السبت، 19 مايو 2018

زوجة الباشا




****************************
*بدأت الفكرة بحكاية سريعةحكاها لى خالى المغفور له بإذن الله الأستاذ انور ابراهيم السنباطى وكيل وزارة التموين بمحافظة دمياط فى حينه عن حكاية واقعية حدثت....وقمت بصياغتها فى شكل قصة أدبية طويلة عن حكاية الواقع البسيطة
* و عندما اصدرت مجموعتى القصصية فى الكويت فى أغسطس عام 81 على ما أتذكر كانت تشكل عامود الخيمة للمجموعة القصصية
*نظام القضاء الشرعى كان موجودا قبل ثورة يوليو 52 والغى بعد الثورة
*جميع الاسماء الواردة بالقصة هى نفسها الموجودة فى الكتاب المنشور 81 وكلها اسماء قصصية وليست من الواقع
*جميع المهن الواردة بالقصة لها احترامها وتقديرها حتى الان....وكل مجتمع به الصالح والطالح والخير والشرير ونحن نعرض لنماذج فاسدة ولانعمم وكل مهنة بها الكثير من الصالحين والقليل من الفاسدين ولانقيس الغريب الطباع على عموم الشرفاء فى كل المهن
*سوف انشر القصة بالتتابع حتى لاأرهق القارىء
*وفى نهايةالامر هى مجرد قصة ويبقى مانأخذه منها من عظة حتى لانضيع فى مسالك الحياة
**************

ثلاثة عناوين لقصة واحدة
**********************.
*زوجة الباشا
***********
*عقاب الله
**********
*الإرث الدامى
**********
*بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى
*************************
*إستيقظ احمد باشاالخميسى..من نومه مبكرا ونادى على خادم المنزل بأعلى صوته...فلم يسمعه الأخير.فكرر النداء....حتى سمع طرقا على الباب فأذن بالدخول...وإذا به يفاجأ بالخادمة(منيرة)...مد يديه...يطرد النوم من عينيه....وسألها بلهجة جافة...فينك يامنيرة...لقد بح صوتى من كثرة النداء عليكى...ولاأحد يرد
*قالت آسفة ياسيدى...كنت مشغولة مع سيد وهو يحلب البهائم
*رد قائلا بسيطة...إحضرى العباءة الصوف..ونادى على مبروك...ليجهز الفرسة(مرجانة)...لأذهب فى جولة حول الحقل
*حاضر ياسيدى
*خرجت منيرة من حجرة نوم سيدها...وهى تبحث عن العباءة...كانت موجودة على الأريكة الكبيرة فى المضيفة...إنها متأكدة من ذلك....لقد رأتها بعينيها وهى تنظف الحجرة الكبيرة(المضيفة)
*تعودت منيرة ان تبحث عن هذه العباءة وعن أشياء سيدها منذ ماتت السيدة الكبيرة...حيث ينسى حاجاته...وينادى على كل من فى المنزل ليلبى طلبه
*بحثت منيرة عن العباءة فوجتها معلقة على الشماعة فى حجرة السيدة الكبيرة..رغم أنها متأكدة أنها كانت على الأريكة...لابد أن أحدا ما نقلها..
* كان عقلها يبحث هو الآخر عن إجابات عديدة....لاتجد لها إجابة....عن الحب الكبير...الذى الذى يكنه أحمد باشا لزوجته وعن وفائه النادر لها...فهاهو يزور حجرتها كل يوم...كما لو كانت على قيد الحياة...زيارة عاشق أضناه الحنين والحب ويضع المحاذير والأوامر على من يدخل حجرتها...وهاهو ينسى الأشياء الخاصة به..فيضع عباءته فى حجرة الضيوف ثم ينساها ثم يتذكرها فيأخذها إلى معبده...ويعلقها على الشماعة فى حجرة زوجته (علية هانم) كما كانت تفعل مع ملابسه دائما.
*كانت منيرة تراه دائما على هذه الحالة منذ ماتت (علية هانم)...تراه عابدا فى معبد الحب....راهب متصوف...ترك القاهرة نهائيا...وجلس فى عزبته...ولايتذكر المدينة إلا فى زيارة خاطفة لمقابلة أحد الكبار أو لرؤية أولاده...إسماعيل بك وحازم بك ونجوى هانم....حتى عضويته فى الحزب أهملها بعد أن كان هو قطبه وعموده الفقرى...وإحترم الأعضاء فيه حزنه ووفائه فتركوه على ماقرر وعلى مايبغى...إلا أنهم فى نهاية الأمر..إضطروا إلى تجميد عضويته....لكنهم لم يفصلوه...لسابق عطائه ونشاطه فى المجال الحزبى....ورغم أنه بعد عنهم بجسده وبقلبه..إلا أنه كان مع حزبه ومع رجاله بعقله وبروحه... فهو تاريخه وعمره الذى قضاه فيه.
*كانت الأفكار تدور فى عقل منيرة كعادتها دائما..وكما دارت وهى تحمل العباءة إلى سيدها....وكانت بحكم وجودها فى دار الباشا....وبحكم قيامها بتقديم الخدمات والمشروبات ....على علم بكل تفاصيل النشاطات الحزبية....وهى التى لم تحصل إلا على مبادىء القراءة والكتابة...إلا أن المثل يقول من (جاور الحداد ينكوى بناره)....وقد جاورت منيرة الحداد وأى حداد...فتعلمت المهنة والأصول كلها....حتى صارت مع مرور الوقت...ضليعة...فى كل أمور المنزل والضيافة والثقافة والسياسة....وكانت الصحف متوفرة بشكل دائم...وكانت لها فى أوقات فراغها نعم الصديق...وخطوة خطوة..إكتمل وعيها بكل الأفكار والثقافات....وهى مجرد خادمة....كانت ترى تناطح الكبار وصراعاتهم....وسقوط حزب وصعود آخر..وتولى حكومة للحزب...وتولى المعارضة الحكومة... كل دنياالسياسة تدور حولها وتدور معها وعلى وعى بالكواليس حيث تدار المكائد.
*حملت منيرة العباءة وحمل عقلها آلاف الأفكار وتواردت كالشلال....وهى فى طريقها إلى سيدها.... فهى ترى بعينيها وفاء الباشا لزوجته وترى على الجانب المقابل عذابها الذى تحملته عشرين سنة مع زوجة أبيها....حتى إضطرت إلى ترك المنزل والعمل خادمة فى منزل أحمد باشا... وهاهى قد بلغت من العمرالثلاثين ....تعدهم وتحسبهم سنة بسنة ...وشهرا بشهر....ويوما بيوم...ودقيقة بدقيقة....لقدبلغت هذا العمر....ولم تتزوج بعد....رغم جمالها الخلاب الذى تصارع من أجله الكثيرون.
*شغلها قتامة الحزن بعيدا عن أسرتها وفى أحضان زوجة أب قاسية وأب ليس له إلا أن يطيع الأوامر المنزلية... ومن ناحية أخرى ....ضنك العيش.... وهو ما أوصلها للعمل كخادمة لتتخلص من قسوة زوجة أبيها ولتوفر لها ولوالدها بعض من المال .فهو فى الأول وفى الآخر والدها ورعايته واجبة .
* إستمر الحزن معها حتى وهى تعمل فى بيت الباشا فهى بعيدة عن أسرتها.... وحاولت أن تنسى بعملها الجاد والمخلص....فنست نفسها...ونست حقوقها كإمرأة من زواج ومن ذرية.
*أفاقت منيرة على صوت سيدها....أين العباءة...أريد أن أمر على الأرض فلم أقم بجولتى منذ مدة وقد إشتقت إليها !!
*عاد عقلها الشارد من رحلته....فتقدمت بالعباءة نحو سيدها وألبسته إياها.
*قال لها وهو يهندم ملابسه وينسق مابين الجلباب السفلى والعباءة التى تعلوه....شكرا منيرة...حضرى (الفطار) حتى أعود...قالها وهو يهم بالخروج ولم يكن من رد سوى......حاضر ياسيدى.
*خرج أحمد باشا....من باب المنزل... وتمشى تحت تكعيبة العنب الطويلة....وتذكر زوجته....فلطالما....جلست معه تحت هذه التكعيبة...يتسامران ويتضاحكان....ويتذكران الأيام الخوالى....يالها من أيام فرح وسرور....قالها أحمد باشا مخاطبا نفسه....وتنهد تنهيدة طويلة....تنفس فيها كل الهواء....شهيقا.....وأطلق فيها كل الهواء.....زفيرا.... وتحدث ملاكه الداخلى....أنت الذى تجلس نفسك فى هذه القوقعة
*ماذا أفعل؟!
*عليك بالزواج!!
*الزواج!!.... أأتزوج بعد هذا العمر؟! ولدى من الأولاد والأحفاد....الكثير!!
*يارجل لم تكبر بعد
*لقد أشرفت على الستين
*ولكن قلبك إبن العشرين
*لكن عليه هانم.....لقد وعدتها
*لكن عليه هانم.......ماتت....وأنت لم ترتكب فى حقها وزرا
*لقد وعدتها!!!!ّ
*والوعد من شيم الكرام.....وقد وفيت بالوعد....وكنت رجلا...فلم تعاشر النساء حراما....وكانت الحفلات أمامك مرتعا
*كنت أخاف الله....
*وكنت على الذكرى أيضا .... قائما
*معك حق....كان خوف الله ...وكانت الذكرى
*وإحترم الجميع....موقفك....حتى الحزب
* نعم حتى الحزب....قدروا موقفى
*إذن أكرر القول ....أخاطبك .....عليك بالزواج
*دعنى أفكر!!!!!!!!!!!
*إمتطى أحمد باشا الفرسة (مرجانة) بعد أن إستند على (مبروك)....سائس الخيول ....وإستعد....للإنطلاق...ورمى حواره السالف جانبا...ولما هم بالمغادرة....أتت منيرة مسرعة.... منديلك ياسيدى....لقد نسيته....ومد يده وأخذ منها المنديل!!
*المنديل المعطر كعادته فى تجواله...ولم ينسه الشيطان وإنما التفكير....ومالبث أن لكز المهرة...سعيدا بوجود خادمة مثل منيرة لاتنسى عاداته وحاجاته.
*إنطلقت (مرجانة)... وهى ترقص فى مشيتها....سالكة طريقها الذى تعرفه تماما....وعاد ملاكه مع نسمات الهواء العليل الذى يحتك مع أوراق الشجر فيحدث حفيفا محملا بأريج عطور أشجار الفواكه المختلفة....عاد ملاكه لينعش ذاكرته ويواصل ما إنقطع من حديث.
*طيب وماذا عن الزوجة؟!....أننى أريدها....زوجة وقورة....ست بيت
*قال ملاكه إبحث ستجد
* ومن ترحب بى وقد بلغت من العمر مابلغت!!
*لكنك غنى
*إذن من ستتزوجنى....ستبحث عن مالى
*وماذا فى ذلك؟!
*أنت تعطيها المال....وهى تعطيك شبابها
*
*جميل....جميل جدا....!!!!
*قهقه الباشا وأسرع بفرسه قليلا....وهو يدير عينيه فى أنحاء الأرض الممتدة بلا نهاية.... وهو يرى المثمر منها والنابت والمروى والمحروق والجاف.....والجميع يعملون.... يزرعون ويقلعون ويحصدون ويخزنون من الإنتاج مايمكن تخزينه ويبيعون مالا يمكن تخزينه... والحياة تسير مثل هذا الزرع تماما.
*كانت العينان...تبحثان فى الأرض وتقارنها بالحياة.....وكان الفم يرسم ضحكة طويلة لم ترسم على وجهه الدائم التجهم منذ مدة طويلة........لأول مرة يضحك...منذ توفيت زوجته.....لقد حرم نفسه من كل شىء....شرب....حفلات ....إجتماعات....حتى الضحكة نفسها....حرمها على نفسه.... وهاهو اليوم يضحك....أيضحك من الدنيا....أم من نفسه....أم من حواره الداخلى الذى ماينقطع إلا برهة ليعود من جديد... ومن جديد تكررت ضحكته وقال لفرسته هيا يامرجانة نعود!!!!!!!!!
*فى طريق العودة....رجع لمحاورة نفسه.... إن شاء الله سأذهب إلى صديقى (على) باشا....وأشركه فى أمرى لعله يجد حلا لى ....أسرع الباشا بقرسه فى رحلة العودة بعد أن شم هواء الصباح المعطر وبعد أن أيقظت الجولة فى نفسه أحاسيس ماتت منذ ماتت زوجته.
*عرج أحمد باشا على إسطبل الخيل....فعهد بمرجانة لمبروك....وتفقد أحوال الخيل.....وسأل عن الحامل والمريضة...ثم واصل مسيرته على قدميه إلى المنزل.
*قابلته منيرة فأخذت العباءة عنه
*سألها.........الفطور جاهز يامنيرة؟!
*جاهز ياسيدى
*رد قائلا ... على بركة الله
*جلس إلى المائدة...فأكل مالذ وماطاب من بيض مقلى بالسمنة البلدى وفطير مشلتت وجبنة قديمة وعسل نحل ..وأكمل بكوب من الحليب....وجبة كاملة أكلها لأول مرة وبنهم وبشهية مفتوحة...ثم قام بعد أن حمد الله على النعمة....... ونادى على منيرة لتحمل ماتبقى...وأبلغها أنه ذاهب إلى صديقه على باشا فى عزبته الخاصة.
*ردت منيرة على بركة الله


***القسم الثانى
**القسم الثانى من قصة زوجة الباشا
*****************************************

*لاحظت منيرة...التغيير البسيط الذى طرأ على سيدها...ولم تعلق!!....غير أن عقلها كان فى دوران..وفى حوار داخلى...الأيام تنسى وتطوى الذكريات...علية هانم ماتت....وقد حزن عليها الباشا كثيرا....ويبدو أنه آن له أن يفرح....ماذا يريد منه الحزن المقيم منذ سنين؟!...لقد أقعده سنينا....فليترك له ركن فى الحياة يفرج به عن نفسه.
*كان هذا المونولوج الداخلى لمنيرة...تتكلم وفمها مغلق!!
*هل حقا تعطف على سيدها..أم ماذا؟!...ولماذا تعطف عليه؟!...تعطف على هذا الرجل...عجيب أن يعطف الخادم على السيد...المسألة نسبية...فالغنى او الفقر نسبى....ولكل ألف وجه...فأنت غنى من ناحية وفقير من ناحية أخرى....وهنا أحمد باشا...غنى بماله وبحسبه وبنسبه...ولكنه فى حاجة إلى رعاية يفتقرها...لقد فقد زوجته وتركه الناس....حتى أولاده...كل فى شأنه....فالأجيال تختلف....يعيش بعضها البعض فى عزلة تامة...كل منهم يهيمون فى أودية مختلفة.... ومن ثم بقى صاحبنا وحيدا ...ثم أن هناك مبررات عديدة لمنيرة لتعطف عليه....فهى لم تسمع منه كلمة نابية...ولم يناديها من قبل بكلمة تؤذى شعورها....دائما يناديها(يامنيرة)....لم يقل أبدا لها ....يابنت!!...أو أنت يابنت...............!!!! كما يفعلها الآخرون....وكما سمعتها من خادمات ومن خدم القصور الأخرى....لم تر منه إساءة يوما...أو طمعا فيها!! وكم كان هو المانع والحاجز والحامى لها من تهورات أولاده حينما يأتون إلى العزبة....فظلوا بعيدين عنها لصرامة والدهم... كما أنه طيب القلب نقى السريرة....وغضبه وقتى سرعان ماينتهى....لكل هذه الأسباب....تعطف عليه منيرة...وتراعيه كما لو كان إبنها الذى لم تحمل به بعد!!!!!
*لذا لما لاحظت التغيير البسيط الذى طرأ عليه....إبتسمت حتى وهى تتذكر ماذكرناه...وإتجهت بنظرة رضا إلى كل من حولها...وعادت إلى عملها بهمة وبنشاط....حتى صار المنزل جنة وارفة الظلال...النظافة عشرة على عشرة....والديكور والترتيب فاق الوصف...ولم تكتف بل إلى المطبخ ذهبت لتدير حركته...ولتعطى تعليماتها للطباخ ومساعده...بما يجب أن يعد من طعام...حقا إنه شعور الأنثى بسبب التغيير!!!!
*

*ركب أحمد باشا سيارته وذهب لمقابلة صديقه (على باشا )..فى عزبته التى تبعد عشرة كيلومتر عن عزبة بطلنا.
*قابله على باشا كعادته بكل ترحاب....وهى عادة المضيف نحو ضيفه...فما حال الأصدقاء...وأى صداقة...صداقة تمتد جذورها ضاربة فى عمر الزمن...شبا معا ...عمر طويل ممتد..لم يعكر صفوه أحد..فلم يختلفا قط...صحيح أحمد باشا صار وحيدا...وعلى باشا مازالت زوجته على قيد الحياة..أطال الله فى عمرها..إلا أن أحمد باشا حرم على نفسه كل شىء منذ ماتت زوجته..إلا شىء واحد هو رؤية صديق عمره...كان يذهب إليه كلما ضاق به ضائق...فيغوصان فى كل شىء بدءا من الزراعة وإنتهاءا بالسياسة ووسطا برياضة الطاولة وأحيانا الشطرنج.
*جلسا الصديقان بالشرفة الأمامية من المنزل ... ولم يمض وقت قليل حتى نادى على باشا على زوجته الحاجة(نعيمة)
*تعالى ياحاجة سلمى على ريحة أحبابك
*من ياباشا؟!
*أحمد باشا
*أهلا وسهلا...كانت أيام...الله يرحمها (أمينة هانم)..صداقة عمر..كانت نعم الست...خيرة.... تعرف الله تماما ...الله يصبرك ياباشا ويصبرنا معاك
*الصبر من عند الله ...نعيمة هانم
*ونعم بالله .....بالإذن ياباشا
*تفضلى أمينة هانم
*****
**إنطلقت امينة هانم إلى داخل المنزل ...آمرة بالمشروبات من ليمون وشاى...وعادت إلى حجرة المعيشة التى تشرف منها على كل صغيرة وكبيرة فى المنزل.
*بينما الصديقان..قد نصبا عدة لعب (الطاولة) وتركا الشطرنج جانبا....ففى تفكيرهما أنه يحرمهما من متعة الحديث أثناء اللعب...حيث أنه لعبة تحتاج إلى تفكير وتركيز شديدين..وهما يريدان إقتناص الوقت فى الحديث...ثم أن الشطرنج كما يقول على باشا دائما لعبة الإستعداد للحروب وللصراعات السياسية...فله وقته وميعاده حينما تعود لعبة ومناورات الأحزاب ...فى الإنتخابات أو لدى تشكيل الحكومة أو علاقات الحكومة بالمعارضة والمعارضة بالحكومة!!!.
*إبتدأ اللعب وإبتدأ الحديث على نفس التوازى وعلى نفس المستوى...وبذل كل منهما مجهودا...لكسب الماتش...وكان الحوار لاينتهى وينتقل من نقطة إلى أخرى كالنحلة...فى تحركها من زهرة إلى أخرى... حوار مفعم بالمحبة ينساب فى بساطة وفى سهولة وفى سيولة....تناولا شئون البورصة وإنقلبا إلى السياسة وأهمها الوعكة الصحية التى ألمت بالزعيم!!!!....وآراء صحف المعارضة التى قالت أنها وعكة دبلوماسية!!...أراد بهاأن يتفادى مقابلة ضيف البلاد... ومن موضوع إلى آخر حتى وصلا إلى الحب!! والحب ليس للصغار بل للجميع كبارا وصغارا...تحدثا عن الأيام الخوالى التى جمعتهما.. والذكريات فى السنين اليافعات من حياتهما وكلما تذكرا ضحكا...ولما إشتدت حمى الحديث وطيسا وتأججت ناره....دخل أحمد باشا فى الموضوع الذى جاء من أجله...فالجو مهىء بعد التمهيد الذى تم.
******
**على باشا؟!
*لبيك أحمد باشا!!
**لقد جئتك اليوم لأمر هام
*ماهو؟!
**الحب!!
*الحب ياباشا...وضحك على باشا من الأعماق... الحب نتناوله فى حديث الذكريات ..
فى مثل حالنا...وإن كان الحب جميل فى كل الأوقات
**ليس بالضبط الحب...إنما أقصد الفراغ
*وماعلاقة الحب بالفراغ؟!
*علاقةوثيقة..الحب يملأالفراغ فيحوله إلى مكان جميل وزمن جميل
*أى فراغ تعيش فيه؟!
**أمينة هانم ماتت ...أنسيت؟!
*لم أنس ...تقصد الفراغ الذى تركته الزوجة؟!
**هوكما قلت تماما
*كنت الصامد عمرا...مدة طويلة مرت على وفاتها
*(لمعت )... فى رأسى أفكار جديدة!!
*سبحان مغير الأحوال
***اليوم ومضت كالبرق!!
*وماهى؟!..أخبرنى!!
*فكرة الزواج...صحيح أنه لاينقصنى شىء..إلا أنه راحة!!
*وماذا فى ذلك؟!... تتكلم عن الزواج...وهو شىء طيب...وكان يجب أن يكون منذ ماتت أمينة هانم
** لاشىء يأتى قبل ميعاده المقدر.. ومن أجل هذا جئت إليك ...أريد الزواج...وأخشى القيل والقال..ثم !!
*ثم ماذا؟!
**لاأعرف إذا ماتركنا القيل والقال...أى زوجة أختار؟!!
*القيل والقال ماعلينا منه...إنهم يقولون الآن وغدا وبالأمس.....الناس لاتنتهى ولن تنتهى من القيل ومن القال!!!
**إذن من أختار؟!
*أتريد الصدق أم إبن عمه؟!
**الصدق بعينه
*أنت محتار..وأى حيرة...أليس كذلك؟!..وتحت يدك مرادك
**لاأفهم!!
*قل لى ما هى أخبار البنت منيرة؟!!
**تقصد...؟!!.........لايارجل ..أتريدها فضيحة.....!!
*أننى أسأل عن أخبارها فقط!!!
**من هذا الجانب...فهى ممتازة....و...وتقوم بواجباتها خير قيام....ولولاها لتعبت كثيرا ...فهى تقوم على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بشئونى وبشئون المنزل
*حسنا صديقى..علاوة على إمتيازها...فهى جميلة أيضا!!
**لم ألاحظ جمالها من قبل
*أحمد باشا...هى مرادك كما قلت لك وقصدى ماقصدته!!
** أتريدنى الزواج من خادمة...؟!
*وماذا فى ذلك.....!!
****وكلام الناس ومركزى..وأولادى ومركزى فى الحزب ....ورد المعارضة... وصحف المعارضة
*****تخيل عناوين الصحف....
***** باشا يتزوج خادمته...!!
*****هناك إشاعات بأن ثمة علاقة سابقة...!!
*الباشا يسرع بالزواج خوفا من الفضيحة...!!
**********
**ياعلى باشا...أنت تعرف الصحف وتعرف ماعانينا منها زمنا طويلا...وتعرف صحف الإثارة......تضيف الكثير من البهارات الحراقة....لتشد القارىء ولتدمر الحزب وشخصيات الحزب...لالا........لالا
**هذا تفكير خاطىء إسمح لى على باشا!!
*دعك ياأحمد باشا من هذه الأفكار السوداوية .... وناقش الموضوع بموضوعية...البنت طيبة أم لا؟!
**طيبة..
*صادقة أم لا؟!
**صادقة
*أخلاقها حميدة أم لا؟!
**حميدة..ونعم الأخلاق
*إذن على بركة الله
**ومركز العائلة...و.و.و.و.و
*طز....!!.. يارجل ....المراكز تتداولها الناس....أنسيت ياباشا..من أين جئنا ...قبل أن نأخذ الباشوية؟!
**لم أنس
*كلنا خلق الله.....ترابى لن يختلف عن ترابك...لن يختلف عن تراب منيرة...
**إن شاء الله (بعد عمر طويل)
*كلام الناس لن ينتهى ...إرميه خلف ظهرك وتوكل على الله....البنت ملائمة كزوجة لك......ودعنا نفكر فى حل يحفظ مركزك .......................آه وجدتها ...ما رأيك أن تتزوجها سرا؟!
**حل معقول ولكنها مشكلةكبيرة!!!
*المشكلة أننى سأواجه أمرين....زواجى وأنا كبير...هذه واحدة
*والثانية...؟!
**زواجى من خادمتى
*لقد تعدينا.....الحواجز...إترك الأوهام وتوكل على الله...
**ونعم بالله
*إذن على بركة الله..لاتخشى شيئا....خذ رأى الفتاة...وسوف أدبر المأذون والشهود...سأدبر كل شىء....سنأخذكما إلى مكان بعيد ونكتب الكتاب...
ماذا قلت؟!!أقول موافقة
**موافق على بركة الله
*أكيد
**أكيد
*إذن عليك بموافقة الفتاة
**يتبع






القسم الثالث من قصةزوجة الباشا


*******************************

القسم الثالث من قصةزوجة الباشا
****************************
*تصافح الصديقان...وإنطلق أحمدباشا عائدا إلى عزبته والأفكار تأخذه إلى كل مأخذ...حتى وصل إلى بوابة منزله....فهبط من السيارة..وأخذ يقطع المسافة مابين السيارة حتى تكعيبة العنب فى مدخل المنزل...والذكريات تطارده مابين الماضى ممثلا فى أمينة هانم ومابين الحاضر ممثلة فى منيرة التى تقف فى إنتظاره فى مدخل المنزل...هنا جلست مع أمينة هانم مرات ومرات فى سعادة وهناك على بعد خطوات فتاة قد تكون السعادة كلها وقد تكون المرارة كلها...وتلقفه الحاضر ونظر إليها ولأول مرة يشعر بجمال الفتاة.... فلم يدر بخلده من قبل قياس هذا الجمال.....كانت خادمة...نعم مجرد خادمة...تروح وتذهب ...خادمة...والآن الوضع تغير تماما...وإختلف عن سابقه إختلافا مميزا...هناك أفكار جديدة وقرارات حاسمة....واليوم قياس متعدد الجوانب.....ومن ناتجه إكتشاف الذهب خلف التراب..تراب النظرة الإجتماعية...واليوم يمسح تراب سنين من أفكار متخلفة ويتأملها من شعرها حتى أخمص قدميها بعيدا عن التقاليد البالية فيسر لكل هذا وتطيب نفسه لما رأى.
*دخل المنزل بعد السلام والتحية والترحاب منها بعودته وسعادة ظاهرة للعيان...وذهب إلى حجرته مباشرة.....ثم نادى عليها....منيرة...تعالى عندى..فجاءت إليه مسرعة......تردد فى حديثه وخلط أمورا عدة...وتظاهر بالجفاء فى كلامه (وفى طبقة صوته)....إلا أن الصوت خرج لينا عن ذى قبل وعما أراد له....ثم تجرأ فى أن يقول....فقال غير ماكان يجب أن يقول....!!
**ألم يسأل أحد على ؟!!
*لم يسأل عليك سوى الدكتور علام
**وماذا يريد؟؟!!
*يذكرك..بتبرعك لمستشفى المبرة
**آه ... الشيك فى الطريق إليهم الآن... قولى لى يامنيرة ماذا طبخت لنا اليوم؟؟!!
*ملوخية بالأرانب
**جميل...جميل....حضرى الغذاء
*حاضر ياسيدى..............
****
*همت بالخروج من الحجرة....فتردد قليلا قبل أن يناديها...مرة أخرى...ثم ناداها... ولكن الصوت المتردد...كان أقل خشونة .....وأكثر نعومة عن ذى قبل....!!!!!!!!!!
*قالت ماذا ياسيدى؟!
**رد قائلا....لاشىء...لاشىء...إذهبى...
ثم ناداها للمرة الثالثة وهى ترد نعم ياسيدى.!! ويكرر عبارته ...لاشىء....لاشىء....حضرى الغذاء!!
*****
*** الرجل مملوء مشحون بعواطف جياشة...ولكنه لايستطيع أن يبوح بها ...يساءل نفسه أأقول أم لاأقول؟!.........هو الذى وقف مواقف لاقبل لأحد بها....وهو الخطيب المفوه والكاتب الذى لايشق له غبار والبرلمانى الذى يسقط الحكومات والمناور الحزبى العتيد.....يعجز أن يلقى بحمله من العواطف....وهكذا هى الحياة وهكذا هو الإنسان!!
**********
**خرجت منيرة لتحضر الغذاء وهى تتعجب من التحولات الجديدة..التى طرأت على سيدها...والتى تزداد منذ الصباح الباكر عقب عودته....ولكن إعداد المائدة شغلها فلماجهزتها طرقت باب سيدها ودخلت...قائلة...الغذاء جاهز ياسيدى فرد قائلا وهو يقوم على بركة الله
**جلس أحمد باشا إلى طاولة الطعام ومنيرة واقفة على خدمته.... هو يريد أن يدعوها إلى الجلوس... تشاركه الغذاء...ولكنه يتذكر مركزه ونظرات الخدم .....فما كان منه إلا أن ناقشها فى الطعام ثم إنتقل إلى السؤال عن عائلتها وأخبارهم التى إنقطعت صلتها بها منذ أمد بعيد....وهو فى كل هذا يتفحصها كأنها بضاعة معروضة للبيع!!! إلا أنه يعود مرة أخرى إلى تواضعه....فينظر إليها نظرة إختيار المحب لاالشارى....وقد وثق بالطريقتين!! فهى تفاحة ناضجة وهبها الله له ليقطفها حلالا وليس حراما.
*إستمر أحمد باشا فى تناول غذائه مبطئا فى مضغه ناظرا لغرضه....فلما إمتلأ وشبع ماديا ومعنويا.... طلبها أن ترفع المائدة وأن تسخن له بعض من الماء ليضع قدميه بها ليريحها من عناء مشوار على باشا
ولبت منيرة طلبه مسرعة كعادتها.
*إغتسل أحمد باشا من بقايا الأكل وعاد إلى حجرته وماهى إلا دقائق إلا ومنيرة تعود إليه فتطرق باب الحجرة ومعها إناء نحاسى به ماء ساخن وبعض من الملح المذاب فيه ... ولاغريب فى ذلك فهى تعرف طقوسه يوميا وتعد له مايطلبه قبل أن يطلبه...
*قامت منيرة بوضع الإناء أسفل مجلسه ثم رفعت قدميه ووضعتهما فى الإناء....وأخذت فى تدليك قدميه....فتجرأ أحمد باشا بعد أن سرى الدم فى عروقه من خلال أصابع منيرة البيضاء كالشمع....وقال لها بنهم رجل عجوز...لقد كبرت يامنيرة....وصرت عروسا كبيرة.....فإحمر وجهها خجلا....وكادت تترك الحجرة لولا واجبها نحو سيدها...وإهتزت أصابعها وهى تدلك....خافت على نفسها...إلا أنه سرعان ماطمأنها....قائلا....لاتخشى شيئا....فأنا أقول لك ماأراه أنك كبرت...وآن زواجك.....فضحكت....ضحكة خجولة....بعد إطمئنان....وقالت اللى تشوفه ياسيدى...!!!!
**إبتسم أحمد باشا وقال لها....وأنا عندى العريس!!
*كررت منيرة قولها .....اللى تشوفه ياسيدى!!

*وإنتابهما صمت لبرهة.....قطعه أحمد باشا بقوله...لم تسألى من هو العريس؟!
*لن تأتى لى إلا بكل خير
**أتثقين فى إختيارى؟!
*ثقتى كاملة فيك ياسيدى وفيمن تختاره
**مارأيك فى؟!
*سيدى وتاج رأسى!!
** أقصد .....رأيك فى ....كعريس!!
*صمتت منيرة وطال صمتها ....فهى التى عاشت حياة القصور وعرفت مناورات السياسةودهاليز الحكم.....لم تتوقع ذلك....وإعتقدت أنها لعبة جديدة فى المناورات!!!.....ودار عقلها لتبحث عن هذه التحولات....وجمعت الخيوط...خيطا ...خيطا....مابين اليوم والتحولات السابقة التى حدثت نفسها بها....ثم إنتقلت من الخيال إلى الحس وإلى التجسد.....هى لاتكره الرجل....صحيح أنه يكبرها بأكثر من ثلاثين سنة....ومتى كان الكبر فى السن عيبا!! ليس عيبا إلا فى عقول بعض البشر...ثم أنها مقطوعة من شجرة ....فزوجة أباها إستولت عليه....وهذا المكان هو الملجأ الذى آوت إليه منذ عقدين...ورغم الفارق فى المكانة الإجتماعية...إلا أنه فارق فى عقول البشر أيضا....فلماذا تنتظر وتتريث فى قرارها...أتنتظر أن يأتى لها بضمانة!!!!
*إنها تعيش معه منذ مدة طويلة.....ولم تر منه مايعكر صفوها كخادمة ومن قبل ومن بعد كأنثى... وكل هذا ضمانة...وضمانة قوية....ضمانة إنسانيته وشرفه ورجولته.....لذا عولت أن تستجيب لعرضه....فردت وقالت بعد هذا الحوار الداخلى وبعد صمت طويل... تخيله أحمد باشا رفضا....فصار يفتح فمه ويقفله دون أن يتكلم...وإرتعشت يداه....من خوف الرفض من فتاة فقيرة تعمل خادمة لديه..... حتى أتاه صوتها
....اللى تشوفه ياسيدى...!!!!!!!!!
*إبتسم الرجل و وبانت عليه مظاهر السعادة بعد ترقب وإنتظار ثم إنفراجة أسعدته...ولكنه كان مرتبكا كطفل صغير...وسرعان ماإسترد ثباته وقال لها مبروك ياعروسة......ولكن لى رجاء وليس شرطا
*اللى تؤمر بيه ياسيدى

******************************
******************************
*

**القسم الرابع من قصة زوجة الباشا
******************************
******************************


**القسم الرابع من قصة زوجة الباشا
*******************************
*******************************
**لاداعى بعد الآن لكلمة سيدى...فأنتى بعد قليل سيدة هذا البيت ومن قبل ومن بعد سيدتى!!....قول لى فقط ياأحمد....أما الرجاء فيتعلق بالزواج....فأنا كما تعلمين فى مركز إجتماعى كبير ولايعلو عليك....وأولادى فى مراكزكبيرة....وسمعة العائلة لم تخدش منذ قرون.............لهذا أرجوأن يكون الزواج.........زواجا سريا....أنت أمام الله وأمام القانون زوجتى ولك كل حقوق الزوجية....وأمام الناس مجرد عاملة لدى..........فأرجو أن تتقبلى هذا الرجاء
*قالت له بعد صمت .....اللى تشوفه ياسيدى!!
*قالتها.....كلمة الموافقة على السرية....إلا أنها كانت حزينة ...لأن أمنيتها ككل بنت أن تعلن فرحتها...إلا أن حزنها كان بسيطا وسريعا....فبحر الأحزان الذى تغوص فيه منذ عرفت كيف تخطو فى طريق الحياة...لن ينقص منه الفرح جزءا من الحزن ولن يزيده أن نضيف إليه عدم فرحها....فقد بلغ حمل البحر طاقته...فالأمر واحد بالنسبة لها.
*قبلها أحمد باشا فى جبينها وقال لها إذن أعدى نفسك.....الفرح يوم الخميس القادم...............
**
*إنصرف أحمد باشا من هذه الجلسة الثقيلة فى التعبير ...السعيدة فى النتيجة على قلبه وعلى وجدانه....وكأنه كان يجتاز إمتحانا رهيبا...نجح فيه بعد توجس وخيفة ورهبة....وأبلغ صديقه على باشا بالموافقة وأنه فى إنتظار المراسيم التى يعدها صديقه.
*أتى اليوم الموعود فأخذ أحمد باشا عروسته (منيرة هانم) وذهب إلى صديقه على باشا وإنطلقوا إلى مأذون فى مكان بعيد.... خاصة الباشا على ...وفى سرية تامة ودون علم نعيمة (هانم) زوجة على باشا لمزيد من الكتمان...فالنساء دائما لايصمتن !!!!!!... وتم عقد القران.... وشهد على العقد على باشا وصديق ثقة....وعاد على باشا إلى عزبته....وإنطلق العروسان...مباشرة إلى قصر الباشا بالإسكندرية....حيث قضيا شهر العسل....وكانت أيامه كلها عسل...وسرعان ماإنتهى الشهر ولكن العسل لم ينته...وكانت العودة إلى العزبة...كما كانا هو السيد وهى الخادمة!!
*أفنت (منيرةهانم)....عمرها فى خدمة سيدها وزوجها فى نفس الوقت ومرت الأيام بهم كمكوك الفضاء فى سرعته التى تفوق سرعة الضوء...وإن كانا لم يلحقا بعصر هذا المكوك!! ولكن الراوى لحق به....مرت الأيام وهى تحمل حلاوة السعادة...خلاصة الفرح مذاب فى كأس حياتهما....رغم القيود السالف ذكرها....أعادت إليه شبابه....يوما بعد يوم...كان الباشا ينقص من كهولته ويزيد من فحولته!!!
*كانت اللقاءات فى العزبة خلسة ... حتى إذا مابعدا عن العزبة....عاش فى قصر الإسكندرية....كما يعيش الملوك....وكان لها خادما لاسيدا!!
**حقق لهاكل ماتتمناه أو تريده...رغباتها أوامر ...فلم يحرمها من شىء قط طوال حياته معها...وكان لرحلات خارج البلاد مساحة كبيرة من حياتهما فرأت مالم تكن تحلم به...كانت الرحلات الداخلية والخارجية...فرصة ليبتعدا عن قيود العزبة التى يعرف كل فرد منها مافيها وماعليها...ولو شعر العاملون فى المنزل وفى الحقل بالمكانة التى تحظى بها الخادمة....وإن كان هناك مايفسر بأن الباشا يدلل خادمته لنجاحها فى عملها ولكن تظل المسافةموجودة مابين السيد والخادمة!!...وفى قصر الإسكندرية وفى خارج العزبة أوخارج مصر هى السيدة وهو الخادم ولكن بلا مسافات حاجزة وإنما هو الحب الذى يحكم
...ورغم كل هذا فإن الهمس القليل أطل برأسه من بين الشفاه...وكان مقصورا على العزبة والمنزل...إلإ أنه لم يخرج خارج هذا النطاق...وكان الخدم والحشم والكلافون(بالإسطبل)...يهمسون ويبررون بأن مايرونه نوعا من الدلال...وأحيانا يزداد الهمس بأنه زواج وليس دلال أو نوع من الرزيلة!!!!!!!!!
********
*** عاشا الباشا ومنيرة هانم....عيشةسعيدة... ولم يشعرا أبدا بفارق السن أو المكانة.....إلا أن الله لم يتم عليهما بنعمة (الخلفة)....لكنها رضت بنصيبها وعاشت حياتها الجديدة... وقالت لنفسها أين انا الان مما كان ...ألم اكن خادمة هذا المنزل واليوم أنا سيدته...ألا أكون عبدة شكورة...وأغدقت من حنان إختزنته لأولادها على الناس جميعا...فلم تنس والدها وزوجته وأخواتها وظلت على حال الود معهم حتى بعد وفاتهم تحت أنقاض منزلهم ....وحزنت على أسرتها وأضافت حزنها إلى بحر أحزانها...لكنها إرادة الله فى عدم(الخلفة) وإرادة الله فى (فناء أسرتها).....ولم يبق لها إلا زوجها...تقوم على رعايته وخدمته.
*وتستمر الأيام على منوالها....ولكن كم أنت أيها الإنسان...كالزهرة.....تنبت وتنمو وتتفتح وتثير المكان بعبقها ورائحتها الذكية ولونها المبهر الخلاب......ثم ماتلبث أن تزوى وتذبل لتترك المكان لزهور أخرى....سنة الحياة ولا لسنة الله تبديلا.....أحمد باشا عرك الحياة...بدأها كالزهرة تماما...وأخذ ينمو ويتفتح حتى جاءت منيرة....فكانت عامل إخصاب لشبابه....وسارا معا درب الحياة...حتى كبر الرجل وإنتهى شبابه الثانى!!!! الذى عاد بعد إخصاب منيرة.....شاخ الرجل وتكاثرت عليه الأمراض.....ووقفت الزوجة معه وبجانبه تمرضه وتحنو عليه....وهودائم الشكر لها.....فقد كانت الزوجة والأم والأولاد......الذين أنستهم القاهرة وأنستهم مشاغلهم...والدهم ...ومع الأيام نسوه تماما....وقاوم الرجل ماقاوم...وجاء أجل الله الذى لايتأخر...ومات الرجل....ومالبث أن لحق به صديقه على باشا حزنا عليه.... وعادت منيرة وحيدة.......تسبح فى بحر الأحزان ولكنها لاتغرق فيه لأنها إرادة الله.
.
*أقيمت السرادقات....وحضر الكبار.... وتحدث الجميع فى كل شىء عدا المقدمة بالترحم على الميت وذكر مناقبه....وصار المكان بعد هذا...حفلا....ولكنه حفل بدون موسيقى....وإنفض السامر..... وجلس الأولاد.....يقسمون التركة....قبل ان يجف الرجل فى قبره.....وتخاصموا وتشاجروا.....رغم أن الخير كثير والتركة كبيرة...... وعلى الجانب الآخر....جلست منيرة حزينة فى حجرتها....لاتأبه بالتركة أو مايصيبها منها حتى إذا ماإنتهت أيام العزاء....أخذ الأولاد يطردون فى الخدم وفى الحشم...وجاء الدور على (منيرة).
*قالت لهم دعونى أفتح المنزل....ذكرى للوالدين....فقالوا لها فى نفس واحد....لقد قررنا بيع المنزل والأرض ولانريد أى إرتباط بالبلدة.....ألحت فى الرجاء....فقابلوها بجفاء.....تحركت فى نفسها نوازع النفس البشرية....وتراكمات قديمة من القهر ومن الحزن....فمن قبل طردها والدها إرضاءا لزوجته واليوم يطردها أولاد زوجها .... وهم لايعرفون إلا أتها مجرد خادمة....وأرادت أن تخفى ألمها وأن تتحمل وليس جديدا عليها هذا الطريق...لهذا هاهى تضحى من جديد حتى لايعرف أحد بقصة زواجها إرضاءا للذى مات.
*إلا أن تعبها مع الأيام ومشوار حياتها المضنى وبحر الأحزان الدائم معها ولاينقص أبدا....كان معها يد بيد وخطوة بخطوة....جعلها تكبر قبل الأوان...ولم تعد قادرة على تحمل مشوار آخر فأظهرت لهم وثيقةزواجها من والدهم...فقالوا لها هذه وثيقة مزورة!!.
*إعتمدت على الله وسألت أهل المشورة....فأشاروا عليها برفع دعوى تثبت فيها صحةزواجها من الباشا وبالتالى إثبات حقها....رغم وفاة أصحاب العلاقة .. الزوج والشاهدان المأذون!!!! ورغم صعوبة ذلك ولكن ليس مستحيلا إثبات ذلك فالوثائق محفوظة وتوقيعات الشهودموجودة فى العديد من الوثائق العامة أو الخاصة.... وكان يمكن أن ينتهى كل هذا بموافقة الأولاد على الأقل تكريما لمن إعتنت بوالدهم لسنوات طوال....ويسمحوا لها بإلتقاط بعض الأنفاس من لهاثها الدائم فى طريق الأحزان وبحره الذى لاينضب أبدا.
*ترى ماذا تخبىء لها الأيام؟!... وماذا يفرض عليها؟!... لاطريق أمامها إلا المحكمة فهى التى تفصل بين المتخاصمين وتقيم العدل....لاطريق أمامها سوى هذا الطريق...ولما بدأت فى السير فيه رفعت الحجب عن أسرار كانت لاتريدها أن تظهر فعرف القريب والبعيد أنها زوجةالباشا الأخيرة فإذا بهذه الأسرار مذاعة على جانبى طريق الحياة...ورذاذها طال الجميع...وتناقلتها الألسن من العزبة حتى القاهرة ومن العامة حتى السياسين...فالباشا علم فى كل مكان....وفوجىء الأولاد بكل هذا ومع ذلك ظلوا على عنادهم... ولم يكن أمام (منيرة هانم )....إلا المضى فى دعواها القانونية والشرعية حفظا لحقوقها.
*ذهبت منيرة إلى المحكمة.....وعرفت طريقها إليها وياليتها ماعرفت هذا الطريق...فهو طريق طويل ووعر ولاتعرف له نهاية....ولكنها أجبرت عليه...طريق به دهاليز طويلة وضيقة وصعبة والمشى فيه كأنك تمشى فوق الأشواك التى تدميك ماديا ومعنويا.....هناك يتلقفها....كتبة المحاكم وكتبة المحامين والمحامون وكتاب العرائظ...كل منهم يريد أن يشد منها رزمة من أوراق البنكنوت...وكم هو قليل مهما كثر..أمام هؤلاء جميعا....أمام فمهم المفتوح على الآخر ولايغلق أبدا فهو لايشبع ذلك الفم ....الذى تجمع من العديد من أفواهم.....كأن كل الشفاه قد تجمعت فصارت فما مفتوحا على أقصى إتساع....وظل يتمدد ولاينكمش أو يغلق!!!
** وللحق نقول أن هذا النظام من المحاكم... كان يطلق عليه المحاكم الشرعية والقضاة به قضاة يطلق عليهم قضاة شرعيون وهو غير النظام القضائى المعمول به الآن.
**جلس القاضى الشرعى(معروف)....وهو ليس بمعروف!!....ولاندرى كيف وصل إلى هذا المنصب الهام...فهو إساءة مابعدها إساءة. وهو شاذ على مجتمعه فالشرفاء من زملائه كثر ...المهم أنه تسلل بطريقة أو أخرى إلى هذا المنصب الشرعى...إلا أن القضاء الشرعى برىء منه إلى يوم الدين...همه الكسب السريع....وأن يصبح غنيا فى أسرع وقت وبأى طريقة وكان منصبه بحكم وجوده فى تقسيم التركات...يساعده كثيرا ولايراعى أن هذه الأموال أموال أبرياء ويتامى وأرامل ولكن أين له من ضمير يؤنبه....أنه يريد كل شىء فى أقل وقت ممكن...لكى يغطى تكاليف جلساته مع ندماء السوء.... رغم منصبه الكبير الذى يضعه فى مركز إجتماعى يلائمه.
*كان ينصب شباكه على كل ارملة تقع تحت طائلته....فيقلب جيوبها على كافة الأوجه... وكان يفلت من القانون كما يفلت الثعلب من المصيدة...كان ماكرا....لئيما....جلس فوق منصة القضاء الشرعى...ولعب فى رأسه ثم حك ذقنه ثم برم شنبه...ثم شد نفسا من بايب محشو بالتمباغ...فلما تسلطن...أذن للحاجب أن ينادى على القضايا المعروضة عليه.....وأخذ يصدر أحكامه بالتأجيل أو بالتعذيب...وهو فى حالة ملل...فليس هناك من القضايا مايثيره....كلها من الفقراءإلى الفقراء.... ماذا يفعل؟! فى فقير ومن فقير....المدعى والمدعى عليه من الفقراء....فى هذه الحالة لايفعل شيئا سوى التأجيل....يعذبهم....علهم ينسحبون....ويسحبوا فقرهم ....كان يقول لماذا هؤلاء الفقراء يذهبون إلى المحاكم أكثر...لماذا يكلفوا أنفسهم؟! فيزدادوا فقرا....لماذا لايحلون مشاكلهم بعيدا؟!....أضرورى أن يعطلونا عن نظر القضايا الدسمة.....والسيد معروف كان عنده حق فى هذه النقطة فقط ولكنه لايأخذها بحق شفقته على هؤلاء الفقراء من رسوم المحاكم والأتعاب والجيوب المفتوحة التى لاتشبع!!!وإنما لأن قضاياهم تعطله عن نظر الدسم من القضايا وها قد جاء الدسم.
**قضية الست منيرة...آخر القضايا فى الجلسة وأدسمها.....أولاد الباشا....لم يحضروا...وحضر محامى العائلة الموكل فى قضاياهم ...وقد طلب التأجيل ....أما منيرة هانم فقد حضرت ومعها محامى مبتدىء مثلها ولكنه فاتح يده قبل عقله.
*جميل.....جميل....قالها الأستاذ معروف...ثم نطق بتأجيل القضية للإطلاع!!كما طلب محامى أولاد الباشا...جاءت الريح بما تشتهى السفن يامعروف....كان يحدث نفسه....ليستمتع بهذا الصيد الثمين....فهذا المال لاينبغى أن يذهب عبثا...سترث المذكورة إذا ما أثبت أنا هذا الحق وحكمت لها بصحة عقد الزواج....سترث إمرأة المرحوم أحمد باشا...أكثر من مائتى فدان...غير ما إحتفظت به وغير ماهو مودع بالبنوك....هذا عدا نصيبها من العقارات المبنية....ماظهر منها ومابطن!!!!
******
*قام من جلسته ولمحها وهى تغادر المحكمة....وأرسل خلفها خادمه الخاص وكاتم أسراره....يدعوها إلى مكتبه...فلما وجدها الخادم...وودعت المحامى المفتوح اليد المغلق العقل...ناداها.....قالت له ماذا تريد؟!...قال لها...سيادة القاضى يريدك لأمر هام....تعجبت...سألته ألم يؤجل القضية؟!....قال نعم ولكنه أمرنى أن أبلغك بانه يريدك لأمر هام....ولاأعرف أكثر من هذا...ولكن قد يكون الأمر لصالحك.
*عادت مع الخادم....لتزيل تعجبها...فلما وصلت إلى مكتب القاضى الشرعى معروف...طرقت الباب ودخلت....أمرها بالجلوس بإشارة من إصبعه....ولم يرفع عينيه عن الأوراق التى أمامه....أراد أن يبهرها....وفى الوقت ذاته يقلقها ويحطم أعصابها....وبعد قليل من لعبته النفسية...وعندما تأكد من تهيئتها نفسيا... خلع نظارته وأقفل الملف وإلتفت إليها مرحبا....ثم عاد ولبس نظارته.....ونظر فى ورقة أمامه... وخاطبها
**الست منيرة هانم حرم أحمد باشا الخميسى
*ردت قائلة تمام ياسيدى
**قال هكذا تقول الأوراق!!....أما صحة هذا....فلم يثبت بعد!!
**ولكن ياسيدى...لديك وثيقة قانونية وشهود عليها ومأذون!!
*قال....ست منيرة.....قضيتك هذه معقدة!!
***ردت لماذا ياسيدى؟! إنها واضحة للعيان
**قال معروف إصبرى سيدتى....لقد قلت قضيةمعقدة ولكنها ليست مستحيلة فى حلها...بمساعدتى!!
***لماذا ياسيدى هى معقدة؟! العقد قانونى وشرعى
**المسألة ياسيدتى....ليست قانونا وشرعا فقط
***هل هناك سبب آخر ياسيدى؟!
**أسباب...ياست منيرة....ولكن غير مسموح لى بالحديث فيها....ولكن كل ماأقوله لك ...أن قضيتك معقدة
*** وما الحل يا أستاذ معروف؟!
**ضحك معروف وقال هذا هو الكلام الزين...لقد وعدتك...بالمساعدة....ولكننى سأعاند أولاد الباشا!!!
***الناس أمامك واحد ...سواسية...ياأستاذ معروف!!!
**كلام فى كلام....الواقع يختلف ياسيدتى....هؤلاء كبار وينتمون إلى حزب له وضعه ولديهم السلطة والقوة
***ولكن الحق لايميز ولايفرق...وإذا كنت تتحدث عن السلطة وعن القوة...فأنا أيضا زوجة باشا...وهونفس الباشا الذى أعطى لأولاده القوة...ولى علاقات بزوجات الباشوات من أصدقائه
**نعم كلامك على العين وعلى الرأس...ولكنك الآن فى وضع آخر بعد وفاة الباشا....الضمانة التى كانت تحميك ماتت...وسيهرب منك الجميع....وينظرون إليك على إنك مازلت الخادمة التى كانت عند الباشا...هذه هى الحقيقة الوحيدة التى يجب ان تعرفيها!!
***وماالعمل ياسيدى؟!!
**تريدين الصراحة أم اللف والدوران؟!
***الصراحة ...ياسيدى...
** نتفاهم
***على أى شىء نتفاهم؟!
**أتزوجك على سنة الله ورسوله....وأكسبك القضية!!
يتبع بالقسم الخامس

*الإرث الدامى
**
القسم الخامس من قصة زوجة الباشا
*********************************
*
بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى

***
تتزوجنى؟؟!!
**
نعم....ولم لا....شرعا وقانونا ومنفعة لك ومنفعة لى!!!
***
وإذا رفضت!!!!!!!
**
ليس فى صالحك ياسيدتى...ليس فى صالحك ستضيع كل هذه الثروة....ثم تعودين خاوية الوفاض ....صفر اليدين.....عدا إنتقام اولاد الباشا....فكرى بعقلك...لماذا ترفضى؟!....أنت إمرأة وحيدة الآن....وتحتاجين من يحميك...تحتاجين إلى رجل مثلى فى مركز إجتماعى مهم....يقف بجانبك ويدعمك ويشد من أزرك ضد قساة غلاظ القلوب والعقول
***
أطرقت برأسها إلى الأرض.....فى صمت مخيف حزين....ثم قالت دعنى أفكر
**
قال الصياد معروف....فكرى على مهلك...لكن تذكرى ماقلته....ثم صحبها إلى الباب....ومد يده ليسلم عليها ولكنها إنشغلت بحافظتها ولم تسلم....فلملم يده سريعا.. وضحك وكأن شيئا لم يحدث....وأعاد مقولته لها وهى تغادر....بعمق بعمق بعمق...فكرى وتذكرى فالوقت يمضى سريعا!!
****
خرجت منيرة من مكتبه وهى تحمل هموم الدنيا كلها وتحول هذه الهموم إلى بحر أحزانها ...وهى ترى كل يوم أصناف من البشر ..وإن كانوا فى الحقيقة أصناف من الحيوانات فى سلوكياتهم....بينما صاحبنا معروف عاد إلى مكتبه بعد وداعها... وهو يصفر...ثم يقطع صفيره مترنما بأغنية((طاب النعيم لما لقيتك....نسيت الصد وهويتك))...ولما جلس نادى خادمه ليحضر إبريقا من الماء و إبريقا من الشاى وفنجان وإبريقا من القهوة....وأعطاه مبلغا من المال...فنظر الخادم فيما أعطاه وإبتسم....كاتم الأسرار...وأحضر له ماطلبه وإستأذن فى الإنصراف فأذن له..فأقفل الباب على معروف وغادر إلى منزله كما هى العادة.
****
غاص معروف فى كم ملفات ومستندات القضية حتى آذان الفجر....فلما وجد الحل... قال وجدته !!
ثم رقص وهو يكرر وجدته ...!! ....ولكنه لم يخرج عريانا كما فعل (أرشميدس)....بل وضع الجاكت على جسده....وأطفأ الأنوار...وأقفل المكتب وهى عادته فى القضايا الثمينة وليس إكتشافا أن يحل عقد قضية ويجد مخرجا لها ليخرج عريانا كما فعل (أرشميدس) من قبل.
*****************
**
فى اليوم التالى.....ذهبت إليه فهش إلى إستقبالها...وهو مهندم الملبس ..حليق الشعر والذقن..معطر الوجه والحجرة..وإن كان أطنان من العطر لاتزيل تلوثه الداخلى والخارجى!!..وأمر معروف لها بالبارد والساخن...وكان قد نسى ذلك فى المقابلة الأولى!!!!!
*
جلست أمامه شاردة الوجدان محمرة العينين من كثرة التفكير ...فقال لها ماذا قررت يامنيرة هانم؟!
***
ردت متلعثمة ....الحقيقة...الموضوع
**
قال لها أريحك من التلعثم ...وأقول أنك موافقة ...قال ذلك وإبتسم كذئب!!!!!!!!
***
ردت ليس أمامى من سبيل سوى الموافقة... ولكن بشرط!!!!
**
فقال لها .....إشرطى!!!!!!!
**
قالت العصمة بيدى
**
رد مبتسما.........بسيطة ...على بركة الله
**
*
إستدعى المأذون وأحضر الشهود خاصته...وصارت زوجته حلالا وواقعا...ولم تتاخر عنه فى أى شىء...وسرعان ماصدر الحكم لصالحها...إلا أن القضية تعقدت أكثر فأكثر......فقد تغير الوضع وقام نظام جمهورى...فوضع الباشوات على 0(الرف)...ووضعت الأموال من أملاك وعقارات وودائع وغير ذلك ....بل قل معظم الموجودات....تحت الحراسة...ودخلت الملكية التى حركت شهوة الرجل(معروف)....تحت الحراسة... وتعقدت المشكلة....ويبدو أن حلها يحتاج إلى سنوات...ثم ماهى إلا سنوات قليلة حتى أحيل (معروف) إلى المعاش... وفتح مكتبا للمحاماة....ولكنه لم ينس أبدا تلك الثروة وعندما يتذكرها كان لعابه يسيل فيروى به أرضا جرداء!!!كأنه لم يأكل منذ أعوام....فلما شم رائحة الطعام....أقصد الغنيمة...أسالت غدده الفمية مايروى أرضا...مع أنه لم يأكل بعد....بينما منيرة لم تأخذ وضع الحراسة بشىء من الإهتمام....فهى تستطيع أن تعيش كما كانت حتى يفرجها الله....وهى الآن فى كنف رجل وهذا يكفى....ماذا تطلب أكثر من هذا....وصديقها بحر الأحزان!! لم يفارقها فى لحظة من لحظات حياتها....فكيف سيفارقها الآن؟!!...كانت القضية إثبات حقها الشرعى ليس المادى فقط بل المعنوى...فأولاد الباشا عاملوها كخادمة وكانت زوجة لأبيهم...وهذا قسمها حزنا وأسى وهما مابعده هم....ولم ترفع قضيتها لولا هذا....فلتاخذ قضية الحراسة ماتاخذ حتى يأتى الحل من عند الله.
**
أخذ الملعون (معروف) يعدل من خططه...فهو كمحامى يرفع دعوى برفع الحراسة عن زوجته ومن ناحية أخرى زوجته من شجرة مقطوعة فيكاد يكون الوريث الوحيد...ولديه من الألاعيب ليملك بها ورقا مبصوما مزورا ....يشكله كما يشاء وفى أى مكان يشاء وفى أى زمان يشاء...ومن ثم قدمه للمحكمة ليثبت أن زوجته تنازلت له عن حقوقها بيعا وشراءا. مقابل ثمنا إستلمته حال العقد ومن ثم فلا محل لفرض الحراسة على حق له وليس لزوجته!!!!!!!!!!!..وماعدم.... أن يكون لها مدخرات مخبأة لديها او لدى الغير....فى كافة الأحوال هو الرابح
**
وكان معلمه وأستاذه هو شيطانه
*
خاطبه قائلا ...أليس حرام ياأستاذ معروف؟!
**
أى حرام ياشيطانى....المفروض أن تشجعنى فأنت الأستاذ!!
*
خططك الجهنمية وكلما نجحت فى خطة إنتقلت إلى الثانية فإن قابلك معوقات عدلت خططك ولكنك لم تتراجع أبدأ
**
ألم اقل لك ياشيطانى أنت الأستاذ
*
أنا لاألومك فميولى هى ميولك منذ ولدت وميولك هى ميولى....ولكن إتقنها ولاتستعجل...فقد تفوق أستاذك...وتخسر ولكن إتقنها لتفوقه وتكسب!!
**
ياشيطانى أنت الناصح الأمين!!!

******
*
تعدلت الخطة وإنتقلت إلى مستوى أكثر إجراما....وبدأ صاحبنا يتودد إلى زوجته منيرة الضحية الدائمة لتصرفات البشر وغدرهم....يتودد إليها وخلفه بل فى مسامه يخاطبه شيطانه ويخاطبه ويدله على طريق الندامة على أنه طريق السعادة...ورغم أنه يعرف أنه طريق الندامة فإنه يتناسى ويقول بل هوطريق السعادة ويستمرأ المشى فيه......يتودد إليها ويداهنها ويعطيها معسول الكلام.....حتى تنجح خطته.....كانت منيرة على العكس من ذلك.....تخلص له بكل ماتملك من حب...كان رجلها وزوجها....كانت خادمته وزوجته...عرفته بصفتها كزوجة باشا على كل فعاليات المجتمع وصار فردا منهم....وترقى درجات فى السلم الإجتماعى ونشط مكتبه الخاص تبعا لذلك...صحيح أنها تزوجته تحت ضغوطه التى لاترد ولاتصد........ولكنه أصبح زوجا لها...ورغم كل هذه التضحيات يتآمر عليها.
*


*
ولما إستقامت له خططه....بدأ التنفيذ...إتفق مع مجموعة من الأشقياء على قتلها....وأعطاهم العربون!!!!!!!!!!.
**
يتبع القسم السادس والأخير
[SIZE="5"]**القسم السادس والأخير: من قصة زوجة



الباشا
****

 *فى اليوم الموعود إنطلق إلى مدينةالمنصورة المجاورة فجلس على مقهى ومنتدى رجال القضاء والشرطة....مقهاه المعتاد كلما ذهب إلى المنصورة....وتعمد على غير العادة أن يسلم على رئيس النيابةوقيادات الشرطة وحيا رجال القضاء على الموائد المجاورة... وإنتقل من مائدة إلى أخرى يحى هذا وذاك ويختلق الأحاديث...لعبته ....ومصدر قوته... حكاء من الطراز الأول.. يجر خيط الذكريات فينساب بلا نهاية وتتدفق الذكريات عن عمله السابق فى دمياط وفى المنصورة كقاضى شرعى سابق وكمحامى حال هذه الحكاية....وكم كانت حكاياته طريفة تسلى الرفاق وأصدقاء الأمس واليوم فى هذا المنتدى الليلى....وبعد سهرة طويلة ممتدة.....إستأذن فى الإنصراف.
* ولم يجد فى هذا الوقت المتأخر عربة يعود بها إلى قريته المجاورة...فإستأجر حنطورا وفى الطريق تشاجر مع صاحب الحنطور وأصر على الذهاب إلى نقطة الشرطة الواقعة فى المسافة بين المنصورة وقريته وأثبت محضر المشاجرة...رغم إلحاح (الحناطرى) بالتغاضى عن ذلك وحمله إلى قريته مجانا...فلما أصر على ذلك أصر الحناطرى على عمل محضر مضاد...وكان هذا هو المراد.
* فى نفس التوقيت ...دخل الأشقياء غلى منزل السيدة منيرة وقاموا بقتلها من الخلف وهى تصلى!!!وإختفوا كما جاءوا....لم تقاوم السيدة....فلم تكن تعرف الغيب...او تتحسبه ولم تكن تعرف أحداث القدر...وأن الضربة بتخطيط وبخيانة من يجب أن يحميها....وهى كطبيعتها المسالمة....لم تعط للدنيا اكثر من أنها رحلة مملوءة بالأشواك....رحلة فى بحر الأحزان...يأخذ منها ويعطيها ....وهى أيضا لم يكن بينها وبين أحد سوءا تخشى عواقبه.
**فى الصباح أتت الخادمة كعادتها كل يوم...فوجدت الدماء... دماء جافة يابسة....وممتدة حتى مدخل الشقة..... تتبعت خيط الدماء...فأوصلتها إلى حجرة سيدتها...فوجدتها راكعة على سجادة الصلاة والدماء مختلطة بكل شىء...ففزعت وصرخت...وتجمع الناس من كل صوب مجاور.....وأبلغوا الشرطة بالحادث.
*هبت الشرطة فى كل مكان تبحث عن الجناة...ولكن دون جدوى فهو يعرف كيف ينتقى!!!!!وبطبيعة الحال إتجهت شكوك الجميع نحو زوجها....الشواهد كلها تؤكد أنه المستفيد.....ألقى القبض عليه بحجة قتل زوجته..إلا أن النيابة أمرت بالإفراج عنه لعدم ثبوت الأدلة....أفرج عنه ضابط الشرطة وهو يكظم غيظه...فهو يعلم أنه القاتل أو المخطط له والمحرض عليه.....ولكن الأدلة مفقودة...ففى نفس توقيت الجريمة....كان يجلس مع رجال القضاء والشرطة بالمنصورة وهناك محضر بشجاره مع الحناطرى لدى عودته...فكل هذا يثبت أنه كان بعيدا عن مسرح الجريمة.....والأشقياء من مكان بعيد....وليس لهم نشاط فى المنطقة من قبل........ثم أن (المعروف).....قام بسداد باقى المقاولة!!!وأرضاهم فذهبوا من حيث أتوا ولاسبيل للوصول إليهم !!!!!
*كظم الضابط غيظه أمام قرار النيابة لعدم ثبوت الأدلة..... ولو عاد القهقرى إلى ملفات القضايا..... لوجد هناك علاقة بين الأشقياء والسيد معروف....ولكن من له الوقت والقدرة وعجز الإمكانيات الفنية فى هذا الزمان من حفظ الملفات وسهولة إسترجاعها....وحتى ملفات القضايا لها مدة حفظ معروفة.... ومن له القدرة على فحص ملفات الأستاذ معروف منذ بداية تعيينه...وعلى هذا حفظت القضية....وضاع دم السيدة الفاضلة هدرا على الأقل من الناحية القانونية.
**********************
****فرح الزوج الخبيث بما فعل وإستعد للحصول على ثمرةخداعه...فرفع دعوى لإثبات انه الوريث الوحيد لزوجته علاوة على عقد البيع والشراء....وبحكم السيطرة إستولى على ماتحت يديه من أموال وأما ماجرد بالشقة فقد تم تحريزه على ذمة قضية القتل وهو يعلم أنه سيعود له يوما ما.
****إلا ان الإنسان يطغى ويتجبر ويعتقد أنه وصل إلى مايريد ظلما وعدوانا....ولكن الله يقف له بالمرصاد....ويمد له فى حبل حيله وألاعيبه حتى يحين الميعاد...........وهاهى الأيام تدير وجهها له....والأيام التالية أصعب من الأولى وحلم الثروة يغيب ومابين يديه يكاد ينضب...وتحول معروف من حاكم محكمة إلى مدمن محكمة.....فالقضية تأخذ مداها العتيق فى طابور القضايا....خاصة أنهاعوى رفع أموال من الحراسة..........ويدور (معروف) فى دهاليز المحاكم...........يدفع كل مامعه فى سبيل تحريك القضية....يدفع ولايدفع له كأيام الزمن الجميل الذى عاشه من قبل وهو فى موضع السلطة..........وتلقفه الجميع....كتبة ....وكلاء محامين ...........محامون....ونال معروف جرعة مما سقاه للناس....وأصبح فى حالة يرثى لها....إنسان شقى بمعنى الكلمة....يائس...حائر...ضائع...تائه..... تتلاطمه أمواج النهم والجشع والطمع والأفواه المفتوحة للإبتلاع.........كل الصفات التى تميز بها تعود عليه من جانب الآخرين.....بضاعته ...ردت إليه!!!!!!!!!!
وكما كان يضع نظريته عن الفقراء ولماذا يشكو بعضهم البعض!!!!! صار واحدا من هؤلاء.
*لاطريق ولاأمل نحو إسترداد الثروة التى من أجلها فعل كل الجرائم.......والدولة كانت فى أموال الحراسة شديدة التدقيق....فالتعقيدات تملأ جيوبه الفارغة بالمستحيل........ولكنه رجل مقاوم لاييأس...يستجدى الجميع ويذكرهم يوم كانوا يستجدوه....يذكرهم بالأيام الخوالى...أيام كان يساعدهم ويمرح معهم........ولكنهم الآن ينسون
...ويصمتون ويغلقون آذانهم....ولكن عيونهم تكاد تفصح عما على أطراف ألسنتهم....................
......الأستاذ معروف كان......ولكنه اليوم أصبح.......!!
**************
**إستمرت المشاكل حول التركة......التركة المخضبة بالدماء..... ولم يعد لدى معروف مصروفا للقضية فقد باع كل مامعه من أجل القضية....لكن القضية صارت بطيئة كالسلحفاة....حتى نضب معينه....رجل يعيش بين أمل الثروة وينفق كل مامعه من أجل هذا الأمل....حتى أصبح على الحديدة كما يقول المثل.......رجل مفلس مدمن محاكم فى الوقت الذى ينتابه الخوف والقلق من هذا الضابط الذى كظم غيظه لعدم ثبوت الأدلة فمازال يتابع وينقب حتى يأتى بالدليل!!
*أدمن الرجل الشراب حتى ينسى كل هذا...فصار عجوزا محطما مدمنا يستجدى الآخرين من أجل كأس!!! والشرب عادة العاجز....وكأن الشرب سيحل مشاكله.....بينما الشرب يعقد المشكلة أى مشكلة...فهو هروب من مواجهتها ...ولأن الشرب يفقد العقل الصواب...فبالتالى لاحلول لأى مشكلة.
*******************
**مرت الأيام ولاجديد فى قضيته ولاجديد فى إدمانه.....ومشواره اليومى على باب الخمارات يستجدى الخمر...ويعاكسه فى حله وفى ترحاله أولاد الشوارع....حتى يعود إلى سكنه الخالى الوفاض إلا ماتبقى من عز الماضى ...يعود حاملا معه...(فوارغ) زجاجات الخمرة...ليحتسى منها قطرات تركها ثمالى السهر فى قاع كل زجاجة.
*هكذا حاله... إلا أن الأشقياء الذين قتلوا له السيدة زوجته....سرعان ماعادوا إليه مبتزين وهو فى حالات اليقظة يمنيهم الأمنيات عندما يسترد ثروة منيرة هانم.....فهو لايملك ليدفع لهم وهم يعتقدون أنه مازال لديه الكثير من الأموال التى وضع يديه عليها عقب مقتل منيرة هانم!!
*وهذا التناقض يؤدى إلى قرارات خطيرة....فهولايملك ولايدرك بسبب الشرب ويعطى الأمنيات....وهم يعتقدون أنه يملك ولايدركون بسبب تبلد العواطف وإنعدام إنسانيتهم....من هنا كان التخلص منه واجب ....مادام لم يعد لديه ليدفع فما فائدته ؟! وقد يدل عليهم بسبب إدمانه للخمر والخمر يفك طلاسم الألسنة الصامتة!!
***وفى اليوم الموعود.. ذهبوا إليه فى مسكنه ومن الخلف جاءته ضربة قاتلة..لم تترك له سوى نظرات زائغة.......ليذوق من نفس الكأس....ليشرب السم الذى أذابه من قبل فى أجساد الناس....الأشقياء.....أنتم....أنتم....قالها وإبتسم إبتسامة بلهاء...فبادلوه ضحكا........ثم قاموا بتفتيش المسكن بحثا عن ثروة مخباة لدى الوارث الغنى فى إعتقادهم......ولكنهم لم يجدوا شيئا سوى فوارغ زجاجات الخمر....وبينما هو ينزف بغزارة.... ويدعوهم بصوت متحشرج(أنقذونى)...فلا يسمع سوى رجع الصدى وضحكات منهم ساخرة منه ومن أنفسهم....وكلمات منهم أين الفلوس يامعروف؟!.....هم يعيشون الحياة.....يبحثون عن المال.....وهو يعيش أنفاسه الأخيرة.....يبحث عن الحياة بلا مال...........فلماوجدوه على (الحديدة)..........شدوا الرحال...............فتحامل على نفسه وأخذ يزحف نحو الباب......وهو يصرخ بصوت باهت...........إنقذونى.........إنقذونى......
ولكنه لم يجد لصوته غير الصدى...........ورسومات حمراء من دمائه..... فى عينيه وفى عقله وفى بدنه.........ومرت الذكريات فى أسرع من لمح البصر.....مرت مخضبة بالدماء فىهلوثاته...وتحشرج ماقبل النهاية..............وصوت فحيح او شخير.كانه صادر من (بهيمة) بعد ذبحها..........................
****إنه عقاب الله.............إنه عقاب الله
****ومد يديه ليمسك الباب....فقبض الهواء وإنتهى إلى العدم

                                           * إنتهت
                    * قصة بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى
                *كتبت فى عام 81 ونشرت بكتابى بحر الأحزان"مجموعة قصصية" فى أغسطس 81 بالكويت


ليست هناك تعليقات: