الخميس، 23 يوليو 2015

من قصص قبل الثورتين1 ***************** أكوام من القش قصة بقلم :ناجى السنباطى )سحابة سوداء (!!

من قصص قبل الثورتين1
*****************
أكوام من القش قصة بقلم :ناجى السنباطى

)
سحابة سوداء (!!

جلس العمدة فى (الدوار) يحيط به رجاله وبعض من وجهاء القرية يتبادلون وجهات النظر فيماحل بهذه القرية... الحديث يتشعب ولاينتهى ولاحل ولارأى ينقذ القرية مما أصابها . كانت قرية آمنة مستقرة، تقوم مع الفجر صلاة وعمل , وتنام مع المساء بعد حكايات ونوادر لتعود لدورة يوم جديد،هكذا حياتهم ،وهكذا مرت السنون وألايام،لم تحد الدورة عن دورانها ولم تكف،  وبنفس الثبات والحركة البطيئة المنتظمة والمستمرة. حياة كلها رتابة وملل،لكنها محببة للجميع،فلا تطلعات ولاطموحات فالكل يعرف ماذا يريد،والكل يعرف دوره لايزيد عنه ولايقل عنه،الكل يعرف المقامات،فلا يتخطاها ولايتخطاه احد.
إنقلب حال القرية فجأة..إنقلب رأسا على عقب،فالعمدة الجديد غير العمدة السابق،الذى كان غير العمدة الأسبق،وكيف لا وكل يوم عمدة جديد وكل عمدة يحاول أن يورث أولاده ،وأن يمتد حبل الحكم الى أحفاده ،لكن هيهات فالزمان غير الزمان،قد يكون السبب التنازع على العمودية،وقد يكون تغير الحياة فأصبح فى كل بيت متعلم على الأقل ..المهم ماكان ممكنا فى الماضى صعب تحقيقه فى الحاضر..وقد أحدثت المتغيرات أفكارا جديدة منها الصالح ومنها الطالح..فخرج من خرج ودخل من دخل وفسد من فسد وسرق من سرق وحرق من حرق  !!! وتصاعدت طبقات  ونزلت طبقات وتنازلت طبقات وإختلطت الأمور أيما إختلاف فلا رابط ولاضمير رادع إلا قلة تعض على مبادئها بالنواجز
. كانت القرية تحزن حميعا لموت فرد من أبنائها،فتعلن الحداد لأيام ،وكانت القرية تفرح لفرح فرد من أبنائها وتعلن الفرحة لأيام..يشارك الجميع فى الآحزان،ويشارك الجميع فى الآفراح..يتكافل الجميع فى العمل وفى الخدمة العامة وفى السراء وفى الضراء وحتى فى قضاء الوقت المفيد.
ماذا حدث لقريتنا ياعمدة؟!! قالها أحد الجالسين،فتبرم العمدة فى جلسته،وبان التجهم على وجهه وقال من بين ضروسه أو من تحتها أو من فوقها،لاأدرى،لقد أديت ماعلى والغفر عيونهم يقظى،فماذا أفعل أكثر من هذا؟!ا
السرقات تنتشر والحرائق تنتشر،أقول الحق لم يحدث فى عهد العمدة السابق والأسبق مثل ماحدث فى عهدى ،أناأحكم البلد بالحديد والنار!! ومع ذلك الفساد منتشر،والسرقات منتشرة،والحرائق منتشرة،وعامة الشعب جوعى عطشى مرضى عرايا والبلاء يحط عليهم من كل جانب..أعرف ذلك ياأخوانى فلا تعتقدون أننى( نائم على ودانى).!!!

رد أحد الجالسين،خفف ( الفردة الحكومية)- بكسر الفاء- والعوايد والذى منه والذى ليس منه..احرث الارض ياعمدة ..طهرها ياعمدة (من الغلت والديدان اللى بترعى فيها وبتاكل أرزاق الناس وبتحط المكوس على اللى بيمرض من جوعه موش لاقى غموس وتسيب اللى  بيمرض من شبعه  )... طهر رجالتك ياعمدة،طهر نفسك ياعمدة،إبعد ولادك ياعمدة!! نرجع تانى زى ماكنا!!.


نهر أحد الحاضرين... من قال ذلك ؟؟!!!..ماذا تقول يامجنون؟!! وهل هناك أطهر من العمدة وأولاده،ومن رجالته وأحفاده ،يابنى آدم لولاه لضاعت البلد!!

رد الرجل ماقلت غير كلمة حق ،أقولها وأجرى على الله،ولست أقل منكم حرصا على البلد،فالبلد بلدنا جميعا،وكلنا نسعى لخيرها،لقد أردتم ألرأى وجمعتمونا من كل صوب،لنقول رأينا..فلما قلناه،هاجمتم ماقلنا ..خذوا بقولناأو إرفضوه (ويادار مادخلك شر).!

قال رجل عجوز حكمته من عمر السنين والأيام، لاداعى للغضب فالرأى مكفول وكل فرد يستطيع أن يعبر عن رأيه وماجئنا إلا لذلك ولنفكر كيف نحل مشاكلنا الكثيرة والموجعة،فالمسئولية مسئوليتنا جميعا ،ولن نسمح لاحد أن يزايد علينا،أويعتقد أن البلد بلده لوحده،له ولأسرته وجماعته من بعده !!،البلد بلد الجميع وليست حكرا على أحد،ياجماعة الخير... البلد ملكنا جميعا،وعلينا أن نحاول حل مشاكلها معا وبأيادينا مجتمعة وبقلوبنا مجتمعة على قلب رجل واحد،وبعقولنا نفكر ونتدبر ماهو الحل وكيف ننفذ خطواته.

 قال العمدة بعد أن سمع وسمح بالحوار الذى يهبط حينا ويشتد حينا آخر،وماذا تقترح يامولانا للخروج من هذه الأزمة الطاحنة؟!! ماهو الحل الناجح؟ ! ..لكل المشاكل من سرقات وفساد وزيادة( المكوس) على الناس دون تفرقة بين غنى يستحمل ويستوعب وفقير يتكفى على وجهه من ثقل الأعباء أما كان أجدر برجالنا أن يراعوا ذلك حسب تعليماتى.!!

رد من قال فى سخرية واضحة... إما أنهم يفهمون تعليماتك بأنها عكس ماتقول   فيقطعون الرقاب وهى حية !! خاصة فى لقمة العيش بينما كان قولك لتساعدوا الفقراء والمساكين ليمشوا مرفوعى الرأس أو أنهم ياسيدى لايحترمون ماتقول !! أو أنهم فى جهلهم يقبعون فلامكان لهم إذن فى كل الأحوال هذا هو مقصد الأمر و ورأسه وعقاله.

رد العمدة مبتسما.. رغم سخرية قولك أكرر ماهو الحل؟ قال رجل ياسيدى الحل عندى.. فلا تسخروا منى..!!

ضحك الجميع فزجرهم العمدة يقول إتركوه يعبر فقد يكون الحل عنده ونحن تائهون فى غيبوبة الحياة. تشجع الرجل ثم قال..الحل فى أكوام القش!!

ضج الحاضرون بالضحك..قش..!!ماأحلاك ياقش!! أمرهم العمدة بالصمت وحسن الإستماع..إستطرد الرجل..ياسيدى الحل بسيط،..لدينا أكوام من القش وبدلا من حرقه ومايتبع ذلك من تلوث لبيئتنا ..نستخدمه فى رد المسروقات ونقضى على السحابة السوداء فى الوقت ذاته !!   ولاآتى بجديد هكذا فعل أجدادنا.

قال شيخ البلد وكيف يكون ذلك؟! أجاب الرجل،نجمع القش فى أكوام ضخمة فى كل موسم وندعو الجميع للعودة إلى الأصول أصول قريتنا وهى العيش بشرف وأمانة ومن مال حلال،وندعو دون أن نسمى،كل من سرق أو كل من نهب أو كل من إغتصب أو كل من أخذ ماليس بماله وبدون إذن من صاحبه أو كان مصدره من غير طريق معروف أو من غير طريق شريف أن يرده ليلا ويدسه فى أكوام القش( متنكرا) حفظا له من المهانة وسترا له من الفضيحة ولنسمى هذا اليوم.. بيوم التوبة!!

ثار الجدل مابين مؤيد للفكرة ومعارض،مابين مؤيد لجدية الفكرة ومابين ضاحك من الفكرة ذاتها ومابين مستهزىء بصاحبها ..إلا أن العمدة حسم الأمر، وأعلن موافقته على الفكرة وأمرالمنادى بأن يعلن فى البلدة،أنه إعتبارا من موسم الأرز الحالى،على كل صاحب أرض زارع للأرز أن لايحرق القش الناتج وأن ينقله إلى (جرن ) القرية،وأمره أن يعلن أيضا أن يوم الحصاد للأرز فى كل عام هو ..يوم (التوبة)  وعلى كل من إختلس أوإغتصب مالا حكوميا أو خاصا أو إستولى بغير حق على أشياء عينية أونقدية..أن يرده فى جوف ليل (متنكرا) - سترا له - إلى أكوام القش" بجرن" البلدة .. توبة نصوحة عما إرتكبه وإقترفه من فساد.

نادى المنادى بما أمره العمدة،ولما جاء اليوم الموعود،..يوم التوبة،..أمر العمدة بإطفاء الأنوار،وعدم التحرك فى جماعات وعدم التلصص على الملثمين فى ذهابهم وفى عودتهم،وعدم التجمع أو التواجد أمام أكوام القش منعا لحرج من يريد التوبة،كما أعلن بأن من يريد أن يصل إلى أكوام القش فالطريق مفتوح فلايخش أحدا وله أن يتنكر ويتستر حتى لايعرفه أحدا..حماية له ولأولاده ولأسرته وأهمل العمدة هؤلاءأسبوعا لرد المسروقات وهى الرد الحقيقى لإعلانهم التوبة

فى نهاية المدة المحددة وبعد مهلة لعدة أيام أخر..أعلن العمدة إنتهاءالعمل بيوم التوبة،وجمع العمدة رجاله ومجموعة من أمناء البلد،تم إختيارهم بدقةوبأمانة وإنتقل العمدة بحاشيته ومجلس الأمناء  إلى مخزن القش الكبير  وقاموا بتمشيطه وفرزه..فوجدوا الكثيرمن الأموال النقدية والعينية،فجردوا ماوجدوا،وردوا ماأمكن معرفة صاحبه ..أما الباقى وكم هو كثير فقد خصص لإقامة العديد من المشروعات التى تحتاجها القرية ،مابين مدارس ومستشفيات وملاعب وغير ذلك من الخدمات ومن المشاريع الصناعية ومنها إعادة تدوير القش للحصول على منتجات خشبية وورقية وغير ذلك من المنجات.

مرت السنون على هذا الحال ،وأصبح ..موسم جمع القش... عيدا للقرية،فهو يوم التطهير ويوم التوبة ويوم نظافة البيئة ويوم إنتهاء السحابة السوداء،يوم النقاء للإنسان وللبيئة المحيطة به،يوم المشروعات المختلفة،بالتمويل الذاتى من كل مايحصلون عليه من مال مردود،ولم يقتصر الأمر على القرية بل قلدتها القرى المختلفة،وغطت وسائل الإعلام هذه التجربة المهمة،بل أطلقت صحفية ماهرة،على هذه المشاريع ،مشاريع يوم التوبة.

إستمر الحال.. التوابون يردون والبناؤن يشيدون. حتى جاء يوم وقد قلت الحصيلة!!

إنتابت الدهشة العمدة ورجاله ومجلس الأمناء،كيف حدث هذا؟!وقال خبيث .. هل تاب الناس جميعا وردوا ثمن التوبة؟!!قالها الماكر وهو يبتسم إبتسامة تحمل معانى كثيرة .. رد عليه   رجل حكيم ،لاأظن!! وإستطرد قائلا  طالما الحياة مستمرة فلابد من مقارعة الشر للخير ولاينتهى هذا أبدا ..إلا بإنتهاء الحياة ،وماأظن نقص الحصيلة إلا بفعل فاعل!!،ولابد من الحيلة لنعرف من المتسبب فى ذلك؟!


قال العمدة ولكننا نأخذ بالتستر، حتى نستر من يريد التوبة،فكيف نحتال ونفشل المشروع بمحاولتنا معرفة من قام بها!!
قال الحكيم،إذا لم نفعل فلن نجد حصيلة فى المواسم القادمة،ومانفعله لصالح الجميع.

إتفق العمدة واللجنة،على معرفة الفاعل ،وأقاموا الكمائن لعدة ليالى،عسى أن يوقعوا بالفاعل،فلما كاد اليأس يقتلهم،وقرروا أن يكفوا عن ذلك،فى آخر ليلة من ليالى موسم حصاد الأرز، وقد قارب ميعاد الفجر أن يلوح،وهم على وضعهم يراقبون،من يضع فى أكوام القش،وقد أخذ النعاس يغالبهم من كثرة سهر الليالى والملل يأخذ منهم كل مأخذ،ولاأمل فى الأفق يلوح، لكشف الغمةوفك طلاسم الأمر
..لاحت أضواء عربة مالبثت أن إقتربت من أكوام القش فإذا هى عربة نقل، توقفت تماما أمامها ثم أطفأت أنوارها،وفتحت أبوابها ،ونزلت منها مجموعة ملثمة،إتجهت ناحية أكوام القش،وتوزعت على جنباته،وشرعوا فى العمل،يفرزون القش فى مهارة تنم عن خبرة سابقة !! فلما تظهر الدفائن،يحملونها  على العربة ،ولما قارب العمل على الإنتهاء،أشار العمدةبالهجوم،فتحرك رجاله ،وأعضاء اللجنة،وأمسكوا بهؤلاء الملثمين،وقام العمدة بنزع الأقنعة عنهم وعن زعيمهم،فإذا هو ...إبنه!!!!وبصحبته بعض من أبناء حاشيته!!  فخر العمدة صريعا..بلا عودة !! (
إنتهت

ليست هناك تعليقات: