السبت، 6 أغسطس 2011

إعترافات كرسى مسئول قصة بقلم ناجى السنباطى


إعترافات كرسى مسئول
قصة بقلم ناجى السنباطى

أنا كرسى مجرد كرسى مثل آلاف الكراسى ولكن حظى العاثر جعلنى كرسيا غير كل الكراسى رحلتى طويلة وعجيبة كنت جزءا من شجرة قطعونى عندما قطعوا أمى الشجرة صرخت ولم يسمعنى أحد او سمعوا وتصنعوا عدم السماع فذهبت صرخاتى ومناداتى أدراج الرياح ولم أسمع سوى ضحكات العمال إلا بعد حين وقائل منهم يقول: وماذا يفيدك يامسكين وقد قطعت أمك ؟! ماذا يفيد الفرع إن قطع الأصل ؟! فلاغذاء ولاشراب حتما سيموت.
 بكيت قلت لهم: ليتكم قطعتمونى ولم تقطعوا أمى الشجرة ، فهى تعطيكم الظل فى الحر الشديد وتعطيكم الثمار ذات المزاق الحلو وهى تعطيكم الدواء وتعطيكم الغذاء ، ولكن لامجيب لتوسلاتى ولاحياة لمن تنادى، قدت قلوبهم من حجارة قطعونى حينما قطعوا أمى وقطعوامعها آلاف الأمهات وآلاف الأبناء ونسوا أنهم يقطعون حياتهم فنحن الظل ونحن الثمر ونحن الأوكسيجين الذى يتنفسونه .

إستخدموا المناشير الكهربائية فى تسويتنا وتهذيبنا ثم نقلونا إلى المصانع لنصبح آلاف القطع من الأخشاب ثم وزعونا على الورش فتولانا عمال مهرة فصنعوا منا الأثاث المختلف الألوان والأشكال، لقد حولونا بأناملهم المبدعة وعقليتهم العبقرية إلى تحف جميلة ثم أعطونا المكياج اللازم فصرنا كالعرائس فى يوم عرسهن ثم عرضونا فى غرف مشيدة جميلة إنتظارا للفحص والمعاينة ثم جاء من إشترانا بعد مزاد لاأول له ولاآخر على أساس القيمة الفنية التى وضعت فينا ، وإغتنى بسببنا من إغتنى ولكننا ظللنا مجرد أخشاب حتى ولو صرنا تحفا يقتنيها من يقدر.

كان نصيبى فى الورشة وأنا فرع الشجرة البكر أن أكون كرسيا وكان نصيبى بعد الصناعة والمكياج أن أكون جوهرة التاج فى المعرض ولذلك كنت قبلة الناظرين ومن ثم كنت أول من إشترى بعدمزاد عنيف تخلله فصال وجدال ومساومات وعمولات.

كان سيدى الذى إشترانى فى المزاد المخيف مسئولا من المسئولين تحوطه الأبهة والخدم والحشم من كل جانب ، إشترانى  لكى يجعلنى عبدا فصار مع الايام عبدا لى!! إشترانى وسدد ثمنى بشيك حكومى ونقلنى الخدم والحشم والحراس فى رفق وحنان فوق سيارة حكومية إلى قصر حكومى لم أسمع عنه من قبل ولم أر له مثيلا  وفى غرفة مكتب سيادته كان مرقدى ومقرى.

مرت الأيام على وأنا على هذا الحال أسمع وأرى وأصمت ، كل الحياة بمشاكلها ترقد أمامى كل الصفقات وكل الإتفاقيات وكل الألاعيب والحيل غير خفية على  وكيف يخشون كرسيا!! خلاصة القول أن كل الأسرارمعى ولكنها فى بئر لاقرار له فمن يقدر على إستخراجها أوحتى معرفتها من كرسى مخه خشبى   !؟

موقعى يحسدنى عليه كل الخشب المصنع ومعهم حق فى ذلك فمن يمتطينى يوما مسئول كبير بيده يوقع آلاف القرارات يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ولايقدر عليه غير الله ، يأمر فينفذ أمره فورا يتهافت عليه الناس فى إجلال وفى تقدير وإحترام مشوب بالخوف ، ولكنه أمامى عاري من كل هذه الأبهة عاري حتى من ورقة التوت ، سمعته وشاهدته وهو الجبار المتكبر المغرور وسمعته وشاهدته وهو فى مكتبه منفرد بنفسه وبخوفه وكم تحدث بالتليفون فإن كانت زوجته صبت عليه جام غضبها ولم ينطق بكلمة سوى حاضر أنا آسف أمرك ، كانت المرأة تملكه تماما وكانت فى كل مرة هى الآمرة الناهية ، وكان أهم أوامرها  طلبات( ننوس عين أمه) ولم يرد لها أمرا أبدا وأصبحت طلبات (الننوس) تنفذ فى الحال هكذا حاله أمام زوجته وأمام دلوعتها (الننوس) وكانت تطلب منه أشياء عجيبة حتى سيارات العمل الحكومى مادامت قد أعجبت ( الننوس ) وأرادها كانت له عن طريق الماما التى تأمر المغلوب على أمره فينفذ بعد أن يرفض ويقول" ياستى أنا" هذه عهدة حكومية  !! تقول وإيه يعنى حد بيحاسبك ؟!! ثم ينفذ ويبحث عن مخرج لهذا الفخ  ،أما إذا كانت المتحدثة إحدى المعجبات وهن كثر!! إعجابا بسلطته وماتفتحه من أبواب وغير ذلك من الأمور تراه قد تحول إلى عاشق متيم رقيق المشاعر .. قلب طفل وعقل طفل!! يذوب رقة ويفيض حنانا أما مايحدث حينما يكون على الخط مسئول أكبر ، أجده يتصبب عرقا فى شهر طوبة من أشهر الشتاء وتأخذه رجفة مابعدها رجفة وقد أصبح التليفون فى مخيلنه هو المسئول بشحمه ولحمه ودمه!!.



هكذا حدث وهكذا كان وهكذا كان  موقعى القريب منه نافذة تطل علىالحقيقة كل الحقيقة ومرآة صادقة للإنسان  فى جبروته وفى ضعفه.

مرت بنا الأيام يسابق بعضها البعض  ومرت بنا السنوات ومن سرعتها خلتها أياما ، وأنا فى هذا الموقع أراقب وأسجل وأصمت ، فلمن أفضى بمكنون قلبى، وحتى فى أجازات سيدى كنت أيضا المراقب والسامع والشاهد والمشاهد ففى الأجازات يجلس آخرون على الكرسى الذى هو أنا  فى غياب صاحبه وماهو صاحبه ولكن الأوراق تقول : أنه صاحبه  وهؤلاء الجالسون مؤقتا حينما ينفردون بالمكان وبكرسى الزمان يقفلون الباب وتراهم على طبيعتهم وقد تجردوا من الشكل الرسمى وبانت النفس البشرية عارية قبيحة ، هم فى جلستهم ولازائر يكشفهم ، يقومون يدورون حول الكرسى يتحسسون عضلاته الخشبية ويتمنون الأمانى ويعبرون عن الرغبات القابعة فى أنفسهم ، أكاد أسمع زفراتهم وآهاتهم وهمساتهم ، متى يكون هذا الكرسى لى ؟ ألست أحق به من هذا المتأنق الذى اخذها بغير حق ؟ ألم يتخطانا لقربه من المسئول الأكبر ؟! متى تكون لى أيها الكرسى من خشب وأصماغ ومسامير ؟! ماذا فيك من سحر؟!

يحاورون الكرسى حضرة المبجل أنا !! يجادلون الكرسى وكأنه من لحم ومن دم !!وأنا صامت لاأستطيع أن أرد ولكننى على علم بدخائلهم فهم عرايا أمامى كما ولدتهم أمهاتهم ، لقد صرت فى نظرهم الأمل والحل ، ليس لقيمتى من خشب ومن دهان و مظهرى الجميل وإنما لما يشكله مقعدى من سلطة ومن قوة ومن مصدر للطاعة والهيبة  ،كل الأبهة التى يحلمون بها.

كان هذا دائما حالهم فلما يعود الصاحب الرسمى طبقا للقرارات يعودون إلى ساقية العمل ، يلفون فيها ويقودهم بكرباجه أو بلطفه ، وماوجدت تفسيرا لهذه العلاقة سوى علاقة السيد بالعبد والعبد بالسيد ، يريد العبد قتل السيد ولكنه يظل عبدا لأنه عاجز دائما وإنما هى مجرد رغبة دفينة ومجرد أضغاث أحلام ، فسرعان مايعود إلى دور العبد ، ويعرف السيد مايدور بعقل العبيد ، ولكنه لايقلقه لأنه كان يوما عبدا لسيد أكبر ولم يزل عبدا لسيد أكبر ولكنه فى نطاقه سيد على عبيد منهم أسياد أقل مرتبة.

الحديث في موقعنا لا يتوقف، الكل يشارك في الحديث حتى العمال يحكون الذكريات عن الكراسي السابقة وعن المسئولين الذين جلسوا عليها ومن إستمر على كرسي سلفه ومن أمر بتغييره ومن يتفاءل بالكرسي القديم ومن يتشاءم منه ويطلب إحلاله بكرسي جديد حديث مزود بتكنولوجيا جديدة تعطى المزيد من الراحة ومن الاسترخاء ، بل هناك من يصر على إستيراد ( كرسي أمريكاني )...!! ، يتحرك آليا يريده كرسيا حديثا يتم توجيهه عن بعد !! يريده أمريكيا ( ونحن أهل الصنعة ) !!

أما رحلة الكرسي القديم  فيذهب إلى المخازن أوإلى مسئول أقل  وقد يحتاج إلي  ترميم ، فإذا فشل الترميم أودع مخزن الخردة حتى يتم  بيعه فى مزاد كما بدأ أول مرة ، ولكن الأولى كان المزاد لغلو ثمنه أما المزاد الأخير فهو لإنتهاء أمره وتفاهته ومعاملته كخردة  يتم تدويرها فيما بعد لتدخل فى قطعة جديدة أولاتدور وتذهب إلى المحرقة لتلوث الجو بما يتصاعد منها من ملوثات بحكم الإستخدام والزمن أو بحكم طبيعتها وعموما من التراب بدأنا والى التراب إنتهينا ، وقد يعتز المسئول السابق بالكرسى فلايذهب إلى التدوير أو إلى الحرق ويأخذه معه إلى منزله  ليجلس عليه ويذكره بالأيام الخوالى وليؤنس  وحدته بعدما ذهب الجاه والسلطان ، وقد يعده ليجلس عليه الأبناء من بعده!! وقد يكتفى بوضعه كأثر من الآثار أو يتبرع به للمتحف ليتفرج عليه الناس.

إخوانى مرت على السنون وأنا الدليل والبرهان وكاتم الأسرار ، أنا الحقيقة التى لايوجد بعدها حقيقة ، يتبادلنى المسئولون كما يتبادلهم المسئولون الأكبر منهم مركزا ومسئولية ، لم أنحن  ولم تضعف همتى إلا بحكم الزمن وحكم الجالسين الجدد من الأوزان الثقيلة  التى كسرت أضلعى اوالأوزان الخفيفة التى سبحت فى الهواء.
شاهد على كل شىء فلا أنا   قادر على البوح  ولاأنا  قادر على الإفشاء ، وكما  كبر كل مسئول فوق أكتافى وكما صغر كل مسئول بعدما أهملنى ، وكما تلاشى كل مسئول فجأة  كما جاء فجأة أحسست بالتلاشى ، شعرت بذهابى إلى المخازن وتخيلت رحلتى إلى المحرقة أو  إستخدامى كقطعة صغيرة فى كرسى جديد ، ذلك يوم قال المسئول الجديد وهو ينفث دخان سيجاره الكوبى الضخم : أريد كرسيا فخما يليق بى ، كرسيا  لم يجلس عليه أحد من قبل ، ولايأتى بمثله أحد من  بعدى فلا أقبل كرسى السابق .
عندما سمعت منه هذا وهو يعطى توجيهاته لعبيده ، إنتابنى الغضب ، وقررت أن أسقطه من فوق الكرسى قبل أن ياتى بكرسى جديد ، بعد هذا العمر الطويل ، كان شعورى أننى كرسى مسئول فكيف  يعزلوننى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!


إنتهت


ناجى السنباطى
رئيس تحرير مجلة صوت السرو
المطبوعة والإلكترونية

ليست هناك تعليقات: