السبت، 19 مايو 2018

عقد عمل فى.....!!




المصدر كتابى:نظرات أحباب 1980 ص118 وحتى ص126
*عقد عمل فى..... بقلم ناجى عبدالسلام السنباطى
مقدمة:
******
*فى تطور المجتمعات من البدائية إلى المجتمعات المادية ومع وسائل التأثير فى الرأى العام وتشكيله...ومع عصر التكنولوجيا المعقدة....تغيرت المفاهيم الإجتماعية
*وعلى نفس المستوى كان هناك تطور مماثل على حجم أقل((الأسرة)) وكذلك الفرد...
**ويحاول الإنسان أن يطور ميوله بخيرها وبشرها..كما أن البعض طور وسائل جشعه ونهمه نحو جمع المال والبنون والزوجات وغيرهم.... والبعض غير أساليبه... والبعض تشجع وخلع برقع الحياء وآخرون غيروا القناع الذى يستر أفكارهم الحقيقية... وهذه القصة "نموذج منهم "
*ملحوظة1-:هذه المقدمة والقصة بنصهما كما هو المنشورعام 80 بالكتاب
*ملحوظة 2- تم تطوير هذه القصة إلى مسرحية من ذات الفصل الواحد منذ أكثر من ثلاثة عقود!!
**...نسخة منها باللغة العامية المصرية وأخرى باللغة العربية... ولكنها لم تكتب على الحاسب ومازالت موجودة بورقها الأصلى
***********************************
*عقد عمل
*********
*القرية صغيرة....الجميع يعرفون بعضهم البعض...هذا فلان إبن فلان... وهذا نسيب فلان... وتلك بنت المعلم حمدان...تقف خلف الشباك تراقب الجالسين على المقهى.... الوقت قبل المساء بقليل.... الغروب فى منظره الجميل....كراسى متناثرة على شاطىء النيل... الكل مشغول مع صحبه....فى اللعب...طاولة...دومونو..كوتشينة...شطرنج.
*فى ركن بعيد من محيط المقهى....جلس عجوز...يشرب القهوة مرة كالعلقم...ينظر إلى التليفزيون ... والمذيعة تبث نشرة الأخبار.
*جلست بجواره....أتابع حركاته..أدخل يده فى جيبه...أخرج علبة صغيرة...فتحها...أخرج لفافة بيضاء....(غمس) أصابعه...فعلقت بها قطعة صغيرة جدا.... وضعها فى فنجانه وذوبها ثم رفع فنجان قهوته..يرتشف منه قطرات بين الفينة والأخرى.
*قفل العلبة..ووضعها فى جيبه...ثم إلتفت إلى وقال الآن أستطيع أن أروى لك...حكايات البلدة كلها...فالمزاج (عال العال) والبركة فى سن الأفيون!!
*قلت له...عجيب أمره!!
*قال صنف جيد...ولكنه ليس عجيب...الأعجب منه هو هذا الشاب الذى يجلس قبالتنا!!
*قلت له من فيهم؟!
*قال الذى يشبه النساء فى طول شعره وغزارته...وإن كان شعره أجعد كمقشة العبد التى ننظف بها البيت.
*قلت نعم أراه...ذلك الذى يشرب من زجاجة البيرة!!
*قال هو بعينه...إنه أحمد!!
*قلت أحمد من ؟!
*قال إبن المقرىء إبراهيم
*قلت آه
*قال لاتغرنك المناظر...نعم ..أبوه (مقرىء) ولكنه لايفقه فى أمور الدين شيئا!!
*قلت بدهشة كيف يكون ذلك؟!!!
*قال أكل عيش...إنه يفهم فى أمور الدنيا لا فى أمور الدين...لقد إمتهن المهنة وهو بعيد كل البعد عن شئون الدين وفقهه
*قلت بالله عليك...لاتتحامل على الرجل
**قال أنا لاأتحامل عليه....كل أهل البلدة يعرفون ذلك... لكنهم يتركونه عطفا...شفقة...سميها ماشئت..ثم أنهم مشغولون... لايضيعون وقتهم هدرا...كل منهم يبحث عن عيش أفضل...عن مكان أفضل...عن منزل أفضل..عن عمل أفضل...منهم عن حق ومنهم عن (شطارة وحداقة وفهلوة)!!
