إذا كتب شيئا ، وكثيرا ما فعل ذلك قال أحدهم لقد نقلتها ، ويثبت لهم بالبراهين صدق ما يفعله ، ولكنهم يصمون آذانهم ، ويغلقون عيونهم ويغلقون عيونهم ، ويقفلون عقولهم ، ويكتشف عرفان أنهم مغرضون وآفة العقل ، الإغراض ويعني تغيير الأشياء ، بمعاني أخرى ليس تصحيحا المواقف وإنما للإيهام ، وللإيحاء ، بأن ما يذكره ، أو ما يقوله ، أو ما يكتبه فيه شبهة.  وقد يتجمعون جميعا في نفس واحـد ، علي هذا الإغراض ، فلا يستطيع ان يرد عليهم عرفان جميعا ، فالمسألة معروفة ، له ولهم ، ولكنهم يغرضون لهدف في نفس يعقوب ، مثل تبرير لزميل ، أو لصديق ، أو لاتجاه ولهذا أو لذاك ، وتعود عرفان أن يرد عليهم مجتمعين ، كما يشكرهم في مثل مناسبة الطعام ، مجتمعين واستمرت الجلسة علي هذا المنوال ، حكايات يشد بعضها البعض ، وذلك من كل الجالسين ، وهم في جدوهم في مرح ، وهم في هـزل وهم في حـزن ، وقد يخرج واحد منهم ، إذا لم يعجبه الكلام ، ويقول له ( فيتو ) يعني أنه معترض ، فيقولون ، له ولماذا لا تقول أنك معترض ، فيقول باسما ، عودتني الجلسة أن ارتفع بمستوى حديثي وقد أعطتني من الثقافة ، ما أزعم به أنني أستطيع أن أقول ( فيتو ) بدلا من كلمة معترض ، ويسألونه هذه الأولى فما حال الثاني ، علي أي شىء أنت ترفع إشادة الفيتو ، فيقول لهم لم يعجبني كلام هذا وكلام ذاك ، ويذكر الواقعة وأسباب اعتراضه ، وهكذا ظل السهر ، حتى آذان الوقت بالرحيل ،وقال سالم أتعرف يا أستاذ علي الشرقاوي ، ذلك الذي كانت له حكايات ورويات منذ عهد المفقود له والدك ، فيقول عرفان ن وهي يمحي التاريخ ، إنه من الكفر فيرد سالم ، سبحان الله ، إن الله من الأحفـاد في التعليم الجامعي والفني والعالي ، قد نالوا الشهادات ن وشقوا طريقهم في أعمال الحكومة المختلفة وبعضهم الآن في مراكز محترمة وبعضهم قد توجه للعمل بالخارج ، وقد صاروا رجالا ناضجين ، وأقول سبحان الله ، مرة أخـرى وأتعجب أن يخلق من هذا المجرم "أعضاء صالحون في المجتمع " ، فيرد عرفان وماذا في هذا يا سيدي ، وهل يورث الإجـرام ؟! لا يا سيدي بل أن علي الشرقاوي نفسه ، كان ظاهرة غريبة ، لقد كان يحبه الناس ، رغم إجرامه ، ثم أن الظروف الحياتية ، هي التي تنمى هذه الظاهرة ، وكل يوم ترى فيع عجيب وغريب بمناظرنا ولكنه عادي بمنظار الحياة وطبيعة وجودها ، ووجودنا عليها إنها أسباب عليا ، فوق طاقتنا فرد سالم قائلا ، إنما أردت أن أحيط مجلسنا ، بهذا ، فرد مظلوم ، لقد سمعت  عنه وسمعت عنهم والكل يعرف ذلك فقال سالم ، أتقفون لي علي الواحـدة ، إذن سلام عليكم فإني ذاهب ن فقالوا جميعا لا تغضب ، فما تعودنا بيننا هذا ، ثم أننا ذاهبون معك ، فلقد حان برحيلنا ، فلا تأخذها ، حجة لذهابك ، وأنت تعلم أننا كلنا ، كنا علي أهبة الرحيل ، وتحركوا نحو الأرض يأخذون من أمام الباب ، نعالهم المختلفة ويسلمون وينزلون السلم ، وهم هادئون ، ولكنهم يتذكرون ( مستر فيتو ) ، فيضحكون ، ثم يقولون ن والله ستذهب هذه الأيام ، ولن يجود بها الزمان ، مرة أخرى ، وبينما عرفان أعلى السلام يقول لهم " اليوم خمر ، وعـد أمـر " ، فأنتم تضحكون الآن ، وفي المنزل بعد قليل ، ستكبون من حكوماتكم ، أقصد نسائكم ، حينما يقابلونكم ، بكل منقوع الكلام ، الساخر فيضحكون ويقولون ، أخذنا عليها يا أستاذ ، وهل نجني العسل ، من هذه السهرات ، دون أن نتعرض لإبر النحل ، فيضحك عرفان ويدخل وليأخذ جدوله تماما وقد نسى حتى حدد يوم من ؟ حينما عاد إلي الدفتر ، الخاص وقد سجل به أيضا وهو ينادي روح الحياة ويقول هلم بنا ن يا حرمنا المصون فاليوم يومك ، فنقول له انظر هذا هو الجدول فيرى أنه كله مكتوبا ، فيه عفارم ، وينظر في جـدول روح الحياة ، فيرى كله مكتوبا فيه روح الحياة ، فيقول لعن الله المدينة  و الريف أنكما تزوران في الجـدول ، لا أنت ولا هي سأنام في غرفة المكتب ويتركهم ويذهب إلي مكان نومه ، ومظلوم قد ذهب والأولاد فذهبوا والنساء يضحكن ويقلن (لا طال العنب ولا بلح الشام ) ، وطلع نبئنا علي شونه ،  فلا أنا كنت ولا أنت كنت ثم يضحكان مرة أخـرى ويقلن ، جـدول إيه وبتاع إيه ، وقد أنهى دروسه ، منذ زمن بعيد !! ويذهبن إلي غرفة نومها.

*انتهت الامتحانات وظهرت نتيجة الأولاد ، ناجحون بإذن الله ، فليس هناك عطيفة علام أخرى وكان المدرسون علي قدر كبير من الكفاءة ، ومن الخلق ، ومن حب المهنة ، وحب التلاميذ وحب التلاميذ لهم ، وكان اعتقاده ، أن الشاذ القليل من هذا السلك وفي هذا السلك لا يخدش القاعدة العريضة ، من رجال العلم والتعليم ، وقد بارك للأولاد ، بمثل ما طابت نفسه ، لما حصلوا عليه من تقديرات عالية ن فجدير وغدير ، قد حصلا علي الشهاة الإعـدادية ، بتقدير عال ، وانتقلت ميرفت إلي الشهادة الإعـدادية ( الصف الثالث ) ، وأماناني ، فانتقلت إلي الصف الثاني ، هذا عن أولاد روح الحياة ، وأما أولاد عفارم ، فقد انتقل نسيم ونجـوى إلي الشهادة الإعـدادية ، وانتقلت نـدى إلي الصف الأول الإعـدادي ، ونرجس إلي شهادة القبول ( الصف السادس ) ونعيمة إلي الصف الخامس الابتدائي ، وقد أقام لهم والدهم ، حفلة كبيرة بمناسبة النجاح حضرها النخبة من أصدقائهم منهم كاميليا هشام ، ابنة المأمور ، وكانت منقولة إلي الصف الأول الثاني ومنهم جانيت لبيب وكانت منقولة إلي الصف الثالث الإعـدادي وكذلك زملاء جدير وغدير ، صلاح كمال وسمير عناني ، وعبد الله أحمـد ، وعدد كبير من الأقارب والجيران ، وقد أحضرا الكبار ، هدايا للصغار الناجحين ، وأطفأ واشمعا ، بعدد الأطفال النجاحيني وقطعوا بيد واحدة ، وهي ايادي الأطفال ، وقد تجمعت فوق بعضها البعض ، وبسكين حادة " التورتة الكبيرة " ، وقد كتب عليها ( ناجحون دائما ، وكل عام بإذن الله ) ، ثم أخذ الأطفال والكبار منهم يلعبون ، بينما انسحب الكبار في أحاديث خاصة والسيدات في أحاديثهن التي لا تنتهي ، كان اليوم يوما كاملا ، للأطفال ويوما كاملا لعلائلاتهم ، وبينما هم علي هذا الحال ، من الفرح والإنشراح ، جاء رجل بالباب ، كان عامل البرق والهاتف ، وهو يحمل رسالة تلغرافية ، خصوصي الأستاذ عرفان ، مسلمها لمظلوم ، ووقع بالاستلام وأخذها مسرعا إلي سيدة وقال له ، لعله خير يا أستاذ ، فقال عرفان ، خير بإذن الله ، وفتح التلغراف ، فإذا هو " أحضر ، قبل إلتماسك ، وصدر القرار الجمهوري بتعيينكم ، مديرا عاما للشركة التجارية " ، لم يصدق  عرفان نفسه أعاد قراءة البرقية ، مرة ومرتين وثلاث فلما تأكد قال لمظلوم ، انفتح عامل التلغراف ، جنيها كاملا ، وما هي إلا دقائق ، حتى سرى الخبر في أرجاء الشقة بين الرجال وبين النساء  وبين الأطفال وتحول الفرح إلي فرحين ، وأخذ الحاضرون ينهئون عرفان علي ذلك ثم انتشر الخبر بين صحبة الأمس وكل يوم ، فتقاطروا يقدم كل منهم التهنئة والتبريكات ، وسمع الشيخ الكبير بالخبر فجاء مهنئا هو الآخر وأعاد عرفان بعد إنصراف الجميع قراءة البرقية فوجدها بتوقيع برهان عبد التواب فشكر صنيع الرجل ، علنا أمام أهل المنزل ، وسرا في نفسه ، يدعو له بالتوفيق والنجاح ، وأقبل أهل المنزل وقد التفوا حوله ، فرحين ، ودموع تسقط من الخـدود ، بعد كل الذي عاناه ، من ارتفاع إلي انخفاض إلي ارتفاع ، بعد أن تعرج أم بعيد ، هذا في علم الغيب ، إلا أن مظلوم قد أخذ الرجل ، بين يديه وقال له مبروك ، هذا منى علم الغيب ، إلا أن مظلوم قد أخذ الرجل ن بين يديه وقال له مبروك ، ودموعه تسيل علي خديه ، كحبات الثلج الصغيرة ثم انحنى جانبا وأخذ يبكي في صمت وعرفان يقول له أنت معنا والرجل يقول ،  لا أقدر علي أن أترك المكان ، ولا أقدر علي تركك ، فيقول له عرفان يفعل الله ما فيه الخير ، وقال لهم عرفان الحمد لله ، جاء هذا مع أجازة المدارس ، وعلي كل حال سأذهب أولا ، لنكتشف الوضع كاملا ثم أعـود لآخذكم ، ولا داعي للقول أنكم تعودون إلي القاهرة مرة أخرى وقد كبر الصغير منكم ، عن يوم تركها وازداد الكبير عمرا وحكمة وأنت الآن صغارا وكبارا ، أقدر علي الرؤية الصحيحة ، وعلي تحمل المسئولية وأعلموا أنها مدينة غير المدينة القديمة ، الآن شوارع جديدة وزحام أكثر ومناطق جديدة وسوف أوفق إنشاء الله ، بمساعدة الأستاذ مدحت ن في الحصول علي شقة ، في المنطقة الجديدة ( مصر الجديدة ) صحيح أنها ليست مثل حي " الارستقراط " الذي كنا فيه في الزمن القديم ن ولكنها جديدة مخططة عمرانيا ، فالشوارع واسعة والأشجار ، في جزرها الوسطى ، ووسيلة المواصلات هو المترو ، وهو أسرع وأفخم ، من ( ترام الأمس ) ، واليوم يا مظلوم ، فلتعد حقيبة السفر ، ولا داعي لعقد الجلسة اليوم ، فسوف أسافر هذا المساء ، لأصل القاهرة ، لأكـون عند الصباح الباكر علي أعتـاب مرحلة جديدة لي ولكم ، فقال مظلوم ، ما تأمر به ينفذ ، وقام عرفان بالاغتسال ، وارتدى ملابسه ، وحمل الحقيبة مظلوم ، واستدعى حنطور علاء الشريف وساقه علاء ، حتى الطريق الرئيسي ثم أوقف عرفان ، احدي العربات المتجهة إلي القاهرة رأسا ، وكان تعب اليوم ، من حفل الصغار ، ومن مفاجأة البرقية ، ما جعله نائما ، حتى وصلت العربة ، إلي مدخل القاهرة في شبرا فنزل عرفان ، وحمل حقائبه ، حقيبة الملابس ، وحقيبة الأوراق ، وحقيبة يد صغيرة واتجه إلي بنسيون ( ريشمونت ) ، فطرق الباب ففتحت له تيرانا ، وسألها عن صاحبة البنسيون ، فقالت يرحمها الله الآن أنا الصاحبة ، يا عزيز الحياة ويا رفيق الدرب ويا رمزا الليالي الجميلة ، فقال لها لا تكثري من الصفات فقد تؤدي إلي الملل فقالت له ، وقد تؤدي إلي أن تعيد لك ذكريات الأمس الجميلة ، فابتسم قائلا وهل يود الإنسان ، إلا كل شىء جميل كم مضى علينا من سنوات ركامها عبث بكل شىء في أجسادنا وفي عقولنا وفي حياتنا فقالت له ، وهل تفضل الخمور إلا بتعتيقها ، الزمن الطويل ، واليس القول ( الدهـن في التناقي ) فقال مازلت أنت يا تيرانا ، لم تغيرك الأيام والليالي ، ولاحق الخريف من ربيعك شيئا ، وهي تضحك ليس إلا قليلا من الشحم والتجاعيد ، ولكن هل تظل الأضواء لها سحرها ، أليست قتامة الصورة لها حبها أيضا فقال لها مزيج الضوء والقتامة ، يعطي جمالا فوق جمال  فقالت له وهل أنا إلا هذا الخليط ، فابتسم لها ، والآن مفتاح حجرتي ، مسلمته ، مفتاح احدي الحجرات ، وأحضرت ملاءات جديدة ، وأكياسا جديدة للمخدات ، وقامت بإنارة الحجرة وبدلت له كل شىء ،  وهو لا ينفعك يقول لها ، بديع جميل ، منظمة ، أنت في كل شىء ، الحجرة كأنها في فندق عشر نجوم !! والورود ، تعطيها شكل البستان الجميل وأنت تلك الشجرة العتيقة ، التي ترمى بجمالها الهادىء علي مدخل البستان ، فشكرته علي حسن غزلة البرىء ، ولسمت وجهه ، لمسة حانية وقلبته في خديه ، قائله له ، هل تريد مزيدا من البطاطين فشكرها وطلب منها أن توقظه مبكرا ، وخرجت وقفلت الباب وراءها . غير عرفان ملابسه ، ولم يعد يفكر إلا في الغـد ، ولم تعـد هذه الأحاسيس تثيره ، ما دام فكرة مشغولا بما هو أهم ، وكل ما فعله أن قـرأ سورة الكوثر وراح في نوم عميق.
في الصباح الباكر ، أيقظته تيرانا ، وأعـدت له الإفطـار ، وكوبا كبيرا من الشاي ن وقال لها هل يمكن أن استخدم ( تليفونك ) ، فقالت له وهل تعودت معي الاستئنذان ، يا عرفان بك ، فقال لها ، ذهبت أيام البكوية ، يا تيرانا فقالت له ، وهل انتهت حياتنا الماضية إنها تظل معنا العمر كله ، بحلوها ومرها ، قد نمشي مع الجديد ، ولكن يربطنا بالمضي سلاسل وأوتاد ، من الصعب أن نكسرها ، أو نفلت منها فقال لها معك حق ، ودائما أنت علي حق ثم رفع سماعة التليفون ، وأدار القرص ، 3 ، 2 ، 8 ، 4 ، 1 ، 1 ، 1 وسمع الجرس يدق علي الناحية الأخـرى ، بينما عيناه ، تلمح على منضدة صغيرة بجوار جلسته ، كتاب صغير ، عنوانه ( الأمير والولد الفقير ) ، وتحتها عنوان فرعي ( الغني والفقير ) ، رواية لمارك توين ، ترجمة وتمصير ، عبد المجيد العدل ، فاستوقفته الرواية قليلا فأخذ يقلب صفحاتها بيد واليد الأخـرى ، تمسك بالتليفون ، دون رد ، وحاول مرة وثانية حتى سمع علي الطرف الآخر ردا من ؟! عمو عرفان ؟! .. أنا حرية .. إزيك .. إزي بابا ... حاضر ... مبروك يا عمو .. الله يبارك فيكي ... ثم سمع صوت برهان ، وقال له ، " حمد لله علي السلامة .. جت امته .. إمبارح بالليل ...  وإزي البلد .. الكل بيسلم عليك .. ومظلوم أيضا ... طيب تجيللي البيت ؟ ولا أقولك .. نتقابل في الجرنان .. الساعة 10 .. ماشي .. سلام ... سلامات يا حبيبي ... وضع عرفان التليفون ... وقالت له .. تيرانا .. مع من كنت تتحدث ، فذكر لها ، أنه برهان عبد التواب ، الصحفي المعروف ، فقالت أقرأ له .. ويعجبني ولكن ليس في كل الأحـوال .. ثم قال لها ، أتقرأين هذه الرواية فقالت .. مارك توين .. أنه الكاتب الأمريكي الساخر .. وقد ترجمها وأعـدها في شكل حكايات تمثيلية .. عبد المجيد العـدل .. انظر إلي تمثيلية "الديك الرومي" وهذه أيضا .. إنت ميـن .. وهذه الولد الفقير والولد الغني .. وهذه تبادل الأماكن .. كلها مشوقة .. فقال لها .. أنه كاتب له جهد كبير .. ثم قال لها.. سوف أذهـب للقاء .. برهان .. وأعـود لأقضي الليلة .. ثم أرى هل سأستمر ليوم آخـر أم لا .. فقالت له تيرانا .. البنسيون ملك يا أستاذ .. فشكرها ، ونفحها الأجرة مضاعفة .. وتركها ، وهي تدير الإفطار ... أو سداد ما عليهم من أجـرة .. تدير حركة الصباح .. وكم هي مكثفة في الجهـد وفي العمل .. حيث الجميع في طريقهم إلي أعمالهم ولي ما جاءوا من أجله ..

*انطلق عرفان ، في طريقه إلي اللقاء مع برهان وكانت المسافة بين البنسيون ، ومقر الجريدة ، قصيرة ، تبلغ حوالي الكيلو متر ، ولكنها في شوارع القاهرة ، تعد بمسافة "متر واحد أو متران " نظرا للمناظر المختلفة ، التي تقلل من الشعـور بالمسافة ، وعرج علي أحـد بائعي الصحف ، فاستعرض الصحف المختلفة ، أجنبيه وعربية ، واختار بض العربية ن ومنها صحيفة العهد الجديد ، كانت الساعة حوالي التاسعة ، ودخل المقهي الذي يطلق عليه مقهى الصحافة ، وهناك من يطلق عليه مقهى الصحافة ، وهناك من يطلق عليه مقهى الصحافيين ، وجلس علي أقـرب كرسى ، وطلب شايا ، وشيشقة ، وأخذ يمارس القراءة ، وهو يشد في خرطوم طويل ، ذي مبسم ، دخانة المفضل ، حينما يأتي إلي القاهرة ، وهو "التمباك" وكانت رائحة التمباك ، ذات رائحة جميلة بعكس المعسل ، الذي ليس له رائحة ، وكان الحجر مصنوعا من أوراق التمباك المخروطية ، فوق حجر  من فخار ، وظل هكذا تشده صورة هناك من يطلق عليه ، مقهى الصحافيين ، وجلس علي أقرب كرسي وطلب شابا وشيشة وأخذ يمارس القراءة وهو يشد في خرطوم طويل ، ذي مبسم ، دخانه المفضل ، حينما يأتي إلي القاهرة ، وهو " التمباك " وكانت رائحة التمباك ، ذات رائحة جميلة بعكس المعسل ، الذي ليس له رائحة وكان الحجر مصنوعات من أوراق التمباك المخروطية ، فوق حجر من فخار ، وظل هكذا تشده صورة هنا أو هناك ، أو رسم كاريكاتوري لاذع ، أو موضوع حيوي ، وشده ضمن ما شده تحقيق مصور عن حياة الملكية إليزابيث ، ملكة بريطانيا ، وعائلتها الملكية ، وشدة ايضا خبرا ، من نوزلانده ، أن أحـد العلماء ، اكتشف أن لعاب لسان البقرة يشفي من الصلع ، ثم انتقل إلي نتائج مباريات الأهلـى والزمالك ، والسكة الحديد والترسانة ، وبينما هو علي هذا الحال لمح برهان ، وهو يهم بالنزول من سيادته فقام من مقعده ، ونادى عليه ، فقفل سيارته ، وأخـذه بالأحضان ثم صحبه معه إلي مكتبه بالجريدة ، جلس عرفان في مكتب برهان عبد التواب ، وطلب له مشروب برتقال ، وسأله برهان ، عن أحوال البلدة فقال له لا تنسى أفضالك وإن كان لهم شكوى قال له ما هي قال هناك إشاعة ، أن المشاريع التي كانت مقررة للبلدة ، عقب الانتخابات السابقة ، قد ألغيت قال له مثل ماذا ، قال يقولون مشروع السنترال ، ومشروع تجديد شبكة الكهرباء ، وميزانية تشغيل محطة المجاري ، وغير ذلك من الأمـور ، قال له لا تصدق مثل هذه الإشعاعات ومادامت قد قـررت ، فسوف تنفذ وزيادة في الاطمئنان ، فسوف أتحدث مع المسئولين في ذلك ، وأضاف عرفان قائلا ، ثم أنه يا سيدي وحدات الإسكان الشعبية تقرر للمـدن فقط ، دون الريف ، وكان سكان الريف ليس لديهم مشكلة إسكان ، فوعت بإثارة المشكلة أيضا ، وقال له اعتقد أن الحكومة تهتم بالريف مثل اهتمامها بالمـدن ، والسرو مدينة ، حتى ولد أطلق عليها اسم قرية ، تتأكد من هذا يا صديقي العزيز ، ثم انتقل معه إلي موضوعه فسحب عرفان ، درج مكتبه ، وأخـره له صورة من القرار الجمهوري وأعطاه إياه وقال له تذهب إلي الشركة وعنوانها بشارع 26يوليو بجوار دار القضاء العالي ، وتقدم هذا للسيد رئيس مجلس الإدارة ، اللواء إبراهيم رياض ، وسوف يتم استلامك العمل ، فشكره عرفان وقال له ، وهل دبرت سكنا لأسرتك ، فقال له هذه بسيطة ، فالأستاذ مدحت صديق لنا ، وسوف يقوم باللازم ، فرد برهان سوف تتصل بي بعد استقرارك ، وسوف أعرض لمشاكل البلدة ، بالطريقة المباشرة ، أولا فإذا لم نصل إلي نتيجة فسوف أنشر عنها فليس من المعقول ، أن تهمل مصالح بلدة ، لمواقفها في الانتخابات ، ثم أنه يا أخي كان هناك بعض الأنصار لهم ، حتى ولو كان عددهم قليلا ، هذا يعكس حرية الرأي فقال له عرفان ، أنني قلت له ما يخالج شعور الناس ، وإحساسهم ، أولا لأنها بلدي وبلدك ، وثانيا أنني مثل الكاتب إحسان عبد القدوس ، في الشارع السياسي أتفرج وأتأمل وأقول ولا يعني سلبية بأية حال ، وإنما هي الإيجابية كل الإيجابية ، فقال برهان أعـرف ذلك وأكثر وليتك كنت معنا كاتبا فشكره عرفان ، علي وعـد بلقاء ، ولقاءات وقد صار في مدينة واحـدة.
انطلق عرفان يحمل صورة القرار ، إلي مقر الشركة ،ودخل إلي مكتب السيد اللواء رئيس مجلس الإدارة فقابلته سكرتيرته ، نهاد جريس ، وقالت له قليلا يا أستاذ عرفان ، حتى ينتهي من ضيوفه ، مجموعة من رجال الأعمال الأجانب ، وأمـرت له بمشروب ، فطلب فنجانا من القهوة ، ولما كاد أن يشرب آخر جرعة منه حق دق الجرس أمام السكرتيرة فدخلت وبيدها مذكرة ملاحظات ، وما هي إلا دقائق ، حتى خرج الوفـد وبرفقته مندوب العلاقات العامة بالشركة سويلم نصار فأوصلتهم السكرتيرة ، حتى خارج مكتبها وعـادت إلي عرفان وقالت له إبراهيم باشا في انتظارك فقال عرفان ، وهندم من نفسه قليلا ، وكان لبسه بسيطا ولكنه أنيقا في مظهره ، ودق عرفان الباب ثم فتحه ، ودخل فقام الرجل ، من علي مكتبه ورحب به وقال له عرفان لقد تشرفت بمقابلتكم يا باشا ، وانتقلا إلي طاولة الاجتماعات ، وقال له مبروك التعيين ، وسوف تكون اختصاصتك إدارة شئون المصدرين والمستوردين ، (قطاع عام – قطاع خاص ) ، فشكره عرفان وانتقلا إلي موضوعات شخصية ، فسأله عن بلده ، وعن أقـاربه وقال له أنني أعـرف اللواء خير الدين فقد خدم هو وأخـى مختار في البوليس وكان يأتي إلي منزلنا ، في القاهرة وكنت أقابله ، في أجازاتي قبل أن أترك الخدمة في الجيش ن فكان هذا التعارف مدخلا ، لتوثيق العلاقات وأخـذ كل منهما يسأل عن الآخر قال له لا تصدق ، مثل هذه الإشاعات ومادامت قد قررت ، فسوف تنفذ وزيادة في الاطمئنان فسوف أتحدث مع المسئولين في ذلك وأضاف عرفان قائلا ، ثم أنه يا سيدي ، وحدات الإسكان الشعبية تقرر المـدن فقط دون الريف وكأن سكان الريف ليس لديهم ، مشكلة إسكان فوعده بإثارة المشكلة أيضا ، وقال له اعتقد أن الحكومة تهتم بالريف مثل اهتمامها بالمدن والسرو مدينة حتى ولد أطلق عليها اسم قرية ، فتأكد من هذا ، يا صديق العزيز ، ثم انتقل معه إلي موضوعه فسحب  عرفان درج مكتبه ، وأخرج له صورة من القرار الجمهوري وأعطاه إياه وقال له تذهب إلي الشركة وعنوانها بشاعر 26 يوليو ، بجوار دار القضاء العالي وتقدم هذا للسيد رئيس مجلس الإدارة ، اللواء إبراهيم رياض ، وسوف يتم استلامك العمل ، فشكره عرفان وقال له ، وهل دبرت سكنا لأسرتك ، فقال له ، هذه بسيطة فالأستاذ ، مدحت صديق لنا ، وسوف يقوم باللازم ، فرد برهان سوف تتصل بي بعد استقرارك ، وسوف أعرض لمشاكل البلدة ، بالطريق المباشرة أولا ، فإذا لم نصل إلي نتيجة ، فسوف أنشر عنها فليس من المعـقول أن تهمل مصالح بلدة ، لمواقفها في الانتخابات ، ثم أنه يا أخي كان هناك بعض الأنصار لهم ، حتى ولو كان عددهم قليلا ، وهذا يعكس حرية الرأي فقال له عرفان أنني قلت لك ما يخالج شعور الناس ، وإحساسهم ، أولا لأنها بلدي وبلدك وثانيا ، أنني مثل الكاتب إحسان عبد القدوس ، في الشارع السياسي ، أتفرج وأتأمل وأقول ولا يعني سلبية باية حال وإنما هي الإيجابية كل الإيجابية ، فقال برهان أعرف ذلك وأكثر وليتك كنت معنا كاتبا فشكره عرفان علي وعد بلقاء أو لقاءات وقد صار في مدينة واحدة.
انطلق عرفان يحمل صورة القرار إلي مقر الشركة ودخل إلي مكتب السيد اللواء رئيس مجلس الإدارة فقابلته سكرتيرته نهاد جريس وقالت له قليلا يا أستاذ عرفان حتى ينتهي من ضيوفه مجموعة من رجال الأعمال الأجانب وأمرت له بمشروب فطلب فنجانا من القهوة ولما كاد أن يشرب آخر جرعة منه ، حتى دق الجرس ، أمام السكرتيرة ، فدخلت وبيدها مذكره ملاحظات وما هي إلا دقائق حتى خرج الوفـد وبرفقته مندوب العلاقات العامة بالشركة سويلم نصار فأوصلتهم السكرتيرة حتى خرج الوفد وبرفقته مندوب العلاقات العامة بالشركة سويلم نصار فأوصلتهم السكرتيرة ، حتى خارج مكتبها وعادت إلي عرفان وقالت له إبراهيم باشات في انتظارك فقام عرفان وهندم من نفسه قليلا ، وكان لبسه بسيطا ، ولكنه أنيعار في مظهره ، ودق عرفان الباب ثم فتحه ، ودخل فقام الرجل ، من علي مكتبه ورحب به وقال له عرفان لقد تشرفت بمقابلتكم يا باشا ، وانتقلا إلي طاولة الاجتماعات وقال له مبروك التعيين وسوف تكون اختصاصتك ، إدارة شئون المصدرين والمستوردين ، ( قطاع عام – قطاع خاص) فشكره ، عرفان وانتقلا إلي موضوعات شخصية ، فسأله عن بلده وعن أقـاربه وقال له انني أعرف اللواء خير الدين ، فقد خدم هو وأخي مختار في البوليس وكان يأتي إلي منزلنا في القاهرة ، وكنت أقابله ، في أجازاتي ، قبل أن أترك الخدمة في الجيش ، فكان هذا التعارف مدخلا لتوثيق العلاقات وأخذ كل منهما يسأل عن الآخـر ، فيليب ميخائيل ، الأستاذ / علي يوسف ، الأستاذ / محمد فريد ، الأستاذ مصطفي كامل الأستاذ سعد زغلول الأستاذ عبد العزيز فهمي ، الاستاذ حيدر زين ، الأستاذ جاد بكر ، الأستاذة ياسمين عبد الغفار ، ثم قال لهم عرفان ، تفضلوا بالجلوس ثم أشار إلي خططه وبرامجه ، والتي سيسير عليها العمل وأضاف قائلا ، انني أطلب من كل فرد منك تقريرا وافيا ، عن عمله واقتراحاته ، لتطوير العمل وطلب منهم الإنصراف لتصريف أعمالهم ، فانطلقوا فاغرين الأفواه ، لهذه البداية الجديدة وكل منهم يضرب أخماسا في أسداس ، حول شخصية المدير الجديد ، ثم طلب برهان وأبلغه بما تم ودعوه بلقاء قريب ، حينما تسمح الظروف ثم طلب مكتب مدحت ، فأخبره أحد العاملين بالمكتب أن الأستاذ في العزبة فشكره ، وطلب نمرة العزبة ، فما هي إلا نصف ساعة حتى كان مدحت موسى يرد عليه وبعد تبادل السلامات قال له أنه يعمل الآن بالشركة التجارية فقال له مدحت لقد قرأت موضوعك ، بجريدة العهد الجديد ، ودعا له بالتوفيق وذكر له مشكلته فقال له ، تحدث مع الأستاذ سعد جابر وسوف يدبر لك شقه ، في عمارتنا بمصر الجديدة ، في " حي المقاولين " فشكره عرفان ، وقال له ، وماذا عن الأرض ؟! فقال الحمد لله ، ليس هناك أي مشاكل ، وقد بدأ الإنتاج يظهر وأحضر هنا مرتين في الشهر وقد اعتمدت تماما علي الشيخ عبد العليم ، وقال له بلغه سلامي ، وسلام العائلة ، فقال له مدحت ولكنه يريد أن يذهب ، ويترك لي الجمل بما حمل ، فقال له عرفان ، إعطه أجازة شهرية وأكرمه وسوف أكلمه إذا كان قريبا منك ، فقال مدحت أنه يناقشني الآن في بعض مشاكل العمل .. تعالى يا شيخ عبد العليم كلم عرفان بك ... فتحدث معه عرفان وبلغه أن يطمئن علي الأسرة وأن يبقى مع مدحت ، علي الأقل حتى ينتهي الموسم ، فقال له الشيخ عبد العليم ، أمرك يا عرفان بك ، فقال له إذن اعطيني مدحت بك ، فتحدث معه عرفان وأبلغه أن يطمئن علي الأسرة وأن يبقى مع مدحت علي الأقل حتى ينتهي الموسم فقال له الشيخ عبد العليم ، أمرك يا عرفان بك فقال له إذن إعطيني مدحت بك ، فتحدث معه عرفان وأبلغه موافقة الشيخ ، وقال له وعبعد انتهاء الموسم ، يمكن يا سيدي أن يظل معك مساعده فكري أبو المجد فهول لا يقل عنه جهدا ولا يقل عنه أمانة فقال مدحت إنشاء الله يكون خيرا ، ثم بارك له مرة أخرى مدحت وقال له كم هي الدنيا صغيرة ، وكم هي دوارة ها أنت تعود مرة أخرى إلي القاهرة بعد دوران ما بين الصحراء والمدن والريف فقال له عرفان ولا ندري ما يخبئه المستقبل ولكن ها نحن نعيش يومنا  وصدقني أنني تقلبت كل شىء ، وفي كافة الأحـوال وشكره علي وعـد باللقاء ...
قفل عرفان الخط مع مدحت وطلب مكتبة في القاهرة مرة أخـرى ، وتحدث مع الأستاذ سعد جابر وأخبره ما أبلغه به ، مدحت وطلب مكتبه في القاهرة ، مدحت فقال له أوامره تنفذ فورا  أين ألتقى بك لأسلمك المفتاح وتنظر المكان وتنظر الشقة ، فقال له عرفان هل تتكرم ، وتأتي إلي بالعنوان التالي ، وأبلغة عنوان الشركة فقال له في عشر دقائق ، أكـون عندكم.
في الميعاد المطلوب ، كان الرجل في الشركة ، فقام عرفان ، بتقديم المشروبات المطلوبة ، وانتظر الرجل معه ، حتى قارب الدوام في العمل علي الانتهاء ، فأستأذن من إبراهيم باشا ، وخرج معه بعد أن أبلغ سكرتيرته ، سعاد بمكان وجوده ، ولم يكن في حاجة إلي ذلك ، فقد كان ميعاد العمل ، علي وشك الانتهاء ، ولكنه لم يتعود علي مواعيد رسمية ، فمواعيد العمل عنده ، مفتوحه حتى ينتهي كما تعود في حياته الحرة ، واستقل مع سعد جابر سادة (فولكس صغيرة ) ، ألمانية الصنع ، وانطلق من شارع 26 يوليو ، ثم عرج يمنا في شارع رمسيس وأوقفته إشارة المرور ، وأمامهما وخلفهما ، طابور طويلا طويلا من السيارات المختلفة ، الألوان والأشكال ، وتأمل عن يساره فوجدتا محطة الأتوبيسات مكتظة ، في منطقة دخولها وخروجها مخنوق تماما وتأمل يمينه ، فوجد مسجدا ، يقال له مسجد العنانية أي الطريق العنانية كان المسجد قديما أثريا ، وقد بدأ يتساقط ، وكان الحوار طوال هذه المدة مع سعد عن حياة عرفان ، في الريف ومن قبلها في القاهرة ، وفي الصحراء والآن يعود إليها وتذكر أثناء وقوفه في الإشارة حادثة طريفة ، حدثت له في هذا المسجد ، كان صغيرا وكان برفقه صديق ، اسمه حسين وصديق آخر ، اسمه عثمان ، ودخلوا ليصلوا كان الوقت قبل الظهيره ، ويعني ذلك صلاة الصبح ودخل هو وزميله ، فوضعوا أخديتهم في المكان المخصص لذلك ، وبعد الانتهاء من الصلاة خرجا زميلاه ، وبادر هو بالخروج وفي سرعته ليلحق بزميليه ، نسى وأخذ حذاء آخر ، وهنا شاهده رجل في المسجد وقال له توقف يا هذا ، إنك سرقت حذائي وتجمع الموجودون ، بالمسجد وقال لهم هذا الرجل سرق حذائي وأتى الزميلان ، علي هذه الضجة وقال له يا رجل هذا لا يكون وهو يصمم بالي وحذاءه جديد ، ومازال في مكانه ، ولكنه تمادى فما كان من رجل يبدوا عليه ، الطيبة وقال أنت يا ولد ، يا مكار ، ألم تفعل هذا مع الغرباء قبل الآن ، تحضر حذاءا قديما وقضعه ثم تخفى حذاء من تتوسم فيه ، البعد عن القاهرة وترى فيه طيبة الريف أو الصعيد ، ثم تقول سرق حذائي وتكون قد وضعت حذائه في مكان خفى فينفحك هذا أو ذاك مبلغا من المال ، حتى لا تصر علي الذهاب إلي القسم وقد تسرق هذا من أعطاك ، فقال الرجل ، ليس من طبعي هذا يا سيدي فقال له الرجل ، إذ هلم بنا يا سيدي سنصحبه إلي القسم ، فما كان من الرجل الولد ، إلا أن قال عفوا يا سيدي قد يكون شبيها لي ، وقد حدث خيرا علي كل حال ، وليس له قبالة الرجل ، إلا كل خير ثم أخذ حذائه القديم وخرج وخرج عرفان وزميلاه ، وهم يتذرون علي هذه الواقعة ، في حينها وكلما تذكروها ، في مجلس أو اجتماع من الأصدقاء والأحبـاب ، تذكر هذا عرفان ، وحدث به نفسه فلما ابتسم أراد أن يبرر هذا لسعـد ، فذكر له الواقعة ن فقال له سعد ، أنهم يلعبون بالبيضة والحجر ، وأظن أنني لا أنصح خبيرا عني بكل هذا ، وقد يكون اللعب ، على مستوى أكبر من هذا ، ويكون الحذاء ، صفقات كبيرة يخدع فيها من لا ينظر أسفل قدمية ، فقال له عرفان ، لقد أخذناها ، شرقا وغربا وشمالا وجنوباً ، فلن تنفع معنا أساليبهم ، ومكرهم وخداعهم ولكن الذكرى جاءت عفو الخاطر ، وفي هذه الإشارة ، كانت الإشادة قد فتحت لمن يتجهون إلي العباسية أو مصر الجديدة ، والأحباء المجاورة مثل كوبري القبة ومدينة نصر والزيتون والمطرية وغير ذلك من الأحياء والمناطق الجديدة.
وظل الحديث دائرا ، طوال المـدة ، بين عرفان وسعد وكان ينتقل الحديث من أشغال مدحت إلي أشغال عرفان إلي الوضع السياسي ، والاقتصادي والاجتماعي خلال هذه الفترة وكان الجو يوحي بالتفاؤل ولكن الغيوم الكثيرة ، كانت بادية في الأفق ، مما يعني أنها قادمة قادمة. وصلت السيارة إلي ميدان روكسي ، ثم تعدت الميدان بامتداد شريط المترو ، وبالقرب من حديقة الميري لاند ، كانت تقف عمارة شامخة ، توقفت أمامها السيارة وسلم سعد إلي عرفان ، مفتاح الشقة ثم أغلق سيادته وتأكد من هذا وانطلق إلي مدخل العمارة ، وكان مدخلا مرصعا ، بالرخام والرسومات الجميلة المنحوتة ، في الرخام فسلم علي البواب وكان رجلا في منتصف العمر ن يدعي معاذ ومعه زوجته ، فوزية وكان الرجل بحراويا ، من عزبة مدحت بك وكان لديه من الأولاد الكثير ، وعندما رآهما ، قام علي صلبه ، كألف مستقيم تتبعه زوجته وهي تحمل فوق يديها ، طفلا صغيرا ، وسلم عليهما فقال له سعد ، هذا صديق الأستاذ مدحت وقد استأجر الشقة ، بالدور الرابع ، فقال الرجل أهلا وسهلا ، شرفت يا سعادة البك ، ثم قال وأين الحقائب ، فقال له سعد فيما بعد يا عم معاذ وأسرع الرجل ، فضغط علي زر المصعد ، فهبط من الدور الرابع والثالث ، خاصة مدحت بك ، وكان كل دور يتكون من أربع شقق ، وكانت كل شقة تتعدى مساحتها الثلاثمائة متر ذلك أن هذه العمارة قام ببنائها مدحت حينما كانت هذه المنطقة مجرد مساحات جديدة ، تتناثر فيها العمارات هنا وهناك ، وبينها مسافات كبيرة من الفراغ ، وكال رمل الصحراء ، في تاريخ بناء هذه العمارة ، يهب محولات مع الهواء ، فيعمى العيون ، وغامر مدحت ، واشترى هذه المساحة الكبيرة ، التي تعدت الألفان مترا ، فأنشأ عليها هذه العمارة ، علي مساحة (1200متر تقريبا ) وأقام حولها حديقة مزروعة بأشجار الزينة ، وبالزهور وبأشجار التسلق عبر البوابة الأمامية ، وما لبثت المنطقة أن امتلأت بالمباني الحديثة ، وخفت حركة الرياح المملوءة بالرمال الرفيعة والتي تصيب العيون بالقذى ، والإحمـرار و ها هو عرفان وسعد ومعاذ يصعدون حتى الدور الرابع واتجه سعد إلي الشقة (14) وكانت شقة بحرية ، ودخل عرفان وسعد ومعـاذ ، فإذا هي واحة كبيرة بالمقارنة مع الشقق الحديثة ، ولم يكن علي باله هذا وكانت في ذهنـه أقل من هذا ولكنه وجدها في مساحة شقته القديمة ، في جاردن سيتي أو في الزمن القديم.

*انتهى عرفان وصحبة من النظر ومن الرؤية وقال لسعد ، علي بركة الله هيا بنا نعود إلي وسط البلد ، أليس طريقك ؟! فقال سعد نعـم سعد ، نعم طريقي فقام عرفان ، بقفل الشقة وهبطوا كما صعدوا وسلما علي معاذ وقال الأخير شرفتونا ، يا ريحة الحبايب مدحت بيه وقالت زوجته فوزية سلمولي عليه !! وركب عرفان بجوار سعد وقال له ، والعربة تنطق عائدة إلي طريقها وفي الطريق قال له عرفان أرجو ألا أكـون ، قد أثقلت عليك فقال سعد أبدأ يا استاذ ثم أنه عملى ثم أن أمامنا ، الذهاب إلي المكتب حيث توقع العقد فقال عرفان أشكرك علي كل حال وقال له وأين تسكن أنت ؟! فقال سعد أنني أسكن في الجيزة فقال له عرفان أين فرد قائلا في طريق الهـرم ، طريق الهرم ... طريق الهرم ... ؟ فرد الرجل لا ولكنه طريق جديد ، موازي لطريق الهرم .. فرد عرفان وهل هو طريق جـيـد ، فرد الرجل قائلا لم يزل طريقا ترابيا فهي منطقة جديدة تسمى أرض اللواء فقال له وما سبب تسميتها بهذا الإسم ، فقال كان صاحب أرض فسيمت باسمه .. ثم انتقل الحديث بينهما ، عن دور العرض السينمائي ، والمسرحي وعن برامج الراديو والتيفزيون ، وانطلقت العربة في سيرها ، مسرعة لا تجـد زحاما في طريق العـودة ، وما هي إلا نصف ساعة إلا وقد وصلت إلي المبنى الذي يشغل احدي شققه مكتب مدحت ، كان في شارع قصر النيل ، وفي الدور الأول صعدا بدون مصعد فدخلا المكتب ، وطلب سعد من السكرتيرة ليلى درويش تحضير نسختين ، من العقد " وكانتا موقعتين ، بتوقيع مدحـت " ففتحت الخزانة وأحضرت نسختين من النسخ الموقعة وقام سعد بتحريرهما ، وقال ماذا عن الإيجار ، فقال سعد إن اصحاب مدحت بيك لهما معاملة خاصة ، حسب تعليماته وكان الإيجار عشرون جنيها ، فوقع عرفان علي العقد وتسلم صوة من العقد وقام سعد معـه ، وسلم علي العاملين بالمكتب وعلي السيدة / ليلى درويش ، وشكرها علي كريم تعاونها ثم قال سعد أوصل سيادتكم فقال عرفان لا لقد أتعبناك اليوم ، وسوف أقطع الشارع ، حتى البنسيون ، فهو قريب من هنا ن وسلم عليه وانطلق عرفان في الشارع يستعرض المحلات المختلفة وقـد ظهرت الاسماء العربية ، واختفت الأسماء الأجنبية ، إلا أنها لم تختفى من أذهان الناس ، وعاداتهم وتقاليدهم ، وما انطبعوا عليه عمرا طويلا ، وتوقف عند أحـد محلات اللحوم المشوية ، فأمـر الحاتي ، بإعـداد نصف كيلو من الكباب والكفتة ثم أخذ معهما السلاطات والطحينة ، حتى وصل إلي العمارة فصعد إلي الطابق حيث البنسيون ، ودق الباب ففتحت ( تيرانا ) وقالت له مرحبا أستاذ عرفان ، أين كنت طوال هذه المـدة ، فقال لها ، أنه العمل ، يا تيرانا فقالت له أنه بركة البنسيون يا أستاذ ،فقال لها وهل أرتاح إلا فيه ، كلما جئت إلي القاهرة  كان عرفان له موضع خاص لدى تيرانا ، وكل العاملين معها ، وطلب منها بعض الأطباق ، وأن تحضر إلي غرفته ، لم يكن لدى عرفان دائما  الوقت ، لكي يتحدث من النزلاء ، وإنما من الإياب إلي البنسيون فحجرته ، فالقيام حسب الميعاد ، المتفق عليه والذهاب إلي خـارج البنسيون وخارج المبنى حتى ميعاد العـودة ، وحتى وهو في داخل البنسيون لم يكن يغادر حجرته ، إلا أوقات قليلة ، للذهاب إلي دورة المياه ، أو العـودة أو التحدث في التليفون أو التحدث مع تيرانا لدقائق ، أما هي فكانت تقدم له الوجبات الثلاث داخل حجرته إذا جلس طوال اليوم بالبنسيون ، وإذا أرادات التحدث معه ، ذهبت إليه هي ، بعيدا عن الجميع وكان غرفته دائما في أحدي شقق البنسيون التي لا تشغل دائما ، إلا في حلة الزحام ، كان هذا هو حال عرفان ، منذ عرف هذا البنسيون ، في ايام ما قبل الثورة وظل معه بعد الثورة ، وفي أثناء إقامة الأسرة في الريف أو ذهابها إلي الريف ، في أجـازات كان كلما جاء من الصحراء ، يقيم به وكان يفضل الجلوس فيه ، علي شقته في جـاردت سيتي ، في كثير من الأحـوال ، إذا كان بمفرده ، وذلك لوجوده في وسط البلد ، وقد لاقى فيه ، الكثير من العناية والكثير من المفاجآت ، للمتتبع لقصته ، هذه منذ بدات ، وها هو اليوم يجلس داخل الحجرة ، وقد وضعت تيرانا الأطباق وأفرغت فيها الطعام ، وأخذا يأكلان بشهية ، فلما انتهت المائدة ورفع الطعام ن أحضرت الشاي وأخذت تتحدث معه في العمل الجديد ، وأين سيسكن فأفادها ، إفادة كاملة ثم سألها ، الديك . اشتراك خارجي في التليفون فقالت وكيف تحدثت إذن مع الأستاذ مدحت فقال والله لقد نسيت وطلب رقم البلدة وانتظر المكالمة ، وهو قطع وقته بقراءة ، رواية مارك توين المترجمة ، التي شاهدها ، بجانب التليفون ، وقامت تيرانا بنقل التليفون إلي داخل حجرته ، حتى تتم المكالمة وانطلقت تشرف علي شئونها الخاصة ، وعملها الذي تعيش منه.  ومر ورقت طويل ثم رن جرس الهاتف ، رنين المكالمة الخارجية ، فرفع عرفان السماعة فقال له عامل الاتصال.   السرو دقهلية معك ، كان الصوت بعيدا ، وقال من يحدث فقال أنا عرفان يا مظلوم فقال أتسمعني فرد قائلا أسمك يا سيدي فقال عليك أن تجهز نفسك خلال يوم أو اثنين ، وتؤجر عربة لنقل الأثاث ، وأخرى للأسرة وتذهب لاستخراج شهادات الأولاد التعليمية ، وخذ معك جديرا وغدير ، وتقفل الشقة وتتأكد من ذلك وتقدم استقالتك ، من عملك وتأتي هنـا إلي القاهرة ، علي العنوان وذكر له العنوان كاملا وقال له اعطيه للسائقين ، وسوف يوصلونك وسأنتظر حتى تحضرون ولكن يا سيدي ، دعنى أنا ثم أنني لم يمر علي في العمل الوقت الكافي فقال له ، إذا لم تستطع الاستقالة ، فخذ أجـازة حتى تجرب فقال له ، لم يمر علي الوقت اللازم ، لأخذ أجـازة فقال عرفان يا مظلوم ، ستأتي يعني أنك ستأتي قدم استقالتك فقال مظلوم ، أمـرى لله ، ويفعل الله ما فيه الخير.
قام مظلوم بتقديم استقالته وقالت له مديرة شئون العاملين حمدية العالم لماذا ولم يمض عليك وقت طويل ، فقال ذاهب مع الأستاذ عرفان إلي القاهرة أم الدنيا فقالت له أنت حر ، فيما تفعله فشكرها ، وأخذ خلو الطرف ، وانطلق إلي مدرسة زغلول الإعـدادية وإلي مدرسة النيل الابتدائية ن فاستلم شهادات التخرج لمن تخرج ، وكانت قد وصلت إلي المدرستين واستلم بيان بالنجاح ، للمنقول من الأولاد من صف إلي آخر ، ولما استكملت الأوراق وكان معه عم الأولاد ، وكان معه جدير ذهبا إلي سائق العربة المخصصة لنقل الأثاث ، فاتفق معه وإلي سائق العربة الأجرة لنقل الركاب واتفق علي هذا في اليوم التالي للمحادثة علي أن يكون السفر بعد العصر حتى يكون عرفان قد خرج من عمله فيكون في استقبالهم ، وفي أثناء كل هذا كان قد أحضر نجارا ، منذ الصباح ليقوم بإصلاح ما يعق له إصلاحه ، وليقوم بتغليف بعض الأجهزة والمعدات، من أدوات المطبخ  وكذلك تغليف جهاز التليفزيون وجهاز الراديو ، بعض وضع بعض الوسائد لحمايتها من الكسر ، أثناء النقل ، وكذلك فعل مع الأثاث وكان هناك ( فيمجي ) لكي يقوم بتلميع الأثاث مرة أخـرى ، وكان بعضه لا يقدر بثمن لغلو خشبة وللمحليات التي تزينه ، وكانت من النحاس المطفى اللون فلما انتهى من كل هذا ، قام بإصلاح بعض الأسرة التي فضلت السيدات ، أن تظل بالمنزل لمن يأتي للزيارة ، في أي وقت وفي المساء كان كل شىء جاهزا ، الأثاث والملابس وضعت في الحقائب والشقة قد نظمت علي أساس قفلها والنساء قد استعددت ، بنفس الطاقم وإن كانت الفتاتان قد اعتذرنا عن السفر فريال وسميرة علي أساس أنه تم خطبيتهما وسيتم عق قرانهما ، قريبا وكانت قد كبرتا عن الحـد المطلوب ، وآن لهما أن يستقر داخل منزل زوجيهما  وقد خطبهما رجلان من أهل البلدة المجدين المجتهدين ومن ثم فلا مبرر للسفر ، وسيعددان إلي منزل والديهما ولكن العلاقة ستظل متصلة فألحت عليهما روح الحياة دون جـدوى وعفارم ، دون جدوى والأولاد دون جدوى فقال الجميع علي راحتكما وتمنيا لهم السعادة ، وأن عرفان أيضا لا يقف في طريق سعادتهما ولم ينته اليوم إلا والأقارب من ناحية عرفان أو من ناحية روح الحياة قد سهروا الليل بطول يعدون كل شىء ويساهمون ، في استعدادات السفر ، وأحاديث الوداع وكان اليوم الثاني صباحا ، تكملة لما تم وللمراجعة النهائية والتأكد من أن كل شىء في مكانه ، وكانت الزيارات لا تنقطع ، وكانت المشكلة هي القطط ، لقد تكاثرت وصارت عددا مهولا وكان الحل أن يتم توزيعها ، علي الجميع وكان الناس ، يريدونها ، لقتل الفئران ، وعلي أساس أنها كانت سبب خير علي عرفان ، إلا قط وقطة هربا بين الحقول ، ولم يستطع أحد مهما كان أن يعثر عليهما ولما جاء الظهر وجاء العصر كانت العربة الأولى قد حملت بالأثاث وأعطى مظلوم العنوان للرجل ، وانطلق في طريقه إلي القاهرة ، وبعدها بربع ساعة ، كانت العربة الأجرة ، تنطلق مسرعة وفي أمان إلي القاهرة ، وقد ركب فيها الجميع وكانت تتسع لهم ، وركب مظلوم وجدير وغدير ، بجانب السائق وكانت العربة قديمة لكنها اتسعت لهذا العدد الكبير وكانت الشقة قد قفلت وكان الجميع في الودع وكان الوداع إلي لقاء ، وكانت الدموع تسيل ولا يمسكها ماسك أو يردها رادد وإنما هي تلقائية المواقف وتلقائية جيشان القلوب لدى أهل الريف ..
وكان الطريق طويلا ، ولكنه تحسن عن ذي قبل ، والجميع في ذهول ، من حيث ترك القرية بعد هذه السنين ،  والعـودة إلي المدينة ، وكانوا مشتتين بين رؤية الأمس ، ورية اليوم ، وكان تعليقاتهم ، لم نر ذلك من قبل ، وهذا الكازينو ، وهذا الكشك ، وهذا المبنى ، وظلوا كذلك حتى وصلوا للقاهرة ، واختار السائق طريقا ، يوصل إلي مصر الجديدة ، خارج منطقة الزحام ، واستمر السير في شوارع مصر الجديدة ، وهو يسال والجميع مشغول ن وقد اضطربت الصورة تماما ، فكانت المباني كأنها شريط سينمائي سريع ، لم يتعودوا ، مثل هذه المباني الجديدة ، والشوارع العريضة ، وحتى مصر التي عاشوها من قبل ، كانت ذات طابع خاص في المباني ، أما اليوم فشىء مختلف ، ثم أنهم أتوا من الريف فوجود الفارق ، بين مباني الريف في هذا الزمان ومباني المدينة ، وليس مدينة القاهرة القديمة ، أو الأحدث قدما ، وإنما منطقة جديدة اقيمت في الصحراء ، علي امتداد حدود القاهرة ،يفصلها عن القاهرة القديمة ، إذا تخلينا خطا وهميا ، يمتد بمجازاة العباسية نستطيع أن نقول ، منطقة لم توجد من قبل ، وها هو السائق ينعطف إنعطافة رقيقة ، وبمهارة وخدق ، ويسأل عن الشارع فيصفه له عسكري المرور وما هي إلا دقائق ، وتلوح العمارة وقد وقف أمامها عرفان ، يشرف علي تنزيل الأثاث ، من العربة الأولى وقد انهمك العمال المرافقين ، في حملة والصعود به إلي الشقة ، والبواب يرشدهم ، ويشر من أزرهم ، وعندما فوقفت العربة ، هرع عرفان وقال لهما  حمد لله علي السلامة  ورحبت بهم أيضا ، فوزية زوجة البواب ، ونزل مظلوم ليساعد هو الآخر ، وهو يقول لعرفان عملتها وقدمت استقالت علي حسب رغبتك ، ويفعل الله ما فيه الخير ، فقال له عرفان ، لا تقلق من هذه الناحية ، وساعد فوزية في حمل هذه الحقائب إلي أعلى ، وقام الجميع كل منهم بحمل شىء ، ولو قليل ، و الصعود به إلي الشقة وفي ساعة كان كل شىء قد تم صعوده إلي الشقة حتى البشر.
انصرف السائقات بعد أن أخذ حقهما كاملا ، من واجب الضيافة ومن أجرهما المقبول ، وقامت النسوة بمساعدة البواب وزوجته ، وحتى الأولاد ، بترتيب الشقة حتى أصبحت مع خيوط الفجر ، في أجمل زينة ، وتطلب الأمر أن يكون هناك ، صالونا جديدا ، للضيوف وحجرة نوم لهما أيضا وتطلب الأمر ، خادمان من الشباب فأحضر البواب في اليوم التالي صبي وصبية ، أخان وقام عرفان بشراء الأثاث اللازم ، وكانت الشقة قد أخذت حقهما من الدهان ، بمعرفة مدحت من قبل ، فلم يكن في ذهنه ، أن يؤجرها يوما ما.
وما هي إلا أيام إلا وقد أصبحت الشقة في قمة رونقها ، واشترى عرفان أيضا ، بوتوجاز كبيرا وضع في المطبخ ، وتقدم بطلب لتركيب تليفون ، وأخذ دوره كالمعتاد ، وانتظمت الحياة داخل الشقة وخارجها وتقدم عرفان بطلبات إلحاق أولاده بالمدارس المختلفة فألحق أولاده الكبار ، بمدرسة مصر الجديدة الثانوية المشتركة ، وأولاده الصغار بمدرسة مصر الجديدة المشتركة الإعـدادية ، والاصفر بمدرسة بمصر الجديدة الابتدائية المشتركة ، والتفت إلي عمله يعطيه جهده وعرقه ، وقد بدأت شبكة جديدة من المعارف ، ومن الاتصالات وكذلك بين عرفان واقاربه الذين يشقون طريقهم منذ زمن ، في أماكن مختلفة مهمة وغير مهمة وكانت البداية الأولى لهم علي يديه يوم كان ويم كان في يده أن يفعل وأن يساعد بكل المساعدات ، ورغم أنهم بعدوا عنه في فترة انحداره ، إلا أنه لم يقفل الباب أمامهم ، وظل علي معدنه ، الذي لا يتغير طالما يستطيع وبقدر علي أن يفعل شيئا ، وهذه عادته ، صحيح أن لديه عيوب الإنسياق في تيار الحياة ولكنه أيضا لديه المزايا الكثيرة ، التي تلغى سوء بعض الأعمال.
وهكذا مرت السنون وقد كبر من كبر وتقدم للزواج من بنتيه الكبيرتين ، أحد الضباب وأحد الموظفين اصحاب الطين والأرض كان الأول قريبا لهم وكان الثاني موظفا بسيطا ولكنه يملك من الأرض والطين والأصل ما يرفع قدره لديهم ، وقد تم الزواج في حفلة كبيرة وفي وقت واحد وانقطعتا الفتاتان ، عن تكملة تعليهم ويمكن أن نقول أنهما حصلتا علي الشهادة الإعـدادية وكفى وظلت في البيت احدى الفتيات بعد ان رسبت في امتحان الشهادة الابتدائية أكثر من مرة فقامت بواجبات والدها داخل البيت وأما بقي البنات فقد ظللن بالدراسة مدة لم تتعد سنوات النقل الثانوي ، أما الولدان الكبيران فقد وصلا إلي مرحلة الثانوية العامة ن ولم يحصلا علي المجموع اللازم ، مما اضطرهما فيما بعد إلي الإعـادة ، أما نسيم فقد ظل متفوقا في دراسته حتى حصل علي الثانوية العامة ، قسم علمي ، والتحق بكلية الهندسة فيما بعد ، ولم تلبث احدي البنتين الكبيرتين وهي نجوى أن طلقت من زوجها الضابط ، وتزوجها فيما بعد أحد المحامين ، وجلست طوال المدة ما بين الطلاق والزواج الجديد بالمنزل (الشقة) وأما الأخـرى فقد أنجبت "شاهد" وعاشت في شقة أقل مستوى من هذه الشقة رغم إمكانيات زوجها الواسعة في هذه الأوقات تقدم لخطبة البنات الأصغر سنا وصار المنزل قبلة للأصهار الجدد ، ولم يكن المنزل يخلو من هؤلاء أو من أقارب الزوج أو أقارب روح الحياة ، حينما يأتون من الريف ، أما أقارب عفارم ، فكانت زيارتهم قليلة ، وغير مرغوب فيها فكانت تزورهم عفارم وأولادها ، خارج المنزل ، وفي حالة غياب عرفان وبمعرفة روح الحياة ، وكانت تعطف عليهم لشدة الحاجة ن وهي في هذه الفترة في بحبوحة من العيش ، ولم تتخل عن الحياكة ، وإن كانت قد اقتصرت علي الأسرة.

في هذه الأثناء ، حضر وائل أحـد أولاد الخالة ، لهذه الأسرة من ناحية الحياة ، وقد جاء محملا بزيارات البلدة ، وبكل خيرها ، وكان في سن أولاد الخالة ، جديد وغدير وكان المجموع ضعيفا ايضا ويبدو أن هذه السنة كانت سنة البداية للإنهيار الذي شمل كل شىء داخل المجتمع حتى المجاميع تأثرت ، وقد يكون ذلك راجعا إلي صعوبة امتحانات الثانوية العامة لهذا العام وكان أصعبها امتحانا هو الرياضيات ، وأكثرها صعوبة هو مادة الجبر ، فلم يأت امتحان بهذه الصعوبة منذ أتشىء نظام الثانوية العامة ، ولا جاء بعدها مثل هذا الامتحان وكانت المواد العلمية بنفس الصعوبة ، كان ذلك في عام 1966 ، ويبدو أن مصائب قدم عند قوم فوائد فإن التلاميذ ، وهم بعد صغار ولم يكن وعيهم مثل وعي اقرانهم هذ الأيام ، نظرا لأن تلاميذ هذه الأيام قد تفتحت عقولهم منذ رضعوا !! وحتى كبروا علي وسائل التثقيف المختلفة ، من صحف وراديو وتليفزيون وغير ذلك أما تلاميذ الأمس ، فلم يلحقوا بمثل هذه الوسائل إلا وهم في عمر متأخر ، لذا فمستوى تفكيرهم كان محدودا ومغلقا ، ويبدو أن هذه ينعكس أيضا ، علي كل افـراد المجتمع كبيرا وصغيرا ، وقد شاء لهؤلاء التلاميذ ، وغيرهم علي مستوى مصر في هذه السنة وفي كل سنة أن يجوبوا بحثا عن منفذ ينفذون منه ، فاتجهوا إلي التقديم ، في الكليات العسكرية بفروعها المختلفة ، واتجه بعضهم إلي كلية الشرطة ، أما الكليات المدنية فكانت تخضع لمكتب التنسيق في مرحلته المبكرة ، وبعضهم اتجه إلي كليات التربية الرياضية ، وكانت فوائد القوم ، من مصائب هؤلاء هو افتتاح بعض الممارسين لمكاتب خاصة للتأهيل للاختبارات ، الخاصة بالكليات العسكرية ، والشرطية وكان وائل ق حط رحاله في هذه الشقة وأخـذ يجري الاختبارات الرياضية في هذه المكاتب ويؤدي التمرينات الرياضية المطلوبة ، ويجرى في ملاعب الجيش بكوبري القبة ، للمسافات المطلوبة وينجح في الاختبارات الرياضية والطبية للكية الحربية ولكن المجموع حتى بعد هذا النجاح لا يتيح له الدخول فعدد الناجحين أكثر وتقدم الاختبار الطبي في الكلية الجوية ، ولكنه سقط من أول نظرة ذلك أن الممتحن كان يدير أداه الاختبار الخاصة بالعلامات النظرية بسرعة رهيبة بينما قد نجح في اجتياز الاختبارات الطبية في الكلية الحربية ولكن الكلية الجوية تتطلب اختبارات أكثر دقة خاصة في مستوى الرؤية وحدتها وكانت درجات الرؤية في هذا الزمان عنده 6/6 ولكنها ليست حـادة وهكذا اتجه إلي كليات التربية الرياضية ونجح في اختبارات القبول الرياضية ولكنه سقط ايضا في امتحان الدرجات للتصفية النهائية ، ولم يكن حال جدي او غدير ، أكثر من هذا وهكذا فبعد ان دار دورته آن له أن يعود إلي البلدة للإعـادة لتحسين المجموع ، وكذلك جدير وغدير وكان ينطلق أحيانا ، بناء علي رغبة نجـوى في التسوق ، أو مشاهدة السينما ، وكان عرفان يقيد علي ابنته في الخروج لوضعها الحرج ، ولكنه كان يطمئن في حال وجودها في رفقه وائل  ذلك أنه يعرف عنه ، الاستقامة ويعرف عنه أنه مازال غرا لا يعرف الدنيا ولم يختبرها ، ولم تختبره يمكن أن نقول أن أول اختبار هو هذه الجولة علي الكليات المختلفة ، من أجل الدخول ، بهذا المجموع القليل وكان أصعب اختبار هو قفزة الثقة ، وقد قفزها من أعلى حمام السباحة بالكلية الحربية ، وكان مترددا ، في صعودا إلي أعلى السلم ولكنه وجـد أنه لابد أن يقفز وإلا انتهى كل شىء فما كان منه إلا أن قفز بمجرد النداء عليه ، ووجد نفسه أسفل المياه ، ولكن رجليه كانتا تعملان ، كأنهما بدال يعمل بالكهرباء بسرعة غريبة و بقوة حتى وجد حبلا بعرض حمامة السباحة فأمسك به ولم يصدق أنه قفز وأنه نجا وهو لا يعرف العوم من قبل ، إذ كان عير غير عادة الأولاد لا يذهب إلي النهر ، أو الترعة ليستحم خوفا عليه من جانب والديه ، وكانت الفتاة تعرفه بزميلاتها ، فكان يسلم عليهن ولكنه يقف بعيدا ، لعدم تعوده علي هذا رغم أن تعليمه كان دائما ، بمدارس مشتركة وكان لا يجيد الحديث ولم يتجرأ عليه إلا مع خاصته من الأصدقاء الذين يثق فيهم وكان حزينا علي هذه الجولة التي لم تأت بجديد ، وكان يقضيها ما بين دعوة من نجوى للخروج أو الذهاب إلي نادي الزمالك بمفردها ، ليتفرج علي لاعبيه ، وكان يأمل وهو مازال صغيرا ، أن يلعب به ، ولكنه كان يذهب لمشاهدة التمرين ، ويشاهد لاعبيه المفضلين ولكنه يخجل أن يتقدم خطوة إلي الأمام ، ليستأذنهم ، في أن يلعب بفريق الأشبال وكانت جولته الأخيرة في القاهرة ، من أجل الإلتحاق باحدي الكليات هي المرة الأولى التي يؤود فيها القاهرة ، منذ كان يزورها وهو مازال طفلا صغيرا لمنزل عرفان بصحة أسرته في شقة جاردن سيتي قبل قيام الثورة بأيام قليلة ، وكانت تصحبه والدته ، لزيارة السيدة زينب ، والحسين وغيرهما من أهل البيت ، وكان يتذكر يوم أصابه الترام ، وهو يصعد درجاته ، في طريقه إلي أحد المستشفيات علي ما يتذكر في منطقة الدقى ، بصحبة والدته ، ووالدة السيدة عفارم ، التي كانت تقابلهما خارج المنزل ، وتوقل له أنها الممرضة حتى لا يعلم عرفان بها وكان يصدق فهو طفل ما زال صغيرا ، وصغيرا علي أن يفكر هل هي أم غيرها.  وكان دائما مع أولاد عرفان في صغره وفي وجودهم بالقرية و بصحبة صغار مثالهم ، في نفس المردسة وفي نفس الملعب وفي نفس الأماكن وها هو يعود إلي القاهرة ، ويمكث بها شهرا أو شهر ، ولا يجـد في النهاية إلا العـودة إلي البلدة لكي يعيد الثانوية العامة ، ويعيدها في القاهرة ، جدير وغدير ، وما إن يعـود إلي القـرية إلا ويصل خطاب ، بزواج نجوى من المحامي ، الذي أشرنا إليها فيما تقدم ، و يعود إلي كتبه ومذكراته ، ويعود جدير وغدير إلي كتبهما ومذكراتهما.
وتمـر الأيام والشهور ، وعرفان منغمس في عمله ، ما بين الموافقة ، علي أذون الاستيراد أو التصدير وتحديد الحصص للمتعاملين وكانت تأتيه دعواه لحضور احتفالات في السفارات المختلفة ، وكان يضحك من عنونة البطاقة ، الأستاذ عرفان و السيدة حرمه ، وكان يقول ومن آخر ومن أترك ؟ وكان يضحك حينما يتخيل الموقف ، ويذهب بمفرده ، فيقابل هذا ويقابل ذاك ، وتتكون علاقات جديدة ، ويتعرف علي شخصيات جديدة ، ويعب من الخمر عبا حتى إذا كما أثقل عليه حملته سيارة أحـد الأصدقاء ، أو الندامي وهم كثيرون وتعود به إلي منزل ثم يوقظ معاذ البواب ، ويسلمه له ويصعد يترنح حتى باب الشقة ، وكان النور الخارجي يضاء حتى لا يطرق باب شقة أخرى ويدخل لينام علي سريره ، وقد يفرش الأرض وينام عليها ذلك أنه يعتقد أن هذا يخفف الضغط علي أجهزة الجسم ، خاصة وأن بعض عوارض الأمراض ، كالقلب والضغب من قبل قد بدأت معه فكان يعتقد أنه بذاك يستريح من جاذبية الأرض علي حد تعبيره ، واستمر هذا شهورا تطويها شهورا ، ثم إذا بمجموعة من أصحاب المكاتب الخاصة بالاستيراد والتصدير ، تقوم بعملية تهريب خطيرة ، وتلاعب في أذون الاستيراد والتصدير ، وكانوا من أهل الخطوة ومن هل الخطوة إذا تركوا أعمالهم المهمة السابقة وافتتحوا هذه المكاتب المدنية وسيطروا علي سوق الاستيراد والتصدير ، وأقعوا الكثيرين معهم وكان عرفان واحدا من هؤلاء ، ولم يكن يملك أن يقول نعم أولا فهناك إبراهيم باشا رياض ، وهو رئيسه ، والمجموعة من أصحابه ، وأصحاب أصحابه ، ولم يلبث في منصبه كثيرا ، واعتقل مع هذه المجموعة وأفرج عنهم بكفالة ضخمة ن وظلت القضية موضع تحقيق وجلسات طويله ، وأوقفت الشركة مرتبه ، وسمع بصرف نصفه فقط ولم تنته القضية إلا أن هؤلاء كان وراءهم مسئول كبير فساعـد علي أن تنتهي وكان في يده أن يفعل ذلك ، وأكثر من ذلك وكانوا من رجاله ، في الايام الخوالي فأستنجدوا به ، فكان المعين لهم ولكن عرفان كان نصيبه اشد واكثر قسوة ، فهو لم يكن من هؤلاء او هؤلاء ، وحتى من مديد لهم من أقاربهم ، في الأماكن المختلفة وتبوأ مراكز كبيرة هنا وهناك تخلوا عنه في محنته ، كما تخلوا عنه في محنته الأولى وكأن لسان حالهم يقول "يا رب نفسي " " يا رب نفسي " ، كأنهم ولد نـوح ، الذي صعد الجبل ، ليحميه من الطوفان معتقدا أنه نجى بنفسه ، فمات غرقا ، بعيدت عن أبويه ، وها هم يهربون منه ليقعوا فميا بعـد ، فيما وقع فيه أو أكثر قليلا ، أو قل أنه الصراع هذا يكشف هذا ثم يجىء آخر ليكشف من كشف الأول ، أو أقل أن النقاط الضعيفة ، حينما تنهار ، تجرو وراءها الحيطان الأضعف ، حتى تصل إلي الحوائط الصلدة فلا تجد معها فتيلا وهكذا كان ، عاش عرفان علي نصف المرتب ، ولكنه لم يغادر القاهرة مرة أخرى ، بعد الإفـراج عنه ثم ظل هكذا ، يعمل في أعمال الاستيراد والتصدير وكان قد صدر حكما بعـد ذلك ، بإحالته إلي المعاش ، ولأن مدة الخدمة كانت قليلة ، فقد كان المعاش قليلا ، وإنما أخذ يشتغل مع مكاتب الاستيراد والتصدير ، وكان خبيرا بهذه المهنة ، وكان ضليعا ، في اللغة الإنجليزية ، من أيام تعامله مع الخبراء في شركات التعدين وكانت البنات الباقيات ، يتزوجن الواحدة وراء الأخـرى ، حتى الصغار كبرن بسرعة ، وخطبن بسرعة وتزوجن بسرعة ، وتفرقن بسرعة ، وكانت أصعب فترات حياته حي هذه الفترة ، فالريف لا يكشف ويحمي الإنسان من مديد العـوز تعيش فيه علي القليل ، كما تعيش علي الكثير ولكن المدينة شىء آخر وقد بدأت رخيصة ثم ازدادت غلوا وكانت المظاهر تقتضي أن تظهر في الملبس النظيف وأن تاكل ما تأكل ، فالناس تنظر إلي بعضها البعض ، ولكنها لا تنظر ماذا أكل ، وتنظر إلي رؤيتك في شاشة الحياة ، أما شاشتك الداخلية ، فستار من الكتمان عليها ولكنه ظل يكافح ويحضر بأظافره في الصخر ، والحالة في إنهيار ثم الجو السياسي قد تعكر وزادت حدة المناقشات الكلامية ، والمناوشات ، مع العـدو الإسرائيلي ثم أعلن عبد الناصر قفل " مضايق تيران " واعلن أنه ليس ضعيفا وليس كبير كإيدن إنجلترا ، وأعلن الكثير في مؤتمره الصحفي وكان عامر الذي ساند ضباطه ، في الصالح وفي الطالح أيضا وآخرها لجان الحراسة وآخرها موضوع الاستيراد والتصدير يطيرقون الجبهة المصرية ، وفي الصحف قيل أن زكريا محي الدين سيسافر إلي أمريكا بناء علي طلبها ، كان الكلام كثيرا وكان كبيرا ضخم المعاني شديدها ، وكان الإعلام قد ملأ الشباب بروح معنوية هائلة وكان هذا له أثره الخاطىء فلم يكن رفع الروح المعنوية اليتيم علي أسس واهية ولم يكن التأثير السىء الذي تراكم لسلبيات الثورة ، قد ظهر ذلك أن الخوف قد قطع ألسنة الرجال ، وحول البعض لآخر إلي ببغاوات مجد المزايا وتنسى السيئات وتقلل من شأنها وراح ضحايا كثيرون نتيجة من لم يقل لا ، وكيف يتعجب الناس لأن يضيع الناس بسبب من لم يقل لا ، لأنه لو كان قالها حينما يجب أن تقال ، وفي ميعادها الصحيح ، لوضح الأمر ولتبين حجم الخطا وكيفية معالجته ، بدلا من تراكمه ويقول الناس لم نكن نستطيع أن نقول لا ، وإلا فقدنا مراكزنا ، وفقدنا أسرتنا ، أو فقدتنا أسرتنا ن وتشردنا وتعذبنا ، والذي كان يجب أن يكون هو أن لا يقول الناس لا دائما ، وإنما أن يقولون إذا كان لها أن تقال وإذا كان الحدث يستدعى ذلك ، وهو مالم يتم وبذلك كان المجتمع يتفكك داخليا ، دون أن يدرى أحـد ولم ينبه أحـدا ، وتحول إلي أحزب وشيع ، متفرقة قلوبهم ، وإن ظهروا مؤيدين باسمين ، بينما الإنهيار ينخر كالسوس جدران المجتمع وحوائطه الصلدة ، وكان نتيجة ذلك ، أن حجم الصداد كان بسيطا يوم السادس من يونيو 1967 ، ولكن حجم الصدمة ، كان كبيرا وضخما علي مجتمع بأكمله وأحدث شرخا في الكبار وفي النفوس ، لم يندمل أبدا ذلك أننا عشنا في وهم جميل ، ثم نزعنا الواقع من هذا الوهـم ، ولكنه نزعنا بقوة وبنعنف ، وكنا المقصرين في حق أنفسنا ، فأستحققنا ما حدث لنا ، ولا نبىء أحـدا ، ولا نرمى التهمة علي أحـد وإنما الجميع كانوا مسئولين ، لأنهم كانوا مشغولين بذاتهم وعندما يكون الأمـر ، متعلقا بمصلحة أمة ، وأمة قائدة يكون الجميع يدا واحـدة ، لمصلحة هذه البلدة ولكن هذا لم يكن أبداً ، أخذ المجتمع ينهار تدريجيا من الداخل ولم تكن ضربة 1967 إلا نزع القشرة الخارجية فقط ، إنهار المجتمع وأنهار من قبله عرفان ، وصحبة صاحبنا ، من رجال السلاح القديم الذين تركوا عملهم ليبدأوا  عملا مدنيا ، سرعان ما اعتقدوا أنهم الوارثون لكل شىء ، ولا ينكر منصف ، أنه كان منهم القلة القليلة ، التي بعدت عن المغانم وعن المكاسب ، فاحتفظت بسجلها نظيفا في الحياة وفي التاريخ ، ماشى عرفان كل هذا وكانت أزمتـه وكانت أزمة النكسة أو الهزيمة ، بأي تعبير تقال قد طحنته طحنا وظهر عليه الكبر بسرعة زهرت عليه التجاعيد أكثر ولكنه مازال يقاوم ويجتهد ولكنه  مازال يشرب أيضا ، ويعود متأخرا فلا يملك إبن من ابنائه ، إلا أن يقول " هل سبع الليالي ملك زمانه " !! ثم يقوم ليوصله ، إلي سريره فيتشاجر معه ، ويظل هكذا في جـدل لا ينتهي حتي يجثم النوم فينام حيثما اتفق وحيثما جاء النوم ، وكان الرجل رغم ذلك ، قويا صلبا فيما واجهــه من مشاكل وأزمات ، فيما عدا داء الخمر ، وكان في صباحه يذهب لمباشرة بعض الأعمال مع مكاتب الاستيراد والتصدير ثم يعود بكل الخير له ولأسرته وحصل أولاده علي الثانوية العامة ، والتحقا بالجماعة بكلية التجارة وكلية الحقوق ولكنهما التفتا إلي مساعدة والدهما خاصة جدير ، والتحقا وائل أيضا بكلية التجارة وحضر ليقدم أوراقه ، بالجامعة وكان الرجل كما هو كريما تعود هذا ولم ينسى قط حتى وهو في محنته الجديدة ، فمكان يقيم عيد ميلاده ، ويدعو الأولاد والأحفاء وكان عيد الميلاد مصادفة ، في وجود وائل ولكنه حضر وهو لا يريد أن يكانل من الخروف ، الذي اشتراه عرفان وقد جمع له المال جمعا ليحتفظ بعادته القديمة ، ولكن وائل لم يرد أن يأكل من الخروف ، لأن عرفان هو الذي ذبحه ، وهو الذي سلقه ولم يشويه ، وقدمه كما هو بحجمه الطبيعي علي المائدة ووضع عليه كمية كبيرة من الشطة وكافة التوابل ولكن وائل لم يستطع أن يضع قطعة واحدة في فمه ، ولكنه أظهر أمامه أنه يأكل ولو أكل لتقىء كل ما في بطنه وكان قد أكل قبل أن يعود من تنقلاته خارج المنزل.
وكان الرجل دائما مع أولاد أخته فأولاد أخيه أو أقارب زوجته ذلك الجيل الجديد الذي كبر كريما وكانوا يعرفون أن أصعب شىء في حياة الإنسان أن يكون بطبعه كريما ولا يملك أن يغير طبعه الكريم ، رغم قلة ذات اليد فكانوا يدخلوا ، وكانوا يأكلون بالخارج ، ويجيىء علي غير ميعاد فيراهم ، فيقول أحضروا قطعة من الخروف ، من الثلاجة ولم يكن هناك خروفا ولا يحزنون ، و يقول أو في الحال يا بنت أنت وهي وهي ( اشووا جوزين حمام ) ويحلف الضيوف بأغلظ الأيمان أنهم أكلوا وهو لا ينتهي ولا يقف ولا يجلس ، حتى تأكل شيئا من الموجود بالمنزل ، وهكذا هو وهكذا خلق.
ومرت السنوات علي هذا الحال ، ولكن مرورها كان أسرع وثبا من السنين السابقة ، كانت السنوات تطوي بعضها البعض ، بسرعة صاروخية ، وكانت مصر قد أخذت تلملم جراها في سرعة عجيبة ايضا ، و الرجل ما زال هو الرجل يكافح ويكابد وقد خف الحمل عنه قليلا ، ولكنه ما تلبث أن تحضر احدي بناته وبصحة زوجها وأولادها ، فيضع ما أدخـره للأيام القادمة من معاش ومن عمل بماكتب الاستيراد والتصدير لم يكن يدخر ليومه ولا لغده ، وقد كسب الكثير وضيع الكثير في كرمه وفي حبه أيضا للوجاهة حينما يعطي جنيها لمعد يقول له يا بك في وقت من التاريخ القديم ، كان للجنيه قيمة ووزنا كبيرا وها هو الآن يفقد كل شىء إلا القليل والقليل وها هو عام آخر من الحزن يأتي أو قل أنه الشرخ الذي بـدأ في عام 1967 ظاهرا وإن كان باطنا منذ زمن طويل ، قد انعكس في صلب الرجال ، فشرخها كما شرخ بنيان المجتمع شرخ الصلابة ، وأخت تتهادى تدريجيا ، وهي تقاوم في صلاة ، حتى فقدت آخـر ورقة من أوراق الحياة في التشبث بها والعض بالنواجذ عليها ، ذلك يوم كان سبتمبر 1970 حينما ما عبد الناصر ، متأثرا ببداية الإنهيار في 1967 ، لقد ظل طوال السنوات الممتدة ، من هذه إلي تلك يحتضر وكم هو صعب ، أن يمتد الاحتضار لعدة سنــوات ، من هذه إلي تلك يحتضر وكم هو صعب أن يمتد الاحتضار لعدة سنوات ، وكان عرفان هو الآخر في حالة من الجمود وقل أنه الحـد الأدني للحياة وجاء أنور السادات ليحمل الراية من بعد عبد الناصر ونظر الناس إليه ن بمنظار وجوده في عهد عبد الناصر ، ولم يدروا أن عبد الناصر كان قد حجب بحجمه الكفاءات الكثيرة ، ولم يبق إلا هـو فلما مات عبد الناصر ، نظر الناس إلي السادات بموقعه في عهد عبد الناصر ، وجوبه الكثير من المواجهات والمشاكل من جانب الفرق المتناحرة علي الحكم وعلي وراثة عبد الناصر واشتد العنف ضده في الجامعات وفي المواقع العامة ،  ومن رفاقه في الحكم لقد نظرا إليه ، بنظرة أنهم كانوا في مكان واحـد وقد يكون هو متأخرا عنهم ، وها هو الآن يشد الخطوات نحو الكرسي ثم يجلس عليه ، وكان سخطهم ظاهرة ، واضحا منعكسا رجالاتهم في كل مكان وكانوا قد أعـدوا لمثل هذا منذ وقعت حرب 1967 بينما مجابهة عبد الناصر كانت أضعاف من كل هذه المجابهات للسادات ، لأنه لم يترك لهم الفرصة لذلك ولكنه لم يستطع ذلك ، بعد هزيمته في 1967 فكانت مظاهرات 1968 و 1969 وكان سببها أحكام قادة حرب 1967 في الطيران ولكن المتأمل يرى أنها أنعكاسا طبيعيا بعد صدمة 1967 ولم يظهر في 1967 شىء من هذا عقب الهزيمة بل العكس هو الذي ظهر وهو التأييد والصمود لأن الشعب لم يفق من ضرب الرأس إلا بعد مدة حينئذ فكر وقد بدأت الأمور تبعد قليلا ، والوقت بدأ يظهر حجم المآسأة ، فكان مظاهراته في 68 و 69 ولو لم تكن هنام محاكمات لقادة الجيش ، لقامت المظاهرات أيضا لأي سبب لأنها كانت محاولة للتنفيث ، عن نتائج الحرب ولا تظهر هذه مباشرة ولكن بعد مدة والمتتبع لكل هذا يجد أن المظاهرات أو وسائل إظهار عدم الرضاء ، لم تتوقف من 1968 حتى قامت حرب أكتوبر 1973 وهذه الملحوظة جديرة بالدراسة والفحص ، ولهذا فالسادات كان يجابه عدم الاقتناع به من جانب من رأوا أنهم أحق بمذكرة وكان يجابه هزيمة البلاد ، وكان عليه أن يكسب هذا ويمحو هذه ، وكان عرفان يتأمل كل هذا وهو منهمك في عمله في مكتب الاستيراد والتصدير ، وكان يعاونه ابنه الأكبر جدير وقد بدأ ينفردان بعملها ، بعيدا عن المكاتب الأخرى ، وكانا يسافران إلي إيطاليا ، وفرنسا وانجلترا وبعض دول الخليج كالكويت والسعودية ويتعاقدان علي بضائع مختلفة لتصديرها من منتجات زراعية وصناعية وغير ذلك من الأمـور ويتعاقدان علي ماكينات للاستيراد للبلاستيك ، ولصناعة المكرونة ، وأمثال ذلك من الآلات واستمرا حالهما في وسط هذه الدوامة التي انعكست علي البلد وعلي الاقتصاد وكل اقتصاد البلد قد وجه للمعركة ، واستمرت حرب الاستنزاف بعد وفاة عبد الناصر ، أو قبل وفاته بقليل ، وبلغت ذروتها ، علي وجه التحديد في 1969 ، في عهدة وقبل رحيله ، ثم قام السادات ، بتصفية معارضيه ، قبل أن يصفوه ولا ينكر أحـد ان هذه المجموعة كانت تنتظر الفرصة لخلعه من العرش وأنها كانت مجموعة سيئة ، فيما عدا القليل منها ، وأنها ظلت من قبل حول عبد الناصر ، مدة طويلة ، وكان يجب عليه أن يغيرها جميعا فأصحاب الهزيمة ، لا يستطيعون أن يبنوا مجتمعا جديدا ، أو يحصلوا علي النصر وقد تحولوا مع السلطة إلي شبكة معقدة ، متشابكة كالأخطبوط في ضرباتها ، وتحولوا مع الهزيمة إلي ذئاب جريحة يعضون بعضهم البعض وتحول الناس معهم إلي لامبالاة غريبة وكان مايو 1971 خطوة جديدة في سيرة الأمة ، ثم كان ترتيب البيت لصاحبه الجديد ، السادات عملية يحاول فيها أن يقضي علي الصفوف التالية لهذه القيادات فلما استوثق من كل هذا فرش فرشته العربية والدولية وأخذ ضماناته الكافية وأطلق جنود مصر البواسل ، كل في موقعه ليكون يوم السادس من أكتوبر 1973 ، يوم عبور الأمة بأسرها من الذل والهوان إلي غايات لا تنتهي من المجد والشرف في معركة سجلت ، بدماء الشهداء في العبور وفي الاستيلاء علي خط باريف وفي التقدم شرقا وفي رفع الرايات في كل مكان وفي معركة سجلتها الصحافة والإذاعة والتليفزيون في كل أنحاء العالم و في مصر ، وسجلتها أقلام الكتاب والأدباء والشعراء ، وسجلتها أيادي المؤرخين العسكريين ، وصارت تاريخا جديدا لمصر ، تاريخا يمحو كل الهزائم السابقة ويظهر قدرة الجندي المصري ، ويظهر التضامن العربي ، ويظهر صلابة الشعب المصري ، ويظهر مدة قوة الشعب المصري والشعب العربي لو اتحد هذا واتحد ذاك ، حينئذ يكون لهم ، العتاد والبشر والاقتصاد ، ورعاية الله لكنهم دائما فرق وأحـزاب ، مثلما عرفان و أسرته وأقاربه ، فرق وأحـزاب ، وها هو يستغل ما أدخل من تسهيلات كثيرة في معاملات الاستيراد والتصدير فينشط كثيرا هو وابنه جدير ، وتدور العجلة قليلا ، وكان ابنه الآخر ، قد توظف في عمل بالمطار المدني ، وأخذ يشق طريقه منفصلا  عن أبيه وعن أخيه فهو لا يفهم في أمـور الاستيراد والتصدير ، ولم يلبث ابنه نسيم ، أن وصل إلي ليسانس الآداب قسم لغات شرقية ، وانخرط في العمل في قسم الترجمة ، باحدى الصحف اليومية ، وانفصل أيضا عن والده والاب وابنه الكبير ، يعملان معا وقد قسما بين كل منهما ، واجبات المنزل المادية وواجبات الأخـوات ، في الأعياد وفي المناسبات المختلفة ، وقد قسما ايضا ، الإيراد الناتج من عملهما ، مناصفة فيما بينها وكان زوج ميرفت قد توفى وقد ترك لها ابنا وبنتا فتزوجت من صاحب مصانع مختلفة وانتقلت معه هي وأولادها وعاشت في كنف الزوج ، بعد انقضاء فترة الحـداد الطويلة ، وعلمت أنها سنة الحياة ، وجاءته ابناء بأن الشيخ عبد العليم قد عاد إلي القرية وظل مساعد مع مدحت بتك ، وأنهما في نجاح ففرح لها.

واستمرت الأيام علي هذه الأحوال شجرة العائلة قد تعددت فروعها وتنوعت وأنبتت فروعا جديدة ، تمتد هذه الشجرة في أنحاء مصر صعيدها وشمالها شرقها وغربها ، ولا يجمعها إلا مناسبة من المناسبات أو عيد ميلاد الوالد الكبير ، الذي أخـذت التجاعيد تقلل من وسامته ، وحمل اسنين يقلل من حركته ، وأمراض الشيخوخة تزيد من علته وكان يقاوم كل هذا وفرض القلب قد تمكن منه قليلا ، ولكنه ما زال علي عهده للشراب وما زال علي عهده للذكريات القديمة ، يتذكرها ويعيدها ولكنه لا يخلط بينها ، وقد يذهب إلي صديق أو صاحب قديم ، وإن كانوا قد هربوا منه جميعا بعد أن خرج من الشركة ، ولم يبال وكان يبتسم دائما ويتذكر يوم أرسل ابنه جدير ، ومعه وائل إلي أحـد الأصدقاء القدامى ، ويقع في منزله في حي الزمالك المعروف ، وصعدا إلي حيث يقطـن ، وقدما للخادم النوبي ، وكان مازال موجودا كما كان موجودا منذ مئات السنين ، في مثل هذه البيوت بطاقة تحمل اسم عرفان مرسلة ، إلي صاحب هذا المنزل ، وصاحب هذا العرفان ، فدخل الرجل النوبي وجاء وقال أنه ليس موجودا ، وأقفل الباب في وجه جدير وفي وجه وائل ولم يكررها ، أنه يعرف أن الناس مع القوى ، حتى يضعف وضد الضعيف حتى يقوي ، ولن يتغيروا أبدا هكذا الحياة وهكذا فعلت بهم الحياة ، يتربص الفرد منهم بأخيه ، وبقريبه وبأبيه وبإبن عمه ، وبصديقه ، وها هي السنوات قد جرت مسرعة ، وكأن البركة قد نقصت فيها أيضا ، ويظل عرفان يقول كأن هذا الحدث كان بالأمس ، وكان قد مر عليه سنوات ، وها هو الآن ، قد انفصل ابنه عنه واشتغل لحسابه ، وإن ظل وفيا لأسرته في الواجبات المادية ولكنه انفصل لأن والده يصرف كل ما يأتيه ، وما أن يتجمع معه القليل من الماء ، حتى يذهب ويشرب والسنوات يجر بعضها البعض ، ويشق كل ولد من أولاده ، طريقة في الحياة وينجحون وقد يقابلهم مشكلة ، فيحاول أن يساعدهم في حلها ويقول لهم لقد كان هنا في هذا المكان صديقي فلان وصديقه علان ، ويكون هؤلاء قد أحيلوا إلي المعاش أو توفوا ، والسنوات تمر وعرفان يتابع بعض الأعمال البسيطة ويتابع احـداث الدولة ، ها هو السادات يزور فلسطين المحتلة ، ويوقع في أمريكا معاهدة سلام ، من وجهة نظره ، وها هي البلاد العربية تقطع علاقاتها مع مصر ومن قبل كان هناك أكثر من ثلاثة ملايين مصري منتشرين في دول الخليج ، وكان هناك بعض الأقارب والأصدقاء ، لعرفان واسرته ، وظل العاملون المصريون في هذه البلاد ، رغم قطع العلاقات وكانت مصر قد ذهبت بعيدا في موضوع لانفتاح فارتفعت الأسعار بطريقة شديدة ، وفشل الانفتاح في حل مشكلة مصر الاقتصادية لأنه كان انفتاحا ، استهلاكيا ، وليس انتاجيا ليحول البلد من الداخل إلي صراع مادي رهيب وقد أوشكت كل العلاقات الإنسانية علي التراجع ، والتباعد والتفكك الأسري يشتد.
لقد تجمعت صفوة الورثة من عهد ثورة يوليو ، علي مجموعة من أصحاب المال الجد الذين ظهروا فجأة في غيبة كثير من الأمور وتحولت إلي الطبقة الجديدة ، التي حلت محل طبقة ضباطا لجيش بعـد الثورة ، والتي بدورها حلت محل طبقة الرأسماليين ، قبل الثورة ، وانعكس كل هذا في الصحافة وفي وسائل الإعـلام ، وانعكس كل هذا علي حياة المواطنين وعلي حياة عرفان وهـو يرى ، أمامه الدنيا تسرع ولكنها سرعة الخائف ، وليس سرعة المطمئن ، وها هو العبث في الخطط وفي السياسات بعد نشوة النصر المجيد في أكتوبر 1973 ينعكس في الصدام الدامي في سبتمبر 1981 وينعكس في قرار السادات الخاطىء ، باعتقال كل هؤلاء ، سامحه الله ، هل كان برأيه ، أم برأي من أوصى إليه بذلك ، وكانت الطامة الكبرى ، أن يجمع كل البلد في سجن كبير ، وأن يجمع قياداتها ، أيا كان الاختلاف معها في سجن أصغر قليلا ، ولما كان هذا وضع المزيد من الفحم في آتـون النـار ، وأنت تزيد من الفحم وأنت معتقد أنه الفحم رطب سيطفىء الناس ، كان نارا في عام 1981 في أكتوبر منه ، ولم تكن نارا كانت مآساة ومأساة عنيفة لأن النهاية كانت واضحة ، حينما يثب الاب علي أبنائه ، وحينما يثب الابناء علي ابيهم ، حينما يخرج المجتمع بقائها بعد الحرب كل يلهث في سباق محموم ، من أجل الثروة وما هي برثوة من يجمع أكثر من ، من يملك أكثر من من ثم يفاجأ الناس ، بأن ما أسرعوا وراءه ، وهم يعود عليهم بالخسارة الكبيرة ، إذ أنه نوع من القمار ، تكسب فيه أولا ، ثم تخسر بعد ذلك كثيرا وقد كان كل هذا الذي كان ، إن اشتعلت النيران ولم يستطع أحـد ، أن يطفئها ، كبئر للبترول ، عميقة ، وقد طالبتها النيران، فلا تستطيع أن تطفئها ، إلا بعد جهـد جهيد ، وها هو عرفان قد صدم في كل ما حدث وأخذ يقول دائما سبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، سلام قولا من رب رحيم ، وها هو زعيم جديد لمصر ، يتولى الحكم ، ويفرج عن المعتقلين ، ويذهب الناس إليه ليباركوا ويؤيدوا ، ويمر قرابة نصف العام ونتسلم أرض سيناء ويعود المهاجرون إلي بلدانهم ، ويعود البناء في كل موقع ، وتمر السنون وتعود العلاقات العربية مرة أخرى ، ونرى من يقول نعم ونرى من يقول نعم ، ونرى من يقول لا ، وجدير قد استقل بمنزل وزوجة منذ زمن ، وغدر متلة ، وكذلك نسيم ، وعرفان قد جلس في المنزل ، وبجوار روح الحياة ، ومن جهة أخرى عفارم ، وخادم صغير يقضي الحاجات وقد عاد عرفان إلي وضعة الطبيعي وقد ترك صحبة البارات والكباريهات ، وجلس في منزله يستعرض الصحف فيحزن علي صديق أو قريب جاءه القضاء فيذهب ليؤدي الواجب ، ثم يعود إلي جلسته ، فيذهب ليعرف المعاس ، ويشاهد التليفزيون وبجواره سيعى قصر النيل !! وهو يعجب كل ما يقدم وأكثر ما يعجب به بالافلام الجديدة ، ويرى أن هذه سنة الحياة وأن الحياة لا تستحق كل هذا الصراع وكل هذا القتال وكل هذا السياق القاتل ، ويقول آه منك يا حياة حملتك وحملتيني ، علي كفوف الراحة ، وعلي صخور الشوك ، وأخذت منك وأخذتي مني وحضرتي بسنك الحاد ملامحك في وجهي وفي جسدي ، وحضرت في صخرك الصلد طريقي وارتفعت إلي قمم جبالك ، وهبطت إلي قاع بحورك ، ورششت بالماء العذب ، ورششت بسموم ودم ، وها أنذا أجلس وقد بلغت من العمر ما بلغت ، لا أعرف حكمة ، لكل هذا ، وها أنذا ، بعد كل الحياة أجلس وحيدا ، إلا من روح الحياة وعفارم ، وقد تفرقت العائلة ، جميعها كأنها توحد مصر ، بتشابك هذه العائلة مع تلك ، وحتى مظلوم لم يتحمل صدمة ، فصلي من الشركة ، فقدم استقالته ، وعاد إلي البلد ، وقد فتح دكانا صغيرا يقتات عنه وقد يزورني من وقت لآخر ، وحتى الأقارب كل لاه في حالة وكذلك مدحت وحتى جدير ، أصبح وكيلا لشركة عريبة ، وهو الكبير ولا اراه إلا قليلا ، وها أنذا ، أرى الدنيا لا تسلم قيادها لأحـد كبيرا كان أم صغيرا ، حاكما كان أم محكوما ، جبارا كان أم ضعيفا ، وصدقت الحكمة ( لو دامت لغيرك ، ما اتصلت إليك ) ، وها أنذا علي علي كرسي الهزاز ، أجلس واجتر الليالي ، كحمل يعبر الصحراء ، وما زال أفق النهاية ، بعيدا وكل ما كان أنني تركت الخمر ، واتجهت إلي الصلاة ولكني لم امنع عن نفسي ، لمشاهدة وقراءة الصحف ، و حتى برهان لم يعد كتب إلي قليلا ، ولكن الصحف أصبحت أكثر وتعارض بعضها البعض ، والأحـزاب اصبحت أكثر وتعارض بعضها البعض ، والناس أصبحت أكثر وتعارض بعضها البعض ، والأولاد اصبحوا أكثر ويعاندون بعضهم البعض ، ولا ندري ماذا يكون ولا ندري ماذا يكون العالم ، غدا  ، أو بعد عد وقد صار الزحام فيه كثيرا ، والقتال فيه سريعا وآلات الدمار فيه أشد وبيلا ، والكل في لهاث وفي غيبوبة قد تطل من كوتها لحظات إشراق ، ولكنها ما تلبث ان تنطفىء ، قد نرى الأمل قادما من بعيد ، ولكن ريح الشر تسابقه ، قد نرى خط النجاح قريبا ، ولكنه السراب الذي عشناه ، وما زالت الحياة مستمرة ، مستمرة بك يا سبع الليالي ،  مستمرة بك منذ بدأتها ، بطيئة تسير أحداثها ببطء ، ثم سريعة ، عندما تلاحقت الأحداث سريعة ، ومسرعة أكثر حينما تغيرت الدنيا ، وتغير كل شىء فصارت حكايتك أسرع وأسرع وأسرع من ذي قبل وكان الزمن يختصر المسافات ، ويقطعها في زمن أقل القليل من ذي قبل ، وكأنك يا عرفان ، لا تعرف في معظم عمرك ، أكثر مما عرفته في سنواتك الأخيرة وكأن الليالي ، التي كنت يوما ملكا عليها ، وشاهدا عليها وسبعا عليها قد صارت غير الليالي ، اين تلك الليالي الجليات ، من لياليك السابقات ، في صحراء شاسعات ، وفي صوت فيها من المباني الناطحات ، وفي قرى فيها من الخيرات ، خيرات ومن الأنقياء ، الأوفياء ، هذه كل لياليك السابقة وهذه لياليك الحالية وقد توجت علي كل هذه الليالي ، سبعا وقالها الصديق ، عرفانا بفضلك ، وقالها العدو سخرية لسكرك ، وسخرية لبنضك وسخرية لكرمك ، ذلك أنه رأيهم نوع من السذاجة أو نوع من العبط ، وما عرفت أنت هذا يوما ، إلا نوعا من الوفاء ، ونوعا من الكبرياء ، فأنت يا عرفان سبع لليالي وللايام وللبشر سبع لأنه قابل كل هذا ، وما زال مع الحياة ، يجابه ويجابه حتى ولو جلس علي كرسي هزاز وتحت رجليه ، موقـد من نار ، يدفئه ، وفوق ركبتيه بطانية من صوت شتاءا ، أو كابرته خفيفة صيفا حتى ولو كان هذا وما كان هذا لسبع الليالي
عش مع ذكرياتك وأطلالك ، واشطب أوائل الأسماء ن من تأليف وتلحين ، ترى الكلام علي قدر المعاني.
وعلي كل الوجوه وكل الشخوص تعيش  الأسامي.