*قلت الدنيا تتطور....من كان يصدق...أن اختراع التليفزيون....يغزو قريتنا .
*فلت معك حق..ولكن هناك من الناس من يأخذ التطور بمفهوم خاطىء....خذ مثلا....البنت فتحية...تركت مهنتها ... التمريض..وإفتتحت ( محل كوافير) بالبلدة....وتحية إفتتحت (بوتيكا)... وكانت ربة منزل....وعبدالهادى محلا لقطع الغيار وكان فلاحا...وابراهيم توكيل سيارات وكان نجارا...وأيمن ترك الدراسة وأصبح متعهدحفلات وأسامة وفيفى وعلى وهشام وليلى كونوا فرقة رقص غربى!!
**قلت دعنا من هذا وكلمنا عن قصتنا الليلة........المقرىء إبراهيم!!
*قال لقد نسيته....ذكرتنى...لحظة من فضلك!! ونادى على القهوجى...وطلب جوزة بلدى(كدو) فلما جاءت...أخرج من جيبه علبة أخرى...وأخرج من جيب آخر سكين صغير...وأخذ يقطعها إلى قطع صغيرة جدا (ويكرسها) على أحجار من الفخار ويرص النار فوقها ويدخنها فلما ينتهى من الحجر يأتى بغيره... ويشد النفس ثم يخرجه من منخريه!!
*وعزم على أن أشاركه فشكرته...ثم تفرغ للحكى وفى كل مرة يتوقف عن حكيه يسألنى..عند أى نقطة توقفنا!1
*حكى لى تاريخ المقرىء ابراهيم منذ كان صبيا صغيرا يعمل فى نسج الحرير...ويذهب إلى كتاب القرية فى وقت فراغه..يتعلم علوم الدين عند المقرىء عبدالحليم فتعلم إلا قليللا... فالمهم عند المقرىء عبدالحليم المعلوم من الطحين مقابل الدرس..وهى عادة القرية..أن يتعلم مقابل الطحين من الفمح!!
*وإسترسل العجوز فقال...نعم كان المقرىء عبدالحليم يعلمه علوم الدين بمقدار مايجلبه من سلع عينية من طحين وحليب وأرز ودجاج وأهمها الطحين....فإذا مانسى الأجرة العينية....نسيه المقرىء عبدالحليم..وكان المقرىء عبدالحليم إذا غضب على واحد من التلاميذ بالكتاب غضب وإنتفخت عروقه وإحمر وجهه ...وأعمل عصاه ضربا فيمن يقع تحت يده ..صارخا عبارته المشهورة (يابتوع الطحين..ياولاد....)....وما أكثر ماأعمل عصاه و قاموس سبه فى تلميذه إبراهيم!!
*تمر الأيام ..يقول الراوى...ويكبر صاحبنا ويرى أن نسج الحرير أصبحت صناعة كاسدة....بعدما غزت البلاد...الماكينات الآلية...ويفكر فيما كان يسمعه فى جلسات شيخه...عن الرزق والربح والمكسب من الذهاب إلى المقابر وقراءة ماتيسر من القرآن الكريم على أرواح الموتى...فقرر ان يسلك طريق أستاذه وشيخه الذى أخذ ماتيسر من العلم على يديه...وتبعه وهو كبير كظله..خلسة ثم علنا
*قلت وتعلم المهنة؟!
* رد العجوز شراب .. نعم تعلمها....بل فاق أستاذه!!
*قلت ثم ماذا؟!
*قال الحكاية ليست طويلة...إنظر الآن...إلى عمارته ذات الأربعة طوابق...إنظر إلى رسومها ونقوشها من الخارج ومن الداخل....إنظر تركيبات القيشانى والسيراميك...إنظر إلى المعمار وجماله!!
*قلت وماذا فى ذلك؟!
*قال ليس فى ذلك شىء....وإنما لتتأكد بنفسك...أنها رحلة كفاح!!!
*كافح فيها وحصل على نتيجة كفاحه فطائر ونقودا وغير ذلك...رحلة كفاح مبنية من عائدات يوم الخميس...يوم الزيارة..ومن التخزين للفلس فوق الفلس.. بطريقته العجيبة فى قراءة كتاب الله!!
*قلت له أى طريقة عجيبة؟!
*قال العجوز...قارىء القرآن الكريم المتفقه...يقرأ بتأنى وبروية...وأما هذا فيخطف الكلمات فى قرائته وبسرعة عجيبة فلاتفهم مايقوله. فهو يمط شفتيه ويسرع كأنه تاخر عن ميعاد مهم ثم يمضغ الكلمات ويدمجها فى بعضها البعض...فلا تعرف ماقرأ ولاتتأمل معانى ماقرأ.....ولاينعكس عليك الهدف من القراءة ولايحرك فيك المعانى الجميلة للقرآن الكريم.... فإذا ماغمغم وتنحنح واطلق كحتين... ثم قال...سمعونا الفاتحة فهذا يعنى أنه يطلب أجرته.. فتخرج ماتجود به نفسك وتسلمه له وتقول له وأنت مسلوب الإدارة ..أحسنت ياسيدنا ....و كل هذه السرعة منه حتى يقرأ لأكثر من (زبون) فى وقت يتنافس الآخرون معه فى يوم العمل ... يوم الخميس من كل أسبوع... وبالتالى تكون الحصيلة كبيرة!! وتتراكم ثروته أسبوعا بعد أسبوع!!
*قلت له عجيب ياعمنا !!
*قال لاتعجب...فالزمان غير الزمان...وكل يوم فيه جديد....والتقاليع لاتنتهى..
*توقف العجوز عن الحكى...ثم بدأ يعيد من جديد طقوسه اليومية...وأخرج علبتيه..وبدأ طقوسه.... ونسانى تماما...فإستأذنت منه فأذن لى بإيماءة دون أن يلتفت إلى.
********************
*خرجت من جلسته وفكرى كله مشغول فى المقرىء إبراهيم... وعملت على أن أقترب منه أكثر...وأن أعرف عنه وعن عائلته كل شىء....كل شىء!!
*منزله مكون من أربعة طوابق..مغطى بالسيراميك من الخارج والديكورات الخارجية والداخلية واضحة جلية ..جميلة المنظر..تسر الناظرين...فى الطابق الأول مكون من شقتين... تسكن فى واحدة...زوجته الأولى وفى الثانية....زوجته الثانية...وباقى الطوابق مؤجرة لبعض العائلات فيما عدا الطابق الأخيرمؤجر لبعض المدرسين العزاب!!
*وضعت المقرىء إبراهيم وعائلته تحت منظارى....لكى أخضعهم للتحليل والتفسير...وأتابع مدى تطورهم مع تعقد الحياة المادية.
*كان هناك لقاء مع المقرىء إبراهيم...كيف تم هذا اللقاء ومتى وأين....هذه الأسئلة جميعها التى تراودكم...جاءت مع الأيام!!
*توفيت خديجة إبنة عمتى وهى تلد... وبعد مدة طويلة...ذهبت لأداء واجب الزيارة وهى عادة....وجدته من بعيد بالقرب من أحد المقابر....جالسا القرفصاء وهو يتلو كتاب الله بطريقته...وبجواره إمراة متشحة بالسواد
*رآنى من بعيد... فلوح لى فردت تحيته ..وماهى إلا برهة... حتى ترك المرأة وجاء إلى مسرعا... وجلس جلسة القرفصاء وأخذ فى قراءة القرآن بنفس الطريقة غير الشرعية التى ذكرتها... ولم أفهم منه شيئا...
** وقال كلمات خارج القراءة وفهمتها (الله يرحم الفقيدة...كانت شبابا...ولم أرد عليه....وإسترسل فقال أكان لابد من ولد آخر..أربعة يكفى...ولكن زوجهاطماع....يريد بنتا فوق الولادويرزقه الله بولد آخر...وتموت وهى تلده... وتوقف قليلا ليشعل سيجارة ثم إستكمل حديثه قائلا ... الله يرحمها....كانت طيبة وكانت ضحوكة...لاتراها عبوسة أبدا...وفوق ذلك كانت كريمة...كانت تعطينى أكثر مما أطلب...وتلح فى ذلك!! وأتمنع ولاآخذ إلا بعد ان تقسم على بقسم لايرد!!
*قلت له...قدر ومكتوب ياسيدنا
*قال الله يرحم الجميع....الطيبون يذهيون....إنظرإلى هذه الدنيا...أين جدك...أين عمك..أين....فلان وفلان...أين ( أبوك) ؟!!! الله يرحمه..كان رجلا جادا كريما...وأنت منه...فهذاالشبل من ذاك الأسد!!
*وفهمت غرضه من كلمات المديح...فنفحته مامعى من نقود وغير ذلك من مأكل
*فإنهمرت الدعوات بالخير.. خاتما إياها... اللهم إجعل من هذا الإبن عبدا تقيا...صالحا...أبيا...رافضا للضيم.. وعلى خطى أبيه
*ولم تتوقف الدعوات التى جاءت كمطر غزير إلا بعد أن ناديته مرة ومرة ومرات.. ولما لم يتوقف صرخت فيه...مناديا أستاذ إبراهيم!!! فتوقف عن الدعاء... وجلس قى وضع القرفصاء وبدأ فى القراءة دون مراعاة آداب قراءة القرآن وأحكام تلاوته ...فالقراءة أصبحت مهنة بعدما كانت رسالة... وترواحت القراءة بين العلو والخفوت والسرعة والبطء ولكن الغالب عدم الفهم..وقطع القراءة وتحدث فى موضوع آخر كعادته
*قال لى ...أتعتقد أننى مرتاح فى هذه الشغلة؟!..وأجاب على نفسه- قبل أن أرد عليه-..أبدا لم أكن مرتاحا ومازلت.!! .....
**لقد كانت أمنيتى أن أصبح مطربا مشهورا....ولكن الأيام عاندتنى...فقبلت الموجود!!
*قلت له فلتشكر الله على كل حال..فعملك فى مجال الدين وهو مربح لك ماديا ولو أديته بحقه فهو مربح لك فى الآخرة
*قال لى تشكر على كل شىء....ولكن شغلتنا لم تعد مربحة.........فالناس تطوروا....فمنهم من لايحضر مقرىء....ومنهم من يحضر مسجلا.... يذيع منه القرآن الكريم....ومنهم من يحضر مرة فى الشهر ومنهم من يحضر مرة فى السنة ومنهم من يحضر أسبوع الوفاة ويوم الأربعين ثم ينسون القبر ومن فيه...كأنه عبء ثقيل..يتخلص منه أو يتخلص منه تدريجيا....دنيا!!!!
*قلت هكذا الدنيا يامولانا....ودوام الحال محال...ولابد أن ينسى الناس الحزن وإلا ماتوا...كمدا...ثم إن الموت جزء من الحياة...فطبيعتها...ميلاد..مشوار فيها...موت
*رد سيدنا....معك حق ولكن العيشة غالية وأنا أريد أن أربى أولادى ..وإمتناع الناس عن زيارة المقابر..فيه وقف لعملى... و أريد أن أربيهم ...تربية صالحة وبمفاهيم جديدة....حتى لايخرج لى ولد فاسد مثل محمود إبن أحمد العراقى.
*قلت ..يامولانا ولكن محمود لم يكن فاسدا....الفاسد هو والده البخيل.... أخذ يجمع الفلس فوق الفلس...!!.....وقد مات ولم يأخذ من الدنيا شيئا
.
**رد مولانا....ولم يخرج من الدنيا ومعه فلس واحد...وضحك قائلا.. خرج ومعه قطعة من القطن....وجاء محمود ليبعثر اموال البخيل.... يسارا ويمينا ....مابين سكر وعربدة وجلسات.
*قلت هكذا حالنا فى الدنيا...هكذا حالنا أبو أحمد
*قال ولأن هذه الدنيا كما ذكرت ...فيجب أن أربى أولادى وعائلتى...فزوجتى الأولى تحتاج منى إلى رعاية وأنت تعرف أن لها إبن من زوجها السابق...على ..تعرفه...وتعرف كم سبب لى من مشاكل....كل يوم خناقة(هوشة)...كل يوم محاضر بوليس...يضرب الضحية ضربا مبرحا...ثم يشج رأسه ويدعى أن من ضربه....هو الضارب....مجرم بطبيعته وأنا مسئول عنه....ألست زوج أمه وفى حكم والده؟؟!!.. مشاكلى كثيرة ياسيد ماهر!!
*إسترسل مولانا فى تبرير مايهدف إليه....كيف أعيش إذن بدون (شغلة) جديدة...وقد كسدت مهنتى بسبب التكنولوجيا!!... والمشكلة تزيدنى عبئا....بوجود زوجة ثانية وأولادها من يربيهم من بعدى بدون دخل يأتى نصرف منه وندخر...ولست غريبا أستاذ ماهر..فهى تسوق الدلال على بسبب جمالها.... وهى من النوع العصرى ...فهى تذهب إلى المصيف وتشترى المايوهات (بالدستة ) وتتابع أخبار الموضة وتشترى الفساتين بدون حساب وإدفع ياأبو أحمد...فلا أنا قادر أن أقيدها بتعاليم ديننا كزوجتى الأولى ولا أنا قادر أن أتركها ...فالقلب ومايهوى وطلباتها متزايدة وهذا يكلفنى الكثير...والجديد أن إبنى أحمد مسافر إلى أوربا ويحتاج تكاليف السفر...لهذا أحتاج إلى جمع الفلوس وكانت شغلتنا تغطى وتزيد ولكن الآن كما قلت جفت ينابيعها بسبب التكنولوجيا!!
*رددت عليه... الله يكفيك شر الحاجة
*قال ونعم بالله.... وعذرا فقد شغلتك بمشاكلى
*قلت له...ولايهمك,,,,سيدنا...فأنا بلدياتك .. ولست غريبا عنك
*رد قائلا ...ماعلينا... وعاد القرفصاء... ليقرأ من جديد!! فبسمل بالله....وإستعاذ به من الشيطان..وتمطى وشد الكلمات وقصرها وأسرع وأبطأ ثم تمتم وهمس ثم ختم ورفع صوته فماتنبهت إلا وهو يتنحنح....فمددت يدى مرة أخرى...وأعطيته ما تبقى بجيبى وكان قليلا....فنسى المرة الأولى وهمهم ولم أفهم ورفع صوته بالشكر....وأسرع وراء قبر آخر قبل أن تنتهى (ورديته!!)..
*قارىء القرآن يجب أن يتأنى فى قراءته ويتبع أحكام القراءة ولكن هؤلاء الذين إتخذوا مهنة القراءة على القبور...أصبحت عادة...هى سرعة القراءة حتى يغطى أكبر قدر من الزبائن وبالتالى زيادة الدخل....وهى عادة مذمومة.
***
****أخذت الأيام...تسلخ بعضها البعض..وتطوى صفحات فوق صفحات....وفوجئت ذات مرة...أنه يمشى حاسر الرأس...بدون عمامته !!
*وأبصرت إبنه أحمد....وقد زاد وكبر شعره (الأكرت)..حتى صار أكثر طولا.. من مقشة الخادم (الخميسى)...وإذا زوجته الأولى تلبس آخر (موضة) فى الملابس...بعدملابسها الوقورة...ولم تكن تخرج من البيت إلا قليلا وملفوفة داخل(ملاية)... واليوم تذهب إلى الكوافير ثلاث مرات فى الأسبوع.
*أما زوجته العصرية...فهى دائما تبحث وراء كل جديد وغريب وآخرصيحة فى الملابس عامة وملابس البحر خاصة... وتقتنى مجلات(الموضة)...وتتابع برامج الموضة بالتليفزيون.. وتقضى الصيف برأس البر والإسكندرية .وكان هذا روتين حياتها....وزادت من إدمانها .. عندما وجدت ضرتها...خرجت من شرنقتها...وأصبحت منافسة على الطريق...!!
**إقترب موعد سفر الإبن(أحمد) إلى أوربا....وفى خلال التحضير لسفر الإبن....أقامت والدته (العصرية). حفلة (زار) .. ورغم عصريتها فمن طقوس الريف...الزار...وجاءت فرقة الزار و جوقة المنشدين من النسوة...حاملين المباخر...وأشعلوا النار فى البخور...فتصاعدت الأبخرة المعطرة...وإرتفع صوت المنشدين تدريجيا حتى وصل عنان السماء ودارت المجاميع فى رقصات متلاحقة على أنغام الطبول والدفوف... وإلتف الناس حول المنزل إما للفرجة أو للتهنئة ...ووالدة أحمد تأخذ بيده....ليخطى النار المشبعة برائحة البخور سبع مرات....و أمه تبسمل وتحوقل حوله ..... وهى تردد (ملحة فى عين الحسود)..(ملحة فى عين اللى يشوف إبنى ومايصلى على النبى).
*بينما مولانا الذى خلع العمامة.... جالس فى حجرة الضيوف....يتلقى التهانى....ويتكلم بعض الكلمات القليلة من الإنجليزية والفرنسية...كان قد تعلمهما من المدرسين القاطنين بالدور الأخير من منزله.. وهى كلمات لا تروى من عطش ولا تشبع من جوع ..ولكنه عرفها لزوم (التفرنج الجديد) المقبل عليه الأسرة....وكان أصحاب إبنه...يضحكون من نطقه للكلمات.. ثم يتناول الصحف أمام مهنئيه... ويتحدث عن السياسة ثم يعرج على الحب وعلى الحرية المطلقة فى أوروبا...ويقول لهم ضاحكا....أنا صحيح (مقرىء)...لكننى مقرىء...متفرنج!! ...أعمل للدنيا كما أعمل للآخرة!!
****
*سافر أحمد إلى أوربا.....وإنقطعت أخباره عن والده.......وإنطلقت الإشاعات فى القرية....أن بنات الإفرنجه..خطفوه!!........وإنطلق المعتوه (لطفى)...يجرى.. فى كل أنحاء البلدة .. على رجل واحدة...مطرقعا بأصابع يد واحدة فى الهواء...أحمد إبن سيدنا!!!!...حبيته واحدة فرنساوية...عايش معاها فى شقة واحدة... وأهل البلد يصدقونه...أو يرغبون فى تصديقه نكاية فى سيدنا....ولطفى يدور كالنحلة بلا كلل ولاملل....يشيع الحكاية... ويصرخ....(ازاى ياناس عايش معاها فى شقة واحدة بدون جواز!!)...دنيا آخر زمن....والله معاك حق يالطفى...صحيح العاقل فشل والمعتوه عقل...........دنيا آخر زمن!!
****
***كان سيدنا... فى تغير مستمر...ولم يعد يهمه كلام الناس...وفى كل يوم يخرج بتقليعة جديدة... ويذهب هو الآخر إلى الكوافير(يسشور شعره ويصبغ...ثم خلع القفطان...ولبس بدلة أفرنجيةعلى آخر موديل..ودون خوف من ردة فعل الجمهور....كما قلل من زياراته للجبانات(المقابر).
***وأعد العدة لطريقه الجديد.. وكانت أول خطوة على الطريق...أن تخلص من إبن زوجته المجرم الذى حول حياته إلى جحيم...فأخبر عنه الشرطة..فأودعته السجن لأحكام سابقة متهرب منها...فبعدت مشاكله عنه..وأخذ يتحسس أخبار إبنه الغائب فى فرنسا...فأرسل تلغرافا على عنوانه بباريس والذى زودهم به قبل سفره...ولم يقلق على إنقطاع أخباره...لعلمه انه قد يكون مشغولا بعمله...ولكن مايقلقه أنه هو ذاته يبحث عن عمل بأوربا!!
*ولما طال الغياب..أرسل تلغرافا...فلم يرد الإبن أيضا...فنصحه البعض أن يذهب إلى المدينة..ويرسل من هناك (تلكس)....فعمل بنصيحتهم...وسافر...وأرسل تلكسا....
*ماهى إلا أيام...حتى إتصل به تليفونيا..أحد العاملين بمكتب التلكس...ليبلغه بالحضور لإستلام الرد على التلكس المرسل..فذهب إلى المدينة وإستلم التلكس...وترجمه له أحد المدرسين القاطنين بعمارته..وفيه إطمأن على إبنه وأموره...فى فرنسا..ولم تنقض أيام حتى ورد بالبريد خطاب به شرح تفصيلى للمعيشة فى أوربا...وصور لإبنه(المحروس) تجمعه مع البنت(الخواجاية).
*أسرع إبراهيم بالكتابة تفصيلا لإبنه يحثه على أن يحقق ماتمناه عليه يوم سفره.
*تناقلت القرية أخبار المراسلات...وإنطلقت الإشاعات وزاد الناس علي الحقيقة أضعافا...أضعافا!!
*مرت فترة طويلة..ولم أر المقرىء إبراهيم...وإن كنت على علم بكل حركاته وسكناته ومن يتبعه...وفى يوم من الأيام....سمعت من ينادى على من أسفل منزلى..فلما خرجت إلى الفرندة(البلكونة)..أستطلع الأمر...وجدته فناديته للصعود لبى النداء...وجلس بجانبى ولم يقرأ كعادته
*قلت له وأنا أحاوره ....ألن تقرأ يامولانا
*قال لا
*قلت له لماذا ؟! ليست عادتك!!
*قال هذا ماجئتك من أجله
*قلت خيرا... إن شاء الله
*قال كله خير...إن شاء الله
*قال فيك من يكتم السر؟!
*قلت له ..فى بئر عميق
*قال وهذا ظنى فيك
*قلت..ما الأمر؟!
*قال ..أحمد إبنى أرسل لى (خطابا) ومعه........!!!!
*قلت له ..الخطاب وعرفناه...وماذا عن معه........؟!!!!
*قال...صبرا قليلا....وتعرف
*قلت له وكلى شوف لمعرفة المجهول..أرسل لك شيكا!!
*قال....يعنى!!
*قلت له ...بالله عليك لاتتركنى معلقا...أضرب أخماسا فى أسداس!!!!
*قال حسنا....ولكن هل تكتم السر؟؟!!
*قلت له مبتسما...كتمناه من قبل...لقد نفذ صبرى!!
*قال ...(عقبال أملتك)!!
*قلت شكرا
*قال ...(إتعينت)!!
*قلت له مبروك
*قال ....وظيفة عالية!!
*قلت له.... واعظ؟!
*قال...لم تفهم بعد!!
*قلت... إذن مديرا للأوقاف؟!!
*قال... ذكاؤك خانك هذه المرة!!
*قلت لم يبق إلا المنصب الوزارى!!
*قال ألم أقل لك..أنك لم تفهم...أقول لك خطاب من (برة)...من أوربا!!...من إبنى أحمد وتقول لى...واعظ...مدير أوقاف...وزير!!!!
*قلت...ولكنك حدثتنى عن تعيين
*قال... التعيين (بره...مش جوة)
*قلت حسنا..(فعلا حاجة تانية...ايش جاب لجاب)..وظيفة ( بره)...وأى وظيفة...فى بلاد أوربا!!
*إبتسم على إستحياء...وقال...سبق ان حدثتك عن أحلامى منذ الصبا... وعن مشاكل الحياة... وعن زوجتى (القديمة والجديدة)...وعن أولادى وعن مشاكلى... وكنت قد تحدثت مع إبنى أحمد قبل أن يسافر فى حجم الأعباء الملقاة على عاتقى...وكان إتفاقى معه..أنه حالما ينجح ويشق طريقه....أن يرسل إلى....وفى مراسلاتى معه ذكرته بهذا
*توقف المقرىء إبراهيم عن الحديث.. ليشد إنتباهى ....ثم فتح فمه قليلا...وشبك يديه فى بعضهما البعض وتمطى...ثم بكلتا يديه مشط شعره ....ثم حول فتحة الفم المفتوح إلى إبتسامة صغيرة....وألحقها بإبتسامة عريضة...ثم قال.....وقد جاءت البشارة!!!
*قلت له...أية بشارة؟؟!!
*قال عقد عمل؟!
*قلت له..أين ...فى باريس مع أحمد إبنك؟!
* قال لا...العقد فى لندن
*قلت له وماذا تفعل فى لندن؟!
* قال...سأعمل فى جبانة أفرنجى؟!!!!!!!!!!!!
*ضحكت وقلت له أخبار طيبة..ألا تأتى إلى المقهى ..لتبشر أحبابك..والعجوز شراب
*قال فعلا واجب ولو أن العجوز (شراب) لايستلطفنى!!
*إصطحبته إلى المقهى... حيث غريمه العجوز (شراب)..ولم تتغير الصورة...سوى أن التليفزيون أصبح بالألوان...ويعرض أفلاما أكثر جرأة عن الأيام الخوالى(جنس- عنف- إثارة)...والإعلانات التجارية المشوقة تأخذ بلب المشاهد وتفلس جيوب الرجال بسبب مطالب زوجاتهم.
*بينما العجوز( شراب)...هناك فى ركنه المعتاد....يمارس طقوسه اليومية...فيخرج علبتيه بالتناوب.... وحوله الندماء ينتظرون أن يحكى لهم حكاية جديدة بعد ان (يتسلطن)!!
*سلمت عليه وبصحبتى غريمه إبراهيم...ولم يتحرك العجوز من مكانه...وإن دعانا للجلوس....ولما جلسنا قال ماذا تشرب أستاذ ماهر ؟!
فأشرت له بواحد (ينسون)... ثم قال للمقرىء إبراهيم وماذا تطلب يامولانا؟!
*فقال إبراهيم...(كوكا) لوسمحت!!....يقصد كوكاكولا!! فبادره العجوز ساخرا....والله ياأستاذ إبراهيم... أم اقول لك ياخواجة إبراهيم!!... المهم يامولانا....الدنيا تغيرت....عشنا وشفنا عجب!!أستاذ مثلك... يترك عمامته...ويتفرنج...ويذهب لباريس!!
*فرد ...أبو أحمد...إكسكيوز مى!!!
*فرد العجوز ماذا تقول؟!
*أصحح لك المعلومة...أنا ذاهب للندن وليس لباريس!!
......باريس فيها إبنى أحمد
*فقال العجوز...كله واحد...ياخواجة إبراهيم!!فإبتلعها أبو أحمد.....وحاول إرضاء العجوز فبادله شرب(الجوزة)....متفننا فى إخراج الدخان من منخريه...ليثبت أنه لايقل عن العجوز مهارة... وبين نفس وآخر.. يخبر العجوز..إشرب يامعلم....صنف جيد.. وهو فى هذا يلتمس رضاء العجوز عنه....حتى يسلم من لسانه.
*شرب إبراهيم(الكوكا) ودخن مع العجوز أجود الأصناف... وعلم الجميع بموعد سفره...ثم إستأذن فى الإنصراف... ومد يده ليسلم على العجوز...ولم يتحرك العجوز من مجلسه...وخاطب العجوز قائلا...ألا تريد شيئا من أوربا يامعلم شراب...فرد المعلم شراب...لاأريد إلا سلامتك(تروح وترجع لنا بألف سلامة)....فقال المقرىء إبراهيم...أسألك أن تطلب ومن كل قلبى...فقال شراب...إذن على به...قال إبراهيم...بماذا ؟!!
* قال شراب ...بأجود صنف فى أوربا!!
*قال إبراهيم...(حاضرين) يامعلم شراب...غالى والطلب رخيص!!
*قال ماهر...مرحبا بكما وبمحبتكما...أفضل من الخصام والمناكفة وكل يشق طريقه بما يراه صالحا
*إنصرف أبو أحمد...بينما العجوز فى ركنه لم يتغير..وإبتسم العجوز شراب وأخرج علبة وأدخل أخرى. ونادى على القهوجى...ورتب عدته...واخذ يشد (الأنفاس)....وبين مرة وأخرى...ينشد ويرد عليه (جوقته) من الندامى
**((عشنا وشفنا عجب...
...........المقرىء إبراهيم... أصبح خواجة............
والقصب أصبح خشب ))
(( وعجبى))
إنتهت

ليست هناك تعليقات: